بعد هبوط أول طائرة تركية في مطار كوردستان.. متى ينزل إسماعيل بيشكجي ضيفا على الكورد؟
محسن جوامير ـ كاتب كوردستاني

 

بعد الانزعاج والتردد في الأرض حول بدء الرحلات الجوية نحو كوردستان، غُلبت تركيا في السماء وبدأت أول رحلة جوية تركية بتأريخ 20051210 إلى العاصمة هه ولير حاملة على متنها مجموعة من الصحفيين والمراسلين.. ولدى عودتها إلى إسطنبول حملت ركابا مدنيين من كوردستان. وقد جاء في الأخبار بأن  طائرة تركية أخرى قادمة من إسطنبول هبطت في نفس اليوم في مطار السليمانية عاصمة الثقافة والادب والشعر في الشرق الأوسط.

 

إن هذا الإجراء وبعد الرفض التركي ـ على طول ـ وجمْع الكيد المتواصل، والتجاهل الذي لم يتزحزح عنه الكورد قيدَ اُنْملة بالمقابل، يدل على أن جسر التواصل الحتمي مع الكورد لابد أن يُبنى والقطيعة معهم لابد أن تُفشل وتُفنى، ولا مناص من الصلح مع الكورد ولوعلى مضض لتحقيق المصالح المادية في حدها الأدنى على الأقل بين الشعوب وكخطوة أولى وقبل أن يرجع الرافض للآخر بصفقة المغبون ويعود خائبا.. لأن العيش بين الامم بسلام ونشر الوئام لا يمكن تحقيقهما بين الأنام من خلال نبذ الآخرين بسبب الجنس أو اللغة أومحاولة ليّ أعناقهم بالتعالي وإثارة الشقاق والنظرة الدونية والخصام.. ويجمل بالجميع أن يُكِنّ الحب والتقدير للجميع، ولا يكون كالباحث عن حتفه وحتف الآخرين بظِلفِ عناده وجبروته، ولا ان يجر كلٌ النارَ إلى قرصه دون أن يحسب حساب الآخر وبالتالي يجر المتاعب على نفسه وعلى غيره، كما حدث لتركيا ولم يزل.. فالجهل مطية، من رَكِبها ذلّ ومن صحبها ضلّ !

 

لعل الله يجعل بعد عسر يسرا في بضع سنين..إن هبوط أول طائرة تركية في هه ولير العاصمة ورؤية الطيار التركي وصحبه للعلم الكوردستاني ولأول مرة من على أسطح المطار الدولي في كوردستان، لاشك أنها ستخلق لديهم مفاجأة لم يتعودوا عليها وقد لا يستسيغونها أو يزدرونها للوهلة الاولى وتكون مبعث قلق ويبهتون بمشاهدتها وكأن على رؤوسهم الطير، وذلك بفعل العقد المتجذرة والسلبيات المتوارثة جيلا عن جيل وأبا عن جد، وبتأثير التربية التي نشأوا عليها في حجرها منذ نعومة أظفارهم والتي نبعت من أفكار باهتة ورافضة لكل ما يمت إلى الكورد بصلة.. ولكن لعلهم ومن خلال المعاودة والتزاور والضيافة والطْيبة الكوردية الرقيقة والساخنة في آن واحد، سيجدون وبفعل الزمن أن الكورد الذين رفضوهم من دواخلهم واستكبروا عليهم وأنحوا باللائمة عليهم سابقا، هم شعب كما أن الترك شعب، لهم لغتهم وتراثهم وأرضهم وتأريخهم وجغرافيتهم كما لبني جلدتهم الذين ظنّوا أن قولهم وحده غير ذي عوج، زورا وبهتانا.

 

نحن الكورد نرنو إلى أكثر من هذه الخطوة الطائرة ونطمح في المزيد من العلاقات الثرة بين الشعبين التركي والكوردي.. نريد أن نتجاوز الحدود والسدود التي وضعتها السياسات الفاشلة والآيديولوجيات البائدة التي تؤمن بالتفوق العنصري والكبرياء والإستعلاء القومي واللغوي من قبل الجدود.. نريد إذابة الجليد الذي بيننا وبينهم وتجريفه من خلال إعادة العلاقات إلى سابق عهدها بعد مزجها بكافورالمعطيات الحضارية الجديدة والأحداث المستجدة في المنطقة.. نريد ان يَعبر المثقف الكوردي حدود تركيا كما عبَرَها شعراؤنا القدامى أيام الدولة العثمانية برغم مثالبها، أمثال الحاج قادر الكويي ونالي وبيره ميرد بدواوينهم الشعرية دون خوف من تحسس جندرمة أو عين بوليس تركي أو وَجَلٍ مِن أن يُهان أو يُصادَر كتابه الكوردي أو يُقتاد للسجن لأنه حمل في داخل حقيبته قاموسا كورديا أو علًَما وطنيا أو خريطة لبلده الذي هو موجود فعلا على الارض قبل أن يكون مطبوعا على الورق.

