مسودة الدستور الدائم

والاستحقاقات الساخنة


فائق جميل المحامي

   

                  جرت عملية الانتخابات يوم 30 من كانون الثاني المنصرم وهي الاولى من نوعها منذ تاسيس الدولة

       العراقية في اجواء قل نظيرها في العالم حيث الارهاب بكافة صوره , تمثل فيها تصميم الشعب على خوضها

       وممارسته لحقه للديمقراطية بالرغم من المحاولات الاجرامية الرامية الى اجهاضها بالتهديد و القتل والتدمير  .

                  

         لا ريب ان  الانتخابات التي انبثقت منها الجمعية الوطنية تعد خطوة هامة في سبيل بناء الدولة العراقية

       الحديثة على الاسس الديمقراطية بكامل تفاصيلها غير انها  بحد ذاتها  لاتتعدى كونها وسيلة لانجازخطوات اهم

       واشمل و من  اهمها على الاطلاق هي صياغة مسودة الدستورالدائم للدولة العراقية في مرحلتها الانتقالية هذه .

    

               يعد الدستور اللبنة الاساسية لبناء كيان المجتمع كدولة كما يشكل اطارا عاما وشاملا لنظامها و يحدد العلاقات

      بين مؤسساتها واختصاص تلك المؤسسات وسلطاتها كما ينظم ما يتعلق بحريا ت المواطنين وحقوقهم في اطار الدولة

      ومن جانب اخريعرف القانون بانه انعكاس لمتطلبات المجتمع وخصائصه وحاجاته على كافة الصعد , ولما كان الدستور

     ماهو الا  احد فروع القانون العام   فانه في هذا المجال لا يشذ عن هذا التعريف  وانطلاقا من ذلك فمن المفروض

 

     ان يتخذ هذا المبدأ بنظر الاعتباران اريد له بان يعبر اصدق تعبيرعن واقع الشعب العراقي في اطار تحقيق الحريات

     العامة ومبادئ حقوق الانسان وكرامته بعيدا عن الاطروحات والمعتقدات الجاهزةالمقولبة مما لا يتفق وتطلعاته

    الديمقراطية بعد ان تحرر من نظام صدام الاستبدادي البائد .

 

              و لما كان الشعب العراقي يتألف من عدة القوميات والطوائف والمذاهب -- وان كان العرب والاكراد يشكلون

     الاكثرية الغالبة من مجموع الشعب -- الذي يضم كذلك التركمان و عدة الطوائف الدينية والمذهبية منها المسلمون الشيعة

     والمسلمون السنة ومنهم المسيحيون بشكل عام والصابئة المندائيين والايزدية وغيرهم عليه فان الوضع الديموكرافي للشعب

    العراقي يختلف عن معظم شعوب الشرق الاوسط ومنها الدول العربية  ولما لتلك المكونات على الساحة العراقية من

    الكتل السياسية والتيارات القومية و العقائدية والمبدئية يسود بين معظمها الخلاف الفكري والاراء والمواقف على اكثر من

    جانب واتجاه وقد تكون  لبعض منها امتدادات الى خارج البلاد بشكل ما  يجعل الركون على اي نمط من الدساتيراو اجزاء

    منها  لتلك  البلدان او اي بلد اخرفي صياغة الدستور اعتباطا ولاسباب عقائدية او سياسية دون الاخذ الواقع الشعب العراقي

    وطموحاته القومية والديمقراطية بنظر الاعتبار يعتبرخطأ"كبيرا قد يضع البلاد في دوامة لا نهاية لها .  في هذا السياق يعتقد

    بان وضع وصياغة مشروع الدستور الدائم بشكل يرضي الشعب العراقي بما يحتويه من المكونات القومية والطائفية

   والمذهبية ليس بامرسهل على اكثر من صعيد قد تكتنفه مصاعب جمة ياخذ الحوار والنقاش وتبادل الاراء وطرح الافكار

   من قبل جميع الاطراف المساهمة فيه حيزا واسعا  ومتسعا من الوقت و قد يصل الامرفي بعض مراحله  الى حد التأزم

