الهولوكوست الكردي ، هل بات مادة للتندر ؟
أحمد معين
تحفل الصحف العربية بالمئات من الأقلام الذي لا يكل أصحابه من الدفاع عن ( باني مجد العراق ! ) و( حامي حمى الأمة ! ) وعن ( الرئيس الشرعي للعراق صدام حسين ! ) . ومن الطبيعي أن تتفاوت حمية أولئك الكتاب في الدفاع عن صدام ونظامه وحزبه ورهطه حيث يتجاوز بعضهم حدود اللياقة الأدبية بل وحتى الأخلاقية فدعك عن الضمير الإنساني وقواعد العمل الصحافي والإنتاج الثقافي . وبحسب أولئك ( الكتاب ) وبعد مصادرتهم لرأي الإنسان العراقي والحديث بإسمه ليل نهار وإرشاده إلى مصالحه ، وكأنه قاصر في عرف هؤلاء ، العراقي الذي نخره جراح لاتندمل وذاكرة مؤلمة لا تمحى منها ذكريات زوار الليل والنهار البعثي – الصدامي فإنه مطلوب منه أن يشهد على تزوير تاريخه أيضا وهو الأولى بالحكم على تلك الحقبة الدموية والكالحة والكسيحة من تاريخه بل هو مادة ذلك التاريخ الذي كتب بالدم والنار والرعب . ولا أتحدث هنا عن تزوير تاريخه الموغل في القدم والعراقة فلست بعازم على نبش تاريخ بابل وسومر وأكد أو حتى تاريخ العراق في العهود العباسية أو العثمانية بل أعني تاريخه الحديث وأحداث جرت في العقدين الماضيين لنروي تفاصيلها ، أو بعضا منها إن تسنى العمر ، حيث كتب لنا الحظ ، قياسا لمئات الآلاف من امثالنا الذين أصبحوا موادا لمختبر كيمياوي هنا وزوارا أبديين لقبر جماعي هناك أو ممن شملهم حملة حضارية لتنظيف المعتقل الفلاني أو مازالوا في سجل المفقودين يبحث عنهم أهلهم رجاء في العثور عليهم أو في الحصول على بطاقاتهم أو على كومة من عظامهم داخل معسكر سابق للجيش العراقي الذي إحتفل البعض بذكرى تأسيسه قبل أسابيع . بين تلك الأقلام ذي الحس العروبي النابض الذي يتفضل علينا بين الفينة والأخرى ليذر قليلا من ملح حرصه الوحدوي والعروبي وهواه الصدامي على جسدنا العراقي النازف السيد بطرس عنداري المقيم في سدني بأستراليا . فالسيد عنداري العدو اللدود لإسرائيل والمجاهد الفذ في سبيل حق الأمة العربية عن طريق إعادة الشرعية في العراق إلى نصابها أي شرعية النظام العراقي السابق ، له كل الحق في قول ما يشاء وكتابة ما يعتقد به ومن حق جريدة التلغراف العربية في سدني نشر آرائه وكتاباته على الملأ ، إلا إن هناك حدودا أخلاقية يبدأ منها حق الآخر وحق الضحية خاصة عندما يكون الطرف المعني شعبا بكامله . شعب لايمكن أدبيا ذر الملح في جروحه والضحك على ذاكرته وعلى قبور ضحاياه التي لا تني تنكشف مقبرة جماعية في شرق البلاد وأخرى في أقصى شماله أو جنوبه أو وسطه ، والقيام بكل ذلك بحجة مقارعة الصهيونية والإستعمار الأمريكي والتخفي وراء تلك الشعارات التي يحولها أولئك السادة إلى ، شعارات جوفاء ووسيلة لإفراغ ما في جعبتهم من حقد دفين على شعب بكامله ليس له ذنب سوى عدم ترحمه على جلاديه . فقد نشرت جريدة التلغراف في عددها 4274 ليوم الأربعاء 12 كانون الثاتي 