الجبهة التركمانية(دفاعا عن حقوق التركمان ام حصان طروادة بيد الدولة التركية)
الجزء الثاني

جلال الجباري

 

احداث الرابع عشر من تموز1959

------------------------------.

 

اود هنا ان اسلط بعض الاضواء على حقيقة ما جرى وعلى بعض الجوانب المهمة التي حاولت  الابواق الطورانية الماجور ة بالامس وتحاول الجبهة التركمانية اليوم ايضا اخفاءهالاغراض معروفة للقارئ الكريم.

ان مرورخمس واربعون عاما على الاحداث ,لايجعل بامكان هؤلاء تغير حقائق التاريخ, فالكرد كقومية وكحركة سياسية لم يكونوا ابدامن قاموا بتنفيذ  تلكم الاعمال المدانة, بل كانوا بشكل واخر ايضا في صراع وخلاف مع الكثيرمما كان يجري انذاك في الساحة السياسية في عموم العراق.

الكل ممن عاصروا تلك الاحداث  يدركون اية جهة سياسية كانت تقود الشارع العراقي, واية مكائد و مؤامرات كانت تدبرفي الخفاء للانقضاض على التغير الكبير الذي حصل في العراق, وهددت مصالح قوى داخلية واقليمية ودولية.                                              

الجبهة التركمانية ومن خلال اعلامها المسموم تحاول القاء مسؤلية الاحداث المؤسفة التي وقعت في كركوك على عاهل الكرد كشعب كمحاولة خبيثة لزرع بذور الفتنة بين مكونات الشعب العراقي اولا وايجاد الارضيةالمبررة

لاستمرار حالة التشنج في المدينة ثانيا(كتمهيد لاحداث مشابهة في المستقبل لاسمح الله)واظهارنفسها وكانهاالجهة المدافعة عن حقوقهم المهدورة وحاميهم من الاخطار المزعومة.

لقد تم اختيار مدينة كركوك كفتيل اشتعال, وبداية لتفجير كل الاوضاع في العراق لاسباب معروفة من تعدد عرقي, ومذهبي, وديني, اضافة الىوجود مقر شركة النفط البريطانية(اي.بي.سي)والتي كانت قناة الاتصال والتمويل بين الجهات المنفذة في الداخل, وتلك الذي كانت تخطط لذلك  في دول الجوار وما وراء البحار(كركوك_المدينة الضاحكة بالنار والنور...عوني الداوودي   ).

كانت العلاقات الكردية التركمانية تتميزبالاخاء والمود ة, ونشاءت عبر السنين الطوال وشائج  القربى والجيرة وحتى المشاركة في الاعمال التجارية, وحصل اندماج ثقافي وتراثي   كبير بين القومتين,  بل واكثر من هذا حينما انبرى عدد من الكرد للدفاع عن  شرف النسوة التركما ن لصد هجوم غادر على احدى حمامات النساء عام      1924  خلال الحادثة المعروفة بمعركة الارمن, واضحى هؤلاء الاكراد ابطالا في نظر كرد كركوك(علي بسته ورفاقه).

لقد بدات تظهر في الاوساط التركمانية في بداية الخمسينيات حركة عنصرية كان يروج لها نفر من التركمان الذين اكملوا دراستهم في تركيا.  و من الطبيعي ان يكون لكل قومية كامل الحق الكامل في تاسيس احزابها ومنظماتهاالسياسية لتعبر عن طموحاتها و تسعى وتناضل من اجل حقوقها.  ولكن توجه هؤلاء فيما عرف بالحركة الطورانية لم تكن فعلا لاغراض سياسية مشروعة بل كانت مكرسة بالدرجة الاساسية في معاداة الكورد ومعادات اليسار العراقي ووفق نفس الاطروحات الكمالية الفاشية والعنصرية المالوفة,  وكانت حتى تحارب بعض التوجهات اليسارية التي بدات بالظهور في اوساط التركمان انفسهم وبالاخص في الاوساط الشيعية التركمانية, مستخدمة اساليب طائفية وانطلاقا من المبادئ العثمانيةالمقبورة. ومن الجدير بالذكر ان الدولة التركية كانت تغري الشباب التركماني بتخصيص مقاعد دراسية لهم وتسهل قبولهم في كليات مرموقة كالطب والهندسة رغم معدلاتهم الواطئة  والذين كانوايرجعون الى الوطن بعد انهاء دراستهم وقد اكتسبوا شهادة راقية, ولكنهم فقدوا ولاءهم للوطن وفقدوا في الوقت نفسه لهجتهم التركمانية الاصلية وباتوا يتحدثون بلغة تركية يصعب حتى على اهاليهم فهمها.

