لماذا يدعو حسن الطائي إلى رجم الشاعرة الكوردية فينوس فائق ؟

أحمد رجب  

 

دعا السيد حسن الطائي على مواقع الانترنيت إلى رجم الشاعرة الكوردية فينوس فائق لأنّها عبرّت بصراحة عن رأيها عندما قالت للعراقيين في مقالة نشرتها في عدد من مواقع الإنترنيت تحت عنوان : هل آن الأوان لأفتح لكم قلبي أيها العراقيين ؟؟ لكم وطنكم ولنا وطننا.

أشارت السيدة فينوس فائق في مستهل مقالتها عن سماعها لأول مرة وهي طفلة وعمرها آنذاك تسع سنوات كلمة السياسة، لأنّها كانت تتحدث عن النضال السري ومعاني المقاومة والإعتقالات والسجون وأزيز الرصاص، وتعيد الكاتبة إلى أذهانها نحيب وبكاء الأمهات، ومشاهدتها للبيشمركة ونوعية ملابسهم، والنظر إليهم نظرة شموليه كمناضلين لمختلف التيارات.

وأشارت أيضاً : في العراق  وفي عهد الدكتاتورية كان يكفي أن تكون كردياً لكي تكون سياسياً بالفطرة ، أو لكي توجه لك تهمة "مخرب" ، كثير من الأكراد الذين كانوا يعتقلون بتهم سياسية كانوا يحاكمون بتهم كالقتل و التهم المخلة بالشرف وذلك كوسيلة لتشويه سمعة السياسيين الكورد ومناضلي الحركة الكوردية، فيتم تصفيتهم أو يختفون وراء الشمس إلى الأبد ، و أحياناً ترسل جثثهم إلى أهاليهم بعد أن يتقاضون من الأهالي ثمن الرصاصات التي أعدمو بها.

كنت في التاسعة من عمري عندما سمعت أبي يتحدث عن أرضٍ قُسمت إلى أربعة أجزاء و إستحوذت عليها أربعة دول ، هي العراق و إيران و تركيا و سوريا ، حتى ذلك الوقت لم أكن أفرق بين أن أكون عراقية أو أن أكون كوردية بجنسية عراقية أو بين أن أكون كوردية بجنسية كوردية هذه محنة الهوية و البحث عنها ، لم أفهم تلك المعضلة إلى أن كبرت قليلاً فكنت بعد أن أخرج من المدرسة أعرج على منزل خالي الذي حرم حياته كلها من ملذات الدنيا بما فيها الزوجة و الأطفال و وهب شبابه و حياته للسياسة و قراءة الكتب و كتابة الشعارات و توزيعها ، فكان يزودني بالكتب ، الكتاب الواحد منها كان كفيلاً بأن يعدموا طفلة مثلي مثلما ما فعلوا مع العديد من الشباب الذين ألقي القبض عليهم أئناء مظاهرة طلابية و زوروا سجلات الأحوال المدنية من أجل أن تشملهم عقوبة الإعدام.

 وعلى أي حال قرأت مرات عدة خلسة تأريخ الإمارات الكوردية التي قامت عبر التأريخ و تأريخ الثورات و الحروب التي خاضها الكرود ضد "محتليهم" ، و قرأت تأريخ جمهورية كوردستان في مهاباد و القاضي محمد , إمارة بابان و ثورة الشيخ سعيد بيران و الشيخ محمود الحفيد و.. وغيرهم كثيرون . و قرأت فيما بعد عن المعاهدات و الإتفاقيات الدولية التي زايدت على القضية الكوردية منها معاهدة سيفر التي منحت بعض الأمل للكورد و لوزان التي بددت كل تلك الآمال و نفختها في السماء كدخان أركيلة ، و بعد ذلك عايشت في سن مبكرة ملابسات إتفاقية الجزائر المشؤومة التي فتحت عيني على حقائق في السياسة لم أكن لأعرفها لو لم يمر الكورد بتلك التجربة المرة و النكسة المؤلمة ، لكن التجربة كانت كبيرة و قاسية علي.

