العرب الشيعة...... الكورد.... كركوك

جلال الجباري

   

 القسم الاول

للمرة الأولى أجد نفسي مضطرأ الكتابة حول موضوع طالما تمنيت بل وحاولت ايضأ ان أتجنب الخوض فيه , ولكن سير الأحداث, وتطوع بعض الأقلام المحسوبة على الشيعة   و التي لاتزال تستلهم أفكارها المريضة من نفايات الفكر العروبي والعنصري المقيت ضد كل ما هو كوردي وكوردستاني, هي التي دفعتني للكتابة حول  الموقف  السلبي للشيعة العرب تجاه(اخوتهم)الكورد, شركاءالمقابر الجماعية والمعتقلات البعثية الرهيبة والنفي والتهجير ,والظاهر أن تلك الشراكة والمعانات المشتركة أيام النضال ضد الطاغية, كانت شراكة طارئة ومؤقتة لم تستطع ولحد الآن أن تقنع (الأخوة ) من العرب الشيعة بأن تلكم المعانات الكوردية  انما كانت نتيجة تمسك الكورد بمبادئ واهداف مقدسة في الحرية  والحياة , والتي لاتزال هي نفسها , لم تتغير ولن تتغير حتى لو تغيرت أدوار ومواقع ومواقف الآخرين الذين يصرّون ان يلعبوا نفس أدوار النظام المباد , فكرأ اليوم , وقد تتحول الىممارسات غدأ

 

وأني بالتأكيد لا أعني بالعرب الشيعة اولئك القلة من الأخوة الشرفاء من العرب الشيعة الذين لازالوا يرفعون أصواتهم الشريفة عالية,  وأكثر من أي وقت مضى لصد الهجمة الاعلامية الشرسة التي تستهدف الكورد وجودأ وحقوقأ وأهدافأ مشروعة,ا لشعب الذي قدر له ان يحرم من حق الحياة والحرية ,وقوبل كل نضالاته المشروعة دومأ و على مرّ العقود بالحديد والنار, فدفاع هؤلاء الشرفاء من الشيعة العرب  لم يكن يومأ نابعأ من موقف عاطفي طارئ , بقدر ما كان مبدئيأ وواقعيأ و نتيجة للفهم الصحيح لحقوق الانسان ,وايمانأ عميقأ بحق الشعوب,كل الشعوب في تقرير المصير, والتطلع الى الحياة الحرة الكريمة بعيدأ عن التسلط و الوصاية والتعالي القومي,و تحت مختلف اليافطات ,قومية كانت أو دينية أو مذهبية  , فالنتيجة  بالنسبة لنا ككورد كانت واحدة ,كائننا  من يكون حامل الكرباج , فأن ذلك لا يغير من وقعه المؤلم على جسد الضحية شيئأ.

 

وقد حاولت ان أتناول الموضوع من مختلف جوانبه, لتوضيح موقفهم تجاه اغلب الحقوق الكوردية وما يحيط بها, والتي يحلو للبعض تسميتها( بمطاليب تعجيزية) , بدءأ من   الفهم  الخاطئ لمفهوم كوردستان ومرورأ بالفيدرالية وقانون ادارة الدولة للمرحلة الانتقالية , والى قضية كركوك,وانتهاءأ بشكل الدولة العراقية ودستورها, وبالتالي مجمل الحياةالمستقبلية  للشعوب العراقية ,ان اصراري على توضيح الأمر يأتي بالدرجة الاولى من باب الحرص على ان لا تتحول الصراع الشوفيني العروبي الاصل أو الكمالي الفاشي المنبع, الى صراع كوردي شيعي, وأن لا يتحول رفاق السجون والغياهب البعثية وأهالي مغيبي المقابر الجماعية الى الخنادق المتقابلة , تتحارب وتتقاتل فيما بينها, بينما القاتل الحقيقي لكليهما يفلت من عقاب التأريخ .

