إلى متى يستمر قتل المسيحيين وحرق الكنائس ؟
   أحمد رجب

 

يمر العراق في وضع عصيب جداً جراء الأعمال الهمجية التي تقوم بها الزمر الضالة والجماعات الإرهابية من القوى الظلامية وأزلام النظام الدكتاتوري البائد، وفي خضم هذا الوضع المتأزم يلجأ البعض من الموتورين والعناصر الحاقدة إلى إقتراف جرائم بشعة بحق العراقيين عامة والأخوة المسيحيين خاصة والإقدام على حرق الكنائس ودور العبادة الخاصة بهم، كما يغتالون وينحرون الأخوة الإيزديين.

لا بدّ من القول بأنّ نظام صدام حسين المنهار لم يستطع حل القضية الكوردية في العراق بالأساليب الديموقراطية على أساس الإقرار بحق الشعب الكوردي في تقرير مصيره بنفسه، وصيانة حقوق القوميات الأخرى الإدارية والثقافية في نصوص دستورية واضحة، كما أخفق في حل المسألة الدينية والطائفية من منطلق الإعتراف بحق كل أصحاب دين أو طائفة في أن يعيشوا وفق منطق الدين والطائفة التي ينتمون إليها، بما لا يخل بالمصلحة الإجتماعية العامة.

بعد سقوط النظام وإنهيارركائزه ومفاصله الرئيسية، وإنهزام قادة جيشه وأزلامه هدأ الوضع لفترة قصيرة، وأصبح الجيش الأمريكي بقرار صادر من الأمم المتحدة قوات إحتلال.

لم تستطع قوات الإحتلال التعامل مع المستجدات الجديدة وأن توفر الأمن للشعب، وأصبح بول بريمر حاكماً مدنياً، وتصرفّ حسب أهوائه، وتحول إلى دكتاتور بصلاحيات كبيرة، ولما لم يكن على دراية كاملة بوضع المجتمع العراقي تخبط ووقع في هفوات عديدة.

ومن تخبطات الأمريكان إقدامهم على اعتقال العناصر المناوئه للعراق الجديد من أزلام النظام ومن القوى الإرهابية، ومن ثمّ إطلاق سراحهم بالجملة دون أن تجري لهم محاكمات أو وقوفهم أمام المحاكم العراقية لينال المجرمون منهم جزاءهم العادل، وهذا العامل كان مشجعاً للإرهابيين القتلة وأستغلوها على أحسن وجه لشق وحدة الصف والقيام بضرب المؤسسات الخدمية وإشعال النيران في أنابيب النفط، وتسهيل عملية نقل الوافدين من خارج الحدود، وتوريد السيارات المفخخة، ومن ثمّ قتل المواطنين الآمنين، ووضع الخطط الإجرامية لقتل المسيحيين عند خروجهم من البيت بحثاً عن العمل والرزق أو عند عودتهم إلى بيوتهم وحرق الكنائس ودور العبادة مثلما حدث ويحدث في البصرة وبغداد والموصل وغيرها من المدن، ويمكن القول بأنّ الإرهابيين قد إجتازوا جدار الخوف، وهم يرددون وبصوت عال ومسموع اليوم يعتقلوننا، وغداً يطلقون سراحنا.

وبعد رحيل بول بريمر من العراق تم تشكيل الحكومة المؤقتة من عناصر وطنية نزيهة لها تاريخ مجيد في مقارعة دكتاتورية صدام حسين، وآخرين ممن لا تاريخ لهم ولا يعرفهم أحد، وعدد من أزلام البعث المنهار الذين وجدوا طريقاً حسب قاعدة المحسوبية والمنسوبية السيئة الصيت للوصول إلى مراكز متقدمة في الحكم، وأنيطت مهمة الأمن شكلياً إلى الشرطة العراقية التي تتخذ شكلياً اسم الحرس الوطني، ويعلم الجميع بأنّ هذا الجهاز حديث التأسيس ويفتقد إلى أمور عديدة، وهو جهاز ضعيف لا يتمكن السيطرة على الأوضاع والبؤر الملتهبة في العديد من مناطق العراق.

