في الذكرى 71 لميلاد الحزب الشيوعي العراقي :
سيبقى صوت الشعب العراقي صوتاً مدوياً
أحمد رجب
قبل 20 سنة استمع الشعب العراقي إلى صوته المدوي باللغتين العربية والكوردية من إذاعة الحزب الشيوعي العراقي التي ساهمت بجدية ونشاط في تنوير الجماهير وشحذ يقظتها إزاء أعمال وتحركات دكتاتورية صدام حسين المتوحشة ورفد إعلام الحزب بأخبار وفعاليات المنظمات وحملات التضامن مع شعبنا في مقارعة أعتى دكتاتورية عرفتها البشرية في العصر الحديث، كما ساهمت الإذاعة في نقل أخبار العمليات العسكرية لقوات الأنصار والبيشمركة الشيوعيين والقوى المتحالفة معهم. انّ وجود إذاعة ناطقة باسم الحزب الشيوعي العراقي وفي تلك الظروف القاسية والحساسة للشعب العراقي الذي زج صدام حسين أبناؤه في أتون حرب قذرة ضد إيران لها أهميتها، لأنّ الحزب الشيوعي العراقي أحد الأحزاب الرئيسية في العراق، وله حضور نضالي على الساحة العراقية والكوردستانية، وله تجربة كفاحية زاخرة، ووقف ويقف بكل قوة وثبات ضد أعداء الشعب من الخونة والمجرمين. في 21/ 3/1981 في عيد نوروز، العيد القومي للشعب الكوردي، عيد الربيع والأزهار والنرجس الكوردستاني، عيد الحرية والمقاومة إنطلق صوت العمال والفلاحين والمثقفيين الثوريين، صوت الشعب العراقي، صوت الحزب الشيوعي العراقي، هذا الصوت الذي تلقفته الجماهير العراقية من العرب والكورد والتركمان والكلدوآشوريين والأرمن على اختلاف مشاربهم وأديانهم ومذاهبهم بحماس منقطع النظير، لأنّه صوت الحقيقة والثقة المطلقة بالنضال الذي يستمد قوته وعنفوانه من أوسع قطاعات الشعب، ومن المباديء والأفكار التقدمية التي آمن بها الشيوعيون العراقيون من أجل الشعب والوطن، ومن أجل تحقيق أماني وأهداف نضالهم المستمر ضد الأفكار الإنعزالية والشوفينية العربية المتمثلة بالدكتاتورية المقيتة.
بعد قيام الطغمة الدكتاتورية الشريرة بإعتقال أبناء وبنات الشعب العراقي على اختلاف تلاوينهم الفكرية وتعذيبهم ومن ثمّ قتلهم بطرق خسيسة، لجأ الجبناء من أزلام النظام الدموي بشن حملات منظمة لتصفية الأحزاب الوطنية ومنها الحزب الشيوعي العراقي، الأمر الذي دفع الحزب إلى إختيار اسلوب كفاحي جديد يمكن بواسطته الحفاظ على أعضاء الحزب وكوادره في مواجهة الدكتاتورية، فلجأ الحزب إلى جبال كوردستان لحمل السلاح والإنخراط في الكفاح المسلح جنباً إلى جنب مع الأحزاب العراقية والكوردستانية في مقارعة نظام صدام حسين الدموي. في عام 1979 كانت لحزبنا الشيوعي العراقي إذاعة، ولكنها كانت قديمة وكادرها بلا تجربة، وبالرغم من الجهود التي بذلها الشيوعيون ليل نهار، لم يصل صوت الحزب إلى الجماهير الغفيرة، إذ أنّ البث كان ضعيفاً ويغطي منطقة صغيرة، وبعبارة أخرى كانت إذاعة الحزب محلية لا عراقية. بعد قصف منطقة توزلة أي مثلما تم التعريف بها ( وادي الأحزاب ) في 2/7/1980 من قبل طائرات النظام العراقي البائد وسقوط شهداء وجرحى، قرر الحزب إعادة إنتشار الرفاق والأنصار وتوزيعها على مناطق أخرى.
في 20/7/1980 تحركت قوة مؤلفة من كوادر وأعضاء الحزب والأنصار وتوجهت إلى القرى الواقعة على الحدود العراقية الإيرانية بغية إيجاد منطقة جيدة ومناسبة لإنشاء قاعدة جديدة عليها، وعبرت القوة عند قرية بيوراني خواروو القريبة من منطقة به رده بان على الحدود بين سردشت في ايران وقلعة دزة في كوردستان العراق إلى القرى التي أخلاها النظام الدموي على الشريط الحدودي، واستطاعت القوة السير لمسافة طويلة بالرغم من الربايا العسكرية التي نشرها النظام في كل مكان.