    و ما يشبه الطريق المسدود وهذا بلا شك لامر سليم لا غبار عليه في محفل انتخب اعضاؤه في عملية ديمقراطية

   مشهودة الى حد بعيد فيما اذا كان ذلك في اطارالامور الثلاثة اولها ان تكون مصلحة العراق وشعب العراق الهدف الرئيس

   والقاسم المشترك يستهدفها جميع الاطراف وثانيها ان يكون الحوار صريحا وبناء ومرنا دون العصبية والتهويل والابتزاز

   وعن الدراية والادراك وثالثها ان يكون التفاهم و التوافق هو الاسلوب الامثل في اتخاذ القرارات دون الاخذ بمبدأ الاكثرية

   والاقلية خاصة فيما يتعلق بثوابت امورالدولة واساسياتها . عليه فان المهمة قد تواجه عدةالاستحقاقات الساخنة تفرضها

  المرحلة التي يمربها العراق خاصة فيما  يتعلق ببناء دولته على الاسس الجديدة لبنتها الديمقراطية بالدرجةالاولى وذلك  في

 عضون العدة الاشهر التي من المفروض ان يتم خلالها انجاز المشروع في فترة زمنية نص عليها قانون ادارة الدولةالموقت

 النافذ في الفقرة ( ا ) من المادة  الواحدة والستين التي تنص{ على الجمعيةالوطنية كتابةالمسودة للدستورالدائم في موعد اقصاه

 15 اب 2005 }   تمهيدا لطرحها على الشعب لاقرارها .  

          من المعتقد  ان تكون مسألة اقرار – الفيدرالية – لاقليم كردستان  وفق حدوده الجغرافية والتأريخية ضمن الدولة

  الاتحادية عاصمتها بغداد-- من ضمنها مدينة كركوك ذات الاصول الكردية --  من اولى الاستحقاقات الساخنة التي تواجهها

  مسودة الدستور الدائم لانه  لايزال هناك من ينظر الى الفيدرالية على غير حقيقتها كونها حق مشروع للشعب الكردي في اطار

 حق تقرير المصير الذي اقرته المواثيق الدولية في اكثر من مجال ومن يجدها عامل التفريق  ينظراليها بعين الشك والريبة

 دون ان يجد على ارض الواقع ما يبرر ذلك وبالرغم من اسهام الكرد النشط والفعال في العملية السياسية باتجاه بناء الدولة

 العراقية الموحدة منذاللحظة التي سقط فيها النظام ومابعده والى يومنا هذا وهناك من يعاديها ولن يستسيغها للاسباب العقائدية

 تتسم بكثير من  العنصرية ومنهم  يتجاهل كونها تمثل النمط الامثل لطموحات الشعب الكردي في نيل حقوقه القومية المشروعة

  كما يتجاهل البعض  بان الاستقرار والسلم في البلاد لن يأخذا مداهما  و ان عراقا قويا موحدا لايمكن بناؤه مالم تحل مشكلة

 الكرد القومية كما ان الديمقراطية المنشودة في البلاد لا يمكن ان تستقيم دون الفدراليةلاقليم  كردستان  في اطار الدولة الاتحادية

 اذ ليس من العدل والمنطق ان يتخلى الشعب الكردي  من تجربته الذاتية التي يمارسها  بنجاح كبيرفي غياب السلطةالمركزية

 منذ ما يقرب من خمسة عشرة عاما تلك التجربة التي لم تتحقق هباء انما هي بلا شك ثمرة نضالات الشعب الكردي المتواصلة

على مدى العقود  قدم خلالها تضحيات جسام على المستوى الانساني والمادي معروفة لدى الجميع من داخل البلاد وخارجها

عليه في خضم هذا الواقع والانجاز الكبير الذي تحقق على يد الكرد اصبحت الفيدرالية  امرا واقعا ومقبولا في ان واحد

 ضمن الدولة العراقية كانت قد اقرتها اطراف عديدة من القادة والاحزاب و الكتل السياسية  المنضوية تحت لواء ما كان

يعرف بالمعارضة العراقية على انها من الممكن تحقيقها في العراق المستقبل بعد سقوط النظام باعتبارها هدفا مركزيا لدى

الشعب الكردي الذي تجسد  في اقرارالفيدرالية لاقليم كردستان من قبل البرلمان الكردي عام 992  من المؤمل ان تكون تلك

 الاطراف لا تزال على موقفها منها.

