بعد رحيل أم الشهداء بشهر استشهد حفيدها شالاو
 أحمد رجب

  

                                                   

 

كان نظام صدام حسين الدكتاتوري جائراً وعدواً لدوداً لأبناء العراق وكانت أجهزة الأمن والمخابرات التابعة له تتحرك في كل مكان وتترّصد تحركات المناضلين وتحاول فرض حصار محكم على دورهم ومراقبة كل من يدخلها أو يخرج منها ومراقبة مناطق تواجدهم بصورة دقيقة للإنقضاض عليهم في الساعة التي يرونها ضرورية لبقاء حكمهم الأسود والقيام بإعتقالهم وفق اسلوب وحشي بإتباع طريقة التصفيات الجسدية وفبركة العديد من الإتهامات للمناضلين والشيوعيين وزجهم في المعتقلات الرهيبة تمهيداً لتصفيتهم، وانّ قيام النظام الدموي بهذه الأعمال قد أفادته في تفويت الفرصة أمام حالة النهوض الجماهيري لفترة قصيرة.

لقد كان حزبنا، الحزب الشيوعي العراقي يتصّدر الصفوف الأمامية وهو يخوض نضالاً عنيداً مع سائر القوى الوطنية والتقدمية العراقية والكوردستانية ضد دكتاتورية المجرم صدام حسين التي حوّلت البلاد إلى زنزانة لأبناء الشعوب العراقية كافةً.

أنّ النضال الشاق والطويل الذي اختاره الشيوعيون وأصدقاؤهم من أجل خلاص العراق من حكم النظام الدكتاتوري المتسلط على رقاب أبناء العراق من العرب والكورد وأبناء سائر القوميات المتآخية جعل الآخرين أن يثنوا على هذه النضالات وأن يشيدوا بمآثر حزب الشيوعيين ويقولوا بأنّ السجل النضالي لحزبكم الطافح بروح التفاني وتحمل المسؤوليات الجسام وخوض المعارك الوطنية وبإستمرار ودون إنقطاع أن يصبح نجماً هادياً في سماء البلاد.

في خضم نضالات الحزب استطاع المناضل الشيوعي نوري عثمان وأبنه الشاب كامه ران وجميع أفراد عائلته وعائلة شقيقه المناضل عزت عضو اللجنة المركزية آنئذ، والذي كان مع رفاقه يقودون العمل التنظيمي في المدن وخاصةً في العاصمة بغداد، ووالدته المريضة الإلتحاق بقوات الأنصار البيشمركة لحزبنا الشيوعي العراقي في مقر دولي كوكا في منطقة قلعة دزة في شهر آذار عام 1988.

في 8/6/1988 توفيت الأم البطلة التي استطاعت رغم الصعاب والأيام القاسية التي مرّت وعصفت بالعراق على يد المجرمين القتلة من تربية أولادها، تربية وطنية صالحة، وكانت تفتخر دائماً بأولادها عزت، نوري، عرفان، برهان ونجم الدين كونهم ينتمون للحزب الشيوعي العراقي، نعم لقد توفيت المرأة المريضة لعدم وجود الأدوية الكافية والمناسبة في الجبال، توفيت جدة شالاو، والجدير بالذكر أنّ هذه الجدة والمناضلة الباسلة هي ام الشهيدين اللامعين نجم الدين وبرهان من كوادر الحزب اللذين سجلا أروع الأساطير في العمل الشبابي والعمل السري. نعم، توفيت هذه العجوزة لكي تصبح شهيدة خالدة لم تقبل العيش في ظل دكتاتورية البعثيين.

بعد رحيل أم الشهداء بشهر وعدة أيام، وبالضبط في 5/7/1988 هزّ إنفجار ضخم مقر الحزب في دولي كوكا، وتعالت الأصوات في كل مكان وهي تطالب الأنصار بالإسراع في الذهاب إلى الملاجيء والإحتماء فيها ما عدا المكلفين بالحراسة وحماية المقر، وقد ظنَ الجميع بأنَ العدو الجبان عاود قصف المقر من جديد، لأنَهم يعلمون بأنّ العدو يقصف بين فترة وأخرى هذا المقر.

