کرکوك و زمان الوصل ِ بالأندلس ِ
فهمي کاکه يي
کلما تذکرت مقولة طارق عزيز عن کرکوك عندما قال للوفد الکوردي: (لکم أن تبکوا علی کرکوك کما يبکي العرب علی الأندلس) أتذکر الموشحات الأندلسية و خصوصا تلك التي نظم شعرها الوزير لسان الدين بن الخطيب:
جادكَ الغيثُ إذا الغيثُ همی يا زمانَ الوصل ِ بالأندلس ِ لم يکن وصلكَ إلا حُلما في الکری أو خلسة المختلس ِ
يظهر بأن أحدا لم يَعر أهمية لکلام طارق عزيز و إن هذا بدوره لم يسمع الفنان دريد لحّام عندما قال في إحدی مسرحياته :( في الأندلس کنا نحن الإستعمار). و للتاريخ نذکر القارئ الکريم بأن العرب غزوا شبه الجزيرة الإيبيرية (اسبانيا و البرتغال) عام 711 ميلادية بقيادة طارق بن زياد و بقوا فيها حوالي ثمانية قرون، و في يوم بارد من أيام کانون الثاني من عام 1492 ميلادية، وقف أبي عبدالله ملك الغرناطة أمام قصر الحمراء (يبکي ملکا مضاعا) و عندما رأته أمه علی هذه الحالة قالت:
أبكِ مثل النساءِ مُلکاً مضاعاً لم تحافظ عليه مثل الرجال ِ
و عائشة هذه کانت سببا لسقوط آخر معاقل العرب في الديار الإسبانية، و مع حلول عام 1570 ميلادية طردت بقية العرب و المسلمين و بعدها طويت صفحة غرناطة و الأندلس.
مع أن شبه الجزيرة الإيبيرية کانت تحفل بکثير من آثار العمارة التي تعود لحضارات مختلفة کالإيبيرية و الرومانية، بعضها معابد و بعضها قلاع و حصون و قصور و مسارح و قناطر، إلا أن العرب و للتاريخ نقول قد أنشأوا في تلك الديار نظام ري متقن و تحولت اسبانيا إلی مروج خضراء و أدخلوا معهم محاصيل زراعية لم تکن معروفة في اسبانيا سابقا مثل النخيل و الرز و قصب السکر، أما بالنسبة إلی الفن المعماري فقد بنوا قصر الحمراء و قصر إشبيلية و مسجد قرطبة و غيرها، بإختصار فالعرب (الغزاة) ترکوا ورائهم حضارة و عمارة.
الربط بين کرکوك و الأندلس من قبل طارق عزيز هو ربط معکوس، فالأکراد لم يحتلوا کرکوك فهم أهلها، سکنوها منذ القدم مع إخوانهم الترکمان و الآشوريين و الکلدان و غيرهم. موقع الأکراد من کرکوك هو کموقع الاسبان من أندلس و ليس العکس، و الذين سيبکون علی (ملك مضاع) ليس الأکراد بل هم المستوطنون العرب. لکن بالله عليکم علی ماذا سيبکي هؤلاء عندما يترکون کرکوك؟ فهم کانوا أداة الحکومة الصدامية لقمع مواطني کرکوك و إضطهادهم، فجلهم کان يعمل مع الأجهزة القمعية الصدامية، هؤلاء إستولوا علی أراضي أهل البلد، زرعوا حقولهم و طردوهم من بيوتهم فسکنوها، و مع هذا فإننا نری هذه الأيام أن بعض الأقلام و تحت ذريعة الدفاع عن الحقوق الأساسية للمواطن العراقي يقف بالضد من ترحيل العرب المستوطنين و بينما هو يدافع عن حقوق المغتصِب (بکسر الصاد) ينسی حقوق المُغتصَب أرضه(بفتح الصاد).
سؤالي لهؤلاء هل ترضون للآخرين ما ترضون لأنفسکم؟ تحديداً، ماذا تقولون عن المستوطنات اليهودية؟ هل لليهود حق البقاء علی الأراضي الفلسطينية؟
هؤلاء المستوطنين لم يکتفوا بما إقترفوه إبان الحکم الصدامي، فها هم اليوم يقومون بعمليات إرهابية من قتل و خطف و و إغتيال و تفجير لأنابيب النفط و غيرها. قبل يومين فقط قبض علی ستة من هؤلاء متلبسين بالجرم و هذه هي أسماۆهم: (ترکي عطية، کريم عبد، بومديان کريم، يوسف أحمد جرو، حسين عطية عبد، محمد ترکي عطية) و تم الإستيلاء علی کميات کبيرة من الأسلحة و العتاد و المتفجرات في بيوتهم*. هؤلاء بضاعة فاسدة و ما من أحد يريد الإحتفاض بها.
عندما يرحل هؤلاء من کرکوك أمام أي قصر سوف يقفون کما وقف أبو عبدالله أمام قصر الحمراء؟ هم لم يبنوا شيأ و لم يخلفوا غير الدمار، هل سيقفون أمام قلعة کرکوك الأثرية و التي کانت و ما تزال مفخرة أهل المدينة و خصوصا الأخوة الترکمان، هذه القلعة التي غنی لها الشعراء و المغنون؟
قلعه اوسکاك پنجراسي باخري چايه پنجرادن باخان قزلار بانزللار آيه
(تطل نوافذ القلعة العالية علی النهر منها تنظر بنات تشبهن القمر)
اليوم لا قلعة و لا نوافذ و لا حسناوات، فهذه القلعة التاريخية دمرتها حکومة البعث بدلا من أن ترممها کرمز حضاري للأقدمين من أجداد سکان المدينة.
قبل أيام کتبت مقالة بعنوان (کرکوك و الإستيطان العربي) هناك طلبت أن يعاد هؤلاء إلی ديارهم معززين مکرمين، لکنه و بما أن هناك من يدافع عن الإستيطان بحجج واهية و تحت شعارات ترفع في غير محلها کالحقوق الأساسية و تعدد الثقافات و الحقوق المدنية و المصالح المشترکة و ما إلی ذلك، أقول إنني أسحب عبارتي معززين مکرمين و أقول:
أخرجوا من غير مطرودين!
fahmikakaee@yahoo.se
*http://www.peyamner.com/article.php?id=2063&lang=kurdish
|