وبداؤ ايضا بنشر الثقافة التركيةالعنصرية وحاولوا تعميم الكتابة بالاحرف الاتينية التركية تماما كما فعل اتاتورك في تركيا في العشرينيات من القرن الماضي, (وكما تحاول  الجبهة التركمانية  اليوم الترويج لها في كركوك).

كما كانت تقوم بتوزيع صور اتاتورك والاعلام التركية لغرض استفزاز الكورد الذين يعتبرون اتاتورك

جلادا قتل الملايين من ابناء جلدتهم.

ان التوجهات العنصرية المدروسة لهؤلاء خلقت جوا متشنجا بين الكورد والتركمان في المدينة وكنت تشاهد سجالات خلافات بين اناس عاشوا في صفاء ووؤام طيلة حياتهم  وصلت الى حدود شق صفوف ووحدة النسيج الاجتماعي للكثير  من العوائل التي كانت تربطها اواصر القربىوالدم, حتى اصبح افراد البيت الواحد متخاصمين لا يطيق احدهما الاخر فاحدهما يعتبر نفسه تركمانيا والاخر يصر انه كردي الشعور والانتماء والاصل.

وحينما جاءت ثورة الرابع عشر من تموز استبشر بها جموع العراقيين خيرا الا ان التركمان السنة خاصة كانوا ينظرون للثورة بارتياب وريبة وعدم ارتياح غريب. حينما نحاول ان نعطي بعض التبريرات والتفسيرات المنطقية لهذا الموقف المتشنج نجد انفسنا امام عدة  تفسيرات,والتي قد تكون وراء تلك المواقف ابرزها الموقف اللايجابي للثورة تجاه الاكراد في البيان الاول ,حينما اعتبر العرب والاكراد شركاء في الوطن , ولو نحن كشعب كردي لا زلنا نتطلع الى هذا اليوم ان نذوق طعم هذه الشراكة الموعود. , الاانها كانت كافية لان تفقد هؤلاء العنصريين التركمان  صوابهم ورشدهم, وهذا الموقف كان متناغما في الواقع مع الموقف التركي الرسمي حيال الثورة ومنذ يومها الاول, وللعلاقة الصميمية التي كانت تربط الحكم الملكي المباد مع الدولة التركية والعضوة الفعالة في حلف السنتو, والتي كادت ان تتوج بزواج الملك فيصل الثاني بخطيبته التركية ( فضيلة )لولا قيام الثورة.. .والسبب الثاني كان موقف قيادة الثورة وزعيمها المرحوم عبد الكريم قاسم الايجابي من قائد الشعب الكردي التاريخي المرحوم مصطفى البرزاني بارجاعه ورفاقه الى ارض الوطن, بعد تشريد دام اثنا عشر عاما والاستقبال الحارالذي لقيه منه ومن كل العراقيين الشرفاء .

وخلال الاشهر القليلة من عمر الثورة كان هناك اصطفافا واضحا للقوميات والقوى السياسية المختلفة في كركوك. فالكورد  والاشوريين والكلدان والتركمان  الشيعة كانوا مندفعين بشكل عام في تاييد الثور ة, والمشاركة في التظاهرات الجماهيرية ومختلف الفعاليات التي عمت كل انحاء العرق طولا وعرضا.بينما كان موقف العنصريين التركمان موقفا متشككا متفرجا وعدائيا.

