قبل الدخول الى هذا الموضوع
بشكل مباشر لا بد لنا في البداية ان نعرف ظاهرة التضخم واسبابها ومعالجتها
وكذلك
تأثيرها في اقليم كردستان
.
التضخم هو حاله مرضية تشكو منها معظم الاقتصاديات
القومية في العالم اليوم. والظاهرة هذه ليست محلية بل عالمية ايضا . وبدورها
تشغل
بال الرجال السياسة و الاقتصاد ليس فقط على مستوى المحلي بل العالمي ايضٱ . ان
ظاهرة التضخم متعددة الابعاد ومتشعبة الجوانب و تثير الكثير من القضايا النظرية
و
التطبيقية.
يمكن اعطاء تعريف عام و شامل لظاهرة التضخم الاوهي ـ الانخفاض
المتواصل للقيمة الحقيقية لوحدة النقد ـ اي الارتفاع المتواصل للمستوى العام
للاسعار . والقيمة الحقيقية لوحدة النقد تقاس في وقت معين بالمتوسط العام لما
يمكن
شرائه بهذه الوحدة من النقد من مختلف السلع والخدمات ، ومن الواضح ان هذا الكم
من
السلع و الخدمات يقل بارتفاع اثمانها ويزيد بانخفاض هذه الاثمان.
ان الارتفاع
المتواصل للاسعار هو نتيجة لاستمرار حاله اختلال في قطاع او اكثر او في كل
الاقتصـاد القومـي . ويرجـع هذا الاختـلال الى قـوى مسببة والتي تطلق عليهـا
القوى
التضخمية و تختلف النظريات في تفسيرها ، ويستمر ارتفاع الاسعار طالما استمر
وجود
القوى التضخمية في الاقتصاد القومي .الا انه تحت ظروف معينة قد لا يكون كذلك .
فقد
يكون منشاء الارتفاع في الاسعار انخفاض طارىء في العرض الكلي للانتاج : ـ
أ
ـ
كما لو تعرض الانتاج الزراعي في بلد يعتمد اقتصاده القومي على الزراعة بصفة
رئيسية
لـظروف القحط في عدة مواسم متتالـة فالارتفاع المتتالي للاسعار في هذه الحالة
لا
يعد تضخميا بل هو نتيجة لحركـة الديناميكيـة لجهـاز الثمـن الذي يتجـه لتحقيـق
التـوازن بين العـرض المتناقض للانتاج والطلب عليه
.
ب
ـ يمكن ان نجد مثالا ٱخر
للارتفاع غير التضخمي للاسعار في ظروف التحول من حالة الكساد الى الانتعاش
والرواج
.
ففي هذه الحالة ينتعش فيها النشاط الاقتصادي ترتفع الاسعار بشكل
عام
تلقائياوينتهي هذا الارتفاع بانتهاء الظروف الاقتصادية التي صاحبته.
ج
ـ احلال
نظام نقدي جديد ـ اي ظهور عملة جديدة محل القديمة ـ حيث تتضاءل القوة الشرائية
لوحدة النقد بسرعة نتيجة للارتفاع الحاد والمتتالي للاسعار.
اقليم كردستان
لظاهرة
التضخم التي ظهرت في اقليم كردستان اسبابها ومسبباتها . لابد هنا ان
نتطرق الى الانتعاش الاقتصادي التي مر بها الاقليم بعد الانتفاضة . لقد مرت
اقليم
كردستان بظروف مختلفة بعد الانتفاضة ، بالاضافة الى الحصار الاقتصادي التي شمل
العراق كله من قبل الامم المتحدة كان الاقليم يعاني من حصار اقتصادي اضافي من
قبل
السلطة البائدة . ولكن بجهود القيادة الكردستانية وبشكل تدريجي بدء الوضع تتحسن
في
كثير من النواحي مقارنة بباقي المـدن العـراق . شهد الاقليـم اعادة بنـاء ما
دمرتـه
الانظمـة المتعاقبـة و اخرها النظـام الدكتاتوري البائد . وبعد سقوط
الدكتاتورية
شهد اقليم كردستان تطورا سريعا في جميع النواحي السياسية ، الاقتصادية ،
الاجتماعية
وباقي النواحي الاخرى
.
