ماوراء الدعابات السياسية
ماذا جاء يعفل عمرو موسى في كوردستان؟؟

   
فينوس فائق
venusfaiq@yahoo.co.uk

يقال أن دعابات السياسيين تخفي وراءها بعض الجد أو ربما الجد كله ، تخفي الكثير من الدلالات و المعاني و الإشارات ، هي ليست ألغاز ، و إنما معاني داخل معاني ، فأخيراً تكرم عمرو موسى وزار العراق ، بل تكرم و زار كوردستان ، لكن ليته ما فعل ، و هو لم يصب عين الحقيقة بل أعماها حين قال أن تأتي متأخراً أفضل من أن لا تأتي ، فأنا أقول له : في بعض الأحيان أن لا تأتي أصلاً أفضل من أن تأتي بهذه الطريقة .. فقد جاء ليطلق دعابة سياسية ذات مغزى عميق و يحمله التأريخ لعمرو موسى في أرشفة أخبار التلفزة ، حين قال و جواباً على سؤال أحد الصحفيين الكورد عندما تفوه بعبارة الدولة الكوردية ، و قال عمرو موسى مقاطعاً السيد مسعود البرزاني أثناء المؤتمر الصحفي الذي تابعناه بكل آذاننا و حواسنا : (اللي حيتكلم عن الدولة الكوردية منفطروش النهاردة) أي (من يتكلم عن الدولة الكوردية لن نسمح له بتناول طعام الإفطار هذا اليوم)..لا أدري بأي نية جاء عمرو موسى إلى كوردستان و يأي إنطباع تركها ؟ هل بتصور عمرو موسى أن قيام دولة كوردية تحتاج إلى موافقة عمرو موسى؟ أو هل أن الكورد بكل هذه السذاجة بحيث أنهم و بعد رجوعهم إلى داخل الخارطة الكوردية أن يعدوا شريط الدولة الكوردية و يسمعوا عمرو موسى أو يطلبوا منه أن يتوصط لدى المجتمع الدولي لكي نحصل عليها؟ كنت أتوقعه على قدر أكبر من الدبلوماسية و الكياسة السياسية في الإجابة علة مثل تلك الأسئلة..

فهو حتى أنه لم يتنازل ليسمي صدام بالمجرم عندما سؤل عن محاكمته ، حيث قال: أنه يتابعها لأنها شيء جديد في العالم العربي ، في حين أنه لم يعلق فيما إذا كانت محاكمة عادلة ، و هل أن صدام يستحق هذه المحاكمة أم لا..

توقعت من عمرو موسى عندما وصل أربيل أن يطلب زيارة إلى مزار الشهداء البارزانيين المؤنفلين الذين تم العثور على رفاتهم و نقلهم قبيل وصوله إلى كوردستان بأيام قلائل ، و أن يطلب أن يقرأ الفاتحة على أرواحهم و لا حتى أنه واساهم في مصابهم ، على الأقل إحتراماً لأهل البيت الذين هو في ضيافتهم و الذين أصابهم الحزن بالعثور على قبر جماعي آخر قبيل أيام ، حتى أنه لم يتنازل و يزور حلبجة التي زارها كولن باول و أغلب الساسة الأوروبيين و الأمريكان ، خصوصاً وأن رئيس البرلمان الكوردستاني طلب منه أن يزورها..

كم كانت خيبتي كبيرة عندما وقف عمرو موسى ، أمين عام الجامعة العربية بكل قامته و هو في مقام رئيس دولة ، لا بل أعلى من رئيس دولة ، فهو رئيس الجامعة التي تضم تحت لواءها كل الدول العربية من المحيط إلى الخليج ، وقف و إعتبر كوردستان الجنوبية جزءاً من الوطن العربي ، هذا الشيء الذي كان له صداه الكبير بين الأوساط السياسية و الصحفية الكوردية ، التي تم تأويلها بشتى المعاني و الدلالات ، و أكد على نظريته الخاطئة رأساً على عقب و دافع عنها داخل البرلمان الكوردستاني حين قال بالحرف الواحد أن كوردستان العراق ليست جزءاً مهماً من العراق فقط و إنما جزء مهم من الوطن العربي ، هذا التوجه الشوفيني البحت الذي عانينا و مازلنا نعاني منه حتى الساعة ، رغم كل التغيير ، حيث مازلنا نتعرض إلى التجاهل و في عقر دارنا و بكل ديمقراطية ، لذلك أكرر ، ليتك لم تأت أصلاً يا عمرو موسى إلى كوردستان من أن تأتي و تهيننا في عقر دارنا على هذا النحو ، لكنني هذه المرة لا ألقي العتب و اللوم على عاتق عمرو موسى لوحده ، ألقيه على عاتق مضيفه من السياسيين الكورد حكومة و برلماناً.. تمنيت لو كنت موجودة في قاعة البرلمان الكوردستاني و دافعت عن كوردستان و كوردية كوردستان و كم هي كوردية ، وكيف أن جدران هذا البرلمان بني من دماء شهداء حلبجة و ضحايا الأنفال ، و جدرانه تلك تقف على أعمدة من عظام الشهداء الأبطال و الثوار البيشمركة الكورد ، فهي بذلك ليست عربية كما يريد أن يصبغها عمرو موسى و إنما كوردية و تلك الأرض التي وقف عليها عمرو موسى كوردية و تتكلم الكوردية و حتى جبالها كوردية و لو نطقت لتكلمت بالكوردية..

أنا لا أرى اي أهمية تذكر في زيارة لرئيس الجامعة العربية إلى كوردستان على هذا النحو المشين و المهين ، فهو جاء ليقول أن دستور العراقي باطل و أن كوردستان ليست كوردية و إنما هي جزء من الوطن العربي ، جاء عمرو موسى إلى كوردستان و ترك وراءه همزاً و لمزاً سياسياً و تأويلاً لكلامه و أجوبته المقتضبة و ذات المعاني الواسعة على أسئلة الصحفيين ، و رحل حتى دون أن يقرأ الفاتحة كمسلم على أرواح الشهداء الكورد..