        هذا ومن جانب اخريلاحظ ان الشعب العراقي عانى الكثير من الاستبداد والطغيان من خلال الحكم المركزي منذ تاسيس

 الدولة العراقية والذي فاق كل المقايس بعدما اغتصب البعث الحكم في البلاد عام 968 لما يزيد عن سبع وثلاثين عاما كما ان

 المواطن العراقي ومنذالعقود يشعر بانه مهمش ومحكوم دوما لذا فمن الاهمية ان يبدد عنه هذا الشعورالموروث وذلك عن

 طريق المشاركة الواسعة للمواطنين  في الادارة والحكم والحياة السياسية باوسع ابوابها ان كان ذلك في المركز او الاقاليم

 ام المحافظات  وهذه ما تحققه بلا شك  الدولة الاتحادية ومؤسساتهاالديمقراطية المتعددة في البلاد . ان الحكم المركزي في

 الواقع لم يعد مرغوبا  في عصرنا هذا في معظم انحاء العالم خاصة في البلدان التي تعرف بالعالم الثالث لما يهيئه هذا الحكم

  من ارضية خصبة لبروز الحكم الفردي والتسلط والاستحواز على جميع مرافق الدولة كما اصبحت الاتحادية من جانب

اخرالحل الانسب عندما تواجه الدول ذات القوميات و الطوائف المختلف وهي تطالب بدور لها في الحكم و ادارة الدولة ,

 ولا شك بان الاتفاق الذي حصل في الاشهر القريبةالماضية  بين الفصائل اهل لجنوب في السودان والحكومةالمركزية

 في الخرطوم التي حاربتها تلك الفصائل لاكثر من عشرين عاما وحصل بموجبه على الادارة الذاتية الموسعة لاقليم الجنوب

 في البلاد مع منحه الحق في تقرير المصير بعد الست السنوات عن طريق الاستفتاء العام خير شاهد في هذا المجال .

                                                                                                                

           هذا ونحن في معرض الفيدرالية واحقية الشعب الكردي فيها لا اجد ما يستوجب مزيدا من  الاستفاضة فيها اذ

كتبت عنها وعن مضمونها القانوني والقومي جملة من الدراسات والاطروحات العديدة منذ ان طرحت قوى المعارضة نفسها

على الساحة العراقية والدولية ولما بعد سقوط النظام وقد رفدت تلك الدراسات مشارع عديدة للدساتير المقترحة من قبل اساتذة

القانون  ورجال السياسة تتضمن مشروع الدولة الاتحادية بكل تفاصيلها وما يتعلق بالفيدرالية لاقليم كردستان وباعتبارها الحل

الانجع للمسالة القومية في البلاد غير انه وان كانت الفيدرالية لاقليم كردستان ضمن الدولة العراقية الاتحادية من الارجح ان

 تلقى قبولا لدى معظم الاطراف الا ان مسالة ضم كركوك اليها تبقى امرا شائكا من جراء معارضة بعض الاطراف غيرالواعية

 وغيرالمنصفة التي لا تستند في معارضتها  على الحقائق والوثائق التاريخية المتعلقة بواقع كركوك وسكانها وموقعها الجغرافي

 من اقليم كردستان بل نابعة  اساسا من الهوس القومي ترجع جذوره الى المفاهيم القبلية والمنابع العنصرية كما يتعمد

 البعض   في هذا السياق تجاهل الاجراءات غير الانسانية التي اتخذها النظام السابق بغرض تعريب المدينة وتغير ديموكرافيتها

