أميركا والارهاب .. أين الحل ؟

نـــــــــزار حيدر

NAZARHAIDAR@HOTMAIL.COM

يوما بعد آخر ، تستفحل ظاهرة العنف والارهاب التي تجتاح العالم ، ما يعني أنه لم يعد أكثر أمنا منذ أحداث الحادي عشر من أيلول ، كما تدعي الولايات المتحدة الأميركية ، التي تقود التحالف الدولي في الحرب على الارهاب ، والتي تحرض عليه ، في واقع الأمر ، بشكل أو بآخر ، بسبب السياسات الخاطئة التي تنتهجها في العديد من مناطق التوتر والبؤر الساخنة ، كالعراق مثلا .

لقد إرتكبت واشنطن ما يكفي من الأخطاء التي لا تغتفر ، ما فضحها وأسقط مصداقيتها ، لدرجة أنها لم تعد تتحدث عن نموذج عراقي ، طالما بشرت به شعوب المنطقة ودول العالم الثالث ، والذي قالت أنها ذاهبة الى هناك لبنائه بعد إسقاط النظام الشمولي .

لقد ساقت أميركا عدة مبررات عندما أرادت أن تذهب الى العراق ، أحدها يتعلق بالارهاب ، فحاولت إقناع العالم ، والأميركيين على وجه التحديد ، بنظرية ما أسمته بالضربة الاستباقية لبؤر الارهاب ، فقالت مثلا ، إن ذهاب قواتها الى العراق للقضاء على خطر الارهاب القادم من هناك ، أفضل لها من الانتظار ليغزوها في عقر دارها ، على غرار أحداث أيلول ، وأضافت ، أن هذه السياسة تساهم في صناعة عالم ، أو أميركا على وجه الخصوص ، أكثر أمنا ، إلا أن مسار الاحداث الذي شهدها العراق والعالم خلال الفترة التي أعقبت أيلول عام ألفين وواحد ولحد الآن ، أثبتت أن أميركا لم تنه المشكلة وإنما نقلتها ، وإذا تذكرنا بأن العالم اليوم هو قرية صغيرة ، يؤثر الجزء الصغير منه بالكل ، لتيقنا بأنها سوف لن تفلت من المشكلة أبدا ، مهما أبعدت ساحتها عن الشواطئ المحاذية والحدود المتاخمة ، ففي نظام القرية ، إما أن يعيش الجميع في أمن وأمان واستقرار ، أو لا يعيش أي أحد في أمان ، إذ لا يعقل أن تعيش الولايات المتحدة بأمن وهدوء واستقرار ، ومن حولها محيط يموج بالعنف والارهاب .

إذا لم تفهم واشنطن هذه المعادلة ، فإن من الصعب جدا ، إن لم نقل من المستحيل ، أن نتحدث عن نهاية قريبة للحرب على الارهاب .

برأيي ، فإن الاستراتيجية التي تتبعها واشنطن في الحرب على الارهاب ، تعاني من عدة أخطاء قاتلة ، ولذلك ، فانها ستظل عنصر محرض بدلا من أن تنجح في تحقيق مهمة القضاء على الارهاب لبناء عالم جديد يتمتع بالعدل والامن والسلام ، يعتقد الرئيس بوش أن الخالق إختاره لهذه المهمة النبوية .

سيظل شبح الارهاب وخطره ، ماثلا وشاخصا أمامها ، مهما أبعدت ساحاته عن حدودها ، لأن ساحة حربه مفتوحة وواسعة ومعقدة ، لا يستطيع أحد الهروب منها وحماية نفسه بمعزل عن الآخرين .

إذا أرادت أميركا أن تتذوق طعم الأمن ، عليها أن تساهم بشكل حقيقي وصادق ، في إرساء دعائم الأمن والسلام في العالم ، لأن سياسة نقل الساحات وإستبدالها ، لا يمنح الأمن والاستقرار لأحد أبدا .

الولايات المتحدة تعتقد ، كذلك ، بأنها هي الحل في الحرب على الارهاب ، بينما هي ، في حقيقة الأمر ، جزء من المشكلة ، بل أنها الجزء الأهم من المشكلة ، وفرق كبير جدا بين الأمرين اللذين تبنى على أساسهما إستراتيجية التعامل ، ولذلك تستمر واشنطن في إرتكاب الأخطاء ، بسبب الخطأ في الفهم والمنطلق والرؤية والأرضية التي تستند عليها .

