حلبجة اميرة المدن 
عبد الاله الصائغ

   

 

الى اصدقائي الكورد واسمِّي بعضا :

كوردة امين

احمد رجب

ناجي عقراوي

دانا جلال

شادمان علي فتاح 

فينوس فائق

فؤاد ميرزا

لطيف حسين

هيفال عبد الله

سردار الحيدري

سميرة مراد الفيلي   

ايفين

سروة عبد الوهاب

نخشين

المغفور له د. نافع عقراوي

 

الموصل ام الربيعين ! في ثمانينات القرن العشرين ! وسكرتيرة عميد كلية الآداب دكتور صلاح الدين امين تبلغنا نحن الأساتذة بضروري ترك المحاضرات والذهاب الى قاعة ابن جني في الطابق الثالث  فورا  ! قلبي بدأ ينبض سريعا وكدت اختنق !!  وقلبي الرائع اعتاد ان يشم لي النتائج قبل حدوثها فمن اراد ان يصدقني او لا يصدقني فهذا شأن خاص به وحده !! ! حملت معي ملفي الطبي ودخلت القاعة متأخرا فحاسبني شاب صغير السن والهيئة فقال لي دكتور ليش اتأخرت ! فتغابيت وقلت ولدي انا لدي جلطة اسم الله عليك وعلى السامعين وحين ادخل قاعة مكتظة مثل هذه  قد اموت لذلك اتناول حبوب انجسيد تحت اللسان في مثل هذه الحالات وذهبت الى سيارتي واخرجت منها الدواء ! عفوا ولدي ما اتشرفت بمعرفتك اول مرة اشوفك ! فقال لي بصبر نافد لتضيع وكتنا آني اسمي رفيق عبد الحمزة !   دكتور اطلع بغير مطرود عدنه  شغلة مهمة فقلت له شكرا وليدي ونظر لي بحسد كل من في القاعة وتمنوا لو ان الله رزقهم جلطة مثل جلطة الصائغ  المفتعلة او قدرة على التمثيل  مثلما تصنع الصائغ اذن لتخلصوا من الجيش الشعبي المؤسس اصلا  لازعاج البعثيين وإشغالهم  وقتل العراقيين  وتعذيبهم ! خرجت من القاعة منتصرا وشكرت الله ان سامحني على كذبي ! مضطر ان ابتدع حكاية الجلطة فهي العذر الوحيد الذي اتحصن به ضد عواصف وزمازم الجيش الشعبي !  الموصل تعلم انني تعرضت الى جلطة ولكنها لا تعلم ان الفحوصات الطبية  الدقيقة لم تثبت شيئا !! وكنت قد قررت الموت داخل العراق داخل البيت والكلية ولن ارتدي البدلة الزيتوني ! واصدرت فتيا لنفسي بنفسي  وهي الكذب على البعثيين حلال وهو ليس كذبا وانما ضرورة وجودية ! وكل ما عرفته ان الرفيق عبد الحمزة يريد اساتذة وطلبة من جامعة الموصل لتجنيدهم الى مهمة خطيرة وسرية ! ولأنني ادرى خلق الله بطبائع الغول البعثي منذ 1958  فانا لااتوقع منهم خيرا اطلاقا !! قال لي قلبي ان هناك كارثة ستحصل وحمدت لذكائي ولساني انهما لم يوقعاني في  مصيدة الجيش الشعبي ! وذهبت الى بيتي مكفهرا ! حتى انني قررت تناول اقراص فاليوم لكي انام وليحرس الله الناس من خطر البعثفاشية ! استيقظت في اليوم الثاني وبعد طقوس حلاقة الذقن والشاور والإفطار اذا لم اقو على ممارسة التمارين السويدية التي اعتدت ممارستها كل صباح وهرعت الى دائرتي   ومنها الى غرفتي بقسم اللغة العربية في كلية الآداب ! فزارتني سكرتيرة القسم الرائعة  واغلقت باب غرفتي فعلمت انها تحمل اخبارا مهمة  فهي حاقدة على البعث ولكنها تسايرهم ظاهرا وقالت لي بلهجتها الموصلية المحببة الى قلبي ( دكتور عغفت اشنو صيغ بحلبجة ) ثم انهمرت دموعها كأنها تبكي اهلها ! وسردت لي ما حاق بالمدينة الجميلة المسالمة وكيف كانت اوامر صدام حسين واضحة لا اريد حياة في حلبجة اقتلوا البشر والحيوان والنبات والحشرات والحجر ! واقتلوا كل عنصر يتردد في القتل ! ثم خرجت وسمعت هرجا ومرجا في الكلية وعلمت ان الطالبات والطلاب الكورد هربوا من الجامعة بل وهربوا من الموصل قبل ان يصدر امر باعتقال الطالبات والطلاب الكورد ! وفي المساء جاءني صديقي دكتور منجد مصطفى الجاف وهو كوردي بيته يجاور بيتي في حي الكفاءات بالساحل الايسر ! اخبرني ان الدكتور امين مكي  معاون عميد كلية الآداب جامعة الموصل وهو رجل نجيب لم يكن يدور بفكره إطلاقا  انه اسهم دون علمه في مأساة حلبجة ! وكان يسكن شقة في عمارة خاصة باساتذة جامعة الموصل تقع وعمارات اخرى في رحبة المركز الثقافي الاجتماعي لجامعة الموصل على تل اخضر  ( وهو اجمل مكان وقعت عليه عيناي ! جبت الدنيا ولم اجد اجمل منك ايها المركز القتيل الذي استحوذ عليك المحترق قصي  صدام حسين وطرد الاساتذة منه وازال الاحياء المقابلة له ولذلك حديث آخر )  اخرج عائلته من البيت وطلب اليهم الذهاب مؤقتا الى الجيران وما إن خرجوا حتى اطلق النار على بطنه وقد افرغ رشقة من رصاص رشاشته الكلاشنكوف ومات للحال فسمعت عائلته المنكوبة صوت الرصاص فهرعت عائدة الى البيت لتجد دكتور امين غارقا بدمائه وقد فارق الحياة  والى جانبه ورقة مكتوب عليها بخط مضطرب ( اغفري لي ياحلبجة اما الله فلا ينبغي ان يغفر لقاتليك !! ) وقد استولى البعثيون على الورقة  التي تتضمن اعتذارالدكتور امين لحلبجة واعدموا الورقة !! هذه صفحة من كتاب حلبجة المتكون من اجزاء كثيرة !

