هل
المشاركة السياسية للمرأة
تحقق الديمقراطية أم الديمقراطية تحقق المشاركة السياسية للمرأء؟
فينوس فائق
شاعرة و صحفية من كوردستان الجنوبية
تهميش دور المرأة إجتماعيا و سياسياً في المجتمع منذ بدأ التأريخ البشري و حتى يومنا الحاضر ، و حصر حركتها تحت ظل الرجل كتابع له في كل المجالات الإجتماعية ، و حرمانها من كسب القوت و إبقاءها تابعاً للرجل إقتصادياً ، و تجاهل دورها التربوي و إثبات دورها الحقيقي في تنشئة الأجيال و وضعها في الهامش دائماً إزاء المهام التي تتطلب منها مشاركة فعالة ، و حبسها في بوتقة الرجل ، و بالتالي حرمانها من ممارسة مهامها الوطنية و السياسية و مشاركتها في السلطة بحجج واهية ، كل هذه الأمور مجتمعة و غيرها من الأذى النفسي و الأخلاقي الملحق بها على طول التأريخ ، و بمختلف السبل هي من القضايا التي لا زالت تعاني منها المرأة و المجتمع على حد سواء ، و الأمر الذي ترتبت عليه نظرة إجتماعية متخلفة لمكانة المرأة و أفرزت واقعاً متخلفاً ضحيته الأولى و الأخيرة هي المرأة ، و الذي خلف ذلك الإرث الإجتماعي و الأخلاقي الذي هو وليد العادات الإجتماعية و الدينية المتحجرة المتخلفة الذي يتوارثة الأجيال عقداً بعد عقد ، و و بالرغم من أن هذا الموضوع يأخذ نصيباً لا بأس به من الكتابة و التحليل و الدراسة ، إلا أن النتائج المرجوة على خلفية تلك التحاليل و الدراسات لا تزال دون المستوى المطموح إليه. لا داعي للخوض في السرد التأريخي لنضال المرأة و كفاحها من أجل نيل حقوقها ، غير أن من المهم الإشارة إلا أن التحصيل الدراسي (العالي على وجه الخصوص) و الإستقلال الإقتصادي و المشاركة في صنع القرار السياسي هي من أهم الحقوق التي تحقق للمرأة المكانة التي تطمح إليها في المجتمع ، و التي توفر الأرضية الملائمة لولادة طموحات تليق بالأجواء الديمقراطية لأي مجتمع كان ، فتلك الحقوق الثلاثة هي تحصيل حاصل لتحول المجتمع إلى الديمقراطية بطريقة طبيعية و ليس بطريقة مصطنعة غشاشة ، على طريقة النظم الدكتاتورية التي تنادي بشعارات في السماء لا تنزل إلى أرض الواقع خوفاً من آثار و نتائج بروز الوعي النسوي و نهوضهن بمستواهن الذي سيرافقه نهضة إجتماعية حضارية فكرية تغير الواقع الإجتماعي من الجذور و تفرز ثورات فكرية سياسية علمية ، تنير العقول و ترفض النظام الدكتاتوري و الواقع المرير المترتب عليه ، إذ ليس هناك مجتمع يرفض فيه الرجال فقط الواقع المرير الذي يصنعه الحكام المستبدين ، فليست هناك ثورة بالمعنى الحقيقي للكلمة تنجح مالم تشارك فيه المرأة ، ثم تنجح ، لكن هذه المشاركة كان نصيبها التهميش على الدوام ، و حتى الإنجازات التي حققتها المرأة في أي مجال كان طوال التأريخ كان نصيبها تاتهميش و الإهمال و عدم الإعتراف ، مما ترك آثارها السلبية على عقلية المرأة نفسها و نظرتها السلبية للحياة و المستقبل. يقال أن السياسة فن الممكنات ، و بما أن الديمقراطية فن من الفنون السياسية و عملية من العمليات التي تتحقق مع أو إثر التغييرات السياسية ، و التحولات التي تمر بها المجتمعات من الدكتاتورية إلى الديمقراطية ، و بناء مؤسسات ديمقراطية سليمة ، فإن السياسة و كونها فن الممكنات تتيح الأرضية المناسبة لإعادة التوازن للميزان الإجتماعي المختل من خلال تهيئة الضروف المناسبة لدخول المرأة فعلياً إلى معترك السياسة بإعتبارها الجزء الفعال في المجتمع و طاقة إنتاجية غير مستفاد منها ، و تخطي العقبات بإتجاه تفعيل قدراتها ديمقراطياً و الإستفادة من إمكاناتها السياسية ، من أجل تحيقيق المشاركة السياسية لها وعلى مستوى السلطة تحديداً . فلولا مشاركة المرأة في دفع دفة الحكم جنباً إلى جنب الرجل ، لن تكتمل المعادلة السياسية و الإجتماعية في المجتمع ، و لن يتوازن