2005 وفي صفحتها السادسة مقالا لبطرس عنداري بعنوان : عوني القلمجي وإعادة كتابة التاريخ . أعتقد جادا بأن المقالة جديرة بالقراءة وخاصة للعراقيين وذلك ليست لمحتواها أو بالنظر للمعتقدات الفكرية أو السياسية لكاتبها وليس حتى لمواظبة بطرس عنداري للإساءة إلى الشعب العراقي بصورة دائمة بل للصلافة والإصرار الذي يتحلى بهما في الضحك على مآسينا ونكأ جراحنا والضحك على ذقوننا . يحاول عنداري أو يدعو بألاحرى إلى إعادة كتابة تاريخ العراق وهي دعوة جادة وضرورية ومتطلب موضوعي إلا إن هدف الكاتب ودعوته يتبين بعد أسطر . بعها يمر على جملة من القضايا التي يدعي عنداري تناولها بالدقة والموضوعية كالإحتلال الأمريكي للعراق والمساعي الجارية جسب قوله إلى فصل ( الشمال ) ذي الأكثرية الكردية وتحويله إلى كيان شبيه بإسرائيل وكذلك الممارسات الجارية هناك لإبعاد المواطنين غير الأكراد ومصادرة منازلهم وممتلكاتهم . ثم يدلف السيد عنداري إلى قضية أخرى ليقول : ( أما النقطة الأخرى الهامة في مقالة الأستاذ القلمجي فهي تطرقه الجريء إلى ما سماه أسطورة حلبجة ) ليواصل القول : ( لقد كتبت آلاف التحقيقات والروايات حول حلبجة دون ان يجرؤ احد من العرب على كتابة دراسة أو القيام بتحقيق ميداني يكشف الحقيقة أو بعض أجزائها ) . ويختتم الكاتب المقطع المذكور من مقالته ليقول : ( وقد وصل الإسفاف والإستخفاف بالقاريء والمواطن إلى ان كتب أحد الصحافيين المعروفين في صحيفة لبنانية بارزة مقالا قال فيه ان عدد ضحايا مجزرة حلبجة فاق عدد ضحايا هيروشيما ... هكذا وبدون حياء أو خجل قارن بين ضحايا القنبلة الذرية في هبروشيما الذي تجاوز 420 الف ضحية وبين ضحايا بلدة لا يتجاوز سكانها العشرة آلاف ) . ثم يؤكد السيد عنداري ( بأن من قصف حلبجة بالأسلحة الكيمياوية هم الإيرانيون ) ويستشهد بين نفي وقوع الكارثة المروعة وبين التقليل من شأنها وفي مجرى دفاعه المستميت وتأكيداته المتكررة بأن النظام العراقي بريء من تراجيديا حلبجة بكتاب ألفه كما يقول كل من مجيد ضروري ( والأصح هو مجيد خدوري ) وأدمون غريب حيث يصفه بالأكثر موضوعية ليشير حسب الكتاب ومقالة عوني القلمجي المنشورة في القدس العربي إلى ( تورط الطالباني والبارزاني بدعم ايران ضد العراق والذي أدى إلى إجتياح القوات الإيرانية لبلدة حلبجة ) وهي واقعة صحيحة إلا إنها وكما يبدو من المقال تتحدث عن إجتياح البلدة ) وليس إلى الجهة التي قامت بقصفها بالأسلحة الكيمياوية إثر إجتياحها . والأغرب من كل ذلك هو تأكيد عنداري ( إن جرأة الاستاذ عوني القلمجي ستساعد المؤرخين والمفكرين على معرفة الحقيقة التي يكاد ان تنقلب رأسا على عقب مثل الإشارة بلقب (( علي الكيمياوي )) إلى علي حسن المجيد وتقدم المعلومات دائما بأنه أعطي هذا اللقب بعد حادثة حلبجة التي جرت قبل 16 عاما في مطلع 1988 ) حسب عنداري. ثم ينهي مقاله بإستنتاج أكثر عمقا ليقول : ( إن كشف الحقائق للأجيال العربية الراهنة والمستقبلية هو الهدف ) . لينهي كلامه هكذا ( لم يتعرض بلد لعملية تشويه حقائق وتفرض على واقعه الأكاذيب مثل العراق الذي ألصقت به محرقة حلبجة وأسلحة الدمار الشامل وخدعة المقابر الجماعية التي لم تكن سوى مقابر القتل الجماعي الذي سببه القصف الأمريكي ) . وهنا إنتهى كلام بطرس عنداري حيث لا أتطرق إلى درجة الإعتداد القوي بالنفس و ( الدلائل الدامغة ) التي لا يذكر منها شيئا في قضية شائكة كممارسات النظام العراقي البائد والجرائم التي لا تعد ولا تحصى المثبتة في وثائق منظمة العفو الدولية ومنظمة مراقبة حقوق الانسان في الشرق الأوسط والتي إستندت قبل كل شيء على عشرات الأطنان من الوثائق والدلائل الجرمية للنظام البائد سواء التي تم الإستيلاء عليها أثناء إنتفاضة آذار 1991 أو إبان سقوط النظام المخزي أمام الزحف الأمريكي في نيسان 2003 . كما إنني لا إطلب من الكاتب هنا ذكر إسم الصحيفة اللبنانية والصحافي الذي يقتبس منه وهو الذي يدعي الدقة الأكاديمية والأمانة الأعلامية مثلما أمر عابرا على دقته المستندة على أدق الإحصائيات في تقدير سكان حلبجة بعشرة آلاف إبان قصفها في 1988 حيث يعرف كل من زار تلك المدينة بأن دورها السكنية فقط كان بحدود 50 الفا . كما إن ما لا إريد التطرق إليه هو مواقف الكاتب الداعية إلى ( إنقاذ العراق ... ليعود إلى دوره الريادي ) أي إلى زمن الإبادة الجماعية البعثية و قوانين قطع الآذان والرقاب في الملأ العام وكأنها البديل الوحيد للإحتلال الأمريكي أو دعوته للإرهاب وندائه ( للمترددين ) ( بإتجاه المشاركة بالمقاومة الوطنية ) التي يرفع لوائه البعثيين وأبو مصعب الزرقاوي . وفي مستهل ردي لا بد من كشف بعض الرتوش الذي يغطي بعض إشارات عنداري . إن صاحب المقالة التي يستند إليها عنداري في تأكيداته بإعادة كتابة التاريخ ليدخل من خلالها بوابة هذه المهمة النبيلة أي مهمة الدفاع عن نظام غارق حتى أذنيه في وحل القتل والإجرام ، ليس إلا أحد عناصر المعارضة السابقة ( حيث كان بعثيا قيل إلتحاقه بصفوف تلك المعارضة المخترقة صفوفها به وبأمثال وفيق السامرائي ونزار الخزرجي وغيرهم ) والذي عاد خائبا إلى خيمة النظام وصفوف ولي نعمته قبل الحرب الأمريكية في العراق حيث عاد إلى الصف الوطني ليضع نفسه كما قال في حينها ( في خدمة السيد الرئيس وباني مجد العراق صدام حسين ! ) إلا إنه ولسوء حظه لم يستطع أن ينهل من خيرات خدمته إذ لم ينقض سوى شهور عديدة حتى إضطر للهرب مع الآلاف من ولي نعمته ليتحول بين ليلة وضحاها من عميل للمخابرات الصدامية إلى صحفي بارع يسعى لكتابة التاريخ على الطريقة الصدامية في جريدة ( القدس العربي ) المعروفة ولائه والصادرة في لندن قبل عبدالباري عطوان وليتحول لدى بطرس عنداري إلى ملهم جديد بعد أن إلتحق أمثاله في الأعلام العراقي بصفوف ( المقاومة ) ( قل الإرهاب ) . إن الحديث