يراهن البعض من المرتزقة والجبناء على دفع الأمور بإتجاه إشعال حرب طائفية تحت غطاء الدين، ويجري الحديث في كل مكان عن السنة ووقوفهم إلى جانب النظام الدكتاتوري البائد، وعن الشيعة وتصويرهم بأنّهم مدافعون أشداء عن الوضع الجديد، وهنا ينبغي التوقف وتقييم مواقف السنة والشيعة وأن يؤكد المرء ويقول وبكل صراحة بأنّ عدد قليل من السنة يقفون مع أزلام النظام البغيض ويؤيدون الدكتاتور المنهار صدام حسين، وأنّ عدد كبير من الشيعة يقفون إلى جانب التحولات الجارية في العراق، ولعدد منهم إتصالات مريبة ويعملون لجهات داخلية وخارجية، ولا شك إنّ تلك الجهات لا تريد الإستقرار للعراق، وتقف ضد مطامح القوميات عامة، والقومية الكوردية خاصة، وفي مقدمتها الفيدرالية وبناء عراق ديموقراطي تعددي فيدرالي متحد.

ومن الأمور الخطرة بروز جماعة تطلق على نفسها لقب " هيئة علماء المسلمين " وتشجع على القتل وإشاعة الشغب والفوضى في المجتمع، ولهذه الجماعة حسب تصريحاتها رئيس، ونواب رئيس، وهيئة أركان تدير أعمالها وتنسّق مع المخربين الذين يطلقون على أنفسهم زوراً وبهتاناً اسم " مقاومة " كما لها ناطق رسمي، ومهمته تتلخص في الترويج للقتل والخطف ومن ثمّ الدخول في المفاوضات، وعقد صفقات المقايضة، وهذا يعني بأنّهم على صلات وثيقة بالمجرمين القتلة.

من الواضح إنّ من بين العوامل التي تمهد لإنتشار الآيديولوجيا الدينية والحركات السياسية الإسلامية في العديد من البلدان الإسلامية القمع الذي تمارسه أنظمة الحكم ضد الديموقراطيين والوطنيين والقوى اليسارية، والعراق يقع بين دول فيها دكتاتوريات شمولية تخاف من بناء دولة مجاورة تنشد الديموقراطية وتدافع عن حقوق الإنسان، لذا تحاول هذه الدول مجتمعة التدخل في الشأن العراقي وإيجاد المشاكل للعراقيين الذين يتحمسون لإنتخابات ديموقراطية ومجيء حكومة عراقية عن طريق صناديق الإقتراع، وليس من العجب أن تطلق دول الجوار صفات غير حميدة على العراقيين كأن تلصق بهم شتى أنواع الخطايا المميتة : من خيانة المصالح الوطنية إلى محاولات تقويض الأسس الأخلاقية للمجتمع، وتجد دول الجوار بلا شك أرضية  خصبة لزرع عناصرها في العمق العراقي مستندة في ذلك على أزلام النظام الدكتاتوري البائد وعلى زمرة من المرتزقة الإنتهازيين البائسين الذين أداروا ظهورهم لشعبهم وأصبحوا مطايا لدول الجوار، وللبعض من هؤلاء الأشرار مواقع للانترنيت والتي سخروها لكي تخدم أعداء العراق وتروج للقتل والنهب والخطف بذريعة رفعهم للشعار الديني الكاذب " التحرر من القوات الأمريكية ومن الكفار ".، وهم عملياً يقومون بإطالة عمر الإحتلال.

