زوبعة الانتخابات و الدكتاتورية التي تجري في عروق العراقيين!!!
هشام عقراوي

 

أعلان عدد من الاحزاب العراقية بطلب تأجيل الانتخابات في العراق لمدة ستة أشهر، أحدثت بركانا من ردود الافعال الغير عقلانية و الغير متوازنة و العاطفية الى درجة أثبتت حساسية الموقف و مدى أنسلاخ الاحزاب و الشخصيات العراقية من دكتاتورياتهم.

الادعاء بالديمقراطيه و أحترام الراي الاخر و نكران الطائفية و المذهبية، اصبحت زادا يوميا و على أفواه كل الاطراف العراقية و الكثير من الشخصيات القانونية و المثقفه مازالوا يدعون و الى اليوم بأنهم يوالون و يؤمنون بكل ما هو أنساني و ديمقراطي و نكران الذات لديهم فاق كل التوقعات.

لكن الاحداث الحساسة  و المهمة تكشف المستور و تبين معدن الانسان. من هذا المفهوم فأن الازمة الاخيرة حول تأجيل الانتخابات أصبحت الفرصة و الامتحان الصعب لكل الاطراف لأثبات مدى ديمقراطيتهم و صبرهم السياسي و كان كالفجر الذي يكشف أحداث الليل المظلم.

لا يخفى على أحد ان الاشتراك في الانتخابات أو الامتناع عن المشاركة، هو حق شرعي لكل الاشخاص و الكيانات و الاحزاب. وليس من حق الحكومة أو اي حزب سياسي أو سلطة، ان يجبروا الاحزاب أو الاشخاص على المشاركة في الانتخابات. فالاشخاص و الجماعات في البلدان الديمقراطيه حرة في الادلاء باصواتهم لمن يرونه ملائما، الامتناع عن التصويت أو التصويت بورقة بيضاء و لهم كل الحق في الدعاية الحرة لافكارهم  وبنفس الحقوق.

ردود أفعال الاحزاب الشيعية و تهديداتهم حول تأجيل الانتخابات لم تكن غريبة أو بعيدة التوقع، فهم و بدون تردد على عجلة من أمرهم و يريدون أستلام الحكم في العراق اليوم و ليس غدا، وهذا حقهم الشرعي، أن حصلوا على الاغلبيه، لانهم حرموا من حكم الدولة التي يشكلون فيها الاغلبية لأكثر من 80 عاما. ولكن هذا الحق الشرعي يجب ان لا يكون على حساب حق الكرد الشرعي أو حق الاطراف الاخرى في العراق. وهذه هي نقطة الخلاف.

 الاحزاب الشيعية بدل اللجوء الى لغة الحوار و الدبلوماسية الهادئة و الابتعاد عن ردود الافعال العاطفيه، اختارت التهديد و الوعيد و تخوين الاطراف التي رأت تأجيل الانتخابات في صالح العراق او حتى ليكن في صالحهم. هذه الطريقة في التعامل و التصرف و التعبير القاسي و التهديد تدل على أن هذه الاطراف و الاحزاب ابعد كل البعد عن الديمقراطية و التصرف الديمقراطي ولو كانت في الحكم و تمتلك السلطة و الامكانيات لأختارت لغة البنادق و الدبابات في التعامل مع مطلب هذه الاحزاب التي طلبت تأجيل الانتخابات.

 لو كان تصرف هذه الاحزاب مفهوما، فان الذي يصعب فهمه هو فهم موقف بعض الكتاب و القانونيين و المثقفين العراقيين الذين يعتبرون أنفسهم ديمقراطيين و فوق الطائفية، و الذين يعتبرهم بعض العراقيين أمل المستقبل و الجنود الذين ستبنى على ايديهم  و ادمغتهم الديمقراطية في العراق.

فهناك من قال ان تأجيل الانتخابات خيانة، ومنهم من أعتبرها مؤامرة ومنهم من أعتبرها تعطيلا للاراده الشعبيه و تكريسا لحالة الفوضى، واخرون أعتبروها أنتصارا لصدام و الزرقاوي ومنهم من أعتبر التأجيل غير قانونيا و الذين طالبوا بتأجيلها في نطرهم يعادون القانون.

