بادئ ذي بدء لابد من التفريق بين التركمان و حقوقهم الثقافية
و السياسية على قدم المساواة مع العراقيين الآخرين و بين
تجمع سياسي يحمل إسم الجبهة التركمانية التي ترفع شعارات أقل
ما يقال عنها أنها غير واقعية و تلحق الأضرار بالتركمان قبل
غيرهم . تحاول الجبهة صرف جهودها و إمكانياتها المتواضعة جدا
في إثارة الفتن القومية و المذهبية و محاولة زعزعة الأمن و
الأستقرار في محافظة كركوك . تكشف شعارات الجبهة و طروحاتها
السياسية حقيقة إنتمائها الى فصيلة تلك التنظيمات و
التشكيلات التي عفى عليها الزمن . ففي عصر الأنفتاح و
التعددية السياسة و مبدأ الأعتراف بالآخر تدعي الجبهة
تمثيلها لجميع تركمان العراق .لم يعد هذا الأمر مقبولا في أي
مكان من عالمنا المعاصر . ولن يضفي إشتراك عدد قليل من
التجمعات القومية الصغيرة في الجبهة صبغة تمثيل التركمان
عليها ، لأن هناك فئات و تيارات ديموقراطية و لبرالية و
دينية و حتى مذهبية تركمانية خارج الجبهة و تتبنى مفاهيم و
سياسات تتقاطع كليا مع تلك التي تدعو اليها الجبهة . ولكن
ولأن الجبهة جرى خلقها من قبل الدوائر الأمنية التركية على
مرأى و مسامع الناس ،لذلك لا تسطيع الجبهة أن تؤمن بفكرة أن
هناك أحزاب أو حركات تركمانية تستطيع أن تظهر بمبادرات حرة
من شخصيات أو قوى سياسية تركمانية دون تدخل دول أقليمية أو
أحزاب عراقية ذات سطوة و نفوذ و مال . لست معنيا بطبيعة
الحال بالدفاع عن أي تنظيم أو حركة تركمانية كانت أم كردية .
تأسيسا على كل ذلك تحاول الجبهة تصوير أي نقد يوجه اليها و
الى سياساتها وشعاراتها و كأنه موجه ضد التركمان و حقوقهم
المشروعة . أثبتت تجارب الشعوب بطلان أكذوبة الحزب الواحد و
القائد الأوحد و الممثل الشرعي الوحيد للناس وما الى ذلك من
مفاهيم أكل الدهر عليها و شرب. ففي عالمنا المتنوع لا توجد
حركة سياسية تستطيع أن تدعي تمثيل حتى مجموعة بشرية صغيرة
بكاملها مهما إمتلكت تلك الحركة من مقومات المشروعية
السياسية و القومية و التاريخ النضالي، وهي أمور تفتقر اليها
الجبهة التركمانية على جميع الأصعدة وبجدارة .
نتيجة للطريقة غير السوية التي ولدت بها الجبهة على أيدي
المولدين في أجهزة الأستخبارات التركية ( ميللي إستخبارات
تشكيلاتي (MIT
)، لذلك لم يلتزم هذا التجمع أبدا و منذ أيامه الأولى
بأساليب العمل السياسي المعروفة ، بل تحول الى شبكة جاسوسية
لتزويد تلك الأجهزة بالمعلومات المطلوبة عن الأوضاع في
كوردستان و العراق لقاء مكاسب مالية كبيرة ، الأمر الذي أدى
الى خلق شبكة مافيا داخل الجبهة من خلال تحولها الى وكيل
رسمي لبيع سمات الدخول التركية الى الراغبين في السفر و
المعالجة .