 العرب الشيعة... ومفهوم كوردستان

نجد الكثيرين من اخوتنا الشيعة اسوة بغيرهم من اعداء الكورد مع الاسف الشديد , عن قصد او جهل لا يزالون يرددون نفس النغمة التي اطلقها لاول مرة المقبور عبد السلام عارف والمقبور الطلفاح ,حول الكورد وموطنهم كوردستان,والذين  اصيبوا بفوبيا اسمه فوبيا( كوردستان),ويستعملون بدلأ منها كلمة  الشمال أو ( شمالنا الحبيب), كل ذلك لتفادي اطلاق التسمية الحقيقية على المسمى الحقيقي, أي حصر مفهوم شعب كامل , بل وثاني اكبر تكوين اثني وقومي في العراق ضمن احد اضلاع الاتجاهات الجغرافية المعروفة(شرق وغرب وشمال وجنوب),وكأن العراق مكون من قوميات تسمى بهذه المسميات ,القومية الشرقية والقومية الغربية وهكذا,وكل ذلك لتفادي ذكر  التسمية الحقيقية وهي كوردستان,وذهب البعض لتبرير اصابته بمرض فوبيا كوردستان بانكار وجود مكان باسم كوردستان أصلأ ,بل ادعى ان ذلك من اختراع مخيلة الكورد ليس الا . 

مصيبتنا في العراق بشكل خاص هو جهل الكثيرين ,وحتى اشباه الكتاب والمثقفين, بتأريخ العراق الحديث والقديم وبتأريخ المنطقة عمومأ , وقد يكون لنوعية وكيفية التلقين في المدارس والمناهج الدراسية,و حتى بعض الكتابات لأشباه المؤرخين من أبطال اعادة كتابة التأريخ تأثيرها المسوم في هذا المقام, فكثيرون منهم جهلاء حتى بتأريخ بلدهم  لمئة عام مضت ,ولم يقرؤا او يسمعوا غير ما كانت ترددها على اسماعهم ابواق البعث وعباقرة القومجية من دعاة الامة العربية المجيدة ,ذات الرسالة الخالدة .

فكوردستان يعني موطن الكورد  ياسادة , ونحن الكورد  لم نخترع اسم موطننا , بل شاء التأريخ وأحداثه ومجرياته ان نعيش فيها مكانأ وزمانأ, لا نملك لا نحن ولا انتم القدرة على تغييرمجرياته وأحداثه(آه لو كنا نستطيع ذلك),والتأريخ لم يشهد شعبأ بدون أرض,عدا القبائل الغجريةالمرتحلة في شمال ووسط اوروبا ,أ و الأقوام الغازية والهمجية, الغريب انه حتى الاقوام الغازية في المنطقة والمعروفة جيدأ للجميع, بات لها وطن وتسمي (دولتها) باسم شعبها الغازي المجرد ,ومع ذلك لم نجد من  يعترض  عليهم , اي انه لايوجد في المنطقة مرض أسمه (تركيا فوبيا ),بالشكل التي استشرى مرض( كوردستان فوبيا) لتصيب الكثيرين من قصيري النظر او الحاقدين.