 وذلك عن طريق التهجيرالقسري للاكراد منها واحلال العشائر العربية بدلا عنهم في مساكنهم وبيوتهم ومزارعهم ومحلات

 عملهم تلك الاجراءات التي بحد ذاتها تلقي من جانب منها الضوء على حقيقة الاغلبية الكردية في المدينة قبل حملة التهجير

التي اشارت اليها الماد الثامنة والخمسون من قانون ادارة الدولة الموقت النافذ والا فان لم تكن كذلك لما كانت السلطات البعثية

 انذاك بحاجة الى اتخاذ مثل تلك الاجراءات الهمجية الواسعة بحق الكرد انذاك اصلا .

         كركوك كانت كردية وتبقى كذلك  تمثل  نموذجا حيا  للتأخي والتعايش السلمي بين القوميات والطوائف لا يمكن لاي

 طرف كردي ان يفرط فيها تحت اية ظرو ف او ضغوط تعسفية . ومن هذا المنطلق فان الادعاء بان الكرد يحاولون بمطالبتهم

 بضم كركوك الى اقليم كردستان الحصول على المكاسب القومية معتمدين في ذلك على موقعهم المتقدم في الجمعية الوطنية

 المنتخبة حديثا ماهو الا مغالطة رخيصة لا اساس لها من الصحة حيث ان الكرد في مسعاهم هذا لا يحاولون الا استرداد حقوقهم

 المشروعة و ارجاع المدينة الى اصحابها الشرعيين , يحاولون اعادة التاريخ الى مجراه والحقيقة الى واقعها  بعد ان عبث بهم

 وبحقوقهم ووطنهم ومستقبلهم  شرا المتسلطون الباغون من الحكام واعوانهم  على مدى العقود من الزمن الردئ  كما  ان الكرد

لا يطالبون بضم كركوك الى ا قليم كردستان لكونها غنية بمنابع النفط كما يدعي البعض ممن لا يريد لهذا البلد الاستقرار والتقدم

 تلك الادعاءات التي ترددها الاذاعات والقنوات التلفزيونية العربية المغرضة , ان كركوك كردية حتى وان كانت مجرد

 قطعة ارض  جرداء لا نبت فيها ولا زرع ,  انهم بادعائهم هذا يتعمدون تجاهل حقيقة ايداع ايرادات النفط من كافة انحاء

العراق في خزينة الدولة العامة ينال منها الكرد بما يقدر له منها مثله مثل بقية الشعب العراقي , ومن جانب اخران  كان هناك

 من يعتقد بان مطالبة الكرد بضم كركوك الى الاقليم يقصد منها الاحتفاظ بمنابع النفط وربط هذا الاحتفاظ المفترض بما يسمونه

 { نوازع  الكرد الانفصالية} لا اساس لها في الواقع شيئا وان كانت تلك ( النوازع ) تعد امرا مشروعا من حيث المبدأ لا

 غرابة فيه ولا شذوذ في  ضوء ما تتمتع به الشعوب من حق تقرير المصيرو تشكيل دولها المستقلة على اوطانها

 والاستئثارمن -- ضمن اموراخرى سيادية ووطنية - - بمواردها الاقتصادية وثرواتها الطبيعية ,غير انه وحسب رأي الكثيرين

 من النخبة الواعية الكردية بان انفصال الكرد عن العراق وتشكيل دولتهم المستقلة ياخذ اشواط ابعد مما  كان عليه الامرفي العهود

 السابقة بعد ان يبنى العراق على الاسس الديمقراطية تزول من خلالها كل اشكال الاضطهاد القومي وينال الشعب

 الكردي حقوقه القومية كاملة منها مدينة كركوك مثل بقية المدن الكردية الاخرى منها خانقين وسنجار ومندلي وغيرها

 و تبقى تلك المدن بطبيعة الحال عراقية مثل بقية المدن  الواقعة داخل الاقليم كاربيل ودهوك والسليمانية مع غيرها من مدن

 الجنوب والوسط من العراق الموحد .

