تفعيل قراراجتثاث البعث والاتجاه الاخر

صلاح كرميان

selah.g@telstra.com

في خضم تداعيات الوضع الامني في العراق وعجز القوات الامريكية السيطرة على الاوضاع و اعتراف الامريكان بسوء تقديرهم للواقع العراقي بالاعتماد على التقارير المبالغة فيها والمقدمة اليهم من قبل بعض الاطراف السياسية العراقية المتعاونة معها. اقدم الحاكم الامريكي السابق بول بريمر قبل تركه العراق على التراجع عن قرار اجتثاث البعث الذي صدر في 16 نيسان من عام 2003 باعادة الالاف من البعثثين الى الوظائف والمواقع التي كانوا يشغلونها سابقا. وبذلك مهد الطريق لادوات الجريمة للتغلغل مجددا الى اجهزة الدولة وهم الان يحاولون بشتى السبل عرقلة الجهود التي تبذل من قبل المخلصين لبناء مستقبل سياسي واعد في عراق يتسم بالتعددية السياسية وخال من الافكار الشمولية. وتتحدث بعض المصادر عن قبول بعض الوزارات والمؤسسات الحساسة مثل الخارجية والنفط عودة عناصر بعثية الى مناصبهم السابقة دون الرجوع الى الهيئة الوطنية العليا لاجتثاث البعث منتهكا بذلك القرار الصادر بهذا الخصوص.

لاشك ان السواد الاعظم من الشعب العراقي رحب بقرار اجتثاث البعث، لانهم كانوا من ضحايا افكار و ممارسات هذا الحزب الفاشي و ان القرار اعد من اكبر الخطوات التي اتخذت بعد اسقاط النظام رغم عدم اعارة الاهتمام الكافي بدعمه وتطبيقه وعدم اسناد الهيئة الوطنية العاليا لاجتثاث البعث الى اشخاص يتسمون بالنزاهة والمصداقية و كون القائمين على رئاسة الهيئة استغلوا مواقعهم للمنافسة الحزبية. كما وان تهميش احمد الجلبي الذي اسندت اليه رئاسة الهيئة من قبل الادارة الامريكية وانكماش دوره السياسي واتهامه بتزويد ايران بوثائق سرية وزيارة نائبه مثال الالوسي لاسرائيل مؤخرا خلفت اثارا سلبية على دور الهيئة وخلقت ذرائع للمناهضين لعملية الاجتثاث من الاطراف السياسية وبقايا فلول البعث لمعاداتها والدعوة الى ما يسمى بالمصالحة الوطنية وادت ذلك الى دعم الدعوات والمحاولات التي تبذل ليس لالغاء قرار فحسب بل للسماح للبعثيين بالعودة الى مناصبهم ومشاركة الحزب الفاشي في العملية السياسية في العراق.

تجرى حاليا مناقشات و مداولات حادة ضمن جلسات المجلس الوطني الانتقالي حول تفعيل دور الهيئة العليا لاجتثاث البعث التي اكتسبت شرعيتها بموجب الفقرة (أ) من المادة التاسعة والاربعون من قانون ادارة الدولة المؤقت. ان مما يدعو الى الاسف ولا يمكن القبول به أن المجلس يضم بين اعضائه بعثيين سابقين ممن خدموا صدام وساهموا في تنفيذ سياساته القمعية والذين انشقوا عليه لتعارض مصالحهم مع النظام ونسقوا مع المعارضة قبل سقوط بغداد ومن بين هؤلاء البعثي السابق مشعان الجبوري رئيس ما يسمى بحزب الوطن الذي يتكون اعضائه من افراد عشيرته ( الجبور ) وهو شخصيا عضو في المجلس الوطني الانتقالي وعضو لجنة الامن والدفاع فيه. يترأس الجبوري رئاسة تحرير صحيفة الاتجاه الاخر التي كرسها للدفاع عن البعثيين ومعاداة فكرة اجتثاث البعث علنا. ويبدو ان مشعان الجبوري يكن عداءا شخصيا لاحمد الجلبي رئيس مؤتمر الوطني العراقي والذي اوكل اليه رئاسة الهيئة العليا لاجتثاث البعث، لذا فانه يسعى من خلال تلك الصحيفة الى اقتناص الفرص للطعن بفكرة اجتثاث البعث من الواقع العراقي من خلال الاتهامات الموجهة الى الجلبى واعضاء حزبه ويدعو الى اعادة البعثيين الى مناصبهم او صرف مستحقاتهم ورواتبهم ونصب نفسه بمثابة صوت ( المجتثين) في المجلس الوطني العراقي المؤقت دون اي تردد. لذا نجده وامثاله وباسم الديموقراطية يدعون جهارا الى الغاء الهيئة الوطنية العليا لاجتثاث البعث و يعملون جاهدا الى كسب الشرعية للبعثين باعادة تنظيمهم والمشاركة في اللعبة الديموقراطية بما فيها الانتخابات التي يتم التحضير لها.