وصلت القوة في ليلة 21 على 22/9/1980 إلى قرية مهجورة قسرياً وفق إجراءات النظام، وهي تقع مقابل جبل آسوس من أجل أخذ قسط من الراحة، وعند الإستماع إلى أخبار الراديو، سمعنا الطاغية صدام حسين يثرثر وهو يقرأ فقرات من بيان. وقد جرى نقاش بيننا حول بيان صدام ومحتواه وكل واحد منا أدلى بدلوه، وتوصلنا إلى نتيجة بأنّ النظام سيقدم على عمل جبان في القريب العاجل. في اليوم الثاني 22/9/1980 وعند الظهر سمعنا من خلال الراديو بيان لناطق عسكري يذكر فيه أن القوات الإيرانية قد هاجمت الأراضي العراقية، وان القوات العراقية تصدت للهجوم، ومن هنا كانت البداية لطاحونة الحرب القذرة بين البلدين الجارين لتحصد رؤوس العراقيين والإيرانيين والتي استمرت لثمان سنوات، والصحيح انّ القوات العراقية غزت الأراضي الإيرانية. وفي خضم الأوضاع المستجدة التي طرأت على الساحة العراقية وتعقيد الأمور من قبل النظام بات ضرورياً التفكير بمكان مناسب لمقر من مقرات الحزب، ولدراسة هذا الأمر الشائك جرت مداولات ونقاشات مستفيضة تقرر أن تنتقل القوة إلى منطقة مه رزى الواقعة بين قريتي بيتوش وئه شكان الإيرانية الحدودية وتأسيس مقر فيها بأسرع وقت ممكن حيث أنّ الشتاء على الأبواب والمنطقة من المناطق الباردة، وعلى كل حال وفي أواخر فصل الخريف بدأنا بتثبيت الخيم، ومن ثمّ بدأت عملية بناء غرف عديدة، وبهمة الرفاق والأنصار وبمساعدة سكان المنطقة ووقوفهم معنا استطعنا تذليل العقبات وإيجاد علاقة جيدة مع سكان المنطقة ويعود الفضل في تلك العلاقة السريعة وتوطيدها لأطباء الحزب ومنهم إبراهيم وناظم الجواهري ( د. دلشاد ) وأبو هه فال ونوزاد نوري وغيرهم حيث كانوا يقدمون خدمات طبية لهم. في بداية عام 1981 تقرر بناء غرفتين فوق جبل نوري، ومن أجل تلك المهمة الصعبة بدأت عملية البناء وكنا نرسل يومياً مجموعة من المناضلين للقيام بالعملية النبيلة وسط الثلوج والبرد القارس، ووسط إندهاش وتعجب أهالي المنطقة الذين وأخذوا يستفسرون ويقولون : ماذا تفعلون فوق الجبل ؟ ماذا تملكون هناك ؟ ان الدب لا يستطيع العيش هناك !!، هل لديكم مشروع ؟ لماذا لا تخبرونا ؟ وكنا حذرين جداً ونعرف بأن المنطقة حدودية ولصدام عيون وجواسيس فيها، وبعد الإنتهاء من البناء نقلنا الأجهزة والمستلزمات الخاصة بالإذاعة إلى الجبل، ويقع جبل نوري العالي الأشم بين قرى بيتوش ودولكان ومه زناوي وته يه ت في إيران وشانه خه سى وزازله في ناحية ماوت في السليمانية ويفصل بين الطرفين العراقي والإيراني نهر كه لوى الذي يسمى عادة بالزاب الأسفل. كانت إذاعة الحزب قريبة جداً من ربايا الجلش العراقي المنتشرة بكثرة في المنطقة، ولأول مرة في تاريخ الحزب وفي يوم نوروز الأغر بدأ البث في إذاعة بهذا الحجم، ولأول مرة وصل صوت الشيوعيين العراقيين إلى جماهير الشعب. قد يجوز أن لا يقتنع الجميع إذا قلنا بأن البرد في جبل نوري كان بارداً جداً، والدليل على ذلك كنا نستخدم مدفأة ( صوبا ) كبيرة مصنوعة من برميل كبير سعة 40 غالون، وكنا نضع الحطب فيها ونشعل النار في المقدمة منها ونغلق باب المدفأة، ونفتح باب المؤخرة، وننظف المؤخرة من الرماد لكي نتمكن من وضع الحطب في المؤخرة ونغلق الباب لتستمر النار تلقائياً، وننظف المقدمة من الرماد وعلى هذه الطريقة ولمدة أكثر من شهرين حمينا أنفسنا من البرد. ومن الصعوبات التي واجهتنا جلب الماء من النبع ( كاني ) الذي كان على بعد أكثر من 200 متر، ويقع في سفح الجبل، وكنا ننزل بأدوات جلب الماء وهي فارغة، لنعود بها على أكتافنا وهي مملوءة، ومن الصعوبات الأخرى حضور 10-15 نصير قبل بداية البث لرفع سارية طويلة ( اريل ) وتثبيتها وربطها بالحبال، وحضورهم ثانية بعد إنتهاء البث لإعادتها إلى محلها خوفاً من إكتشافها من قبل جواسيس صدام ومن الذين باعوا شرفهم وكرامتهم لقاء لفة أو لفتين من الدنانير العراقية، وكان نظام صدام يعول على الجواسيس لكشف مقرات الأحزاب الوطنية، والحصول على معلومات عن القوات الإيرانية وتحركاتها.