كما كانت الجبهة مستعدة للقيام بالأعمال التخريبية في
كوردستان لصالح مخابرات نظام صدام. لقد توضحت خيوط مؤمرات
الجبهة و تعاونها مع مخابرات صدام بهدف زعزعة الوضع الأمني
في كوردستان من خلال كشف الشبكة التخريبية في أربيل التي
ترأسها المسؤول العسكري في الجبهة و الذي أعتقل في عام 2002
. لقد إعترف مسؤول الجبهة و عميل المخابرات هذا ، و الذي كان
بالمناسبة عضوا في حزب البعث و ضابطا في الجيش العراقي ،
بجميع التفاصيل المتعلقة بتآمر الجبهة مع مخابرات النظام ضد
حكومة الأقليم في كوردستان العراق . و عندما حاولت الجبهة
إثارة زوبعة في فنجان و تصوير الأمر وكأنه سياسة كردية موجهة
ضد مصالح التركمان كما هو شأنها دائما ، جرى أرسال شريط
فيديو تضمن إعترافات المتهم الى سادة الجبهة في الأستخبارات
التركية . وأمرت تركيا الجبهة بالسكوت تجنبا لفضائح أكبر كان
رئيسها السابق وليس غيره طرفا رئيسيا فيها . إذ تبين بعد
سقوط صدام أن زعيم الجبهة ، الذي كان يطلق شاربيه على طريقة
باشوات آل عثمان، كان على علاقة ود كبيرة بالنظام و مخابراته
. و قد تبادل رسائل كثيرة مع رموز النظام ومخابراته (
للتنسيق الرفاقي و النضال المشترك! ) ضد الحركة الكردية و
حول تحديد مواعيد و أماكن اللقاءات بينه وبين عناصر
المخابرات العراقية في محطتي أنقرة و على شواطئ البسفور في
أسطنبول . ولم تكفي صفحات جريدة كردية كاملة لنشر رسائل
وتقارير زعيم الجبهة الى نظام المقابر الجماعية ودوائر
مخابراته . وبما أن الجبهة تتقن فن إختلاق المزاعم و
التبريرات ، لذلك بادر بعض كتبتها الى تبرير الفعلة الشنيعة
لقائدهم ، وكان بالمناسبة بدرجة نصير متقدم في حزب البعث
العربي الأشتراكي و عضو في المجلس التشريعي الكارتوني لمنطقة
كوردستان للحكم الذاتي حسب التوصيفة الرسمية لنظام صدام .
وكان العذر أسوأ من القباحة كما يقول المثل الكردي . فقد أكد
هؤلاء الكتبة بأن زعيم الجبهة قام بأفعاله تلك بمعرفة قيادة
الجبهة و أعضائها . ويعني هذا الكلام ببساطة أن الجبهة
التركمانية لم تكن لديها مشكلة مع نظام صدام بل كانت هناك
أهداف مشتركة و حتى ( نضال) مشترك للطرفين ضد الحركة
التحررية الكردية . ويردد زعماء الجبهة و أنصارها عادة بأن
التركمان ( يحاولون بذلك إعتبار التركمان و الجبهة شيئا
واحدا) كانوا على مدى تأريخ العراق الحديث مخلصون للحكومات
العراقية بينما غيرهم تمردوا عليها ( يقصدون الكرد) و يحصلون
مع ذلك على المكاسب . وهذا إعتراف صريح بأن رجالات الجبهة لا
يعرفون شيئا عن النضال البطولي الذي قامت به التنظيمات و
الحركات السياسية المعارضة ضد الدكتاتورية على مدى العقود
الأربعة الماضية و التضحيات الجسام التي قدمتها هذه الحركات
و على رأسها الحركة التحررية الكردية على طريق تحرير العراق
من الهمجية البعثية، في وقت كان زعماء الجبهة يرفعون رايات
البعث و يشاركون بهمة كبيرة في حملاته القمعية . ويعرف
القاصي و الداني أن الذين تتغنى الجبهة بذكراهم ساهموا جميعا
في جرائم الحرس القومي في عام 1963 في محافظة كركوك . كما
يعرف الجميع بأن قيادات ( نادي الأخاء التركماني ) و أكثر
أعضائها كانوا من البعثيين في ظل حكم صدام . لذلك ليس غريبا
أبدا أن تطالب الجبهة التركمانية في مظاهراتها الأخيرة
بإعادة الأوضاع في كركوك الى ما قبل التاسع من نيسان ، حيث
حكم نظام المقابر الجماعية و جلاوزته من البعثيين وبينهم
نسبة كبيرة جدا من أعضاء و أنصار الجبهة الحاليين.