عن ممارسات النظام العراقي المقبور حديث ذو شجون وليس بوسع أعتى المدافعين عنه ذر الرماد في عيون العراقيين على الأقل . إلا إن مرد دفاع بطرس عنداري وأمثاله من أشباه المثقفين عن تلك الممارسات والسجل الأسود ولي عنق الواقع الحي ونفي الدلائل الدامغة بهذا الصدد يعود إلى أسباب أخرى . لقد كان التشبث بالسلطة بأي ثمن هو فلسفة البعث في العراق ولأجل ذلك لم يتورع النظام ومنذ خطفهم للسلطة بإنقلاب عسكري عن القيام بكل شيء إذ كان النظام يرى كل شيء مباحا لأجل ذلك الهدف . فذاكرة العراقيين مليئة بقصص وحالات من القمع والقتل والممارسات الدكتاتورية والطغيان يندر لها مثيل في التاريخ . ولتذكير أمثال عنداري أم فقط على بعض المحطات السريعة والبارزة منها : أولا : لقد جاء البعث إلى السلطة بإنقلاب عسكري مستغلين أزمة الاسلطة العارفية الثانية في 1968 ولم يمر اسبوعين على إستيلائهم بالدبابات على السلطة حتى أغرقوا رفاقهم والذين سهلوا لهم بحكم مناصبهم الحساسة في أجهزة الجيش العراقي مهمة الإنقلاب في بحر من الدماء . ثانيا : إستمر البعث منذ مجيئه إلى السلطة في شن حرب الإبادة الشاملة وإتباع سياسة الأرض المحروقة ليس ضد المقاتلين الأكراد فقط بل وضد الأكراد كشعب حتى وإن لم يكونوا على وئام مع القوى والأحزاب الكردية المسلحة . لقد كان الصهر القومي والشوفينية والإستعلاء القومي من اركان سياسة ونهج البعث ليس في العراق وحده الذي توسل بكل الطرق من أجل تحقيقه بل وفي سوريا أيضا . وقد تم تبني تلك السياسة بصورة رسمية في المؤتمر القومي السادس للبعث قبل تبوأهم للسلطة في العراق بأعوام . ولم يتورع البعث في سبيل تحقسق ذلك الهدف من إتباع شتى الطرق والوسائل الدموية بل وإبداع أساليب جديدة في مجال الإبادة البشرية .فحرق القرى وإستخدام الأسلة المحظورة دوليا كصواريخ النابالم والأسلحة الفسفورية والعنقودية منذ 1968 في ظل سكوت دولي مطبق ثم تصاعدها بوتائر متسارعة بعد تولي صدام زمام السلطة بصورة تامة في 1979 وقضائه على سلفه احمد حسن البكر حيث أصبح اللجوء إلى إستعماله للأسلحة الكيمياوية من الأمور المقبولة حتى من قبل الأمريكان كما دل على ذلك زيارة دونالد رامسفيلد ولقائه بصدام مبعوثا من رونالد ريغان عام 1984 في مسعى ظافر لإحتواء النظام أثناء حربه مع النظام الإيراني . وقد توج النظام بعدها حملاته الدموية بهدم سائر القرى الكردية التي بلغت 4000 قرية وحظر التواجد البشري فيها تحت طائلة قتل كائن من كان فيها حيث كان مسك الختام في الهولوكوست الكردي المتبع من قبل النظام في تلك المرحلة حملة الأنفال التي راح ضحيتها 182 الفا من المدنيين الأكراد كان اغلبهم من الأطفال والنساء والشيوخ لا يعرف أغلبيتهم من أمور السياسة وعالمها شيئا . كما رافقت تلك الحملة الدموية التي كان النظام وأركانه يشربون كأس الإنتصار فيها وبعضهم عادوا مجددا إلى السلطة تحت العباءة