إنها جزء من المشكلة ، إما بسبب سياساتها الخاطئة ، وفي كل المجالات وعلى مختلف الأصعدة ، السياسية الدولية منها ، والاقتصادية والأمنية وغيرها الكثير ، أو بسبب محاولاتها الاستفراد بقيادة العالم ، أو بسبب فشلها في إختيار أصدقائها ، فمن سوء حظ الولايات المتحدة ، أنها تفشل في كل مرة تختار فيها أصدقاء في هذا العالم ، وعلى وجه الخصوص في منطقتنا ، إنها فاشلة في تجارب إختيار الاصدقاء ، فشل الرجل المخدوع في تجارب الزواج المتكررة ، وهي في كل مرة تختار فيها صديق ، تصنع لها أعداء كثيرون ، وعندما تكتشف أنها أخطأت في إختيار صديقها ، تكون قد صنعت منه عدوا يضاف الى أعدائها التقليديين ، وهكذا .

لقد إختارت الولايات المتحدة ــ إسرائيل ــ صديقا لها في المنطقة ، وفشلت ، كما اختارت نظام صدام حسين الشمولي في العراق ، إلى جانب عدد من الأنظمة الشمولية الاستبدادية الديكتاتورية القمعية البوليسية ، وفشلت ، وهكذا فشلت في صداقتها مع بن لادن وتنظيمه الارهابي ، الذي اختارته صديقا لها ، إلى جانب الملا عمر وتنظيمه الارهابي المتخلف في أفغانستان ، لتكتشف خطأها وفشلها في هذا الاختيار غير الموفق أبدا ، ولكن ، بعد خراب البصرة .

لقد ورطت أميركا نفسها مع نماذج سيئة من الأصدقاء ، كانت سببا مباشرا في إثارة موجة العداء العالمية ضدها ، والتي تحولت ، بمرور الزمن الى موجة من العنف ، وقديما قال الحكماء ، ــ من يزرع الريح ، يحصد العاصفة ــ .

أما الأغرب في كل القصة ، هو أن أميركا تورط الشعوب مع أصدقائها السيئين ، في كل مرة تختار أحدهم ، فتظل الشعوب تدفع الثمن بلا هوادة ، وعندما تكتشف واشنطن خطأ خيارها وتقرر تصحيحه ، كذلك يكون على الشعوب أن تدفع الثمن ، فهي إذن تدفع الثمن مرتين ، مرة عندما تختار أميركا الصديق الخطأ ، وأخرى عندما تكتشف الخطا وتريد إصلاحه ، وبعد كل هذا يتساءل الأميركيون ، لماذا يكرهنا العالم ؟ ولماذا يستهدفنا العنف في عقر دورنا ؟ ولماذا يصفنا العالم بأننا جزء من المشكلة ، إذا لم يتطرف آخرون ويتهموننا بأننا كل المشكلة ؟.

كذلك ، فإن إعجاب الولايات المتحدة بنموذجها وثقافتها ، التي تحاول فرضها على شعوب العالم ، وبالذات العربي والاسلامي ، يعد هو الآخر سببا مباشرا للتحريض على العنف والارهاب ، لأن الشعوب ترفض أن تستورد نماذج تتعارض مع ثقافتها وتاريخها وقيمها ، فكما أن الأميركيين يعتزون بثقافتهم ، ولا يسمحون لأحد المساس أو الطعن بها ، كذلك ، فإن بقية الشعوب ، لا تقبل أن يمس ثقافتها أحد أو يطعن بها ، وإذا كان هناك من ضرورة للاصلاح ، فلابد أن يمارس من الداخل ، لا أن يتحول الى حجة لتهديد الشعوب ، هذا فضلا عن أن النموذج الأميركي لم يكن

ليحسد عليه أهله حتى يقرر الأميركيون تصديره بالقوة والاكراه الى الآخرين .

يكفي أن ترفع الولايات المتحدة الاميركية يدها عن الأنظمة الشمولية ، وتوقف فورا دعمها

اللامتناهي الذي تقدمه لها إذا أرادت أن تقدم خدمة تاريخية لن تنسى لهذه الشعوب، وإذا أرادت أن تخفف من موجة العداء ضدها ، وتحسن صورتها وتعيد المصداقية لنفسها ، أما بقية المهمة فستتكفلها الشعوب القادرة على التغيير والاصلاح على أحسن وجه .