كثيرا ماتحاول الجبهة المتاجرة بدماء الشهداء التركمان الذين
إستشهدوا من أجل مبادئ و قيم نضالية لا علاقة لها بالجبهة و
دعواتها من قريب أو بعيد . و تشهد بذلك حملات الأعدام في قرى
بشير و يايجي و محلة تسعين و قصبتي داقوق و آلتون كوبري و
غيرها من مراكز تواجد التركمان الشيعة . أما المنكوبون الذين
تسببت الجبهة في مقتلهم فقد فقدوا حياتهم بسبب أنانية و جشع
وقصر نظر مسؤولي الجبهة أو بتهمة الجاسوسية لتركيا بدلا من
زعمائهم الذين باعوا ضمائرهم و وطنهم للأجنبي لقاء مكاسب
مادية شخصية .
والغريب أن الجبهة المعروفة بحملات الصراخ و الشكاوى سكتت
منذ ذلك الصباح عن الكلام المباح عن فضائح تعاونها مع
مخابرات صدام و ذلك بعد تلقيها الأوامر من الأوساط الأمنية
التركية .مع ذلك إضطرت تركيا أن تركن رئيس الجبهة السابق على
الرف خاصة و أنه من أصول كردية و من أربيل ولم تعد تركيا
بحاجة إلى خدماته، بينما أوضاع ما بعد التاسع من نيسان و
تركز المؤمرات التركية و غير التركية في كركوك تفرض الأتيان
بآخر من هذه المدينة . لا ندري حتى الآن الدرجة الحزبية
للزعيم الجديد في حزب البعث ، يبدو أنه كان بعثيا ملتزما من
خلال ترديده للمفاهيم و المصطلحات البعثية و التي يستخدمها
بنجاح يحسد عليه !!.
دأبت الجبهة التركمانية منذ تأسيسها على تلفيق الأخبار و
قيام البعض من كتبتها بالكتابة تحت أسماء و مسميات عديدة و
بل وحتى نشر البيانات و إرسال المذكرات بأسماء منظمات و
تشكيلات و حركات ( تركمانية ) وهمية لا وجود لها . تتسم
تصريحات مسؤولي الجبهة و أنصارها بالتشنج و تهويل الأمور و
تصوير الجبهة و كأنها قوة سياسية كبرى في العراق و تستطيع
فرض الحلول و بالقوة على جميع الأطراف السياسية الأخرى . كما
أنهم كثيروا التشكى و يتاجرون بكل شئ حتى بمآسي الناس. فوفاة
مواطن تركماني في حادث عرضي تعتبر مناسبة لكي يتحدثوا عن
مجازر ضد التركمان . ولعل أحب الكلمات الى نفوسهم هي كلمة
المجزرة . لعل الجميع يتذكرون المحاولات المحمومة و الفاشلة
التي قاموا بها بمساعدة مراسلي قنوات الجزيرة و العربية و
العالم و القنوات التركية أثناء تحرير كركوك. لقد ألفوا
القصص و الأساطير عن حملات و مجازر ضد التركمان . ولكن حبل
الكذب قصير كما يقال و تبين بأن شيئا من ذلك لم يحدث و كل ما
في الأمر أن هناك تركمانيا بعثيا قتل عندما كان يدافع عن مقر
شعبة حزب البعث كما صرح بذلك شقيقه من على شاشات تلك لقنوات
العربية و التركية نفسها . وخلال عام من سقوط النظام حاولت
الجبهة و لا تزال إستغلال جميع الفرص لتسميم العلاقات بين
الناس و لكنها فشلت لحد الآن و سيكون الفشل نصيبها في
المستقبل أيضا لأنها شعاراتها غريبة عن روح التسامح التي
سادت هذه المدينة على مدى القرون و أكدها كل من زارها أو مر
بها .