إنّ العراقيين الذين تخلصوا من نظام الدكتاتور صدام حسين يناضلون في سبيل إستقرار بلدهم واستتباب الأمن، ويقفون معاً لبناء دولة ديموقراطية في المنطقة، وهذا التوجه يغيض أعداء العراق وتقدمه، إذ أنّ إلتقاء الأحزاب الوطنية والتقدمية التي تنشد الديموقراطية مع الأحزاب والحركات الإسلامية التي تريد التعاون معها يثير قلق دول الجوار الرجعية ذات الأنظمة الشمولية، كما يثير قلق الذين تفننوا وتدربوا على قتل العراقيين من أزلام النظام البائد وقوى الإرهاب والتخريب، والذين تبرعوا ليكونوا أداة  بيد أسيادهم من دول الجوار، ولكي يكونوا كقطع الشطرنج يحركونهم متى ما أرادوا ذلك، وحسب مصالحهم.

ونحن في العراق عشنا مسلمين ومسيحيين مع المذاهب الأخرى كأخوة، ولم نسمع بقتل المسيحيين وحرق الكنائس أو تفجيرها، فالإسلام خلافاً لعمل هؤلاء الوحوش الذين يغنون ويرقصون على إراقة دماء العراقيين، وربّما للكثير من الأديان الأخرى ليس ديانة فحسب، بل جزء لا يتجزأ من نمط حياة المؤمنين به وسلوكهم ونظامهم اليومي، والمسلمون يتمسكون بقواعد السلوك التي تعكس إحترامهم لتقاليد ومشاعر المجتمعات التي يعيشون فيها، وهم يعتبرون، بل ويؤكدون بأنّ الإعتقاد الديني مسألة شخصية بحتة تتعلق بالإنسان، وليس من المعقول أن يقدم عدد من الضالين بذريعة مشاعرهم الدينية على قتل الآخرين تحت غطاء الدين، وهنا لا بدّ من الوقوف بحزم ضد محاولات إستغلال المشاعر الدينية، وعلى الذين ينادون بالإسلام ولا سيّما الذين يحلو لهم إطلاق صفة " العلماء " على أنفسهم العمل على منع قتل الناس الأبرياء أياً كانوا، وعدم إطلاق يد المجرمين لتنفيذ جرائمهم اللاإنسانية بحق المسلمين والمسيحيين، وبحق أبناء الصابئة والإيزدية.

انّ القتل كان صفة ملازمة لحزب البعث منذ مجيئه إلى الحكم وعلى مدى أكثر من أربعين عاماً، والحزب كان عاجزاً لحل مشاكل البلاد السياسية والاقتصادية، فإنّه لم يحل قضية القوميات، ولم يتمكن تحقيق إيجاد الحلول الدنيا لها، كما لم يحل مشاكل الأديان والمذاهب وفق الطرق الدستورية السليمة، لأنّه كان الحزب الغارق بالشوفينية والكره العميق لكل ماهو غير عربي، أو غير إسلامي، وتجدر الإشارة بأنّ العرب لم يسلموا من بطش الحزب، وقد لجأ رأس النظام الدكتاتور صدام حسين المتاجرة بالدين، وأعلن بأنّه من آل البيت، وللضحك على الناس أو الإستهزاء بهم كان صدام يصلي حاملاً المسدس، وبعد الصلاة يستقبل هذا " المجاهد " رهطاً من الجحوش، ويستلم منهم سيفاً كهدية، ومن ثمّ يعلن بأنّه سيقطع ألسن معارضيه وخاصة من الكورد والقوميات الأخرى.

على الجميع من العرب والكورد والتركمان والكلدوآشوريين والأرمن، وعلى المسلمين والمسيحيين، وعلى السنة والشيعة والصابئة المندائيين والإيزديين النضال بلا هوادة في سبيل الحقوق المتساوية بين المواطنين، ومن الضروري عدم تفضيل قومية على أخرى، أو طائفة على طائفة، وان الواجب الوطني والإنساني يدعو الجميع إلى الإتحاد في النضال ضد العدو الرئيسي المشترك، والذي يتمثل في الوقت الحاضر بالعصابات الدموية من الإرهابيين والقوى الظلامية المتخلفة ومن بقايا وأزلام النظام المقبور، ومن العناصر الملثمة الوافدة بمساعدة دول الجوار.

                                                       11/12/2004

 

 

HOME