ما بين البيت الابيض والقصر الرئاسي التركي

 
محسن جوامير ـ كاتب كوردستاني

 mohsinjwamir@hotmail.com

ولد الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الأول عام( 1924 ) أي في العام الذي تلا تأسيس الجمهورية التركية ( 1923 )  والتي كانت بمثابة القاصمة لظهور شعوب المنطقة ولاسيما الكورد..  حيث صدرت بعده قوانين جائرة غرقت في العنصرية إلى أذنها، بجعلها كل ما في ارض تركيا، تركياً.. من إنس وجن.. من حجر وشجر.. من ماء ومطر.. من طيورأليفة ومن ذات المخالب ومن تلكم الحيوانات التي تعادي او تصادق البشر.. وجُعل أوفر الانسان حظا وعلى لسان منقذ الأنام الشيخ مصطفى كمال أتاتورك قدس الله سره العزيز ، من يقول انه تركي من بين سائر البشر والملل كما جاء في صحيح أقواله التي لا تحتاج إلى عنعنات ورواة : (ما أسعد الذي يقول أنه تركي) أو ( تركي واحد يساوي الدنيا وما فيها ).. وهذا بطبيعة الحال فيض من فيوضات هذا العبقري الذي يقف المرء مندهشا  أمام أقواله التي وردت عنه وصارت من الآيات البينات والحجج البالغات وأصبح صاحبها كمن لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ولا على لسانه وإلى أوان ( يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا )!

وفي زمن أتاتورك رضوان الله تعالى عليه وعلى أسلافه من الرؤساء والحكام والحكماء كذلك، طُهرت أرض تركيا من لسان الكورد الذي كان على لحن ووزن لغة الجن ـ الذين فسقوا عن أمر ربهم ـ وتحول إلى التركية  وإرتقى، وصدر قانونٌ إزدرى غير التركي والتركية وقيل فيه : كل فرد مرتبط برابطة المواطنة لجمهورية تركيا هو تركي ومن يعتمد غير التركية لغة فانه من دعاة العنصرية وسيُشقى... وبذلك مُنع كليا السروال ( شال وشبك ) واليشماغ الكردي ( جمداني ) من أجل ان يتقدم الكورد، وألبسوهم بالتالي الملابس الأوروبية والأمريكية حتى يبلغوا مبلغ علم أوروبا وأمريكا ويغزو الفضاء من بعدُ كما غزوه إخوانهم الترك ووصلوا المنى والمرتقى.!

وقبل أكثر من عقد اُلقيَ القبض على الأميرة الكوردستانية النائبة ليلى زانا وأدخلت السجن لأنها أصرت وأقسمت بالاخوة التركية الكوردية بلغة ( أتراك الجبل !) حين أداءها اليمين الدستوري في البرلمان.! وما أُخرجت المسكينة من السجن إلا بعد أن أشتعل رأسها شيبا وكادت تتوكأ على عصا من شدة الانهاك والانهيار، وما زالت قضية كفرها في البرلمان تصول وتجول في المحاكم وقيد التحقيق والمداولات، لهولها الذي صعق الجميع وكأن كسفا من السماء سقطت عليهم. ( صورة السيدة ليلى مقتبسة من موقع باهوز).

وقبل أقل من سنة ظهر لفطاحل اللغة وبلغاءها في مجامع تركيا إكتشاف جديد، ذلك أن بعض اسماء الحيوانات المتداولة بين الناس وفي ثنايا الكتب ما زالت كوردية أو عليها مسحات كوردية، فاصدروا قرارا بتبديل تلك الأسماء حفاظا على أصالة اللغة التركية التي تشكل  العربية والفارسية والكوردية أكثر من 70% من مفرداتها ويرفضون الاعتراف بذلك.. وقد جرى هذا الامر من دون أن يستأذنوا سيدنا آدم الذي علمه ربه الاسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة.!

وقبل عدة أشهر عاقبوا شخصيات كوردية لانهم علقوا لافتات بلغة الكورد ( أتراك الجبال ) على قاعة مؤتمر لهم وأخطأوا وتكلموا باللغة الكوردية ونطقوا بلغة إبليس الذي عصى ربه وكان من المجرمين!

وأخيرا وليس آخرا أقاموا الدنيا ولم يقعدوها، و لم يبق باب في اوروبا ولا في أمريكا لم يطرقوه، كل ذلك من أجل غلق قناة ( روز تيفي ) الكوردية الفضائية في بلجيكا.. في حين هناك مئات القنوات وبشتى اللغات في تركيا، إلا الكوردية اليتيمة التي يتكلم بها أكثر من 15 مليونا من أهل البلد ولا يسمح لهم حتى بفتح محطة إذاعة حرة والتي أصبحت بعد إكتشاف الإنترنيت من الوسائل البائدة والعتيقة ولا يمتلكها إلا الفقراء.

ROJ TV

 

إنني لا أفتخر بالرئيس الأمريكي بوش لانه إستقبل مواطنا كوردستانيا بملابسه الوطنية في البيت الأبيض، بقدر ما أتحسر على نظام مزر باهت يعيش معنا وعلى ديننا ويكذب علينا بادعاءات ديمقراطية تعيسة عرجاء، في حين ثبتت أركانه على العنصرية والشوفينية التي تنفي الآخر الذي وجد على أرضهم قبل ان يأتيه اجداد أجداد أزلامهم الذين جاءوا بالفساد وحكموا بالافساد بين الشعوب من منطلقات ما أنزل الله بها من سلطان.

ولكن ربك منتقم.. فبعد ثمانين عاما من القتل والقهر وحرق الحرث والنسل أباد أكبر فرعون في بغداد كاد أن يُعبد، وجعل حكمه وجبروته أثرا بعد عين وأذاقه وزمرته خزي الدنيا قبل الآخره، جدير به أن ينصر من تبقى من المظلومين بمحق الظالمين والعنصريين.. ولو قدر اهل الحكم وأولياء الدولة الفدرالية المزمع تشكيلها، هذه النعمة وما بخسوا حق شعب كوردستان، لنزلت عليهم بركات السماء وخرجت لهم ثمار الارض يانعة وغزيرة وحسدتهم شعوب الارض وأصبحت هذه الدولة نموذجا يحتذى به حتى من لدن الدول التي أذاق الكورد العلقم والموت الزؤام.

لذا يتراءى لي وبقراءة السنة الكونية ونتائج نضالات الكورد وإصرارهم وتحديهم، بأن يوم شمال كوردستان قادم بإذن الله وسوف تشرق شمس الكورد في تلك البقعة أيضا وترسل بأشعتها إلى بقع أخرى مثلما إنطلقت من الجنوب، ويتغير الحال.. ولعل أهونه وأشرفه يكون باستقبال كوردي ـ في يوم ما ـ بملابسه الوطنية في مقر رئاسة الجمهورية التركية ( جانقايا ) في العاصمة أنقرة على غرار ما فعله السيد جورج بوش الثاني في 15/12/2005 بعد واحد وثمانين عاما من ميلاد والده..

 

فانتظروا إني معكم من المنتظرين !