وبدأ  اقطاب الحركة الطورانية بنشردعايات مغرضة ضد حركة اليسار العراقي واتهامها بتهم مزعومة حول الكفر والالحاد  و المجون وروجت مفاهيم مشوهة ورجعية حول موقف  اليسار العراقي من المجتمع والدين وكون  هذه المفاهيم متنافية مع القيم الاسلامية ليس من منطلق الدين طبعا  بل كانت محاولة مدروسة للتقليل من  شانهاوضربها في الصميم. مما شكل لدى تلك الحركة السياسبة تصورا بان هؤلاء انما يلعبون دور الطابور الخامس خدمة لمخططات حلف السنتو فكانت تصفهم  بالعملاء واذناب الاستعمار.

كل هذه الاعمال الاستفزازية خلقت الارضية لنشوء جو من الاحتقان المشحون بالبغض والكراهية بين مختلف القوميات في كركوك....فكان رشق التظاهرة الجماهيرية بالحجارة من قبل بعض التركمان الشرارة التي اشعلت فتيل تلك الاحداث التي خططت لهابشكل مدروس ونفذتها كل الاطراف بقصد او بغير قصد. والتي كانت ضحيتها 32  مواطنا تركمانيا في الايام الثلاثة الاولى من الاحداث واضعاف ذلك من المواطنيين الكرد بعد ذلك باشهر وسنين  والاهم من كل ذلك وتلك, الشرخ الكبير الذي حدث في العلاقة الكردية التركمانية ولعل هذا كان الهدف الاساسي من ايصال الامور الى ما وصلت اليه, اضافة الى خدمة المخطط الرئيسي التي رسمت ونفذت بدقة الا وهو الاطاحة بحكم عبدالكريم قاسم والاتيان بحكم البعث, والتي صرح ثلاثة من ابرز قياديها في بيروت فيما بعد(علي صالح السعدي.محسن الشيخ راضي.حمدي عبد المجيد) بان البعث قد جاء الى السلطة بقطار امريكي ومن سخرية القدر انها دهست بنفس القطار عام2003.