             هذا في الوقت الذي اصبحت مسالة ضم كركوك الى اقليم كردستان مثارجدل واسع بين الاطراف المعنية على

 الساحة العراقية و لم تزل اول حكومة عراقية منبثقة من الجمعية الوطنية المنتخبة حديثا غير مشكلة يعتقد الكثيرون من الكرد

 بانه  كان من الممكن تجنب هذا الجدل وتعنت بعض الاطراف في الاقرار بشرعية المطلب الكردي   لو لم تتسرع  القيادات

 الكردية -- وهي تحمل في ثناياها كل الاخلاص وحسن النية للعراق و العراقيين --  بالتوجه نحو بغداد  بعد سقوط النظام

 مباشرة والشروع بالمساهمة الفعالة والمؤثرة في العملية السياسية باتجاه اعادة بناء الدولة العراقية اذ  حسبما يرون  خاصة

 الشباب منهم ان الكرد باقدامهم على ذلك قد فقدوا  مركز ثقلهم على الساحة العراقية واسقطوا من ايديهم  عدة اوراق كان بالامكان

 تفعيلها من اجل تحقيق كافة الحقوق القوميةالمشروعة للشعب الكردي دون المساس بعراقية العراق والشعب العراقي وبضمنها

 مدينة كركوك التي كانت تعاد حسب اعتقادهم الى الاقليم على طبق من الذهب منها  مكانة الاقليم السياسية ودوره اللوجستي

 والعسكري في الجهود الرامية الى اسقاط النظام بينما كان الاقليم يتمتع بالاستقلال وحكومة امرالواقع منذ اكثر من اثني عشرة

عاما -- لما قبل سقوط النظام -- بعيدا عن المركزوالسلطةالبعثية كما ان صدام هو نفسه كان ساقطا من الناحيةالعملية

 منذ ذلك الوقت بالنسبة الى الاقليم ومواطنيه الذين   كانوا ولا يزالون ينعمون بالهدوء والسكينة يشهد اقليمهم دوام التقدم في ظل

 ادارة ديمقراطية تحترم خلالها الحريات العامة وحقوق الانسان , وحينذاك فقط لم يكن لاصدقاء الكرد القدامى ولا لغيرهم ان

 يجدوا مجالا لانكاروعودهم ومواثيقهم بما يتعلق بحقوقهم القومية هذا الانكار والجحود الذي يعلن عنه جهارا بعدما اصبح الشعب

 الكردي طرفا مساهما  رئيسا في بناء الدولة العراقية الحديثة  بحيث اصبحت قضية العراق هما كرديا ربما يفوق هموم الاخرين

 منها.

          واخير ونحن بصدد الفيدرالية لا بد الاشارة الى ان  قانون ادارة الدولة الموقت لم يتجاهل الادارة الذاتية لاقليم كردستان

  حيث ورد في المادة الثالثة والخمسين في الفقرة -أ- نصا{ يعترف بحكومة اقليم كردستان بصفتها الحكومةالرسمية للاراضي

 التي كانت تدار من قبل الحكومة المذكورة في 19 أذار2003 الواقعة في محافظات دهوك واربيل والسليمانية وكركوك

 وديالى ونينوى . هذا ونجد ان الفقرة -أ- من المادة المذكورة نفسها تحدد مفهوم ( حكومة اقليم كردستان ) بانها تعني

–المجلس الوطني الكردستاني ومجلس وزراء كردستان والسلطة القضائية الاقليمية في اقليم كردستان . كما عززت المفهوم

الاتحادية المادة الرابعة من قانون ادارة الدولة الموقت اذ شخصت نظام الحكم في العراق خلال الفترة الانتقالية بشقيها بانها

{جمهوري اتحادي (فيدرالي) ديمقراطي تعددي وتضيف : يجري تقاسم السلطات فيه بين الحكومة الاتحادية والحكومات

الاقليمية والمحافظات والبلديات والادارات المحلية. ويقوم النظام الاتحادي على اساس الحقائق الجغرافية و التاريخية

والفصل بين السلطات وليس على اساس الاصل او العرق والاثنية او القومية او المذهب .

