اغتصبها أحد أقاربها فرجمت حتى الموت: 200جريمة شرف في كردستان
 



تشير بعض الدراسات إلى أن ما يسمى "جرائم الشرف" تحصد أرواح نحو 200 امرأة سنويا في مناطق جنوب شرق تركيا ذي الأغلبية الكردية، وتذكر تلك الدراسات أن الكثير من تلك الجرائم تحدث لأسباب "تافهة" ولا تستدعي ذلك العقاب "الفظيع"، ففي محافظة (أورفة) جنوب شرق تركيا قتل رجل زوجته البالغة من العمر ‏16‏ عاما ذبحا أمام دار للسينما دخلتها مع صديقتها دون استشارته‏,‏ وفي محافظة (اليزاغ) قتلت فتاة لأن شابا أهدي إليها أغنية في الإذاعة‏.

وذكر تقرير لمنظمة "نساء من أجل النساء" ومقرها اسطنبول أن من الأسباب الأخرى للقتل باسم الشرف الكلام مع بائع في متجر لفترة طويلة والنظر من النوافذ دون استئذان الزوج أو في غيابه وعودة الفتاة إلى منزلها في وقت متأخر والخروج مع صديقة دون استئذان الأسرة‏.‏

وقد أوردت مجلة "الأهرام العربي" المصرية في تقريرها عن جرائم الشرف في تركيا الكثير من القصص الإنسانية المؤثرة، منها قصة فتاة كانت تبلغ من العمر ‏15‏ عاما تعرضت للاغتصاب من أحد أقاربها وحملت وعندما كشف أمرها وأصبحت في شهرها السابع‏,‏ اقتادها أقاربها وشقيقها إلي منطقة جبلية خارج مدينة ديار بكر (أهم مدن جنوب شرق الأناضول) وأخذوا في رجمها بالحجارة إلى أن سقطت بلا حراك فاعتقدوا أنها ماتت، لكن جاءت الشرطة بالمصادفة لتجدها علي قيد الحياة وتم نقلها إلى المستشفى مصابة بكسور شديدة في رأسها وعظامها وبقيت في المستشفي أياما بعد وفاة الجنين في نفس يوم الرجم ولم يحتمل جسدها النحيل الإصابات ففارقت الحياة‏.‏

ورفضت أسرة تلك الفتاة تسلم جثتها وبقيت في المستشفى ‏15‏ يوما إلى أن عرفت منظمة جمعية "كار مار" النسائية‏ بالقصة فتسلمت الجثة، وأقامت لها جنازة كان معظم حاضريها من النساء خاصة العاملات في المنظمات المدافعة عن حقوق المرأة‏.

وأشارت "خيرية استشدد أوغلو" إحدى أعضاء "كار مار" أن الجهل يعد من الأسباب المهمة لانتشار هذه النوعية من الجرائم، حيث أن 50% من نساء مناطق جنوب شرق تركيا هن أميات، ومن القصص التي تذكرها أغلو قصة لامرأة تدعى "شمسة علاق" التي تعيش في محافظة ماردين المتاخمة لسوريا وقد توفيت في‏7‏ مايو/ آيار‏2003‏ بعد قضاء أكثر من ستة أشهر في المستشفى إثر إصابتها بجروح وكسور خطيرة‏.‏
ووفقا لوقائع القصة فإن "شمسة" امرأة كانت تبلغ من العمر ‏35‏ عاما لدى وفاتها لسنوات طويلة عاشت مطلقة ثم أقامت علاقة غير شرعية مع رجل يقترب من عمرها انتهى بالحمل وقد تزوجها الرجل، لكن لم يشفع لها عند أسرتها التي قررت قتلها رجما هي وزوجها وجنينها البالغ من العمر ستة أشهر في بطنها‏.

وقد تجمع العشرات من سكان تلك القرية الجبلية التي كانت تعيش فيها "شمسة" ليشاركوا في عملية الرجم،‏ وقد توفي الزوج على الفور، واعتقد الراجمون - كما تقول أغلو- أنهم أنهوا مهمتهم بنجاح وأنها ماتت، لكنها كانت لا تزال علي قيد الحياة والغريب أن الشرطة لم تتدخل وأثبتت تقارير لمنظمات حقوق الإنسان أن حوالي ‏30‏ شرطيا شاهدوا الواقعة من بعد ولم يمنعوا الجريمة بحجة أنه ليست لديهم أوامر وعندما انصرف الراجمون‏,‏ وجدت الشرطة أن "شمسة" لا تزال حية ونقلت إلى المستشفى وفقدت جنينها بعد أسابيع وتوفيت وحيدة.