ان كلمة كوردستان ليست جديدة كما يظن او يحلو للبعض ان يصور للآخرين,فمن يتصفح أوراق التأريخ ,سيجد ان لفظة كوردستان كانت رائجة منذ قرون ,وكانت هنالك ولاية كبيرة اسسها السلطان سنجار , تشمل مناطق تمتد لتشمل اجزاء من( ايران وتركيا والعراق وسوريا والاتحاد السوفيتي السابق )وذلك قبل اكثر من ثمانية قرون باسم كوردستان,وحتى السلاجقة اطلقوا هذه التسمية على بلاد الكورد الواقعة الممتدة بين اذربايجان وتخوم نهر دجلة,ويرى المستشرق  الروسي فلاديمير منيورسكي (ان الشعب الكوردي استوطن هذه المنطقة منذ فجر التأريخ),وهو نفس الرأي الذي يؤكد عليه المؤرخ سيدني سميث, و يذهب المؤرخ الامريكي وليام كلارك الى ابعد من ذلك بكثير , حيث يقول في كتابه(القبائل الكوردية في غرب اسيا) ان اجداد الكورد قد سكنوا في هذه المناطق منذ اكثر من ثمانية آلاف سنة,وحتى ان الغرض من بناء جنائن بابل المعلقة انما كان نزولا  عند رغبة الاميرة الميدية لرؤية مناظر قريبة من موطنها الجبلي , والميدين كانوا بحسب كل الدراسات التأريخية المحايدة من اسلاف الكورد,وهم الذين اسقطوا مع اقوام اخرى في المنطقة الامبراطورية الآشورية التي امعنت في الطغيان والاستبداد ,ويصف القائد اليوناني زينزفون 400 سنة قبل الميلاد,  شعب كوردستان( بالرجال الشجعان والاقوياء , ويبدي اعجابه بخصالهم وطريقة صنعهم للاقواس والنبال الكبيرة التي كانت تفوق اسلحة اليونانيين جودة وقوة اضعافأ مضاعفة) , وان الكورد هم من هزموا هولاكو في تخوم مدينة اربيل عام 1281

ان كلمة كوردستان مذكورة في كل الخرائط القديمة لبلاد الرافدين وبلاد فارس, وكل الرحالة والمستشرقين والمؤرخين يذكرون بلاد الكورد بهذا الاسم, وكل من يريد ان يطلع على اي كتاب او مخطوطة عن المنطقة يجد ان اسم كوردستان كان مرادفأ للكورد دومأ, وهؤلاءالكتاب والمؤرخين لم يكونوا كوردأ بأي حال من الاحوال.

ان شعبأ بهكذا تواجد كثيف ومؤثر على أهم احداث التأريخ في المنطقة, لم ينزل الى هذه المنطقة من السماء, كالمخلوقات الغريبة التي صورها سلمان رشدي في كتابه المشهور  ( آيات شيطانية),ولم يتكون هذا الشعب و بهذه الملايين الضخمة خلال عقود او حتى قرون كما يحلو للبعض ان يوهم البسطاء من الناس ,بل ان هذا الشعب موجود على أرضه منذ آلاف السنين , واستطاع بكل شجاعة ان يصّد كل الغزوات, ويبقى حيأ ليومنا هذا, بينما اضمحّل وتضائل بعضأ من الشعوب والامبراطوريات التي عاصرته,و التي لم تصمد امام عوادي الزمن وكوارثها الطبيعية وغزواتها البشرية.

ان محاولات البعض انكار حقيقة كوردستان ماهي الاّ غطاء وتوطئة لأنكاروجود شعب يسكن هذا الوطن , فمن يؤمن بوجود شعب اسمه الشعب الكوردي عليه ان يعرف ان وطن هذا الشعب هو كوردستان ,وان محاولات انكار كوردستان والاستعاضة عنه بمسميات اخرى,خوفأ من( فوبيا كوردستان) , أو تذكيرأ بالظلم الذي لحق بالكورد من حرمانه من دولته القومية , أو تسترأ على حقوق هذا الشعب المظلوم,لم و لن يغير من الأمر شيئأ , فنحن ككورد نعيش ونلمس تفاصيل هذا الظلم التأريخي كل يوم , ان تسمية كوردستان بالشمال او الشرق او الغرب او الجنوب لا يجعلنا ننسى مأساة تقسيم كوردستان , وكوننا جزءأ من كلّ اسمه كوردستان , لا يثنينا من ان نحلم بأن نكون ضمن  كلّ اسمه كوردستان,وليعلم من لا يعلم حتى الآن..... أننا اكراد كوردستانيون, قبل ان نكون  زرادشتيين او حتى مسلمين , وحتى قبل ان نكون سنة او شيعة , وكنا كوردأ وكورستانيين قبل ان يوجد بلد بأسم العراق..... نعم فأنا مسلم ولكن هويتي كوردية وكوردستانية, وانا سني او شيعي ولكن هويتي كورديةوكوردستانية وانا عراقي ايضأ ولكن هويتي كوردية و كوردستانية , ولا يمكن ان اكون غير هذا, فاذا كان هنالك من يدّعي بوجود تعارض بين هذا وذاك فهذا شأنه الخاص, فكل الذين تعاملوا معي ولا يزالوا, ينظرون الى هويتي القومية قبل هويتي الوطنية او الدينية او المذهبية, فالمسلمين استباحوا ارضي و عرضي في غزواتهم لكوردستان في صدر الاسلام , والمسلم السني قتلني وأنفلني وسمّمني  بدون رحمة رغم انني مسلم وسني مثله , والمسلم الشيعي ايضأ اضطهدني وحرمني حتى من حق العمل,  رغم انني التجأت اليه مطرودأ ومنفيأ وطالبأ من( جمهوريته الاسلامية )الحماية والملجأ ولم اذق طعم الحرية الا بعد غادرت (جمهوريته الاسلامية) اللعينة الى  احدى بلدان الكفر.