           من الاستحقات الساخنة  الاخرى التي قد تواجه واضعي مسودة الدستور الدائم هي   ما يخص الديانة  الاسلامية في

 مواضعها الثلاث  اولها  يتعلق بهوية الدولة وثانيها توصيف الدولة بانها اسلامية والشريعة الاسلامية هي ثالثها و اذا اردنا ان

 نتجنب الصيغ التي اعتدنا عليها في العقود الماضية في ظل فقدان الديمقراطية والحريات العامة  في الوقت الذي كان الدين

 يستغل  لصالح الديكتاتورية والاستبداد يمكن ان نتساءل ...؟  هل من الضروري تعريف هوية الدولة بانها مسلمة    

  في دستورنا المرتقب بالرغم من وجود مالا يقل عن مليوني مواطن يدينون بغير الاسلام ..؟  او يمكن  صرف النظر

 عن هذا البيان كما هو الحال بالنسبة الى العلمانية باعتباران هذا الاجراء  لايغير شيئا من واقع الشعب العراقي كون المسلمين

 في البلاد يشكلون الاكثرية الغالبة بينما يتم رفع الحرج عن الدولة بالنسبة الى غير المسلمين داخل البلاد وخارجها وذلك

دون المساس بصلب الديانة الاسلامية .  علما بان جميع الدول الاوربية والامريكتيين وغيرها من الدول في العالم بالرغم

 من ان نسبة المسيحيين فيها تبلغ ثمانية وتسعون بالمائة من سكانها فانها تتجنب النص في دساتيرها بتعريف هوية دولها

 بانها  مسيحية حيث لم تجد مبررا لذلك في ظل  حرية العبادة واداء الشعائر والطقوس الدينية لدى الجميع .

         في كل الاحوال ان كان لابد من تعريف الدولة بانها مسلمة  فانها من الخطورة توصيفها  بانها اسلامية لما تترتب

على هذا التوصيف من التغيرات الجذرية لبنية المجتمع العراقي من حيث  نظم الحياة السياسية والثقافيةوالاجتماعية والتشريع

 وبما يتعلق بالقوانين الوضعية وامور اخرى عديدة لايمكن حصرها في هذ المجال تتعارض كلية مع واقع الشعب العراقي

 والمرحلة التي يمربها وتطلعاته نحوالديمقراطية والتقدم والازدهار . و من هذا الاطار يمكن الاستشهاد بالدولتين الاسلاميتين

 الجارتين للبلاد وهما السعودية وايران , فانهما تحت طائلة الاسلام قد فشلتا في تحقيق الحياة الديمقراطية والحريات العامة

 والعيش الكريم  لشعبيهما فان كانت الاولى الحكم فيها ينحصر بعائلة واحدة من دون السلطة التشريعية والدستورعلى الاقل

 تهيمن على مقدرات البلاد وثرواتها الطبيعية ومواردها الاقتصادية منذ ما يقرب من تسعين عاما في اطار نظام فئوي شديد

 الوثاق فان الثانية لاتختلف عنها من حيث الجوهر فان مجموعة من رجال الدين المسلمين المتشددين تهيمن على مقاليد

 الحكم بكافة جوانبها في ظل نظام مذهبي يتمثل بما يسمى ب  (ولاية الفقيه ) الذي يتزعمه ما يسمى بمرشد الثورة .

هذا النظام المذهبي الذي حجب عن الشعب الايراني كل الممارسات الديمقراطية الحقيقية والمشاركة الفعلية في الحكم

 و تهان فيه حقوق الانسان والحريات العامة تحت طائلة الطروحات الدينية الزائفة و مما يشهد على ذلك ا ن رجلا مثل الرفسستاني

-- احد رجال الدين المتنفذين -- في البلاد بامكانه ان يحجب الحقوق المدنية بجرة القلم عن الميأت من النخبة الاصلاحية

 المثقفة من الشعب الايراني باسم صيانة الدستور ومصلحة الدولة كما حدث ذلك عشية عملية الانتخاب الاخيرة للبرلمان

 حيث منعوا بصلافةعن ترشيح انفسهم فيها قبل عامين من الزمن .

