الشعب الكردي: ظلم تاريخي ...وثقافة عربية عنصرية!!!
د.
أحمد أبو مطر
كاتب
وأكاديمي فلسطيني ؛ مقيم في أوسلو.
تحتاج العلاقات العربية - الكردية إلى قدر عال من الصراحة والموضوعية، كي لا تبقى العلاقة بين الشعب الكردي والشعوب العربية، يهيمن عليها الشك والريبة والتوجس، وتوقع التآمر من كل طرف إزاء الطرف الآخر، وهذه المصارحة تحتاج قدرا عاليا من الموضوعية والجرأة التي تقول الحق والحقيقة، بالإثباتات والبراهين، بعيدا عن الإسلوب الشائع بين الكتاب والصحفيين العرب، وهو إسلوب الشتائم والإتهامات، وأخفها تهمة العمالة والتجسس والخيانة، إلى حد أنه لو تم عمل إحصائية بمن وجهت له هذه التهمة من زملاء لهم في المهنة، لكانت غالبية الكتاب العرب من الجواسيس للعديد من أجهزة المخابرات، بما فيها التشادية والسيريلانكية.إن التركيز على مسألة المصارحة هذه، لأن قدر الشعب الكردي والشعوب العربية، أن يتعايشا معا نتيجة التداخل الحاصل في أكثر من قطر عربي، خاصة في العراق وسورية...وأنا أعتقد أن الشعب الكردي في هذه العلاقة المشتركة، كان دوما يعاني من مسألتين خطيرتين في مستوىالعلاقات البشرية.1. الظلم التاريخي نتيجة الظروف التاريخية الناتجة عن التدخلات والتقسيمات الإستعمارية منذ مطلع القرن الماضي، تم تقسيم الوطن الكردي القومي على الأقطار المجاورة التي أساسا كانت هي ذاتها غير واضحة الحدود، خاصة تركيا والعراق وإيران، بنسب متفاوتة، وبهذا حرم الأكراد من إقامة دولتهم القومية ضمن حدودهم التاريخية، ومن نتائج هذا الظلم التاريخي أن عاشوا المائة عام الأخيرة تحت رحمة الأنظمة في الدول الثلاث، والراصد الموضوعي يكتشف أن أيا من هذه الأنظمة لم ينصف الشعب الكردي، وكان القمع ومصادرة الحريات أهم ملامح سلوك تلك الأنظمة مع الشعب الكردي، الذي حرم خاصة في تركيا وإيران من إستعمال لغته القومية، وفي بعض هذه الدول كان وما زال ممنوع إستعمالهم لغتهم القومية فيما بينهم في الشوارع أو في منازلهم الخاصة.ونستطيع تصور مدى هذا الظلم ، لو تخيلنا كعرب أن إسرائيل منعت الفلسطينيين العرب الذين بقوا في ديارهم عام 1948 من إستعمال لغتهم العربية، وفرضت عليهم بالقوة إستعمال اللغة العبرية. بعكس ذلك إستمروا يستعملون لغتهم العربية، ويفتحون مدارس خاصة بهم، ونتيجة ذلك نجد اليوم أن الحياة الثقافية العربية للفلسطينيين في إسرائيل، لاتقل عمقا وتنوعا من أعرق العواصم العربية، بدليل الأسماء الكبيرة في الشعر والرواية والنقد والمسرح وكافة نواحي الإبداع، وعلى سبيل المثال فقط : إميل حبيبي و سميح القاسم ومحمود درويش وتوفيق زياد ومحمود بكري وحبيب بولس...وعشرات لهم حضور في الثقافة العربية. لو مارست عليهم إسرائيل منذ عام 1948 ما مورس ضد الشعب الكردي، لما سمعنا بأغلب هذه الأسماء، وفي أكثر من جامعة إسرائيلية أقسام للغة العربية، تدّرس كافة المراحل حتى درجة الدكتوراة، وأغلب العاملين فيها من الأساتذة الفلسطينيين. وهذا واقع معروف للجميع، كي لا يقول أحد المزايدين، أن هذا القول دعاية لإسرائيل، فهذه الأسماء المبدعة ليست من إختلاقي، ولكنها أسماء وجدت وتعلمت لغتها الأم، وأبدعت بها وهي تعيش في دولة إسرائيل التي أقيمت عنوة فوق ترابهم الوطني التاريخي.هل هناك أية دولة من الدول التي توزعت الوطن القومي الكردي، سمحت لهم بفتح مجرد مدارس للغة الكردية؟. والظلم التاريخي الذي لحق بالشعب الكردي لايقتصر على حرمانهم من إستعمال لغتهم ، فهناك في أغلب الدول التي توزعت وطنهم القومي، مئات الآلآف من الأكراد، غير معترف بهم على أنهم أكراد، أو أنهم من مواطني تلك الدولة، رغم أنهم منذ خمسة أجيال على الأقل ولدوا على تراب تلك الدولة. وقبل شهرين تقريبا، صرّح الرئيس بشار الأسد أنه في سورية حوالي مائة وثمانين ألفا من القومية الكردية، لم يحصلوا حتى الآن على جوازات سفر سورية، ووعد بحل مشكلتهم، وقد إستعمل الرئيس بشار كلمة القومية الكردية. وهناك في كل قطر من هذه الأقطار أنواع شتّى من اظلم الذي مورس وما زال يمارس ضد الشعب الكردي....وإزاء ما يخص الأقطار العربية، لا يمكن إستمرار هذا الظلم، وفي نفس الوقت نتكلم عن الإخوة العربية- الكردية، فلا أخوة ولا تعايش مع الظلم والإضطهاد.
|