هذه المسميات كلها تتهم مباشرة الاحزاب التي طالبت التأجيل وكلها تعتبر الدعوة الى تأجيل الانتخابات جريمة، و الجرائم كما هو معروف تستحق العقوبة. اي أن ابداء الرأي عندهم جريمه.  تصوروا قانونيا يعتبر المطالبة بتأجيل الانتخابات غير قانونيا!!! لو كانت هذه الاحزاب قد أصدرت قرارا أو قانونا من طرفهم يقررون فيها بتأجيل الانتخابات، لكان من الطبيعي أن يكون القرار غير قانونيا لأنهم ليسوا طرفا قانونيا، ولكن هذه الاحزاب طلبوا من اللجنة المشرفة تأجيل الانتخابات ، وهذا بحد ذاته طلب مشروع و بهذا الطلب عبرت تلك الاطراف عن أراءهم.

دخول هؤلاء الاشخاص السريع في هذه المحاولة لتأجيل الانتخابات هو الاخر دليل على أنتماء هؤلاء الى طرف معين ضد اخر. اي أنهم كانوا ضد تأجيل الانتخابات و هذا حق مشروع و لكن الشئ الغير شرعي هو تحويل اراءهم الشخصية  و مصالحهم  الشخصية الى القانون. وهذا تحايل واضح. لأن هؤلاء لم يعلوا صوتهم على بقية الاشياء اللاقانونية التي تجري في العراق و التي صدرت بحق العراق  ولم يكن للشعب العراقي اليد في صياغتها.

أين هؤلاء من عدم تطبيق القرارات المتعلقة بالكرد مثلا. البند 58 مثلا من الدستور المؤقت، أليست هي الاخرى قوانين!! أأين هي القوانين؟؟؟ من يطبق القانون في العراق؟؟؟ هل القتل و الذبح و السجن و التعذيب قانوني؟؟ أذن لماذا فقط المطالبه بتاجيل الانتخابات غير قانوني؟؟؟ هل تريدون تطبيق القانون فقط على رأس العراقيين الذين شاركوا في  محاربة صدام و  الذين يطالبون الان بتأجيل الانتخابات؟؟ كل هذا وأنتم تعلمون أن الطلب بتأجيل الانتخابات حق و ليست له علاقه بالقانون. و في كل الدول أذا أتفقت الاطراف على شئ معين فأنها ستصبح قانونا.

من ناحية أخرى فان الاطراف التي شاركت في هذا الطلب، لم تكن فقط كردية، بل ان حزب رأيس الوزراء أياد علاوي ايضا كان أحدى تلك الاحزاب التي طالبت بالتأجيل و حضرت الاجتماع في بيت الباججي، و لكن الاحزاب و الاطراف الشيعية وجهت فوهات بنادقها الى الاحزاب الكردية فقط و لم تنتقد الذين مارسوا لعبه قتل القتيل و المشي في الجنازة.

 فحركة الوفاق لرأيس الوزراء اياد علاوي ساهموا في الاعداد لهذا الاجتماع و لكنه في حركة شبيه بحركات الستينات لحزب البعث غير جبهته بسرعة و صار يلعب دور الوسيط بعد أن كان طرفا ناشطا في طلب التأجيل. وما هو اقسى وأمر هو غض الطرف التي مارستها الاطراف الشيعية عن لعبة حركة الوفاق. لا أدري ألأنهم كانوا شيعة ام ......؟؟؟

يبدوا أن الغريب في العراق هم الكرد وهم الذين يتأمرون على العرب  و ألا فلماذا نست الاحزاب الشيعية 13 حزبا شاركوا في أجتماع بيت الباججي و صاروا يهاجمون الحزبين الكرديين فقط!! نحن ندرك أن الاحزاب الكردية عريقة و كنتم تنادونها بالصديقة يوما و لكن هل يهاجم  العريق و الصديق بهذا الشكل!! أم أن الغاية تبرر الوسيلة؟؟؟

في مسرحيات كهذه التي تحصل في العراق، والتي فيها السياسة و الاراء تتغير بين ليلة و ضحاها، و المثقفون لا يفكرون سوى بأنفسهم و طوائفهم، يحللون و يحرمون حسب أهوائهم، يصدرون القوانين و يبطلونها بما يحلوا لهم، يعادون بعضهم لغرض هضم حقوق الاخرين، في بلد كهذا من الصعب بناء الديمقراطية لأن الدكتاتورية تجري في عروقهم.     

     

 

HOME