وتضيف الكاتبة قائلة : كبرت و كبرت معي أسئلة كثيرة ، منها هل أن كل العرب في العراق هم أعدائنا ؟ هل أنا عراقية أم كوردية ؟ و ما الفرق بين أن أكون عراقية و بين أن أكون فقط كوردية ، و هل لي الحق بأن أتحدث عن مملكة أو جمهورية أو حكومة أو أي نظام كوردي مستقل ؟ أم أنني من قومية مسلوبة الحق في تقرير مصيرها و لا يحق لي أن أتكلم عن حقوقي و ماذا يعني أن تكون مسلوب الإرادة في بلدك إن كان العراق حقاً بلدي ؟ كل هذه الأسئلة كانت كبيرة على عقلي ، كانت تقلقني و تؤرق منامي ، كانت دروس "الكوردايتي" (الكوردايتي في اللغة و المفهوم السياسيي الكوردي تقابلها مفردة العروبة في اللغة و المفهوم السياسي العربي) كفيلة بأن تجيب عن الكثير من الأسئلة ، غير أنها هذه المرة حتى مفهوم الكوردايتي عجز عن أن يضع تفسير لما يحدث اليوم في كوردستان.

وتكتب فينوس أيضاً : أنا درست في بغداد ، لذا فلا أخفي عليكم أن أجمل الأيام هي تلك التي كنت أدرس فيها ببغداد ، و أجمل الأصدقاء العراقيين صادفتهم هناك و ربطتني بهم صداقات قوية كانوا من العراقيين العرب .

وخلال دراستها الجامعية في بغداد تتذكر الشاعرة وتسرد هذه الحقيقة : حياة الإنسان مليئة بالمفارقات العجيبة و الغريبة و منها تلك التي صادفتها لدى دوامي في الجامعة، ففي أول يوم ، تعرفت على فتاة بعيون خضراء جميلة من أهل كربلاء ، صارحتني بعد فترة طويلة من صداقتنا و قالت أن جدتها كانت تصور لها الكورد على أنهم وحوش يعيشون في الكهوف و هم عندما يجوعون يأكلون بعضهم البعض إذا لم يجدوا ما يسد جوعهم من الأعشاب و النباتات البرية ، فمن لا يسمع كلامها ستأتي له بكوردي ليأكله.

وتضيف الشاعرة وتقول : مع كل هذا  وفي الوقت الذي كان خيرة شباب الكورد معتقلين و يواجهون مصير الموت كنا نحن نشرب من الأدب العربي و نثقف نفسنا به ، كنت أقرأ للمتنبي و الجاحظ و المعري ، كنت أعشق السياب و الجواهري و محمود درويش ، لم أكف يوماً عن البحث في المكتبات العربية عن كل جديد في الثقافة العربية التي أنهل منها و أروي بها عطشي الثقافي ، حتى أيام كنا نقضي ساعات طويلة من النهار في السراديب هرباً من الغارات الجوية و المعارك بين الثوار الكورد و القوات التابعة للنظام في الشوارع ليلاً كنت أحمل كتاب جبران خليل جبران أو رجاء النقاش ، و أقرأ لجميل صدقي الزهاوي والماغوط و غيرهم ..إلى أن وصلت إلى المهجر و لم يغير شيء من علاقتي بالثقافة و الوسط الثقافي العربي و أصبحت أحترمه أكثر ، لأن الثقافة علم و السياسة عالم آخر و لأن السياسة فن الممكنات و الثقافة فن أنسنة مفاهيم مثل مفهوم السياسة.

وحول حق الكورد تكتب فينوس الشاعرة وتقول :  و كل عراقي لا يمكنه تصور أن يكون الكورد جاره على خارطة العالم كدولة مستقلة ، و حساسيته تجاه مطلب الكورد و حقه الشرعي في إقامة دولة مستقلة. هذه إحدى المفارقات أو المعضلات أو الإشكاليات في العلاقة الثقافية الكوردية ، إذا تحدث المثقف الكوردي عن حق الكورد في إقامة دولة كوردية إتهم بالعنصرية و المبالغة في مطالبة ذلك الحق تحت ذريعة أن السياسة الدولية تقف حائلاً من تحقيق ذلك الحلم و محاولة لم شمل الكورد تحت راية أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة ، متناسين أننا كورد و يجب أن نلم شملنا تحت راية أمة كوردية واحدة.