          ان نظام ولاية الفقيه الذي يتعارض مع المفاهيم الديمقراطية اساسا و الذي يشكل نمطا غيرالمسبوق   في الحكم والادارة

  في العالم لايمكن استنساخه وفرضه على الشعب العراقي-- لا لما قبل الخاتمي ولا لما بعده --

باي شكل من الاشكال . هناك عوامل واسباب عديدة تحول دون ذلك لايتسع المجال  للاستطراد فيها ولكن يمكن القول

بان ارضية العراق غير مؤهلة لمثل تلك الانظمة التي لاتندرج ضمن اية انظمة لا في العالم الاسلامي ولا في غيره

  وذلك  بعد ان تحررالعراق من الديكتاتورية والاستبداد . ان الهيمنة المذهبية هي اخرما يمكن للمواطن العراقي ان

 يفكرفيها او يتقبلها. عليه  فالذي يتأمله الشعب العراقي بالا يتعدى -- لقاء الدكتور ابراهيم الجعفري المكلف  بتشكيل اول

 حكومة عراقية منبثقة عن الجمعية الوطنية المنتخبة حديثا  – باية الله السيستاني  في النجف الاشرف اكثر من مباركة

 مهمته المنوطة  به من رجل   له مكانته في موقعه ادى دوره المشرف في انجاح العملية الانتخابية في ظل التهديد والقتل

 والارهاب وجهوده المخلصة والمؤثرة  في سبيل استباب الامن والسلم في البلاد بقدر الامكان . لا شك فان الشعب العراقي

يكن للسيد السستاني كل التقدير والاحترام والامتنان باوسع ابوابه غير ان التقدير والاحترام شيئ ومستقبل العراق

 و بناء دولته على الاسس الديمقراطية التي افتقدها الشعب العراقي منذ تاسيسها شيئ اخراذ ان الشعب العراقي ليس بحاجة

الى المرشدالديني ولاموقع في الدولة كموقع ا لخامنئي في ايران فان مرشده الوحيد هو ممثلوه في البرلمان المنتخب دون

 غيرهم وفي هذا الاطار فان محاولة اقحام المرجعية الدينية المذهبية في امور السياسة والحكم لامر خطير قد يسئ الى

 الدين نفسه , ان اية الله السيستاني كزعيم ديني  في البلاد ارفع من ان يزج في امورالدولة وشؤنها بينما هو ملك

 لجميع ابناء الشعب وليس لطائفة مذهبية معينة مما بسنوجب عدم حصره  في زاوية ضيقة بينما يتسع الرجل لفسحة

 اكبر واوسع وهي بلا شك العراق وشعبه .

        ان مسالة الشريعة الاسلامية لابد ان يعتمدها المشرعون لمسودة الدستور الدائم كمصدرمن مصادر التشريع بكافة

 مذاهبها كما هو الحال في كافة بلدان العالم الاسلامي على ان يكون هذا الاعتماد في العراق غير المتعارض مع المفاهيم

الديمقراطية واحترام الحريات العامة وحقوق الانسان وبعيدا عن الاحتكار والاجتهاد الفكري والمذهبي والا يشكل عائقالاتخاذ

 غيرها من مصادر التشريع والقانون مما يتفق مع التطور الحاصل في وسائل الانتاج وما ترتب عليه من التقدم

 في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية  و كافة مناحي الحياة الاخرى في المجتمع .

 

           من الجدير بالذكر.في هذا السياق ان الدول الاوربية وغيرها في العالم لم تشهد التقدم الحضاري من كافة مناحي

   الحياة الا بعدان ابتعدت الكنيسة عن الدولة والدين عن السياسة والحكم كما لم تتبؤء الكنيسة مكانتها الرسمية والشعبية

 ولم تزدهر الا بعد ان اصبحت مؤسسة مستقلة عن الدولة  حيث اثبتت الوقائع التاريخية والمعاصرة بان  الازدواجية

 بين الدين والسياسة  في الحكم والادارة لم تحقق النتائج المرجوة  منهما على صعيد المجتمع ومتطلبات الحضارة

المعاصرة .