ونتيجة هذا الانتعاش والرخاء والازدهار السريع ،
الاستتباب الامن والزيادة في دخولات الافراد نتيجة زيادة الرواتب . ازدادت
الطلب
على شراء ما يحتاجه الناس لاشباع حاجاتهم الضرورية و غير ضرورية . زيادة الطلب
والرغبة في الشراء نتيجة لزيادة المداخيل من جهه وعدم توفير السلع والخدمات
مقبل
الطلب الزائد . فارتفعت الاسعار نتيجة لزيادة الرغبة على الشراء اي الطلب على
مختلف
البضائع ، وقلة عرض تلك البضائع ـ زيادة الطلب و لا يقابلها نفس الزيادة في عرض
تلك
البضائع ـ ادى بدورها الى الارتفاع في الاسعار ويمكن تلخيص اسباب ارتفاع
الاسعار
اليوم في اقليم كردستان الى : ـ
أ
ـ ارتفاع في مداخيل الافراد نتيجة لزيادة
الرواتب والاجور
.
ب
ـ احلال نظام نقدي جديد . اي اصدار عملة جديدة محل القديمة
.
ج
ـ ظهور الممارسات الاحتكارية ويقصد بها عدم وجود مجموعة منافسين في اسواق
الاقليم . وهذا بدوره يؤدي الى وجود اعداد قليلة جدا في السوق الذين لهم حق بيع
تلك
السلعة بدون منافس
.
د
ـ الشحة في البضائع الذي تزداد الطلب عليها باستمرار،
سببها تخزين البائع كميات كبيرة لبيعها باسعار يحددها هو بنفسه . او قلة
الاستيراد
و
صعوبة الوصول اليها
.
و
ـ بالرغم من وجود ما يمكن تسميتها بالازمة ولكن مبالغ
فيها الى حد ما ومفتعلة من قبل اناس لا يهمهم سوى الحصول على اكبر قدر ممكن من
الربح
.
يمكن القول بان هذه الظاهرة هي وقتية وتنتهي بعد فترة قصيرة وتستعيد
السوق الاقليم عافيته وتزدهر . ولكن على ادارة اقليم كردستان ا لقيام بأجراءات
الضروية اللازمة لمعالجة تلك الظاهرة : ـ
١ـ ان تأخذ حكومة الاقليم دورها في
الدخول الى السوق لمعالجة تلك الظاهرة وذلك عن طريق سـن قوانـين اللازمـة
لمعالجـة
التضخـم وتـبرز هنا دور الحكومـة في تنظيم و توجيـه و ارشاد السوق ونشر سياسة
التثبيت السعري،خاصة بالنسبة للسلع الاستهلاكية . دون شك للدولة دورها الاساسي
في
جميع انحاء العالم في رسم السياسات الاقتصادية للبلد وضمن هذه السياسات يمكن
ان
تقوم جميع القطاعات الاقتصادية بما فيها القطاع الخاص بنشاطاتها .٢ ـ لابد من
وجود
موءسسة اقتصادية او مركز اقتصادي يضم عدد كافي من الاختصاصيين و ذوي الخبرة
اللازمة
لمتابعة ومراقبة النشاطات الاقتصادية و تحليلها ووضع الحلول لها . ولسوء حضنا ،
لا
نرى اي مركز اقتصادي على تلك شاكلة اليوم في اقليم كردستان، بالرغم من وجود
كوادر
اقتصادية كفوءة ومتميزة بامكانيتها ، بقابليتها وبخبرتها في جامعات الاقليم
.
٣
ـ
عدم وجود مؤسسات ائتمانية كافية لمتابعة ومراقبة دوران النقد والسوق النقدي من
حيث العرض والطلب و مراقبة الاسعار . والتي بدورها يؤدي الى تنظيم سرعة دوران
النقد
كامتصاص القوى الشرائية الفائضة في ايدي الافراد والحد من ارتفاع اسعار خدمات
عناصر
و
مستلزمات الانتاج ، ولكن غياب مثل هذه السياسات يؤدي بطريقة او اخرى الى ظهور
ما
يعرف بالسوق السوداء . و السؤال المطروح هنا ، هل يمكن لبنـك الاقليم اليوم
القيـام؟
أ
- بامتصاص القوى الشرائية الفائضة في ايدي الافراد والحد من ارتفاع
الاسعار
!
ب
-هل للبنك اعداد كافية من اناس ذوي الخبرة في هذا المجال
!