وفي الختام تعبر الكاتبة والشاعرة فينوس فائق  عن مشاعرها بجلاء قائلة :

لكنني اليوم أكثر جرأة من الأمس و بإمكاني أن أرفض كل هذا و أعلن العصيان و التمرد لكن ليس على العراق و إنما على كوردستان التي عادت جزءاً من العراق ، و قد آن الأوان لأعترف أنني أحب العراقيين كثيراً لكن ليس داخل وطن واحد و ليس على خارطة موحدة تجمع الكورد و العرب في عراق موحد و إنما لكم وطنكم و لنا وطننا ، لم أحلم مثلما أحلم اليوم بكوردستان حرة يرفرف على أبنيتها العلم الكوردي و ليس أي علم آخر و كم أتمنى أن أعود طفلة عبارة عن صفحة بيضاء فأتعلم من جديد ألفياء اللغة الكوردية و أتعلم أبجدية السياسة لكن على الطريقة الكوردية ، و أسافر بجواز كوردي إلى بغداد الحبيبة و ألتقي بأصدقائي و أحبتي هناك و أتجاذب معه أطراف الحديث عن السياسة دون خوف أو رعب ، و أن أتباهى أمامهم بوطني و حكومتي المستقلة مثلهم أو على الأقل مثل الجارة كويت التي تصغر كوردستان عشرات المرات !! و أن أتعلم اللغة العربية الجميلة لكن بإرادتي و ليس بخطة مدروسة من خطط سياسة التعريب الخبيثة ، و أن أختار الحزب الذي أنتمي إليه بالرغم من أنني لا أحبذ الإنتماءات الحزبية و أن أتبادل الآراء الحزبية مع أصدقائي العرب في بغداد و أتعلم منهم و أطلعهم على تجربة الكورد مع الديمقراطية . كم أتمنى و أتمنى و أتمنى  و لا أدري إلى متى سأظل أمني النفس بالأماني؟

أنني أدعو السيد حسن الطائي قراءة مقالة الشاعرة الكوردية فينوس فائق بدقة وإمعان، وحبذا إن بادر إلى رفع طلبه وكتابته : تعالوا نرجم فينوس فائق.

جميل جداً أن يكتب الأخوة العرب : اننا لانختلف في حق الاخوة الاكراد في تقرير مصيرهم وهذا من حقوقهم، كما انه جميل أيضاً الإشارة إلى كوردستان، وليس الشمال !.

وعلى الأخوة العرب، وبالأخص العراقيين منهم أن يعلموا بأن النظام الدكتاتوري البائد عمل بكل " قوته وجبروته " من أجل إزالة ما تبقى من القواسم المشتركة بين الشعبين العراقي والكوردي من حضارية وتاريخية ودينية وغيرها، وأن كوردستان أصبحت مغتصبة يوم تم إلحاقها بالعراق عندما تأسست دولة سميت بالعراق في العشرينات من القرن الماضي، وجلبوا لها أعرابي من الجزيرة العربية ونصبوه ملكاً !.

ومن الأفضل للسيد حسن الطائي أن يغير اسلوبه الجارح عندما يحاول إلصاق تهمة باطلة بالكاتبة والشاعرة الكوردية المعروفة بحبها وإخلاصها للكورد وكوردستان، وأن يبتعد من إقحام نفسه في مشاكل وأن لا يلجأ إلى كتابة مثل هذه العبارات، لأنها غير صحيحة أساساً عندما يقول : .صحيح انك تعلمت في زمن صدام ونهلت من الثقافة القومية البعثية لكن لايجب عليك الاستدارة اكثر من مائة وثمانين درجة كما يفعل كثير من مثقفين السلظة حاليا،  ولعلم السيد حسن الطائي والآخرين لم يكن فينوس فائق من مثقفي السلطة البعثية المنهارة قط، وانها كانت في الموقع المعادي للنظام البائد.

يحلو للبعض من العرب الصاق التهم بالكورد، وبالرغم من التأكيد بعدم وجود الموساد الأسرائيلي في كوردستان مثلاً، يزعم عدد منهم عكس ذلك وعلى سبيل المثال لا الحصر يذهبون إلى أبعد من حدودهم ويلجأون إلى الكذب ويروجون بأنّ جهاز الموساد الإسرائيلي قد عزل مسؤول الموساد السابق في كردستان وعيّن بدلاً منه ضابطاً جديداً، كما يزعمون :  وأضافت المصادر أن تنحية مسؤول الموساد السابق يعود إلى فشله في عدد من العمليات السرية ووقوعه في العديد من الأخطاء، إضافة لعدم قدرته على منع تسريب معلومات عن وجود الموساد الإسرائيلي في العراق، وان الغاية من ترويج هذه الإشاعات المغرضة واضحة وضوح الشمس في تموز.

ان السيد حسن الطائي في الوقت الذي يعطي الكورد حقهم في تقرير مصيرهم، وهذه خصلة حميدة، ولكنه يعود من جديد، ليضيف تهمة أخرى  لهم، حين يقول : بقي أن أقول أن احبائنا الكورد لم يكونوا بمستوى المرحلة التي تؤهلهم الى الوصول الى بناء مجمتع مدني قابله للتعايش في ما بينهم.