في مقابل حملات الصراخ التي تفتعلها الجبهة، فإن مقتل
العشرات من الكرد على أيدي الأرهابيين و المجرمين لا يثير في
نفوس مسؤوليها أدنى درجات التعاطف الإنساني . يتعجب المرء
حقا من تخشب المشاعر الذي أصيب به هؤلاء و سيطرة الحقد
القومي بأكثر أشكاله بدائية على نفوسهم وبهذه الطريقة الفجة
. ولكن ولله الحمد فإن هؤلاء لا يمثلون إلا فئة صغيرة جدا و
معزولة في أوساط التركمان الذين يتعايشون بسلام مع الكرد و
غيرهم . و يتحدث القادمون من كركوك عن تعايش الناس بسلام
بعكس ما تحاول قنوات التحريض القومي و الطائفي أن تصور
الأمور . لقد إلتقيت هذه الأيام بشاب تركماني يعمل في متجر
أتسوق منه عادة و سألته عن أحواله و عن أسباب تغيبه خلال
الفترة السابقة . فأخبرني بأنه كان في زيارة الى كركوك و أكد
بأن الناس فرحون بزوال الدكتاتورية و تسود المدينة أجواء من
الحرية لم تشدها على مر تأريخها . وعندما سألته عن علاقات
الناس ببعضهم في المدينة ، علاقات الكرد و التركمان و العرب
وغيرهم ، كان جوابه بأن الناس يعيشون بسلام و محبة كما كانوا
دائما وكل ما يقال غير ذلك هو من فعل الأحزاب التي لا يعيرها
الناس إهتماما كبيرا . فرحت لهذا الجواب و وددت لو أن
المتطرفين من جميع الأطراف و الألوان إستمعوا ولو للحظة الى
نبض الشارع هذا و تخلوا عن نياتهم السيئة و أنانيتهم القاتلة
و أوهامهم السوداء .
تشكل مسألة إعادة الحق الى أصحابها في كركوك و إزالة آثار
سياسة التطهير العرقي بحق الكرد في المدينة و المحافظة حلقة
مهمة من حلقات بناء العراق الجديد و الخروج من النفق المظلم
و أية أنتكاسة للأوضاع الأمنية و السياسية و الأثنية في
كركوك يمكن أن تمتد آثارها الى مناطق أخرى في العراق . ومن
هنا كانت مقولة ( أن نجاح العراق الجديد يبدأ من كركوك ) .
لذلك ليس غريبا أن تبذل القوى الشريرة التي تعمل كل ما في
وسعها لأفشال تجربة بناء العراق الديموقراطي جهودا كبيرة
لتفجير الأوضاع في كركوك . ففلول البعث الذين فقدوا
إمتيازاتهم و مناصبهم و سلطة أستعباد الناس، والعرب الذين جئ
بهم الى كركوك لتطبيق سياسة التطهير العرقي و الذين كانوا
يملأون دوائر الدولة و مؤسسات الحزب و الجيش و الأمن و
المخابرات و الجيش الشعبي و غيرها من المؤسسات القمعية التي
لم تعد قائمة الآن و أصبحوا بلا مهام قمعية ، بدأوا ينخرطون
في جيش مقتدى الصدر، الذي يحوز على دعم و تشجيع بعض الدوائر
الحاكمة في إيران و التي تقدم دعمها للعديد من الأطراف بما
فيها الجبهة التركمانية وفي وضح النهار ، هذا فضلا عن دوائر
الأستخبارات التركية و التي تعمل عبر ضباط إرتباط و شبكات
أمنية و من خلال الجبهة التركمانية الى دفع تلك الأطراف
لأثارة الفتن القومية و الطائفية و العمل على زعزعة
الأستقرار في هذه المدينة التي أبتليت على مدى العقود
الماضية بشتى النكبات بسبب خزين النفط الذي تحول الى نقمة
على سكانها الأصليين .
