انتخابات زائفة ....ام نوايا زائفة
صفوت جلال الجباري


الانتخابات العراقية التي جرت في الخامس عشر من كانون الاول الحالي اظهرت حقائق ملموسة للعيان من ابرزها تقديم وصف دقيق للتركيبة  الجيوسياسية للموزاييك العراقي, وانا من هذا الجانب اعتبر العملية برمتها تعدادا سكانيا غير موثق بالاسماء والعناوين اكثر من كونها انتخابات نيابية لمجلس تشريعي يتوزع بموجبه المهام الدستورية التشريعية والتنفيذية على الفائزين وفق الاستحقاقات العددية ,واذا ما نظرنا اليها من زاوية الديمقراطية البحتة  فاننا نجد انحصارها في تلك الزاوية الضّيقة المتمثلة  في كيفية التوجه الى صناديق الاقتراع والادلاء بالاصوات للقائمة التي تمثل الهوية القومية او المذهبية او الدينية  دون الاكتراث من قريب او بعيد مدى التزام او امكانية تلك القائمة بتحقيق برنامج مدروس وهادف لغد افضل لها وللآخرين من مكونات الشعب العراقي, اما العملية الديمقراطية  ذاتها فلا زلنا لم ندن من اعتابها  لحد اليوم ,فالمعلوم ان العملية الانتخابية تفترض وجود قوائم منافسة لها برامج محددة , وهذه البرامج انما تعبير او حلول واقعية للمشاكل الحياتية التي يعاني منها المواطن او آمال يتطلع المواطن من خلال تحقيقها الوصول الى الافضل, على المستوى المعيشي والاجتماعي والثقافي  ...الخ , ولكن في وضع العراق المحدد وبعد عشرات السنين من  القهر والحرمان من  ابسط حقوق المواطنة مثل حق المساوات امام القانون واحتلال المراكز الوظيفية في مختلف اجهزة الدولة و ابداء الرأي و حرية المعتقد و التمتع بالخيرات و التدرج في سلم الرفاهية والنمو , فليس غريبا ان تكون بدايات الديمقراطية في بلدنا هي قشورها ومظهرها الخارجي فقط, والتي قد تمهد فعلا الى النفوذ الى جوهر العملية الديمقراطية ذاتها والتي تعني عالم واسع من المفاهيم منها, الشفافية واحترام نتائج الانتخابات,و الرأي والرأي الآخر , ومنها المنافسة على اساس تقديم الافضل للمواطن بغض النظر عن الانتماءات القومية والمذهبية والدينية والسياسية,وقد لوحظ وكما كان متوقعا غياب العنصر البرامجي من اذهان الناخبين والنواب على السواء , فلا المواطن اهتم او حتى  كلّف نفسه بالقاء نظرة على الكليشات الجاهزة لما سمي ببرامج الكيانات السياسية, ولا الكيانات السياسية كانت جادّة في اتاحة الفرص لمناقشة برامجها لانها تدرك بانها لن تحاسب على وعودها الانتخابية لان الغرض الاصلي من العملية الانتخابية لم يكن الجواب على السؤال الانتخابي التقليدي .... ما هو المطلوب ان اقدم بقدر ما كان المهم هو كم استطيع ان انتزع و امتلك من الاصوات, وباستخدام كل الوسائل المتاحة بدءأ بالتحريض الديني والقومي والمذهبي او تهويل الخطر الداهم من المقابل  وانتهاءا بمحاولات التزوير لرفع رقم الكيان السياسي المعين الى اعلى مستوى ممكن,  وبالنظر ان هذه الحالة قد شملت كل الكيانات وبدون استثناء فانه يمكن القول ان نتيجتها ايضا جاءت متعادلة وحسب النسبة السكانية لكل كيان وبالتالي فان تأثيرها ايضا يكاد يكون معدوما على الصعيد الاحصائي, وانا اتعجب طلب بعض الكيانات ,الخاسرة  منها بالطبع باعادة الانتخابات تحت اشراف دولي او عربي , فالنتيجة في كل الاحوال ستكون نفسها في النهاية اذا لم تكن اكثر حدّية  من سابقتها ولصالح الاكثرية ايضا من الشيعة والكورد, حينما يدخل عامل التحّدي واثبات الوجود للقومية او المذهب المعين, اذن المسألة واضحة وجلية  وهي   وكما قلت من البداية , انها استعراض للقوة و اثبات للوجود وعملية احصائية للسكان اكثر من كونها عملية انتخابية كما هو متعارف عليها في العالم الغربي الديمقراطي .