انني حينما اشدد على انتمائي لقومي ووطني كوردستان ,لا ادعي بأن شعبي هو خير أمة أخرجت للناس , وليس لامتي رسالة خالدة يريد ان يبشر بها للناس , بل انا جزء من شعبذاق ظلم بمختلف اشكاله, تارة باسم الدين الواحد, وتارة باسم المذهب الواحد, وتارة باسم الوطن الواحد , ولا اريد ان يستمر نفس هذا الظلم و الى الابد.

فمن يريدني ان أعيش معه بسلام ووئام , عليه ان يقبلني كما انا , وليس كما  يريدني   هو ان اكون, فأنا كوردي  كوردستاني , اخترت واختار التأريخ ان اعيش في العراق ,و طرحت برنامجأ حضاريأ على كل العراقيين, لاسلوب العيش المشترك (الفيدرالية), وهي ترضي طموحي الآن, كتعبير واقعي عن حقي الطبيعي في تقرير المصير,اما في المستقبل فلا أستطيع ان اتنبأ به كيف سيكون  , ولا حتى انت كعربي, سنيأ كنت ام شيعيا تستطيع ان تتنبأ بما يحمله المستقبل  من مفاجآته السارّة او غير السارّة ,ولكنضمن افق المستقبل القريب استطيع ان اتكهن,و بموجب فهمي المتواضع لحركة التأريخ, انه يمكن لشعوب مختلفة الأعراق والاديان والطوائف ان تتعايش معأ وتستمر في الحياة المشتركة, اذا كان اتحادهم على اسس عادلة ومتكافئة ومنصفة ....فعلى حدّ علمي ان سكان مقاطعة (كيوبك) الكندية الفيدرالية صوتوا مؤخرأ لصالح البقاء ضمن الاتحاد الفيدرالي الكندي , رغم وجود كل ارضية ممكنة لديهم للاستقلال وتكوين دولة مستقلة ذات سيادة, وان كثير من الدول الاوروبية قد تنازلت عن جزء من سيادتها الوطنية للايفاء بشروط الانظمام الى الاتحاد الاوروبي.

فيا اخي الشيعي لا تردد من الآن فصاعدأ أمامي كلمة( الشمال) بدلأ من كوردستان , كما يردده العنصريين من اعداء الكورد , , فهؤلاء انفسهم يسمونك بالرافضي والشعوبي ,ومن نفس منطلق الجغرافية يطلقون  على قسم عزيز من سكنة الاهوار ( بالشروقيين) , فهل ترضى انت ,بهذه التسميات  الجغرافية والمغرضة والبعيدةعن الواقع و التأريخ و مفاهيم التحضر؟؟؟

 

HOME