لم تتمكن الجبهة لحد الآن أن توضح المطالب السياسية لتركمان
العراق . وكان لابد لأي تنظيم يزعم تمثيل التركمان أو جزء
منهم أن يركز على هذا الأمر دون غيره ، لأن من حق التركمان
أن يتمتعوا بحقوقهم شأنهم في ذلك شأن القوميات الأخرى في
العراق . لقد أثبتت التجربة بأنه لا يمكن تحقيق مطالب أية
مجموعة قومية أو دينية أو سياسية من خلال الأضرار بمصالح و
تطلعات المجموعات الأخرى بل العكس هو الصحيح . فحصول أية
مجموعة على حقوقها المشروعة لا بد أن يؤثر إيجابا على أوضاع
المجموعات الأخرى . ولدينا من تأريخ العراق القريب أسطع دليل
على ذلك . فعندما إضطرت حكومة البعث الى الدخول في مفاوشات
مع قيادة الحركة الكردية في أواخر عام 1969 و بسبب مطالبة
الأخيرة بالديموقراطية لجميع العراقيين و الحقوق الثقافية
للأقليات القومية ولكي لا يبدو الموضوع كنصر للحركة الكردية
و لأن نيات البعث كانت سيئة أصلا و لمنع أي تقارب بين تلك
الأقليات و الحركة الكردية ، لجأت الحكومة البعثية الى
إستباق الأمور و إصدار قرار بمنح الحقوق الثقافية للتركمان و
السريان . ورغم سوء النيات إلا أن ذلك كان نصرا للقوى
الديموقراطية العراقية و الحركة التحررية الكردية . ولكن
عندما أحكم البعث قبضته على الحكم في العراق و إستطاع من
خلال إتفاقية الجزائر عام 1975 توجيه ضربة قوية و لكن وقتية
الى الحركة الكردية، نرى بأنه تراجع عن وعوده تلك و ألغى تلك
الحقوق الثقافية والدراستين التركمانية و السريانية بل وعمل
على إلغاء وجود الأقليتين ( دستوريا ) و من خلال تسجيل
أبنائهما كعرب في سجلات إحصاء السكان .
بسبب غوغائية خطابها السياسي لم تفهم الجبهة التركمانية هذه
المعادلة البسيطة . هل يمكن لعاقل أن يعتقد بتمتع أقلية
قومية صغيرة بحقوقها السياسية مع حرمان القومية الثانية في
البلاد منها ؟. في الوقت الذي لا تطرح الجبهة التركمانية
حقوق التركمان بعقلانية و واقعية على الرأي العام العراقي
لكي تتخذ القوى الفاعلة في المجتمع العراقي موقفا واضحا منها
، نجد في المقابل لا يخلو أي تصريح لمسؤول أو عضو في الجبهة
أو كويتب يشارك الجبهة طروحاتها ، من مزاعم ضد الأحزاب و
القيادات السياسية الكردية أو حتى التهجم على الكرد كشعب و
ليس كقوى وأحزاب سياسية . لم نعد نرى مقالا في أية صحيفة
عربية عن تركمان العراق ألا و فيه تهجم على الكرد . هذه
طريقة غير سليمة للدفاع عن حقوق التركمان . من حق التركمان
المطالبة بحقوقهم القومية و السياسية و الثقافية . ويمكنهم
الأستفادة من الأوضاع الجديدة لعرض مطالبهم على الرأي العام
العراقي بصورة واقعية . مارست الحكومات العراقية خلال عقود
طويلة سياسة القمع و التنكيل بحق كل من كان يطالب بحقوقه
الأنسانية . وقد قدم الشعب الكردي تضحيات جسيمة على هذا
الطريق . لم تعد المطالبة بالحقوق القومية و السياسية و
الثقافية تواجه بالحديد و النار في عراق اليوم و أصبح النضال
أسهل و أقل تكلفة . هناك اليوم عشرات الأحزاب و التنظيمات
السياسية التي تطرح مطالبها بحرية على الناس . كان الأمر حتى
العام الماضي مختلفا كليا. لايمكن لأحد أن يسفه الحقائق
التأريخية و الجغرافية . وكلما أدركت الحركات و التجمعات
السياسية التي تدعي تمثيل هذه الفئة أو تلك حقيقة حجمها و
واقعية مطالبها كلما كان ذلك أفضل لمستقبل التعايش السلمي
بين المكونات العراقية . وكلما تحررت هذه التنظيمات من
الأوهام التي خلقتها لنفسها و من كثرة ترديدها لها آمنت بها
، كلما كان ذلك في صالحها و في صالح الفئة التي تدعي تمثيلها
.
من المؤكد أن الجبهة التركمانية بحاجة الى إعادة قراءة
التطورات و الأحداث السياسية في العراق و في المنطقة قراءة
جديدة و بعيدا عن قيم و مفاهيم القومية البدائية و المغامرة
السياسية و المقامرة بكل شئ من أجل لا شئ ، إذا أرادت أن لا
تبقى منبوذة من قبل القوى السياسية العراقية الفاعلة. ولن
ينفعها التحالف مع فلول البعث و القوى الظلامية التي تريد
أعادتنا الى عصور العبودية و القمع و التخلف
و
التنكيل.
|