النتائج الشبه النهائية اظهرت حقيقة المكونات العراقية اي الموزاييك العراقي وكما هي وبدون اضافات , صحيح ان هنالك كلاما كثيرا و مبالغا فيه صادر عن  الكيانات( الخاسرة) بالطبع,  اوالكيانات التي كان بيدرها  الواقعي اقل بكثير من حقلها الوهمي,وعلى رأسهم العرب السنة و والقوميين التركمان( والذين نسبة تزويرهم للانتخابات كانت العلى على الاطلاق  اذ بلغت  في تركيا مثلا 600%, ولكن تحليل بسيط لواقع المعطيات العددية لنتائج (الانتخابات ) اظهرت ولاول مرة ربما في تأريخ العراق الحديث ان الشيعة هم الاكثرية وحتى في بغداد العاصمة (مدينة الانقلابات ومؤامرات القصور الرئاسية) التي تعودنا عليها في الخمسينات والستينات من القرن الماضي, والتي كانت تؤسس لحكومات للاقلية السنية وعلى ظهور الدبابات وبمؤامرات دنيئة من المقربين من القصر الجمهوري, تلك التي اظهرت للعراقيين وللعالم العربي خصوصا  ان العرب السّنة هم اقلية وليس اكثر من ذلك وخاصة اؤلئك الذين تعودوا  بل و تمنّوا دوما ان يروا عاصمة الرشيد تقاد من قبل احفاد آل امية والى ابد الآبدين وحتى لو تطلب الامر ان تكون العروش المقامة مشيّدة على جماجم الملايين من الكورد والشيعة ,ونفس الامر بالنسبة للقوميين التركمان وبالاخص العملاء من الجبهة التركمانية الذين انكشفت اوراقهم الانتخابية الهزيلة لتظهر الرقم الحقيقي للتركمان السّنة والذي لم يتجاوز الخمسين الفا في مدينة كركوك التي كانوا يعتبرونها معقلهم الرئيسي,بالضبط  كما اعتبر العرب السّنة بغداد معقلهم الرئيسي  ,فوقفوا معا يائسين بائسين, وفي المؤتمر الصحفي لما سمي بالرافضين لنتائج الانتخابات( مرام) ومنهم (صالح المطلك, وسعدالدين اركيج) ليتباكوا سوية على الوهم الضائع وليجددوا العهد القديم حينما كان الاثنان اعضاء بارزين في  عصابات ( الحرس القومي ) السيئة الصيت احدهما( المطلك) في الفلوجة والآخر(سعد الدين اركيج) في كركوك وهم يلوحون برشاشات البور سعيد وينادون بشعارات( الامة العربية الواحدة.... ذات الرسالة الخالدة)  لتصفية المعارضين من اليسار العراقي والاشراف على تهديم حي الشورجة والحي الجمهوري في كركوك وهدم بيوتها المتواضعة على رؤوس سكانه الكورد , في اوائل الستينيات من القرن الماضي  وما اشبه اليوم بالبارحة  فها ان ايتام البعث وايتام الجبهة التركمانية يقفون في صف واحد ويتباكون سوية على المصير المشترك الاسود , يتههدون ويتوعدون,ولكن مع الفارق ان لا مجال بعد اليوم في عراق ما بعد صدام في فرض الامر الواقع بلعلة الرصاص او بالتآمر من على وظهور الدبابات والسيطرة على الاذاعة في الصالحية وقراءة البيان رقم واحد,بل ان فرض الامر الواقع يتم من خلال ارادة الناس واوراقهم الانتخابية التي لايملك ازاءها المزيفون غير التشكيك ولتهويل.  