وكادت الدموع تطفر من عيني خيرية وهي تذكر لـ"الأهرام العربي" أن صحيفة نشرت خبر مفاده أن نائبا في البرلمان عقد صلحا في اسطنبول بين عائلتي الزوج القتيل وشمسة "وادعى المحكمون أن الزوج قتل خطأ لأنه حاول حماية شمسة من الرجم‏,‏ وشرب الجميع أنخاب الشرف ولم تغب دماء شمسة المسكينة".
وتذكر خيرية قصة مؤثرة أخرى حدثت قبل عدة أشهر في (اسطنبول)، حيث قتل أب كردي يدعي خالد جولاري ابنته البالغة من العمر ‏14‏ عاما واسمها نوران خنقا بعد أن اختطفت وتعرضت للاغتصاب علي يد شاب لا تعرفه‏,‏ وقد دفن الأب ابنته في حديقة منزله، ولكن منظمة نسائية كانت علي علم بقضية الاغتصاب اكتشفت اختفاءها وأبلغت الشرطة التي توصلت إلى حقيقة ما حدث، حيث تبين أن "شقيق الفتاة وعمره ‏17 عاما شارك في الجريمة بكل الترحاب والسعادة ولم يبد الأب وابنه الندم على ما أقدما عليه وعلقاه كالمعتاد على جدار الشرف الرفيع‏".
إجبار النساء على الانتحار
وهناك أسلوب آخر غير القتل في جنوب شرق تركيا حيث يعيش حوالي ‏15‏ مليون كردي هو الإجبار على الانتحار وحسب تقرير لمنظمة العفو الدولية، فإن هناك ‏25‏ امرأة وفتاة أجبرن علي الانتحار بواسطة أقاربهن في إطار جرائم القتل باسم الشرف في تركيا‏,‏ وحسب "أوزلام واليكران" المسؤولة في مكتب المنظمة في اسطنبول، فإن العائلات تختار وسيلة القتل التي تريدها مثل إطلاق الرصاص من مسدس أو الشنق في سقف غرفة وتأمر الفتاة أو المرأة بالتنفيذ‏,‏ وتقيد الجريمة في سجلات الشرطة انتحارا‏,‏ كما أن هناك جرائم تقيد على أنها وفاة طبيعية بتواطؤ من موظفي وزارة الصحة وربما الشرطة أحيانا‏.‏
ويرتبط القتل من أجل الشرف في جنوب شرق تركيا أيضا بشيوع الجرائم المسلحة بشكل عام وامتلاك الأسلحة‏,‏ وعلي سبيل المثال فإطلاق النار في الأفراح منتشر‏، كما ينتشر العنف ضد النساء في تركيا كلها فحسب الإحصاءات الرسمية فإن أكثر من ‏50%‏ من النساء في البلاد يتعرضن لأشكال مختلفة من العنف الجسدي واللفظي‏.‏

ولظاهرة "جرائم الشرف" علاقة بأوضاع المرأة بشكل عام في جنوب شرق تركيا‏، فوفقا لإحصائية لمنظمة "كارمار" فإن ‏45%‏ من المتزوجات أجبرن على الزواج من رجال اختارتهم أسرهن و‏57%‏ غير راضيات عن الأزواج الذين قبلوهن "بقوة التخلف والجهل وشوارب الرجال‏".


وقد تم تغيير قانون العقوبات أخيرا بحيث جرى تغليظ العقوبة علي القتل باسم الشرف إلى ‏24‏ سنة سجنا بعد أن كانت تتراوح ما بين ‏3‏ و‏7‏ سنوات فقط بدعوى الوقوع تحت استفزاز شديد‏,‏ لكن الجمعيات النسائية- وبحسب الأهرام العربي - ترى أن المشكلة أعمق من ذلك ولا يعالجها هذا التغليظ وحده‏,‏ حيث لابد من الاهتمام بتعليم الفتيات وتحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للرجال والنساء معا في جنوب شرق تركيا حيث قتل ‏30‏ ألف شخص خلال الثمانينيات والتسعينيات في التمرد الكردي‏.‏
وتري صوليا جولبهار عضو "منظمة نساء من أجل النساء" أن الثقافة والمفاهيم تحتاج إلي تغيير جذري بمشاركة الدولة ورجال الأعمال وعلماء الدين والقادة المحليين ووسائل الإعلام وحسب تعبيرها فالنساء يذبحن بلا رحمة لأنهن مازلن ينظر إليهن على أنهن ممتلكات للرجل "البطريرك" وبعضهن يقتل بلا جرائم شرف بل لمجرد عدم طاعة الرجل فقط‏.‏

وتقول "بنيار الكاراجان" الباحثة في شؤون المرأة إن للطابع القبلي دورا في قتل النساء باسم الشرف، حيث هناك سطوة للعشيرة في الحياة الاجتماعية في جنوب شرق الأناضول‏,‏ كما أن الإقطاعيين من ملاك الأراضي يشجعون على ارتكاب هذه الجريمة أيضا للحفاظ على العادات والتقاليد التي تبقى لهم مكانتهم ضمن هذا المجتمع الزراعي‏,‏ كما أن بعض رجال الدين المحليين يتواطؤون مع مرتكبي هذه الجريمة بعدم توضيح موقف الإسلام الرافض لها‏.‏
وفي هذا السياق يقول فكري شعبان الحاصل على دكتوراه في الفقه الإسلامي من جامعة اسطنبول إن الإسلام برئ من جرائم القتل باسم الشرف‏,‏ لأنه لا يجوز لغير ولي الأمر أو الإمام تطبيق حد الزنا الذي هو جريمة من الصعب توافر أركانها‏,‏ كما أن الحمل ليس دليلا على وقوع هذه الجريمة لأنه يتم بالاغتصاب أحيانا‏.‏

ويرى شعبان أن جرائم القتل بدعوى حماية الشرف في تركيا هي ضرر من نتائج الخلل في علاقة الدولة والمجتمع بالدين‏,‏ فنحن أمام قيم غربية صارخة وأخرى قبلية متخلفة وفي الحالتين هناك بعد عن الإسلام الحقيقي المعتدل دون تفريط والحازم دون إفراط‏.‏

 

HOME