٤
ـ
يفتقر مجتمع الكردستاني الى ما يسمى ب ـ ثقافة الانفاق او الاستهلاك ـ ومجالات
الصرف والتشجيع على الادخار والتي يتبعها جميع البلدان المتطورة وعدد كبير من
البلدان النامية . وتبدء ذلك من البيت والعائلة و المدرسة والمجتمع ، لتوجيه
وارشاد
افراد المجتمع بمعرفة حدودالاستهلاك و شراء ما هو ضروري و اللازم شراءه وحدود
الصرف
والتشجيع على الادخار والابتعاد عن الاسراف الزائد . المهم هنا تثقيف المجتمع
بالابتعاد عن التقليد العمياوي ، وتذكيرهم بتنظيم حياتهم الاقتصادية . وهنا
يأتي
دور المنظمات المجتمع المدني من النقابات والاتحادات والمنظمات المهنية في
توعية
الناس على ذلك ولابد مشاركة جميع مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الحكومية في
هذه
العملية
.
٦
ـ القضاء على الفساد والكسل والاهمال الاداري بشكل جدي ووضع ضوابط
ضرورية لهاو معاقبة المهملين والمقصرين والحد منها .و تطوير الاجهزة التنفيذيه
لادارات اقليم المختلفة حتى تتمكن من مواجهة اية ازمة او ظاهرة عندما تظهر .
يمكن
القول بان الاجهزة الادارية في اقليم كردستان بوضعها الحالى ، لايتمكن اليوم و
غير
قادرة على مواجهة ومعالجة اقل ازمة او خلل اقتصادي لاسباب عديدة يمكن مناقشتها
في
المستقبل . المهم هنا كيفية معالجة هذه الظاهـرة !!! لابـد الاشارة الى ان
غالبية
البلدان المعمورة تعاني من الفساد الاداري اذا لم نقل كلها . ولا يشمل مجتمع
اقليم
كردستـان فقط ، بـل هي آفـة مرضيـة موجـودة في كل مجتمـع من مجتمعات بلـدان
العالم
.
المتطـورة والنامية معا
.
٧
ـ
الارتبـاطـا بالفقرة السابـقة ، لابـد ان تقـوم
حكومة الاقليـم بمعالجـة ـ البطالة المقنعه ـ المنتشرة داخل معظم اذا لم تكن كل
المؤسسات الاقتصادية والادارية . يقصد بالبطالة المقنعة هو وجود عدد كبير من
العاملين داخل وحدة انتاجية او مؤسسة ادارية دون ان نلاحظ اية نشاط منها .
فمثلا
لواخذنا وحدة انتاجية او ادارية ضمن المؤسسات الاقتصادية والتي تحتاج الى عـدد
من
العاملين لنقل ١٠ افـراد ولكن نرى عـدد اكـثر منهـا هنـاك والاداء ـ يقصـد هنـا
الانتاجيـة ـ هي نفسها ان كـان العدد ١٠ افراد او اكثر . اذن وجـود اعداد زائد
لا
يغير شيئـا سوى انها معرقلة للعملية الانتاجية اوالادارية . لابد هنا العمل على
:
ـ
أ
ـ قيام حكومة الاقليم بفتح وبناء مشاريع والخدمات التي يحتاجهـا المجتمع
لغرض توفير السلع الاستهلاكيـة الضرورية واللازمة في الحيـاة اليوميـة . الطحين
لتوفـير الخـبز،الدهـن و السكر ، الشاي وغيرها من السلع الستراتيجية الضرورية
للحياة المعيشية اليومية للمجتمع الكردستاني .وكذلك الخدمات الاخرى مثلا توفير
المياه النقية والصالحة والكهرباء التي اصبحت الشغل الشاغل ليس في الاقليم فقط
بل
في جميع انحاء العراق . كل هذه الاشياء تقدم ليس لغرض الربح . القضاء على هذه
الظاهرة ـ ظاهرة التضخم ـ تتحدد بمدى نجاح الاقليم في توسيع طـاقاتها الانتاجية
و
تنويعها لتصحيح الاختلال في هياكلها الانتاجية وتلك هي قضية التنمية و هي قضية
الفترة الطويلة ٠ بل لمعالجة الظواهر الاقتصاية . كظاهرة التضخم الاخيرة
ب
ـ
العمل على تنظيم الوضع السكاني في مدن وارياف الاقليم . بمعالجة الهجرة
المعاكسة
التى حدثت من الريف الى المدينة بسبب الممارسات والسياسات الشوفينية الظالمـة و
اللاانسانية من الترحيل والحرق والتهجير واستعمال انواع الاسلحة الكيمياوية
والفوسفورية والبيولوجية والابادة الجماعية للانظمة المتعاقبة في العراق و
اخرها
النظام الدكتاتوري الشمولي البائد ٠ كذلك بسبب الاقتتال الداخلي ولابد هنا
الاشادة
بدور حكومة الاقليم في اعادة بناء كثير من المدن والقصبات و الارياف
الكردستانية
بالامكانيات المحدودة والمتوفرة لديها . لكن يجب العمل هنا على الاستمرار في
اعادة
بناء الاماكن الباقية و اعادة اهاليها المهجرة قسرا او هجروا لاسباب مذكورة
اعلاه
.