حلبجة اميرة المدن  

 

حبيبتي  حلبجة

جئتك اليوم حاملا لك باقة ورد وقصيدة شعر

لن ابكيك حبيبتي  سامحيني

فانا لا احب البكاء

لن ارثيك مليكتي فأنا لا احسن الرثاء

ادري انهم زرعوا الويل في ازقتك وبيوتك

مزارعك وباحاتك

ادري ان خمسة الاف ملاك من سماواتك

اختنقوا بدخان البعث العنصري

رايت اماً حلبجاوية تحتضن اطفالها الميتين

اماً حلبجاوية ماتت بصمت القديسات

ادري ان صدام التعس شاهد فلما مفصلا عن مأساتك

ومعه محظياته  وخصيانه وهو يحتسي دخان السيغار الكوبي

ويقهقه بهستيريا وهو يردد كالممسوس :

العراق عراقنا ولن يكون للكورد ولا للشيعة

العراق قلعة القومية والبداوة

حلبجة رسالة لغير العرب كي يتركوا اراضينا ويذهبوا للجحيم

ادري ان الرفاق وزعوا الشوكلاته في مآتمك

شربوا وثملوا ورقصوا

غنوا وطربوا وناموا

وانت ياحلبجة ياكعبة الحرية

تتلفتين باحثة عن كلمة طيبة تقال فيك

عن اغنية شجية تدغدغ مساءاتك

عن مروءة تصرخ في وجه العالم البليد

قائلة : ألأني كوردية عليَّ ان احتمل العذاب

ألأني طاهرة تركتموني لرحمة النجسين

ايها العالم لماذا يستفزك مقتل باندا في الصين

ولا يستفزك خمسة آلاف ملاك قضوا في دقائق

وهم لايعرفون تحديدا جريرتهم

حلبجة كل القصائد باردة إلا حين تمس ترابك

كل الورود كامدة إلا حين تمسها فراشاتك

كل المياه راكدة إن لم تتعمد بينابيعك 

انت تنتظرين زبانية الجحيم الذين اغتالوك معلقين

على اعواد المشانق في باحاتك

كما تنتظر النجف والناصرية والبصرة والعمارة

كما تنتظر الموصل والديوانية

الذين اغتالوا فتيان المقابر الجماعية والفتيات

معلقين على جذوع النخل واعمدة الكهرباء

حلبجة انت والنجف توأمان

شهداؤك وشهداؤها

يدبكون الساعة في الفراديس دبكات كوردية

والعذراوات يفرقن على الراقصين خبز العباس

لانك عزيزة

لانك طاهرة

لانك عظيمة

لانك مسالمة

لانك كبيرة

لانك كوردية

عشقناك ووضعنا ترابك كحلا للعروسات

وترياقا للعافية

لأنك كذلك احرقك البعثيون

والفاشيون

وهم الساعة يتكتمون على مأساتك

حلبجة

الشمس في سمائك زرقاء كعيني سنابل

السحب تظللك  بيضاء كبشرة العذراء

بيوتك من الكرستال

ازقتك معبدة  بالفيروز

ساحاتك الخضراء

عصافيرك تسقسق للفجر وتجمجم في الليل

اما قاتلوك فالشمس في سمائهم حمراء بلون الدم

السحب التي تظللهم سوداء مثل اسفنج القطران

بيوتهم من هتيكة

ازقتهم معبدة بالفجيعة

ساحاتهم موحلة كمخادعهم

عصافيرهم غربان تنعب للفجر وتنعب لليل

حلبجة آت يوم القصاص

فاستعدي له .

 

 

عبد الاله الصائغ

14 آذار مارس 2005 الولايات المتحدة

 

 

HOME