المجتمع سياسياً في عملية التحول الديمقراطي ، فمن غير الممكن تحول العالم الذكوري ديمقراطياً و تطبيق مباديء الديمقراطية فقط من قبل الذكور ، و أن يكون دور المرأة مقتصراً على الإستظلال بظل الرجل تحت شجرة الديمقراطية ، أي أن تنال نصيبها من الديمقراطية و هي جالسة في ظل رجل ، و إختفى الرجل غابت شمس الديمقراطية من حياتها ، و إنما عليها أن تنتقل بمكانتها إلى جانب الرجل و أن تنتزع حقوقها و واجباتها السياسية و الإجتماعية في ظل الديمقراطية بيدها .. فلو أخذنا بالمقولة التي مفادها أن مستوى رقي المجتمعات تقاس بدرجة رقي المرأة في ذلك المجتمع ، فمن البديهي أن نضيف أن من أهم العوامل التي يجب أن تقاس بها درجة رقي و وعي المجتمعات هو قيام المرأة بمهامها السياسية و وظيفتها الوطنية بشكل فعال و مشاركتها في صنع القرار السياسي ، لذا يمكن القول أن أية حكومة في الدنيا لن تنجح في إقرار و تثبيت مباديء الديمقراطية ، في ظل تهميش دور المرأة ، و إذا لن تفسح المجال أما الكادر النسوي لأن تقتحم الميدان السياسي و المشاركة الفعالة في صنع القرار السياسي من مستويات عليا في المجتمع و السلطة و الحكم. فلو أخذنا الأسرة مثالاً مصغراً لمفهوم السلطة و ممارسة السياسة، و لو مسحنا مفهوم المجتمع الأبوي و الذكوري من القواميس الفكرية المتخلفة ، و أخذنا في نظر الإعتبار أن الأسرة هي حكومة مصغرة ، فإذا إنعدم فيه دور الأم أو المرأة في إدارتها ، على إعتبارها الجزء المهم إلى جانب الرجل (و لا أقول بعد الرجل) ، ستكون للأسف أسرة غير صحية و بالمفهوم التقليدي أسرة قائمة على مبدأ السلطة الأبوية و الحكم الذكوري ، بالتالي سيتحول شكل الحكم فيها شيئاً فشيئاً نحو نوع من الدكتاتورية الأبوية ، التي تمارس سلطتها من داخل أسرة صغيرة ، و تُنشيء جيلاً إنغرست فيهم صورة الأسرة التي تنعدم فيها سلطة الأم و لا تؤمن بقدرات المأرة التي من المفترض أنها نصف المجتمع ، و ينشأ جيل لا يفهم معنى أن تكون المرأة نصف المجتمع ، إذ يقتصر دور المرأة أمام عينيه و في وجود رجل مستبد إلى مخلوق مهمته في الحياة إنجاب الأطفال و السهر على راحة الرجل و أطفالها ، و هكذا تأتي الأجيال اللاحقة التي تأخذ الحكمة من الجيل الذي قبله .. و عليه فإن بناء السلطة في أجواء ديمقراطية مئة بالمئة تتيح للمرأة المشاركة الفعلية (وليس المشاركة الصورية) في صنع القرار السياسي ، هو الذي يهيء الأجواء المناسبة لولادة مجتمع قائم على العدالة و إحترام حقوق الإنسان . من هنا يجدر بنا أن نسأل هل يجب أن تشارك المرأة في صنع القرار السياسي لكي تتحول الدولة و معها المجتمع إلى دولة و مجتمع قائمين على أساس نظام ديمقراطي ؟ أم يجب أن تتحول الدولة أولا سياسياً إلى نظام ديمقراطي و من ثم تهيء هي الطريق السهل لولوج المرأة في عالم السياسة و المشاركة في صنع القرار السياسي ، أي أن تناول الدولة لقمة المشاركة السياسية للمرأة ، بمعنى آخر أن تنتظر المرأة قرار الرجل لكي تشارك في صنع القرار السياسي ، تلك الخطوة التي لا تأتي أبداً منجانب الرجل مالم تتحرك المرأة بنفسها . الأمران لازم و ملزم لبعضيهما ، لكن لو أن المرأة أجهدت نفسها و إقتحمت الميدان السياسي بنفسها ، و تفرض وجودها ، من ثم تخلق هي لنفسها الأرضية المناسبة التي تمارس عليها واجباتها السياسية التي تؤمن بها ، و تعمل على إكتساب ثقة المجتمع بها على أنها نصف و نصف مهم من جسد المجتمع ، و التي تهيئها لمرحلة صنع القرار السياسي ، لكان الأجدر و الأنفع. مع أن أي مشاركة سياسية فعلية للمرأة في صنع القرار السياسي هو تفعيل حقيقي لمباديء الديمقراطية ، و بالتالي التفعيل الحقيقي للديمقراطية لن يكتمل مالم تشارك المرأة سياسياً في صنع القرار السياسي في بلدها.
|