ينطلق البعثيون وامثالهم ممن يطالبون بضرورة الغاء قرار اجتثاث البعث من منطلق وجوب التفريق بين البعثيين والصداميين و كون الاجتثاث يمثل اقصاءا طائفيا يستهدف العرب السنة حيث ان 90 % من البعثيين كانوا من السنة مقابل 10% من الشيعة الذين وحسب ادعاء مشعان الجبوري تمت اعادتهم الى وظائفهم او استثنوا من شمولهم بالاجتثاث، ويقوم المطالبين بالغاء القرار بتسويق افكار لاتنطلي على احد مفادها ان الأغلبية العظمى من المسؤولين و ضباط الجيش رغم كونهم بعثيون كانوا يعارضون صدام حسين ويستشهدون بضباط المخابرات وقوات الحرس الصدامي من عشيرة الجبور او الذين انشقوا على صدام حينما ادركوا دنو نهايته. كما ويشيرون الى ان حالة الفوضى والفلتان الامني مردها عدم تبني مقررات مؤتمر المصالحة الوطنية الذي عقد في اربيل في آذار الماضي بمبادرة مسعود البارزاني رئيس الحزب الديموقراطي الكوردستاني والتي دعت إلى إلغاء هيئة اجتثاث البعث. وتجدر الاشارة الى ان مقررات المؤتمر المذكور جوبهت بانتقادات شديدة من قبل الكثيرين من النقاد والكتاب السياسيين.

من الواضح ان مبادرة الحاكم الامريكي باعادة وتاهيل البعثيين قبل رحيله مهدت الاجواء لتلك الاصوات بالظهور على الساحة السياسية والالتفاف حول الاطراف المدافعة عن البعثيين وان امريكا التي تدعم كل الانظمة الشمولية والرجعية في العالم التي لا تتعارض مع مصالحها ومخططاتها لا تأبى بمعاناة العراقيين ولا تعيير اهتماما لمسألة اجتثاث البعث ولا تعارض محاولات البعثيين والمناهضين لفكرة الاجتثاث شرط الرضوخ لارادة الاحتلال بهدف ازالة العقبات التي تعرقل مخططاتها، وقد سهلت العمليات الارهابية للجماعات الاصولية التي انضمت اليها الكثير من العناصر البعثية من ايتام النظام الساقط ترسيخ فكرة الغاء قرار الاجتثاث بالاضافة الى ظهور اشخاص يسعون الى كسب الربح السريع بالمراهنة على اصوات الالاف من عناصر البعث وافراد اجهزته القمعية وميليشياته وافراد الجيش المنحل في عملية الانتخابات المقبلة للفوزبمواقع مهمة في الحكومة والبرلمان.

ان مسألة اجتثاث جذور البعث يجب ان تحظى باهمية بالغة في عراق ما بعد صدام. ويجب عدم السماح للبعثيين ومناهضي الاجتثاث باستغلال الظروف الراهنة بالظهور تحت عباءة الديموقراطية. ليس فقط بعدم اتاحة الفرصة للبعثيين بالعودة الى الساحة السياسية فحسب بل يجدر تحريم قبول الاشخاص الذين يدافعون عن الفكر البعثي باسم التعددية والديموقراطية كاعضاء في المجلس الوطني مهما كانت المبررات. وان القول بوجوب التفريق بين البعثيين والصداميين ليس الا محاولة هزيلة لتأهيل ادوات القمع والجريمة. ان صدام واركان النظام السابق من المجرمين هم من نتاج الفكر الشوفيني الشمولي للبعث وقد جسد صدام بجدارة ايديولوجية البعث التي رسم خطوطها ميشيل عفلق ولم يعترض عفلق يوما ما على ممارسات صدام الذي كان يحكم العراق باسم البعث العفلقي. وقد شهد العراق جرائم البعثيين منذ تسلمهم السلطة في انقلاب شباط 1963 وكانت مليشيات الحرس اللاقومي تمارس ابشع الجرائم ولم يكن لصدام اي موقع بين صفوف البعث انذاك. ومثلما تمكن البعثيون بعد ازاحتهم في تشرين الثاني عام 1963من تسلم السلطة ثانية في انقلاب تموزعام 1968 نتيجة تهاون الحكم العارفي من القضاء عليهم نهائيا، فانهم سوف يحاولون لملمة عناصرهم وتشكيل تنظيمات خاصة بهم ولربما بمسميات اخرى لكي يسيطروا على دست الحكم ثانية ولا سيما ان هناك المليارات من الدولارات المتداولة تحت تصرف عناصر النظام السابق المنتشرين على طول العراق و في دول الجوار ويلقون الدعم اللا محدود من انظمة الدول التي تترقب الاوضاع في العراق ولا ترغب ان ترى التجربة الديموقراطية قد قطعت اشواطا مهمة خوفا من تفشي تلك التجربة و تهدديها لمصير تلك الانظمة في المنطقة.

يتوجب على المخلصين للعراق و اسر ضحايا المقابر الجماعية والانفالات والاسلحة الكيمياوية التصدي لاصحاب فكرة المصالحة مع البعثيين والمحاولات الرامية الى الغاء الهيئة الوطنية العليا لاجتثاث البعث، وعلى المجلس الوطني العمل على تفعيل قرار الاجتثاث واقصاء اعضاء الهيئة الذين فقدوا مصداقيتهم واساءوا التصرف واستغلوا المهام الموكلة اليهم لمصالحهم الشخصية. ان اجتثاث البعث بمثابة اجتثاث ورم سرطاني او القضاء على فايروس وباء فتاك ولا يقل شأنا من اجتثاث النازية حيث انهما يشتركان في الفكر والممارسة والجرائم البشعة ضد الانسانية لذلك يجب معاملة البعث المنحل مثل معاملة الحزب النازي بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية بتطبيق اجراءات اجتثاث النازية واعتباره يحمل فكرا عنصريا وذلك باستبعاده من التعددية السياسية ومنع الترويج له في المجتمع كونه يتعارض و مفاهيم الديموقراطية و يعمل على الغاء الاخر وينافي معايير حقوق الانسان وثقافة العصر.

9/10/2004

 

 

 

HOME