دعوة صادقة لتحرير كركوك
 (2)
 لنترك خنادقنا بشجاعة

سردار عبدالله

 

    يبدو ان الموسم قد اصبح اليوم موسم الحديث عن كركوك ، وإلاّ فكيف نفسر كل هذا الكم الهائل الذي انهمر فجأة على الصحف ومواقع الانترنيت طبعاً بما فيها صحف عربية دولية واسعة الإنتشار؟ ماذا يعني ان يتحول زمن ما الى موسم لقضية معينة، او بمعنى آخر هل يعني ذلك ان هذه القضية قد نضجت فحان موسمها ، ام ماذا ؟ هل ستتحول كركوك الى التفاحة التي نتقاتل من اجلها الى الأبد فتحل اللعنة الازلية والى ابد الآبدين، فيتحول البشر من ابناء الرب وخلفاء آدم على الأرض الى ورثة دائمين وفي دوامة عجلة لعبة عبثية تديرها دماء الأخوة الى ورثة لدوامة قتل الخ التي لا تنتهي ؟ هل قدر علينا ان نحمل ارث ذنوب غيرنا فنمارس طقوس الدم بدم بارد ؟ قد يقول قائل ما كل هذا الكلام عن الدم واراقة الدماء وكأن هذا الرجل قد قرأ على الوضع السلام ، وان الحرب الأهلية قد قامت ومن كركوك هذه المرة . بالله عليكم ايها الأخوة من كل الوان الطيف العراقي ومن جميع بقاعه المفجوعة بالمقابر الجماعية والمليئة بالأيتام والأرامل والأمهات الثكلى ، اليس بعضاً  مما يكتبه بعضكم تنظيراً لحرب اهلية تأتي على الأخضر واليابس ؟ اوليست هذه المقالات قرعاً لطبول الحرب ؟ بالله عليكم بماذا تكتبون ، وبماذا تطبعون بياناتكم هذه ، هل تقطر اقلامكم حبراً ، ام ان ما ينزل منها هو الدم الإنساني الذي لابد ان يراق مرة اخرى لينكأ كل الجراح القديمة والحديثة التي لم تلتئم بعد ؟ ان من يطلع على بعض المقالات التي كتبت ونشرت خلال الساعات الأخيرة حول هذه القضية يتيقن من ان الحرب قد قامت ، واخص منها بعض آراء الأخ جمال زنكنة المنشورة في موقع الحزب الديمقراطي الكردستاني على الانترنيت والذي اعلن فيها الحرب على جبهات متعددة وبصورة واضحة تخطت حدود الرد على الأخ رياض الحسيني لتطال آخرين ، وكأن الفرصة قد جاءت سائغة لتصفية كل حساباتنا من خلال هذه (المعركة) . والأجدر طبعاً ان نبعد جميع مشاكلنا وصراعاتنا الخاصة اثناء اقترابنا من قضية كركوك . يجب ان لاتتحول كركوك الى ساحة لتصفية حسابات جانبية ، بل علينا ان نتحلى بقدر اكبر من الشعور بالمسؤولية تجاه كركوك وحساسية وضعها ، وكذلك تجاه المستقبل الذي ينبغي ان نبدأ في بنائه بروح اكثر انسانية .

   المشكلة الرئيسية تكمن في اننا لسنا الوحيدون الموجودون على الساحة ، وكذلك فإن الوضع لم يستتب الى درجة تسمح بفصل (الزين عن الشين) . لازال هناك المتصيدون في الماء العكر من اعداء السلام والإستقرار ، اعداء العراق وجميع ابنائه ، عدونا المشترك من ايتام البعث والنظام الصدامي الذي رحل وولى ولم يترك في البلد إلاّ الخراب وهذا الميراث الثقيل والمعقد من المشاكل بين مختلف ابناء العراق وطوائفه . ما الذي يمكن ان يعين الوطنيين على تمييز الشرفاء والوطنيون والحريصون، من اعداء البلد واعداء السلام ؟ اذا كنا كلنا نتحدث باللغة نفسها ونستخدم المفردات ذاتها التي يستخدمها الآخرون ، فكيف يمكن للقاريء ان يميز بيننا وبين الآخرين ؟ لذلك تعالوا نتفق على المبدأ الأول لتنظيم حواراتنا وسجالاتنا ، ولتكن البداية من كركوك . تعالوا نترك خنادقنا للحظات ليتسنى لنا رؤية بعضنا البعض خارج اسوار خنادقنا ، فأنا لايمكن ان اتيقن مما يحمل لي الآخر من اسلحة و(مفاجآت) مخيفة ، إلاّ اذا خرج من خندقه وجاء يلتقيني على ارض مكشوفة تتيح لي رؤيته على حقيقته . طبعاً هذا الكلام ينطبق على الآخر الذي بدوره يتوق الى ان يتعرف على ما اخبأه له انا. تعالوا نترك خنادقنا اللغوية ، هلموا ننزع اسلحة الدمار الشامل من ادوات اللغة الأكثر فتكاً من اية اسلحة دمار شامل . فعلى الأرض المكشوفة سوف تتبخر الكثير من ظنوننا وأوهامنا وشكوكنا . ان هذه الدعوة ليست دعوة للإنصهار وتذويب الخلافات بصورة قسرية ، وعلى طريقة نظام صدام ، بل ان القضية ببساطة ، هي ايجاد اسلوب اكثر انسانية واكثر تحضراً وكذلك اقل ضرراً لممارسة اختلافاتنا . لايمكن بأي شكل من الأشكال الكلام عن سلام ، او استقرار في حالة عدم احقاق الحقوق العادلة والمشروعة لمن ظلموا ، وظلوا يظلمون طوال عمر الدولة العراقية ، وكأن هذه الدولة لم تخلق إلاّ لكي تسلبهم حقوقهم ، بل تسلبهم حتى ارواحهم . من المستحيل الحديث عن كلام من قبيل عفا الله عما سلف ولنبدأ صفحة جديدة ، ومن النقطة التي انتهينا من عندها ، لكن المسألة ببساطة جداً هي كيف يمكن ان نمارس هذه العملية الشاقة والمعقدة بطرق حضارية تؤدي الى تقريب المسافات التي تبعدنا عن بعضنا البعض ، وتؤمن اعادة الحقوق لأصحابها دون ايقاع الضرر بالآخرين ، وإلاّ فإن هذا هو بالضبط ما ارادنا صدام ان نفعله ، ونكون بذلك قد طبقنا سياسات صدام حتى وهو سجين ذليل ينتظر حكم العدالة العراقية التي حرم منها عشرات ومئات الآلاف من اهلنا . انني لا ادعو الى السكوت ، ولا الى الإنصهار وتجاوز الحق والعدالة ، بل ان ما اصر عليه هو ان نتكلم ، ان نكتب ، وان نختلف... الى ان نبدع في ايجاد حلول انسانية عادلة لمشاكلنا وقضايانا المعقدة المزمنة . على الجانب الآخر ادعو جميع الصحف ومواقع الانترنيت الى تجنب نشر ما يسيء الينا والى قضايانا ومستقبلنا ، ولو لمدة محدودة ، الى ان نتمكن من التوصل الى اسس تشكل ميثاق شرف عادل وشجاع ينظم اختلافاتنا بالطريقة التي يمكن ان نخدم بها البلد وكركوك ، وكذلك قضية احقاق الحقوق العادلة وبناء مستقبل مشرق يليق بنا وبأبناءنا ، وللحديث تتمة ....

HOME