إن من طبيعة الشعوب ، التمسك بالموروث ، وهي تزيد من تمسكها به ، إذا أحست بأن يدا خارجية تحاول العبث به ، كما تفعل حاليا الولايات المتحدة مع عدد من دول العالم الثالث ، وكأنها وصية على الشعوب ، ناسية ، أو متناسية ، أن نموذجها الذي تصر على تصديره بالعنف ، يحمل في طياته ، من المشاكل والفضائح ، ما يزكم الأنوف ويهددها بالانهيار ، فهل ستقبل أميركا ، حينها ، من الآخرين ، نماذج جديدة تنقذها من الضياع ، كما ضاع الشرق من قبل ، والذي سعى الى ما تسعى اليه اليوم الولايات المتحدة ؟.

من مشاكل الولايات المتحدة الأخرى ، هي أنها تتعامل مع كل أحداث العالم من منظور أمني ، مع إلغاء كامل لكل الجوانب الأخرى ، السياسية منها والاجتماعية والاقتصادية وغير ذلك ، فهي تنظر بعين واحدة ، مثلها في ذلك مثل الكثير من الأنظمة الشمولية البوليسية التي تتعامل مع حركات المعارضة في بلدانها ، كملفات أمنية فحسب ، فتطارد وتعتقل وتقتل وتغتال ، من دون أن تحدث نفسها ولو لمرة واحدة في أن تلجأ الى التعامل معها كتيارات سياسية لها رأيا وموقفا ومشروعا وخططا للمشاركة في الحياة السياسية والشأن العام في البلد ، فتبادر مثلا الى فتح باب الحوار معها ، لتصغ الى ما تقول وتستمع الى حديثها .

لقد حان الوقت ــ كما أعتقد ــ لتعيد واشنطن النظر في طريقة تعاملها مع أحداث العالم ، فليس كل من يعارض سياساتها ، إرهابيا ، كما أنه ليس شيطانا أو شريرا أو لا يريد للبشرية خيرا ، كل من يخالفها الرأي ، فبدلا من أن ترفع العصا بوجه الآخرين بحثا عن رؤوس تتصور بأن الوقت قد حان لقطافها ، عليها أن تقرر التعامل بطريقة جديدة تعتمد أسلوب الحوار والشراكة والمصالح المشتركة والمتبادلة .

عليها أن تعرف ، أن من حق الآخرين كذلك أن يعيشوا بأمان وإزدهار ونمو إقتصادي ، فالتفكير أحادي الجانب إلى درجة الأنانية ، والافراط في السعي لضمان المصالح القومية ، على حساب مصالح الآخرين ، لا يساهم في الانتصار المؤمل في الحرب على الارهاب .

إن إستمرار الولايات المتحدة في إنتهاج سياسة العصا الغليظة بوجه العالم ، ستجرها والعالم على حد سواء ، الى حافة الهاوية ، والى نهاية مجهولة من الصعب على المرء أن يقرأ نتائجها الآن ، ولذلك ، عليها أن تحتكم الى العقل والمنطق ، وتخفف من إستخدام القوة والعنف لدرجة الارهاب .

إن العالم اليوم بحاجة الى الكثير جدا من الحكمة ، الى جانب القليل من القوة ، لأن القوة التي لا تستند الى الحكمة ، تهور ، وهي ، في هذه الحالة تكون مدمرة ، ليس فقط لمن تستخدم ضده ، وإنما لمن يستخدمها كذلك ، لأنها تعطي نتائج معكوسة .

وإذا كانت الأنظمة الديكتاتورية مستعدة للانحناء أمام العاصفة الأميركية ، مقابل الاحتفاظ

بالسلطة ، وفي ذهنها تجربة نظام صدام حسين في العراق ، فلا يعني ذلك أبدا بأن كل الناس على استعداد لذلك ، إذ ليس الشعوب كأنظمتها ، تخشى القوة ، وترتعد فرائصها من العصا الغليظة المشهورة في وجهها ، خاصة ، أولئك الذين يرون أنفسهم على حق ، وأن الآخر على باطل .

12 OCTOBAR 2004

HOME