الأمريكية في 2003 ، أستعمال مكثف للأسلحة الكيمياوية على نطاق واسع حيث طال القصف مناطق شاسعة من كردستان كان قصف حلبجة التي سبقها بشهور عديدة أهون منها بكثير من حيث عدد الضحايا أو سعة المناطق التي شملتها والأهداف المتوخاة منها . كما شمل القصف هذه المرة مناطق بعيدة كل البعد عن ميادين الحرب مع ايران مثل القرى المحيطة بكركوك كأطراف قضاء آغجلر وكذلك القريبة من الطريق الممتد بين كركوك وبغداد وقرى أربيل بل وحتى القرى المتاخمة لتركيا وكان أعداد ضحاياها تقدر بعشرات الآلاف ناهيك عن 182 الفا السابقة الذكر التي تم دفن معظمهم احياء في صحارى جنوب العراق والحدود العراقية _ الأردنية والعراقية _ السعودية . كل ذلك عدا حملات الإعدام المتواصلة في سجون الموصل وأبوغريب ( التي كنا نشهدها بصورة شبه يومية حينما كنت محكوما بالأحكام الثقيلة نتيجة لنشاطي السياسي في ابو غريب حيث تم أعدام 6 من زملائنا ) وحملات الرمي بالرصاص في مراكز الوحدات العسكرية بل بلغ الإستهتار البعثي إلى تنظيم حملات الرمي لمجاميع من الطلاب والشباب في مراكز المدن والشوارع بعد أن يتم سوق مجموعات منهم من مراكز دوائر الأمن السيئة الصيت حيث كان يتم إجبار الطلبة والموظفين والعمال وأحيانا أهالي المعتقلين لحضور مراسيم الرمي ودعوتهم للتصفيق للعملية إمعانا الشمات و تخويف الجماهير الناقمة ولن تنسى الذاكرة الكردية حضور علي الكيمياوي أغلب تلك العمليت شخصيا ونشوته بتلك ( الحفلات ) كما كانوا يصفونها هو وأزلامه . وكانت السلطة تجبي من عوائل المقتولين ثمن الرصاصات التي تطلق على أبنائهم مثلما كان يحظر عليهم القيام بمراسيم العزاء لهم . لقد بينت الوثائق الخطية والصور والأشرطة الحية التي تم الإستيلاء عليها من قبل الجماهير المنتفضة في آذار 1991 بأن سائر الأوامر الصادرة بتنفيذ تلك الممارسات كالقصف الكيمياوي وهدم القرى والأنفال والإعدامات وغيرها كانت ممهورة بإسم علي حسن المجيد الكيمياوي ( بالمناسبة لم يكن علي حسن المجيد أستاذا في الكيمياء أو خريج جامعات هارفارد أو كمبريدج أو السوربون في علوم الكيمياء العضوية أو غيرها من فروع علم الكيمياء بل كان جنديا بسيطا في الجيش العراقي تم منحه رتبة فريق ركنو صلاحيات تلي صدام في ممارسة كل الآعمال القذرة وخاصة الإشراف الميداني على إستعمال الأسلحة الكيمياوية في كردستان والجنوب ). ثالثا وليس آخرا ولا أخيرا : لم يقتصر سياسة الإبادة الجماعية على الأكراد ، وإن كانوا في مقدمة من نالوا عطايا صدام ورهطه المجرم وكانوا أعرق الفئات العراقية التي شملهم مكرمة القتل البعثية منذ عام 1963 ورمزا للطغيان البعثي وممارسات صدام وزمرته ، بل شملت تلك السياسة المنفلتة من عقالها دون رادع دولي والتي حظيت بدعم ومباركةعربية رسمية شاملة ، كل فئات وأجناس الشعب العراقي . فسياسة قطع الآذان للهاربين من جحيم الحروب الدونكيشوتية الصدامية ( معذرة هل يواصل السيد عنداري قرائته معي لنتف فقط من سفر التراجيديا العراقية أم أصابه الضجر من مبالغاتي ويظنني من عملاء الصهيونية والإستعمار وأعداء الأمة العربية ومن زمر الطبالين للإحتلال الأمريكي الذي أعارضه حتى النخاع ؟ !!!! ) وتجفيف الأهوار والحملات ( الحضارية ! ) لتنظيف السجون كل عام ( تنظيفها من السجناء المعارضين وليس لهم ) وحملات الإبادة الجماعية التي تلت إخماد الإنتفاضة في جنوب العراق وشماله وسياسة قلع عيون السجناء ورميهم وهم أحياء قي أحواض الأسيد ( التيزاب ) وإجراء التجارب لمعرفة فاعلية المواد الكيمياوية عليهم في مختبرات النظام ( العلمية ! ) وإعدام المئات لتندرهم في حفلة ما على هلوسات صدام ومغامراته وعنجهياته اللامتناهية وطرد مئات الآلاف من العوائل العراقية إلى إيران بعد تجريدهم من كل ممتلكاتهم وحجز ثم قتل أبنائهم من الذكور التي يبلغ أعمارهم بين 18 _ 35 وممارسة سياسة التغيير الديموغرافي في كركوك وخانقين وتلعفر ومناطق أخرى وطرد كل من لا ينتمي إلى صفوف حزبهم الفاشي من العمل والدراسة بل وحتى تصفية أقرب رفاقهم البعثيين أمثال عنان الحمداني ومحمد عايش وشفيق الكمالي ورياض إبراهيم صالح مهدي عماش وحسين كامل وغزو الكويت ونهبه لثروات العراق وإفقار الشعب العراقي وتجويعهم وتصفيته حتى للناشطين الفلسطينيين من الذين لم يأتمروا بأوامرهم مثل سعيد حمامي وعزالدين القلق وغيرهم وغيرها وغيرها من بحر الممارسات البعثية والصدامية والتي يتطلب توثيقها وتبويبها وتدوينها عشرات الالاف من الصفحات ، أقول إن تلكم الممارسات الهمجية طال العراق من شماله إلى جنوبه وشرقه ووسطه وغربه . ولم تكن الحكمة من إتباع تلك السبل والأساليب البربرية إلا لتحقيق هدف واحد : البقاء في السلطة وتحقيق الأهداف الخبيثة للبعث و كل ما عداها مشروع ومبرر .
إن مقارعة اسرائيل والدفاع عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وفضح الممارسات الهمجية لإسرائيل مثلها مثل محاربة الإحتلال الأمريكي للعراق وقطع دابر الإرهاب الإسلامي وأطماع إيران وسوريا وتركيا وما يمر بها العراق من أزمة حادة وتحويلها إلى مكب لنفايات أزمات أمريكا على الصعيد الدولي ومركز لحسم الصراع مع القاعدة وميدان لتصدير الأنظة المجاورة لأزماتها وحلها على حساب شعب يناضل من أجل الحرية والرفاهية والكرامة لا ولن يغفل أحدا عن طبيعة النظام البعثي البائد وتاريخه الإجرامي ودوره في ما آلت إليه بلاد الرافدين كما لا يغفل أحدا من المطالبة الحقة والعادلة بمحاكمتهم لينالوا جزائهم العادل وليس بوسع بطرس عنداري وغيره من المتطوعين لهذه المهمة التخفيف من غلواء العراقيين تجاه تلك الزمرة التي عاثت الخراب والبؤس في كل شبر من أرض العراق . إن دعوة عنداري لإعادة كتابة تاريخ العراق وفي وقت ينتظر العراقيين على أحر من الجمر إجراء محاكمة عادلة وموثقة لقتلتهم من البعثيين والصداميين ما هي في حوهرها سوى : 1 / محاولة خائبة لحرف الأنظار عن التاريخ الدموي لأركان النظام البعثي في العراق . 