التاريخ لم يشهد اية حوادث مؤسفة في كركوك, وحتى ما حدث في تموز لم يكن للكورد كقومية اية دور فيه كما اسلفت, الا انه وبعد الاحداث مباشرة بدات سلسلة من الاعمال الاجرامية المدروسة وموجهةلارهاب الكورد في المدينة والتي طالت المئات من الكورد قتلا  وتشريدا, والتي فاقت في بشاعتها وضحاياه ما تم ارتكابها خلال احداث كركوك عام 1959 اضعافا مضاعفة , والتي استمرت    لسنين  طويلة من قبل عصابات اجرامية من القتلة والاشقياء (كعصابة الكف الاسود) مرتكبة جرائم الاغتيال و رمي القنابل اليدويةعلى البيوت الامنة و الى رمي التيزاب الحارق على وجوه المواطنين الابرياء. اضافة الى انخراط اعداد من التركمان في صفوف عصابات الحرس القومي السيئة الصيت والقيام بارهاب المواطنين الكورد واجبارهم  على ترك بيوتهم ومحلاتهم ,والقيام بهدم احياء كردية بالكامل وتشريد اهلها,  فاول عمل اجرامي   تعريبي في كركوك انما بدا بتحريض ومباركة من  التركمان وتنفيذ اجرامي  وعلى الطريقة البعثية اثناءالحكم الأسود للبعث علم 1963, وتم اجراء محاكمات شكلية وسريعة للمتهمين المزعومين  المزعومين بضلوعهم في حوادث كركوك, وتم تعليق جثثهم في ثلاث ساحات عامة وسط اهازيج وهلاهل النسوة التركمان بينما كان اوغاد الحرس القومي من التركمان يفرغون غلهم احقادهم العنصرية في بالجثث المعلقة ممثلين بها وامام الملاء, والتي كان قسم منها لشخصيات كردية معروفة في كركوك مثل الشهيد المحامي والشاعر الكردي( الشيخ معروف البرزنجي واخيه الشيخ حسين) والذي لم يكن اصلا موجودا في كركوك ايام الاحداث .كما تم في نفس اليوم اعدام ثلاثة من الشيوعيين التركمان والذين تحرص الجبهة التركمانيةالى عدم الاشارة اليهم حتى توهم الناس بان الاحداث كانت بفعل الاكراد,  والاكراد وحدهم. والحقيقة ان افراد من كل القوميات الموجودة في كركوك ومن الاتجاه السياسي اليساري المعروف قد اشتركت في تنفيذ احداث كركوك المؤسفة. فلماذا يجري التركيز على الكورد وحدهم....هنا التساؤل الكبير والذي يقودنا الى الهدف الحقيقي وهو استخدام تلك الحادثة للاساءة الى الكورد.... . وان ماجرى يدلل كذلك عمق الترابط  و وحدة الاهداف والمصير بين العنصريين التركمان ونظرائهم البعثيين و ليست وليدة اليوم فقط بل تعود الى الماضي, وطالما تحالفت العنصرية والفاشية عبر التاريخ لتحقيق اهداف ميكافيلية مشتركة  ( وما اشبه اليوم بالبارحة)  . ورغم الاقتدار الكامل  للكورد بالرد على كل هذه الاعتدائات الا ان قيادة الحركة الكردية آثرت السكوت والصبر حتى لا تعطي الذريعة لخلق هولوكوست جديد واعطاء هؤلاء فرصة اضافية وقميص عثمان اخر للتباكى والنواح  لعدد اخر  من السنين, بغية خداع وتضليل الراي العام التركماني والعراقي,,,,.ونحن نتسائل مع الحرص الشديد على روح كل انسان عراقي....اذا كان مقتل 32 تركمانيا في حوادث كركوك وقبل 45 عاما (مجزرة رهيبة) غير قابلة للنسيان والتجاوز.فماذا ينبغي  نحن الكرد ان نسمي جرائم النظام الصدامي في حلبجة والانفال والتي فاقت تلك التي يجترونها ليل نهار وبمناسبة وغير مناسبة بالاف المرات وزادت  في بشاعتها ايضا     أضعافا مضاعفة...ومع ذلك لم يسمح الاكراد لانفسهم يوما باتهام الشعب العربي بالكامل بجريرة تلك الافعال بل حتى ولم نتهم نحن اهل العوجة وتكريت باقترافها.......

 الى ماذاتهدف اذن الجبهة التركمانية وريثة الطورانية في العراق من اجترار احداث مؤلمة من الماضي البعيد وتكرارها باسلوب تحريضي موجه اساسا للنيل من كل تقارب بين ابناء المدينة الواحدة والبلد الواحد, علما ان الحركة الكردية ادانت ما حصل حينها وحتى الجهة السياسية العراقية التي اعتبرت مسؤولة بشكل مباشر انتقد ت نفسها مرارا وتكرارا.

فاذا كان هدف الجبهة التركمانية ان تشحن وتسسم الاجواء بغية دفع القيادة الكردية للانجرار الى رد الفعل والوقوع في نفس الخطا الذي وقع فيه الاخرين( وهذا ما يهدف له الذين يرسمون المخططات للجبهة كما فعلوا في الماضي ).فاننا نريد ان نحيطهم علما ان القيادة الكردية اكثر حكمة وصبرا مما يتصورون وهي لم تنتقم حتى من اولئك المجرميين الذين نفذوا الاغتيالات في بداية الستينيات وعدد منهم اجتازوا اراضي كردستان في هروبهم الى تركيا بل بالعكس قدمت لهم كل العون والمساعدة.

ان الحرص الحقيقي على العراق ارضا وشعبا يتطلب نسيان الام الماضي والتطلع الى افاق المستقبل المشرق وعلينا ان لا نذكر اجيالنا القادمة بتلك الالام والتي كنا نحن الكورد اكثر الناس المكتويين بها , حتى ينشا اطفالنا بدون عقد مترسبة  واخقاد موروثة....

 

2004..12...10

 

 

 

 

HOME