وجاء القول الفصل من أردوغان في الدستور.!

   

محسن جوامير _ كاتب كوردستاني
mohsinjwamir@hotmail.com

 

 يقول العرب: إذا وقع البعير كثرت عليه السكاكين.. هكذا اصبح حال ومآل بقايا دولة الرعب والانفالات والتطهير العرقي ووحدانية الحاكم الآلهة الذي يرعب ويرهب ويزمجر حتى وهو بداخل قفص الاتهام بين الانام, بل يكاد المرء لا يأمن من شره ومَكرِه حتى وهو مقيد بالسلاسل والأغلال و مقرّن في الأصفاد..

 أجل.! في هذه الحالة المضطربة التي أوقعت الناس في حيص بيص, فان الكل يدلي بدلوه, العدو والصديق, القريب والبعيد, العالم والجاهل..والكل يريد تصفية حسابه للفوز بالكعكة, من خلال دحر الخصم واتلافه وقهره أو إفناءه, قبل ان يصحا ويفكر ويقدر أمره ويدبر, دون السجود للآخرين أو الركعة.. لاسيما في المجتمعات والدول المتخلفة التي بنيت اسسها على الانتقام واحتقار وحذف الآخر فى أي بقعة.. فتجده بالتالي يتحين ادنى فرصة ليزيد من الدمار والهلاك من خلال صب الزيت على النار, حتى لا يرى البلد اي حالة من التفاهم والاستقرار ويصبح بالتالي كالمستجير من الرمضاء بالنار..

 وأصدق مثال هو تركيا التي تحاول بكل ما لديها من قوة في السياسة والدبلوماسية ومن خلال شراء الذمم وتسخير النفوس الهابطة والاحزاب الهالكة الطائعة الذليلة لها, من هدم حتى صرح صغيرـ مازال ليس بمشيَّد ـ من العقد السياسي والاجتماعي بين اُولي الشأن على تشكيل دولة اتحادية وفق الاسس التي قد يُتوقع ان تكون قاعدة لبناء علائق جديدة بين كوردستان والعراق.

 ويبدو هذا التدخل السافر المبطّن بخيالات أتاتوركية متأصلة في ادمغة الساسة الاتراك من دون إستثناء, في  تصريحات السيد اردوغان رئيس وزراء تركيا الذي توسمنا منه بعض الخير في الآونة الاخيرة, والتي نشرتها صحيفة ميلليت التركية وترجمتها الصحفية شا يوسف في موقع الاتحاد الوطني الكوردستاني, قائلا في معرض حديثه عن الدستور: انا لست مقتنعا تماما من أن الدستور العراقي الحالي يعكس إرادة الشعب العراقي بأكمله. هذا الدستور, وبدلا من حماية الوحدة العراقية, يفتح الطريق أمام التجزئة.. يمنح الصلاحيات القوية للمناطق الفيدرالية, ويحدد صلاحيات الادارة المركزية.. ولكن بعد الانتخابات النيابية التي ستجرى في 15 كانون الاول, لابد ان يتعرض هذا الدستور الى تعديلات .!

 يظهر مما صرح به أردوغان والقلق الذي يساوره, أنه وربعه يسيرون على نفس المنوال الذي سار عليه الرافضون للدستور والذين يريدون بالنظام أن يكون مركزيا متشددا صلدا وصلبا يحمل عصا الحكم والتأديب, ليضرب بها من شق عصا الطاعة والانصياع والاذعان, ومثل تعامله يكون كمثل تعامل الراعي مع الخرفان.. وهنا لا يقصد  ولا يذكر الا البنود التي تمس استقلالية القرار الكوردستاني والشيعي في دولة اتحادية.. ولعل قول اردوغان من أن الدستور لا يعكس ارادة الشعب, يقصد به ارادة الساسة الاتراك ليس إلا.!

  وهذه التصريحات تتزامن مع موقف المدافعين عن دكتاتورية النظام البائد برفض الدستور والراقصين والمهوسين لصمود وتحدي الغول القائد في قفص الاتهام  وذلك بعدم الاعتراف  بجرائمه التي تنوء الجبال بحملها والضمير الحي  بتصورها..

 ان ما يدعو إليه أردوغان هو دعوة إلى استمرار المسلسل الارهابي الذي مازال يستبد بالشعوب ويقهرهم, كما هو حال شعب كوردستان في شمال وطنه.. حيث حرموا حتى من حقوق الاعتراف بهويتهم, ولا مجال من اصدار جريدة بحرية كاملة او فتح قناة إذاعية حرة في زمن اصبح الراديو آخر وسيلة يتمتع به الانسان, ويكاد يدخل المتاحف عما قليل ويصبح في عداد الآثار والمقتنيات.

 وبكاء تركيا على كركوك وإدعاء أردوغان في سياق تلكم التصريحات أيضا بدعم التركمان من أجل أخذ موقع مناسب بحيث يشكلون حركة سياسية قوية ويؤخذون في الحسبان.. إضافة لكونه يحمل اقصى أنواع الانانية والاستئثار القومي باهمال الآخرين والاستهتار والازدراء بهم , فانه لا يتجاوز الضحك على الذقون.. فما أظن ان العقلاء من الاقلية التركمانية تنطلي عليهم هذه البكائيات والادعاءات الخرافية.. لانه بقدرما يهم الاتراك القضاء على كل إنجاز كوردي وخاصة في كركوك الكوردستانية, لا تهمهم بنفس القدر أو باقل من ذلك حقوق التركمان ولا مستقبلهم, بالرغم من معرفتهم المسبقة والأكيدة من ان الاخوة التركمان في ظل الاستقلال الكوردستاني أوفر حظا ونصيبا..

  ولكن لا يألون جهدا في ايجاد تجمعات او أفراد أو أحزاب باسم التركمان كالجبهة التركمانية التي تتغنى بالغدو والآصال بالمجد التليد الذي ورثوه أبا عن جد عن العثمانيين من سلاطين وآلْ, والحاضر المجيد لدولة تركيا التي لا يكاد يختلف على عنصريتها إثنان عاقلان أو أبلَهان, والتي لا مثيل لها في التعصب في العالم المتحضر الذي يحاسب حتى قاتل الحيوان دون قصد أو بسبب النسيان.!

 برغم ان صدام مقيد في جحره ولم ينل جزاءه العادل بعد.. ولكن يبدو ان اطروحاته ما زالت محلقة في فضاء العقول المتحجرة التي لم تتجاوز عصر القرد.. وبالتالي تحكم وتقرر, وهي حرة ومؤثرة في القرارات والدساتير التي تكتب ويتحدد بموجبها مستقبل شعب كوردستان خاصة.. وتتهشم بالتالي كل البنود التي علق الكورد عليها - وبحذر- بعض آمالهم لضمان مستقبلهم كباقي شعوب الله على الارض, تحت مطرقتها..  فقد جاء الآن دور السندان التركي الذي ياتي به هذه المرة السيد طيب أردوغان لتفتيت ما بقي من البنود الدستورية عليه, من أجل القضاء النهائي ـ بزعمهم ـ على الأمل  الكوردي وبالتالي خلق حالة فوضى عارمة في المنطقة وإعادة الوضع الى المربع الاول, ليتحقق بذلك الحلم والبغض التركي للكورد الذي يسري في دمهم ودماء أذيالهم منذ اكثر من ثمانية عقود..

 فهل العقلاء والحكماء من القوم يحاكمون هذا المخطط التركي كما حاكموا صدام حسين وبعض جلاوزته بالأمس ومازالوا.؟