بعد مضي دقائق على الإنفجار الرهيب والمرعب، ووسط إندهاشنا من قصف المقر بقذيفة واحدة من جانب العدو الذي كان يضرب المقر عشوائياً بعشرات القذائف، خرج الجميع لكي يشّموا رائحة اللحم المشوي، وبينما نحن ندردش، وفي هذا الوقت تعالى الصراخ والبكاء من الأمهات والأخوات من جميع أطراف مقرنا، ولسان حال الجميع يطالب : أين شالاو ؟ أين شالاو ؟..

علمنا أن شالاو قد استشهد من جرّاء خطأ غير مقصود عند نقل عدد من القذائف وحفظها في محل آمن وبعيداً بعدة أمتار من المقر، وعن طريق الإحتكاك إنفجرت القذائف في وقت واحد، ممّا أدّى إلى حرق جسم الرفيق النصير، وتناثرت الأشلاء على قطع صغيرة جداً في كل مكان، ووسط البكاء والحزن إنخرط الجميع بلم وجمع ما أمكن من أشلاء جسم النصير الطاهر.

كانت الإبتسامة لا تفارق شفتي هذا الشاب الشيوعي الذي كان له مطامح كبيرة، وتطلعات أكبر لتحقيقها، وكان يعمل بجد ونشاط، ويساهم في أعمال المقر اليومية في جلب الحطب، وتأدية الخفارات في المخبز والمطبخ والحراسات النهارية والليلية، والذهاب في مهمات عسكرية، وهو يفكر دائماً بيوم مشرق لا بدّ أن يأتي، كان يسّخر جلّ أوقاته في الترّقب والإنتظار لكي يناط به القيام بعمل يخفف شيئاً من أعباء الحزب والأنصار.

لقد رحل النصير الشجاع  كامه ران نوري واسمه الحركي ( شالاو ) من مواليد بغداد عام 1968، أكمل دراسته الإبتدائية والمتوسطة والإعدادية في مدينة السليمانية، وكان في السنة الأخيرة من الدراسة في المعهد الصناعي / قسم النجارة في السليمانية حين اضطر لترك الدراسة بسبب الممارسات الوحشية للطغمة الدكتاتورية الجبانة. لقد رحل لكي يلتحق بجدته الشهيدة وعمّيه نجم الدين وبرهان وكل شهداء الحزب والشعب والوطن. لقد تمّ دفن الشهيد إلى جانب الجدة الشهيدة في دولي كوكا.

وللشهيد الباسل شالاو شقيقه سه ركه ت ( ده رسيم ) الذي كان ضمن قوات الأنصار البيشمه ركة في الفوج السابع /هه ورامان للحزب الشيوعي العراقي، والذي قضى فترة ليست قصيرة في الإختفاء والتصدي للقوات العسكرية في الجيش العراقي المنحل بعد عمليات الأنفال القذرة والسيئة الصيت وتحّول أراضي كوردستان إلى محّرمّة، حيث أصيب عند إداء مهامه ببتر قدمه من جرّاء إنفجار لغم زرعه العدو الساقط.

المجد والخلود لشهداء الحزب الشيوعي العراقي وشهداء الحركة الوطنية العراقية والكوردستانية.

المجد والخلود للشهيدة أم الشهيدين نجم الدين وبرهان وشهيدها الحفيد شالاو.

لكم أيّها الشهيد شالاو مكانة خاصة في عيوننا وقلوبنا، نتذكركم دائماً وأبداً، وأنّ إستشهادكم يدفعنا إلى النضال وتجديد العهد والسير على خطاكم وأخذ العبر من مناهلكم ومآثركم.