 

           ان الفقرة – ب – من المادة السابعة من قانون ادارة الدولة الموقت النافذ تنص على ان ( العراق متعدد القوميات والشعب

 العربي جزء لا يتجزأ من الامة العربية ) مما يلاحظ من الفقرة المذكورة بانها تتجاهل الشعب الكردي  كما لن تلقى كامل الرضى

  من قبل الشعب العربي في العراق خاصة القوي القومية منه باعتبارها تتجاهل انتماء العراق الى الوطن العربي  مما قد يثيرفي

 هذا الصدد بعض الجدل بين المشرعين  . عليه في  السياق  نفسه ولغرض الوصول الى صيغة مقبولة لدى كافة الاطراف او

 معظمها على الاقل -- ان كان لابد من نص يشخص انتماء العراق وشعبه -- كما فعل قانون ادارة الدولة الموقت النافذ

  يستوجب  ان يكون هذا التشخيص متكاملا يفي بواقع الشعب العراقي الذي يتالف من القوميتين الرئيستين  هما العرب والاكراد

 وتكون الصيغة متوازنة تأخذ ابعادها الحقيقية وذلك باخذ موقع الشعب الكردي واقليم كردستان بنظر الاعتبارفي هذا المجال

 حيث ان الشعب الكردي  في العراق لا يتجزء من الامة الكردية واقليم كردستان جزء من كردستان المجزأة . وفي كل الاحوال ان

 لم يتم التوافق على مجمل صيغة الانتماء فمن الافضل  التحرر من هذا النمط الموروث من دساتير العراق السابقة وذلك

 بجعل العراق وشعب العراق ينتميان الىالعراق بعينه فحسب اي بكلام اخر يصرف النظر عن موضوع الانتماء شكلا وموضوعا .

          من المؤكد ان نجاح عملية الانتخابات التي جرت في ثلاثين من كانون الثاني المنصرم عام2005 كان فوزا كبيرا للشعب

       العراقي تخطي من خلالها خطوة هامة نحو بناء الدولة على الاسس الديمقراطية فعلى الجمعية الوطنية المنبثقة منها ان تعبر عن

       هذا الفوزوتحترمه وذلك بانجاز مهامها الجسام خاصة بما يتعلق بصياغة الدستور الدائم وانجاز هذه المهمة بكل الجدارة والمسؤلية

       لان المسألة  تخص الشعب العراقي برمته بكافة قومياته وطوائفه ومذاهبه -- على ان يكون هذا الدستور-- الخيمة الواسعة

       تستر الجميع وتحويه من كافة جهاتها وبما يرضي الشعب العراقي وان يكون التوافق و الحوارالبناء والمنطق السليم وواقع

        الشعب العراقي  هو الاساس لما يتم انجازه لصالحه  من دون الرجوع الى الاكثرية والاقلية حيث ان بناء العراق من جديد على

        الاسس الديمقراطية هو انجاز كبير يخص كافة مكونات الشعب دون الاستثناء  و هو كذلك يعد السبيل الانجح لتصبح مسودة

        الدستورالدائم مؤهلة للقبول من قبل الشعب عند طرحها للاستفتاء العام في مرحلتهالاولى لان اي تاخير في هذا المجال

        يعد مضيعة للوقت  الذي من الاجدى ان يخصص بالكامل لبناء الدولة  الذي لا يزال في مراحله الاولى

               و خيراحبذا لو تضمنت المسودة  المرتقبة نصا بوجوب اعادة النظر في الدستور الدائم لكل عقد من الزمن كي يواكب

        الاجيال القادمة حسب متغيرات الحياةومتطلباتها المستقبلية .

 

 

                                                                                                                استراليا

                                                                                                             22 آذار2005

 

 

HOME