كان المفروض أن ينزل أحدنا يومياً إلى الأسفل حيث المقر الأساسي والرئيسي للحصول على المعلومات التي ترد من قيادة الحزب ومن المنظمات ومن ثم الصعود إلى الجبل وتنظيم المعلومات وبثها، كما كان الأنصار ينزلون لجلب المواد الغذائية والمستلزمات الضرورية، وكانت هذه العمليات صعبة وتحتاج إلى جهود الجميع. وهنا لا بد من ذكر اسماء الرفاق والأنصار الأساسيين الذين عملوا في الإذاعة وهم من أبناء قوميات العراق، حيث فيهم العربي والكوردي والتركماني والآثوري والسرياني والأرمني، وهم كل من : سالم جورج ( عادل مخلص )، سامي بهنام بطرس ( ماموستا رزكار)، تحسين محمد خليل ( أبو دلشاد)، أفراسياب صديق شاويس ( حمه رشيد )، هاشم كوجاني ( شاخه وان)، سامي صابر ( سامان )، الشاعر والأديب عواد ناصر، أحمد رجب ( سيروان )، أبو بشير وآخرين، ومن المسؤولين على التوالي بهاءالدين نوري، ومهدي عبدالكريم عضوي اللجنة المركزية وأبو ناصر، وفي بعض الأحيان ساعدتنا الرفيقات : بدرية محمد أمين ( نازه نين ) وكلاويز نائب عبدالله. في كل يوم كنا نذيع باللغتين العربية والكوردية أخبار العراق المهمة، وأخبار الحزب الشيوعي العراقي والأحزاب الشيوعية واليسارية في العالم مع أخبار الحركة التحررية الكوردستانية، وأخبار العمليات العسكرية لقوات أنصار حزبنا الشيوعي العراقي، وأخبار الحرب العراقية الإيرانية ومواقف الحزب من كل الأحداث. في مستهل شهر آيار وصلت معلومات من الحزب بأنّ السلطة الدكتاتورية كشفت موقع إذاعة الحزب، وهناك قرار من الدكتاتور الأرعن صدام حسين بضربها، ولم يكون الخبر بالنسبة لنا مفاجئاً لوجود أعداد كبيرة من المرتزقة العراقيين والإيرانيين وأزلام النظام الدموي، وعند وصول المعلومات وفي الحال بدأنا بتفكيك أجهزة الإذاعة وتنزيلها إلى أسفل الجبل، وبدأنا مشوارنا الجديد مع مقر صغير بالقرب من كوخ سليمان آغا. بعد أيام وبالضبط في الأول من حزيران 1981 حلقت 8 طائرات مقاتلة عراقية فوق رؤوسنا ومنطقة تواجدنا وشنت عدة غارات وأسقطت ما بجعبتها من قذائف على المنطقة وبالأخص على قرية ته يه ت السفلى واستشهد من جراء القصف الوحشي الجبان فلاح باسم مام علي وأبنه، وفي الساعة الثامنة بتوقيت بغداد وكالمعتاد أستمعنا إلى البيان العسكري شأنه شأن البيانات الكاذبة من البداية حتى النهاية، وجاء في بيان المرتزقة الصداميين : شنت " طائراتنا الجسورة " غارات على قوات العدو الإيراني في منطقة سردشت وألحقت أضراراً فادحة بالعدو وهي : قتل 100 جندي، وتدمير 15 دبابة، وتحطيم الرادار الرئيسي على قمة جبل زمزيران، وللعلم أن جبل زمزيران على بعد ساعة ونصف بالسيارة من القرية التي ضربتها طائرات العدو الجبان. في 3/6/1981 نشرنا هذا الاعلان : نسترعي أنتباه جماهير شعبنا الأبي ورفاقنا الأعزاء وأنصارنا البواسل وحلفائنا في الأحزاب والمنظمات العراقية والكوردستانية بأنّ إذاعة حزبنا الشيوعي العراقي صوت الشعب العراقي ستتوقف عن البث لمدة 3 أيام بسبب خلل فني، يرجى تعميم هذا الخبر على أصدقائكم ومعارفكم، ولكن في الحقيقة لم يكن أي خلل فني في الإذاعة ما عدا مهمة نقلها إلى مكان آمن في منطقة أخرى. في 4/6/1981 أستطاع الرفاق نقل الإذاعة إلى منطقة نوكان، ومن ثمّ إلى بشتاشان ومنطقة خواكورك، واستمرت في نضالها حتى عمليات الأنفال السيئة الصيت. المجد كل المجد لشهداء الحزب الشيوعي العراقي والحركة الوطنية العراقية والكوردستانية. الخلود لشهداء إذاعة الحزب : صوت الشعب العراقي الذين سقطوا دفاعاً عن الكلمة الحرة. الموت للمجرمين الطغاة من أعداء الشعب والحزب. 30/3/2005
|