من يضمن للإنتخابات العراقية النجاح قانونياً ؟؟
فينوس فائق
هذه المرة أردت أن أكتب عن الأدب مثلاً ، و الأدب النسوي ربما تحديداً ، فغيرت رأيي ، فتناولت قلمي و قلت: سأكتب عن المأساة التي ألمت بمنطقة شرق آسيا ، و عدلت عن رأيي ، فعزمت أمري أن أكتب عن تطورات الأحداث في فلسطين المحتلة ، فتراجعت ، فوجدت نفسي أكتب مرة أخرى عن الإنتخابات العراقية ، هل تعرفون مالسبب؟ السبب هو أنك لو تابعت كل وسائل الإعلام من مرئية ، مسموعة ، مقروءة و أضف إليها الألكترونية بكل أنواعها و لغاتها و أطيافها كلها تتحدث عن الإنتخابات ، فتصورت موضوعي عن الأدب النسوي مثلاً سيكون نشازاً بين كل المقالات و المواضيع التتي تتناول قضية الإنتخابات العراقية.. بحيث صارت الإنتخابات العراقية التي من المزمع إجراءها في 31 كانون الثاني القادم ، صارت الشغل الشاغل ليس لكل العراقيين ، بل لكل إنسان في العالم يهمه تثبيت دعائم الديمقراطية في المنطقة من خلال إنجاح التجربة الإنتخابية في العراق و تسلم العراقيين زمام السلطة في بلدهم ، و اليوم وقد إقتربت ساعة الصفر و صار العراقيون على مسافة عدة خطوات من صناديق الإقتراع فإن مسألة تأجيل و عدم تأجيل الإنتخابات هي الأكثر إثارة من بين المواضيع التي تأخذ نصيبها في المناقشة.. عن نفسي لا أؤيد تأجيل الإنتخابات ، إن كانت هي إنتخابات كأي إنتخابات أخرى في العالم تجرى في بلد عادي كأي بلد آخر في العالم ، في ظل ظروف عادية ، و في ظل إستتباب الأمن ، و في جو هاديء مفعم بكل مستلزمات الأمان و الهدوء و الإستقرار السياسي و الطائفي ، و إن كانت تجرى في بلد يخوض التجربة الإنتخابية للمرة العاشرة أو أكثر على الأقل ، أو في بلد تنتقل فيه السلطة بروح ديمقراطية من حزب مؤمن بالديمقراطية إلى حزب آخر أيضاً مؤمن بمباديء الديمقراطية .. لكن الإنتخابات العراقية ليست إنتخابات بالمعنى المتعارف عليه و الذي يفهمه الإنسان العادي ، إنما هي معركة محو مخلفات أبشع نظام شهدته المنطقة في التأريخ ، معركة الهدف منها محو كل آثار و مخلفات الحزب الذي حكم شعب بأسره بالحديد و النار طيلة 37 سنة ، معركة تنظيف العقول و النفوس و الضمائر من الفكر البعثي الشوفيني الدموي ، إنها معركة من طراز آخر ، ليس فقط أن ينتصر الحق على الباطل و يعود الكل إلى داره ، و إنما هي معركة زرع بذور الديمقراطية في أرض دمر الطاغية كل خصائصها الجيدة لمصلحته الشخصية.. إنها معركة تحوُل ، الهدف منها تحويل مسار السلطة من الدكتاتورية إلى الديمقراطية ، و هذه العبارة الأخيرة من أسهل ما يكون النطق بها ، لكن من أصعب ما يكون تطبيقها على أرض الواقع بحذافيرها.. من يضمن للإنتخابات العراقية النجاح بنسبة ولو %40 أربعين بالمئة فيما يتعلق بتثبيت دعائم الديمقراطية قانوياً و سياسياً في بلد عبارة عن خراب و يجب بناءه من جديد ، بعد أن دمر الطاغية كل بنيته الإقتصادية و الإجتماعية تدميراً كاملاً و لم يخلف بعده سوى الدمار؟ ولأن الإنتخابات تجرى في العراق و داخل ساحة محاربة الإرهاب الأمريكية ، و المعركة الأمريكية من أجل نشر مباديء الديمقراطية ، العراق الذي لم تشرق فيه شمس الديمقراطية يوماً و لحد الساعة ، العراق الذي يعاني من مئات الأمراض البعثية ، العفلقية ، الشوفينية ، السلطوية ، الدموية ، الذي يعاني من مشاكل كارثية تتفجر يومياً بين أحياء و أزقة المدن العراقية على مدار الساعة و تحصد عشرات الأرواح على أقل تقدير يومياً .. كيف تقنع أهالي المؤنفلين و ضحايا فاجعة حلبجة بأن يذهبوا إلى صناديق الإقتراع دون خوف أو رهبة من مستقبلهم ؟ كيف تمنحهم الإحساس بالأمان مرة أخرى في بلد لم يأمنو فيه من شر طاغية كل تسليته كانت قتلهم و تشريدهم و ترحيلهم؟ أعود و أكرر أن تأجيل الإنتخابات عملية غير قانونية حسب القانون الدولي و حسب ما شرحه لي صديق قانوني ، لكن أين تكمن مصلحة الشعب العراقي ؟ أن ننفذ القانون بحذافيره لكن على حساب مستقبلهم السياسي مرة أخرى ؟ و إن كنا حريصين إلى هذا الحد على تنفيذ مباديء القانون فلماذا لا يجري تفعيل و تنفيذ ما يرد في نص المادة 58 من قانون إدارة الدولة العراقي المؤقت؟ ألا يشكل ذلك أيضاً بنداً مهما من بنود قانون إدارة الدولة الذي هو بمثابة الدستور الدائم للبلاد في المستقبل؟ أم لأن ذلك البند يخص شريحة لا حول لهم و لا قوة في المجتمع منذ بدأ التأريخ البعثي في العراق و حتى اليوم ، و هم الكورد في كركوك ؟ لا تأتي نداءات تأجيل الإنتخابات من الفراغ ، و إنما تأتي من الحرص على تأمين ضروف أكثر أماناً و ملائمة و أجواء أكثر مناسبة لخوض مثل تلك التجربة المصيرية..فالكل متحمس لأن يعيش تجربة الإنتخابات ، لكن من المستحيل أن يجني العراقيون النتائج التي يطمحون إليها من الإنتخابات إذا ما أجريت في الضروف غير المستقرة الحالية و الأوضاع المتفجرة التي تحيط بالإستعدادات الجارية للإنتخابات.. من أهم الأمور العالقة التي يجب عدم تجاهلها خصوصاً من قبل الإدارة الكوردية هو مسألة إثبات الهوية الكوردية لمدينة كركوك التي أعود و أؤكد على أن دخول الكورد في الإنتخابات قبل عودة كركوك إلى أحضان كوردستان ، هو إعتراف بالهزيمة قبل خوض الإنتخابات ، من ثم البدأ بتنفيذ المادة 58 من قانون إدارة الدولة المؤقت الخاص بإعادة المرحلين إلى كركوك و إعادة الأوضاع في المدينة إلى وضعها الطبيعي أي قبل عمليات ترحيل و تهجير الكورد منها و إستقدام العرب و إسكانهم فيها قسرها ، بهدف تشويه معالمها التأريخية و القومية. فتنفيذ المادة 58 الآن و قبل الخوض في الإنتخابات أكبر دليل على أن العراقيين يريدون الديمقراطية ، إن كانو فعلاً يريدون الديمقراطية بعد أن ذاقو مرارة الدكتاتورية !! و الأمور كلها تحصيل حاصل بطبيعة الحال في هذه الحالة ، فإما أن تكون ديمقراطياً حتى لو كان على حساب المصلحة الشخصية ، و إما أن تكون دكتاتورياً ، حتى ولو على رقاب شعب بأكمله ، و إلا فما الفرق بين النظام البعثي البائد و النظام الذي سياتي بعده و يمشي على نفس مسيرة النظام السابق ، فليست هناك حال بين بين ، و أو مجاملة ، أي كيفما وضع القانون 58 ، كذلك يجب تنفيذه بحذافيره..!! خصوصاً و أن هناك ما يقارب السبعين ألف كوردي من أهالي كركوك ليس لهم الحق لحد الآن حسب القانون بأن يصوتوا ، إذ لا يمتلكون الأوراق و الوثائق القانونية التي تثبت أنهم من سكنة كركوك والتي من شأنها أن تمنحهم الحق بالمشاركة في إنتخابات المجلس البلدي ، أم أن هناك من لا يريد لسكنة مدينة كركوك الذين من أصول كوردية أن يشاركو في الإنتخابات ؟ و في هذه الحالة لن تكتسب نتائج الإنتخابات صفة الشرعية و لن تتسم بالنزاهة !! ألا تدخل هذه أيضاً في صلب المسائل القانونية التي يجب تثبيتها و ضمانها قبل خوض الإنتخابات؟ لماذا يخدع البعض نفسه بأكذوبة أن تأجيل الإنتخابات عملية غير قانونية ، في الوقت الذي هناك مئات المسائل القانونية العالقة التي لم تحل و لم تطبق وفق مايجب أن يكون ، حسب القانون ، ثم هل الأوضاع التي عليها مدينة كركوك الآن و هم مقبلون على إنتخابات المجالس البلدية هي قانونية؟ أليست ضرورة محو آثار السياسات التي كان النظام العراقي المقبور ينتهجها في المناطق الكوردية ، و منها كركوك ، من الأمور القانونية التي ينص عليها قانون إدارة الدولة العراقي؟ أليس منح المواطنين الحقيقين من أهالي المدينة الوثائق القانونية التي تثبت هويتهم الكوردية هي من صلب الأمور القانونية التي يجب مراعاتها قبل الإنتخابات؟.. ألا يعتبر تأمين ضروف و أجواء مناسبة لمشاركة كل شرائح المجتمع في العملية الإنتخابية هي من الأمور القانونية ؟ و من هذه الأمور هي تأمين وصول كل سكنة القرى و الأرياف و المناطق النائية إلى مراكز الإنتخاب بسهولة للإدلاء بأصواتهم ، و منهم سكنة مناطق جبلية وعرة في كوردستان لا يتوفر فيها أبسط وسائل النقل السهلة ، خصوصاً و أن الثلج يتساقط بغزارة هذه الأيام ، أليست هذه أيضاً من الأمور التي يجب على الحكومة الحالية التفكير بها بجدية. ، بالإضافة إلى عامل الأمان الغائب نهائياً في العراق ، و الوقائع اليومية أكبر برهان ، فمتى ما شهد العراق يوماً واحداً على الأقل دون إنفجار ، حينها يمكن إجراء الإنتخابات ، و إن تفجير المركز الإنتخابي الذي تم تعيينه في الموصل قبل أسابيع أقرب دليل إلى الأذهان ، فكيف لو ذهب المواطنون بالمئات إلى صناديق الإقتراع و جرى تفجير المركز لا سامح الله؟؟ و صعوبة الترويج للحملات الإنتخابات من قبل المرشحين و مقابلة المواطنين ، و الإعلان عن برامجهم الإنتخابية ، بسبب غياب عامل الأمان أيضاً من الأمور التي تجعل الإستعدادات للإنتخابات ناقصة و غير كاملة... هذا كله عدا عن العدد الكبير من الأحزاب و القوى التي تقاطع الإنتخابات و التي تؤثر سلباً على نتائج الإنتخابات و هي بمثابة هزيمة سياسية و دليل على إخفاق القوى في إقناع الشعب العراقي بأنهم يسيرون نحو الديمقراطية من ناحية ، و من ناحية أخرى تنذر بحدوث الكثير من أعمال الشغب و الأعمال الإرهابية التي قد تعيق العملية الإنتخابية قبل البت في المشاكل التي تجعل تلك القوى أن يقاطعو الإنتخابات ، و من أجل حل تلك المشاكل التفكير في مؤتمر مصالحة وطنية شاملة (وهذا الإقتراح تقدم به في وقت سابق على ما أذكر الشريف علي بن حسين من الحركة الملكية) بحيث يؤمن مشاركة جماهيرية أوسع في الإنتخابات و أن تتراجع تلك القوى عن قرارها بمقاطعة الإنتخابات. و السعي من أجل تقريب وجهات النظر و تقديم التنازلات من قبل الكل من أجل الصالح العام .. لذا فإن هذه الأمور كلها تدخل في صميم الوضع السياسي و القانوني التي تتعلق بالمسيرة الديمقراطية في العراق و إن تأجيل الإنتخابات هي إحدى تلك التنازلات السياسية و القانونية التي تخدم الشعب العراقي و تعود بالفائدة عليه بالمستقبل ، و أعتقد أن النداءات بتأجيل الإنتخابات تصب في خانة الحرص على جني نتائج أفضل و مستقبل أفضل للعراقيين ، و هو لا يتعارض بأي شكل من الأشكال مع مباديء الديمقراطية ، و إلا فمن يضمن للإنتخابات العراقية النجاح قانونياً إن كانت هناك أصلات عشرات القضايا القانونية العالقة التي تنتظر الحل قبل التوجه إلى صناديق الإقتراع... |