سياسة التعريب  ......خنجرأ غدّارأ مغروسأ في قلب كوردستان

جلال الجباري

   

اتذكر في شباط عام  اربع وسبعون وتسعمائة والف , وقبل شهرواحد فقط من اندلاع المعارك بين الشعب الكوردي وسلطة البعث انذاك, حينما كنت أصطحب وفدأ طلابيأ من جمهورية اليمن الديمقراطية , كان قد حظر الى بغداد بناءأ على دعوة من سكرتارية اتحاد طلبة كوردستان. وأصرّ اعضاء الوفد على لقاء قائد الثورة الكوردية ,الراحل مصطفى البرزاني, وكنا نحن ايضأ في اتحاد طلبة كوردستان سعداء لتلبية طلبهم ذلك , فالبرزاني لم يكن  فقط رمزأ لنا ككورد , بل اصبح يعرف كقائد اسطوري لشعب مكافح ولأمة كبيرة بلا وطن .

في طريق الرحلة من بغداد الى كركوك , وقريبأ من ناحية داقوق كانت هنالك أعمال جارية لاسكان قبائل عربية في احدى المواقع القريبة من الشارع العام,ضمن مجمع سكني كبير , وكان المنظر غريبأ للوفد اليمني مما حدا بهم التساؤل عن سر هذه الابنية الجديدة ,وعن سكانها الجدد وعن مغزى الربايا العسكرية المحيطة بها ,والسيارات العسكرية التي كانت تنقل المياه والمؤن لهذه القرية,وكان جوابنا لهم انها( قرى التعريب).

كان لكلمة التعريب وقعأ غريبأ على مسامع أعضاء الوفد اليمني الصديق ,هل من المعقول لأمة لاتزال تعاني من سياسات القهر العنصري في فلسطين والجزائر والمغرب ان تلجأ الى نفس الاسلوب الاستعماري, تجاه شعب اخر , وهي تتشدق بالتقدمية والديمقراطية , انه امر يبعث على الاستغراب.

وحينما تابعت السيارة مسيرتها تجاه كركوك ,لاحظت ان احد أعضاء الوفد منهمكأ بالكتابة , دفعني الفضول للسؤال عما يكتب ,فأجاب ... اكتب عن فضيحة العصر .... عن التعريب ...هل تريد ان اقرأ لك بعض ما كتبت ....فقلت ... ياريت ,لا سيما وان الكاتب كان شاعرأ أتحفنا  ونحن في بغداد بنماذج جميلة من أشعاره, فالشعب اليمني معروف بفصاحة لسانه وباعه الطويل في الشعر والكتابة.... فقرأ لي العبارات التالية؛

(في طريقنا من بغداد الى كركوك , شاهدنا قرى عصرية جديدة , كل الجدة, وحتى سكانها كانوا جديدين على المنطقة,لم يكونوا يرتدون السروال الكوردي الفضفاض , ولا يعتمرون غطاء الرأس الكوردي المعروف, حينما سألنا رفاقنا الاكراد, قالوا انها قرى التعريب,اشعر بخجل شديد , بل وأحس بخطر داهم قادم ... لأني واثق ان هذه القرى ستكون خناجر غادرة مغروسة في قلب كوردستان ,بل هي خناجر مسمومة في قلب العراق ,وفي قلب الاخوة العربية الكوردية).

بهذه الكلمات البسيطة ولكن المعبرة والعميقة عبر صديقنا  اليمني, وبحدس سياسي وفني رفيع عن مغزى وآثار التعريب . واليوم وبعد مرور اكثر من ثلاثين سنة على تلك الواقعة ,وبعد ان استمر النظام البعثي المباد في غيه وطغيانه اكثر واكثر ,فالتعريب تلاه  التشريد والانفال و حلبجة , والمزيد المزيد من المآسي ,

 ياترى كم من العرب بل ومن العراقيين يدركون ما أدركه صديقنا اليمني مبكرأ, بأن التعريب ,لم يكن فقط خنجرأ غدّارأ مغروسأ في قلب كوردستان , بل خنجرأ مسمومأ في قلب الاخوة العربية الكوردية.

فعلى كل عراقي حريص على تلك الأخوة أن يسارع وقبل فوات الأوان بنزع ذلك الخنجر من جسد كوردستان . وها ان القيادة والشعب الكوردي قد فتحا قلبيهما الجريح الدامي بكل تسامح وبعد نظر , وأصبح أمام  العراقيين الفرصة السانحة لاصلاح ما دمره النظام البعثي المباد,داعين  كل القيادات العراقية المخلصة لحل هذه المعضلة المزمنة ووفق ما جاء في قانون ادرة الدولة المؤقت الفقرة 58 .

انه لمن المؤسف ان نجد بعض القيادات العراقية و الشيعية بالاخص , لاتفرق لحد الآن بين الدفاع المشروع عن الانسان الشيعي المظلوم وبين محاسبة ذلك الشيعي المرتزق الذي رضي لنفسه ان يكون أداة طيعة بيد نظام صدام المجرم ,والذي كان يهدف الى تخريب العلاقة النضالية الطويلة بين الكورد والشيعة  اضافة الى الهدف الاكثر عنصرية في تغيير الواقع القومي  في كركوك.

ان الدفاع  من قبل البعض عن هؤلاء الذين استوطنهم صدام في كركوك وبالوسائل  العنصرية التي تمت تنفيذها فيها انما هو دفاع عن أناس كانوا الوسيلة لظلم مواطنين آخرين أبرياء, فهؤلاء , وحينما جلبهم صدام من الجنوب لم يجلبهم كونهم شيعة ,بل عربأ  عنصريين رضوا لأنفسهم لقاء امتيازات معينة أن يكونوا أداة بيد النظام, فكما لا يعقل للكورد الآن ان يدافعوا عن طه ياسين رمضان كونه كورديأ , كذلك من غير المنطقي ان ينبري  الشيعة بالدفاع عن هؤلاء المستوطنين كونهم شيعة فقط, رغم استخدام هؤلاء الهوية الشيعية الآن للتستر على فعلتهم السوداء والتي لطخت تأريخ الشيعة أنفسهم قبل ان يكون عملهم موجهأ ضد الكورد

ان الكورد لم يكونوا يومأ ضد أي انسان عراقي أراد العمل في أي مدينة أو قصبة كوردية ,تاجرأ كان أو موظفأ أو فنيأ متخصصأ  وهنالك المئات والآلاف من الاخوة العرب العراقيين وحتى من غير العراقيين اختاروا العمل والعيش في كوردستان وحتى ان الكورد تصاهروا معهم وقاسموهم السراء والضراء, وفي المستقبل ايضأ لن تكون حدود فيدرالية كوردستان سورأ حديديأ ممنوع الاجتياز لأي انسان عراقي شريف يرغب بالعمل والعيش مع اخوته الكورد ضمن الوطن الواحد, كما ان هنالك الآلاف من الكورد الذين عاشوا واستقروا في بغداد وبقية المدن العربية في العراق.

ان اتباع سياسة أنصر اخاك ظالمأ او مظلومأ,  سياسة  غاية في التخلف والرجعية .نرجو من القيادات الشيعية الابتعاد عنها اذا كنا فعلأ بصدد بناء عراق ديمقراطي فيدرالي حر وعادل.

 

جلال الجباري

HOME