ان الكورد ومنذ هروب " فارس الأمة العربية وبطلها القومي والقائد الضرورة " الجرذ القابع في زنزانة من الزنزانات التي شيدها لأبناء العراق من كوردستان وعلى مدى أكثر من 14 سنة تقريباً يقومون بتدبير وتنظيم حياتهم اليومية، وقاموا بإنتخاب برلمان شرعي إعتباراً من عام 1992، ولديهم في الوقت الحاضر حكومتين ، ومارسوا خلال هذه الفترة نوع من الديموقراطية، حيث توّفرت حرية الصحافة والنشر وتوجيه إنتقادات إلى المسؤولين عبر وسائل الأعلام المختلفة، وفي كوردستان توجد إذاعات ومحطات التلفزة للعديد من الأحزاب العاملة على أرض كوردستان، كما توجد فضائيتان تعمل ليل نهار ودون إنقطاع وتبث برامجها باللغتين الكوردية والعربية، كما توجد برامج تركمانية وكلدوآشوريية وفارسية وانكليزية ( ليس بالمستوى المطلوب )،  وفي كل الأحوال يمكن القول بأن الحياة اليومية في كوردستان أفضل بكثير من الحياة في العراق والبلدان العربية والبلدان المجاورة، والكورد بحاجة ماسة إلى مساعدة الآخرين، وإذا كان السيد حسن الطائي يطلق كلمة الأحبة على الكورد، فليكن على إطمئنان بأن الأحباء الكورد يصلون بمؤازرتهم ومساعدتهم إلى جميع المستويات التي تؤهلهم لبناء مجتمع مدني متقدم، وبهذه المناسبة نطلب منه أن يدعو هو الآخر إلى توحيد الإدارتين الكورديتين.

لا شك ان السيد حسن الطائي على علم تام بأن للكورد أعداء " أشداء "، ويعمل هؤلاء ودون توقف كل شيء من أجل إيقاف مسيرة الشعب الكوردي نحو الوصول إلى الحياة الديموقراطية والعيش مع العرب وسائر القوميات الأخرى في عراق ديموقراطي تعددي فيدرالي، كما يعلم بأن أعداء النظام الفيدرالي ليسوا بالقليل، وفي هذه الحالة وأمام هذه المعادلة، أدلى الشعب الكوردي وفي استفتاء عام بأصواتهم مطالبين بالإستقلال وهذا حق مشروع وعادل لأي شعب، وإزاء تلك المطالبة الشعبية العارمة ظهر عدد غير قليل من العرب " الأصدقاء  " !، وليس الأعداء يتقدمهم غازي الياور رئيس العراق المؤقت حيث أطلق ومن على قناة فضائية " العربية " صفة الخائن على الكورد المطالبين بالإستقلال وهددهم بأنه سيرد عليهم بالقوة !، ولا يدري المرء سر قوة الياور وعن أية قوة يتحدث !، وان " مبادرته " التهديدية أصبحت أضحوكة الشارع الكوردي، كما انها أثلجت قلوب الكورد وأيقظت مشاعرهم بأن يكونوا مستعدين دائماً للدفاع عن وجودهم وتحقيق ما يصبون إليه، وعلى السيد الرئيس المؤقت أن يعلم ( وهو بلا شك يعلم )  بأن الشعب الكوردي قاوم أعتى دكتاتورية في التاريخ الحديث، ووقف في وجه رابع " جيش " في العالم كما كان يحلو للمجرمين القتلة التغني به، وناضل الكورد نضالاً بطولياً حتى وصل إلى يومه هذا.

أدعو السيد حسن الطائي أن يمد يده إلى أخوته الكورد، وأن يقف إلى جانبهم، وأن يبتعد من إطلاق صفات غير محمودة على شخصيات لا يعرف عن ماضيهم أي شيء، وأن لا يطلب من الآخرين ويقول لهم : تعالوا نرجم فينوس فائق، ويدري السيد حسن الطائي بأن فينوس قالت وبصريح العبارة : وقد آن الأوان لأعترف أنني أحب العراقيين كثيراً لكن ليس داخل وطن واحد و ليس على خارطة موحدة تجمع الكورد و العرب في عراق موحد و إنما لكم وطنكم و لنا وطننا، فما الداعي إلى رجمها؟.

                                                                                    6/11/2004

 

 

 

 

 

HOME