بعد ان يتم توفير كل المستلزمات الضرورية من الدارس والمستوصف و
المواصلات الضروية
اللازمة وكذلك توفير البذور المحسنة و الاسمدة والمكاكن الزراعية الضروية
للمزارعين و باسعار مناسبة واعطاء الارشادات اللازمة من قبل الكوادر الزراعية .
كـل
ذلـك يؤدي الى تطويرالانتاج الزراعي . و يؤدي الى تخفيف الثقل الزائد الموجود
في
المدن
.
ج
ـ العمل على بناء المعامل والمصانع التي تعتمد على الانتاج الزراعي
،
كذلك احياء واعادة بناء وتطويرالمعامل التي كانت موجودة في الاقليم في
السبعينات و
بعدها مثلا : ـ معامل التعليب بانواعها و السكر التي كانت تعتمد على البنجر
السكري
،
السكائر ، الاسمنت .... وغيرها من المعامل التي تعتمد على المنتجات الزراعية
وغير
زراعية في اقليم كردستان
.
٨
ـ
يتعين القول ان نجاح السياسات المالية والنقدية
في امتصاص فائض الطلب النقدي والفائض النقدي ونجاح السياسة الاجرية في ضبط
تطور
نفقة الانتاج في مختلف القطاعات و ايقاف تأثيرها المستقل على الاسعار وذلك بهدف
احتواء ظـاهرة التضخم ثم التخلص منها تدريجيٱ يعد امرٱ حاسما و فعالا في خلق
البيئة
الاقتصادية المستقرة والمواتية لتحقيق برامج التنمية الاقتصادية و تصحيح
الاختلالات
التي فيها اسبابا جذرية لظاهرة التضخم وتفاقمه في كثير من البلدان النامية
.
لابد القول هنا بان تطوير الاقتصاد والاسراع بعملية التنمية في جميع نواحيها
يحتاج اقليم كردستان الى انشاءالقطاع الاقتصادي التي تناسب وضعه اليوم الا وهو
القطاع المختلط ويعتبر انسب واحسن نظام اقتصادي باعتقادي و اعتقاد الكثيرين
.
بالرغم من ان الاقتصاد العالمي اليوم هي اقتصاد السوق ، ولكن
للقطاع المختلط دور
بارزوالاساسي الى جانب القطاعات الاخرى في تحريك التنمية الاقتصادية العالمية
.
ان
ظاهرة التضخم هي ظاهرة اقتصادية صحية في اقليم كردستان . خصوصا بعد
التطورات الحاصلة منذ الانتفاضة ولحد الان ولا خوف عليها
.
في الختام يمكن
القول بان نجاح الانتخابات في العراق وحصول القائمة الكردستانية على المرتبة
الثانية يزيدنا التفاؤل و الثقة والامل بان القيادة السياسية في اقليم كردستان
ستخطوا خطوات ايجابية مفرحة وسريعة في تنفيذ كل القرارات المتفق عليها قبل
الانتخابات وفي مقدمتها قرار دمج الادارتين في ادارة واحدة و بمؤسساتها القوية
وناجحة . عندها تشهد اقليم كردستان تطورات وتغيرات ايجابية في جميع النواحي
السياسية ، الاقتصادية والاجتماعية وتكون نموذجا رائعا ليس على مستوى العراق
فقط ،
بل على مستوى الشرق الاوسط والعالم اجمع......!!!!
ملاحظة :- لقد هيأت الموضوع
اعلاه منذ مدة ولكن بسبب اصابة جهازي الكومبوتر بالفيروس فقدت مواضيع عديدة
كنت قد
كتبتها سابقا دون الاحتفاظ بنسخة اضافية منها ولا بالمسودات . لحسن حظي
احتفظت
بمسودة هذا الموضوع بالصدفة . عندها تمكنت من اعادة كتابته مرة اخرى . كما
يقولون
ـ
عسى ان تكرهوا شيئا فهو خير لكم ـ
. !!!!
|