2 / إستهتار فض بالشعب العراقي والضحايا المباشرة وغير المباشرة من الإجرام البعثي وسخرية مرة من تراجيديا أنسانية حية قل نظيرها في التاريخ البشري . 3 / جزء من المساعي الدائرة لتصوير الإرهاب البعثي _ الإسلامي الدائر في العراق وكأنها جزء من مقاومة شعبنا للإحتلال الأمريكي وحرف نضال شعبنا من أجل بناء عراق حر ومزدهر لأبنائه يغيب فيها ظل الإحتلال والإرهاب ليتفرغ حينها العراقيين لكنس سائر بقايا عقود من التخريب والدمار البعثي الذي شمل ليس فقط البنية التحتية للبلاد بل وإستطاع بدكتاتوريته وجبروته مسخ مجمل القيم الإنسانية والتحررية بين مواطنيه . لقد كان الأحرى ببطرس عنداري وهو يدعي كتابة تاريخ العراق بنزاهة وموضوعية أن لا يخفي نواياه الحقيقية تحت ستار آخر إذ شتان بين النزعة الموضوعية في كتابة التاريخ والتندر على السفر التراجيدي المثقل بالموت والدمار لشعب يرنو إلى آفاق بعيدة لكنس غبار ماضيه المكتوب بالنار والحديد البعثي . كما كان حريا بالكاتب أن ينزع وهو ينوي دخول محراب كتابة التاريخ الشائك للعراق نظارته ويضع لبرهة وجيزة ولائاته السابقة التي لا تخفي على أحد ، جانبا . كما إن الدعوة لكتابة التاريخ في بداية مقالة السيد بطرس عنداري لا يستقيم مع دعوته بعد أسطر منها ( بإتجاه المشاركة بالمقاومة الوطنية التي أثبت وجودها وأرعبت الطاغوت الأمريكي المتوحش ) حيث نسي عنداري أن يضيف ( وقامت بإبداع وسائل جديدة في تاريخ حركات المقاومة العالمية كقطع الرؤوس وعرضها على الملأ والذبح من الوريد إلى الوريد كما كان يجري في أقبية النظام العراقي السابق !!!! ) كما إنني أدعو السيد بطرس عنداري وهو الخبير في علوم الكشف عن زيف الإدعاءات الفارغة بقيام النظام العراقي السابق بدفن ضحاياه في القبور الجماعية أن يتحفنا بتوجيهاته في الكشف عن الدلائل الجرمية عن تأكيده بأن ( خدعة المقابر الجماعية لم تكن سوى مقابر القتل الجماعي الذي سببه القصف الأمريكي ) حيث نكون نحن العراقيين ممتنين للفتته الكريمة وعطفه الأبوي ( على الطريقة البعثية المعتادة للعراقيين ! ) على تلك البادرة الفذة . وأكون شاكرا ايضا إن كان بوسعه توحيهي بشأن مصير العشرات من أقربائي الذين فقدوا أثناء زحف القوات العراقية على المنطقة الكردية في خريف 1988 عسى ان يكونوا من ضمن الذين تعرضوا للقصف الأمريكي آنذاك . ودون ان أثقل على السيد عنداري بدعواتي ومطاليبي لكثرتها ( لأن الحديث ذو شجون كما يقال ) أدعوه مخلصا للمبادرة ( بتحقيق ميداني يكشف الحقيقة أو بعض أجزائها ) كما يطالب هو حول ( اسطورة حلبجة ) ولكن ليتذكر قبلها ما رآه الكاتب الفلسطيني ( أحمد مطر ) عند زيارته للبلدة مؤخرا حيث كتبت لوحة كبيرة في مدخلها ( يمنع دخول البعثيين !! ) .
أحمد معين كانون الثاني 2005
|