 

لم تكن الغاية الاساسية من الانتخابات الحالية بالنسبة  للمواطن العراقي كيف سيكون واقعه المعاشي او الثقافي و الاقتصادي خلال الدورة الانتخابية القادمة وما هي برامج الكيانات  السياسية التي صّوت لها, بل كان الهدف المهم هو كيف يفرض ومن خلال صناديق الاقتراع وجوده المهّمش لعشرات السنين وكيف يهزم ايضا ادعياء الاكثرية المزعومة والتي جثمت على صدره لعشرات من السنين واذاقته اعتى صنوف الظلم والاضطهاد والابادة , واستطاع هذا المواطن وعلى الرغم من التهديدات الارهابية و حملات التشكيك والتهويل الحالية ان يرسم باصبعه البنفسجي المقدس الخارطة الحقيقة للمكون البشري في العراق والذي جاء معبرا حقيقيا وواقعيا لذلك وهو بالشكل التالي :

 الشيعة                  55_ 60%

العرب السّنة           15--- 20%

 الكورد                15—  20 %

 

التركمان والكلدوآشور والآخرين  5—10%

 

هذه هي النسب التقريبية لمكونات الشعب العراقي  , وفي هذه المرحلة الدقيقة من تأريخنا علينا ان نتقبل هذه الحقائق الميدانية, كما هي , وما يترتب عليها من استحقاقات في توزيع المهام التشريعية والتنفيذية , وعلى الجميع الرضوخ لارادة الجغرافية البشرية في العراق , فقد انتهى والى الابد محاولات طمس الحقائق الميدانية او طمس الانسان نفسه( في مقابر فردية او جماعية) لاثبات ان فئة ما  هي الاكثرية بدون وجه حق, فهذه البداية مهمة حقا , فالانسان العراقي وبالاخص الاكثرية الشيعية والكوردية يعاني من ازمة الهوية والوجود , ودون ردّ الاعتبار له في الاعتراف بوجوده اولا وتعويض حرمانه ومعاناته وسنين تهميشه وترحيله وتهجيره وتغيير واقعه القومي وديموغرافية مناطق تواجده التأريخي وسلخ هويته القومية ,  سوف لن يكون لديه اية اولويات اخرى في العملية الديمقراطية المعروفة للجميع , من قبيل  تحديد برامج انتخابية حقيقية  وجادّة والجداول الزمنية لتطيبقها ميدانيا والبدائل المتاحة للخطط والبرامج التي تقدم والمعززة بالاحصائيات و بالارقام والتواريخ....الخ,وعلى الاكثرية الفائزة ان تقدم نموذجا متسامحا للتعايش القومي والمذهبي والديني بين مختلف شرائح الموزاييك العراقي الجميل , بعيدا عن روح الغرور والتباهي بالتفوق العددي والعمل بمدأ العفوا عند المقدرة , والسماح لمختلف الكيانات الرئيسية الاشتراك في تشكيل الحكومة القادمة وحتى الخاسرين منهم , لسّد الطريق امام  الفئات التي لا زالت تحلم من ان الشيعة والكورد هم مواطنون من الدرجة الثانية او  الثالثة , وهم غير مؤهلين للحكم , وكما ان تمتين اواصر الاخوة الكوردية – الشيعية , رفاق المقابر الجماعية ستكون حجر الزاوية لبناء عراق فيدرالي متوازن , والاستفادة الجدّية لاخطاء المرحلة السابقة والاستعجال في تفعيل الفقرة الخاصة بتطبيع الاوضاع في كركوك بعيدا عن اية طروحات قوموية او شوفينية وعلى اساس البنود الواردة في الدستور نصا وروحا, فنوعية  وكيفية التعامل مع ملف كركوك الشائك هو الذي يحدد بالضرورة حقيقة التوجهات والنوايا  من قبل كل الاطراف الفاعلة في الساحة العراقية اليوم, فاما عراقا ديمقراطيا فيدراليا عادلا ومتوازنا ,واما عراقا مقسما مفتتا ومهددا باوخم العواقب .