 

أجل.! نحن بانتظار ذلك اليوم الذي سيطير فيه الشاب التركي من تركيا والكوردي من شمال كوردستان على طائرة الخطوط الجوية التركية ـ الكوردستانية للإلتحاق باحدى الجامعات الكوردية في هه ولير او كركوك أو دهوك أو السليمانية أو كويه للحصول على شهادة البكالوريوس في الأدب الكوردي أو الماجستير في جغرافية كوردستان أوالدكتوراه في تأريخ الكورد، لانه حَريٌ بأشقائنا الترك كذلك ـ كما العرب والفرس ـ أن يتعرفوا على ما لدى أقرب الشعوب اليهم من مزايا وخصائص وذلك قبل أن يقفزوا من فوق رؤوس من هم أقرب إليهم من حبل الوريد للوصول إلى ما لدى الأباعد من تراث وثقافة أولا.. وإن معالم شعب كوردستان التي تزدان بكل الألوان والأطياف ـ برغم المثالب والنقائص التي لا تخلو منها مجتمع بشري ـ جديرة بأن تستفيد منها تركيا وترتشف من واقعها وتنقلها بالتالي إلى أرضها لتكون عاملا مساعدا تحل وتشفي بها العقد النفسية والإجتماعية والسياسية المنهِكة التي عانى منها الكورد والترك معا  طوال عقود من الآلام والتخوف واللامبالاة والاحباطات التي لا مبرر لها مطلقا.

 

إننا نأمل كذلك أن يأتي ذلك اليوم الذي نرى في مطارات كوردستان أبناء جميع أجزاء كوردستان المقطعة وهم ينزلون فيها ويجدون بين أحضان بني جلدتهم بًُغيتهم وأمنيتهم، سواء من مهاباد القاضي أو قامشلو الخزنوي أو آمد سعيدي بيران أو وان ودرسيم سيد رضا، وكذلك من كل حدب وصوب..

 

وأنا أكتب وأنهي مقالتي هذه والألم الحاد والحسرة الممتزجة بالأمل تعتصر قلبي وتضنيني، كل ذلك بسبب أن الطائرة التركية التي حطّت لأول مرة على أرض عاصمة ميديا هه ولير لم يكن على متنها حبيب الكورد وقرة أعينهم الاستاذ التركي الانســان إسماعيل بيشكجي الذي حبس نفسه وشبابه وكرّسها على قضيتهم التي أحدقت بها الشدائد وبالتالي أخذ هذا الرجل بمجامع قلوب الكورد لموقفه المشرف، ليرى بام عينيه ـ بعد الانتخابات ـ بان بعض ما كان يتمناه وقبع في سبيله أكثر من عشرين عاما في السجن دفاعا عن الكورد وصدرت بحقه أحكام وصلت إلى أكثر من قرنين، وتعرض من أجلهم  للتعذيب المر والمحاكمة الشائنة والمساءلة الباطلة والمماحكة العقيمة وكسر الشأن، قد تحقق..!

 

ولكن لاجرم ـ طالما الشمس تشرق والصبح يتنفس ـ فإن الاستاذ بيشكجي سيكون ولابد على متن إحدى تلكم الطائرات القادمات في القريب العاجل ضيفا.. لا بل من أهل الدار والديار في كوردستان إن شاء الله.. بعد أن بات الكورد ـ خاصة أبناء كركوك وكرميان والفيليون والايزديون ـ على أحر من الجمر للقاءه للنهل من معين إنسانيته واطروحاته التي تزيد الحياة رونقا وجمالا وأواصر العلاقات بين الشعوب بهجة وبهاء وإكتمالا .!

 

والأيام بيننا..

mohsinjwamir@hotmail.com