من يحمي الكورد من جيش العرب لو تم تسريح البيشمركة
خالد مجيد فرج
في الحادي عشر من ايلول عام 1961 رداً على رسالة الحزب الديمقراطي الكوردستاني الخطية والتي يطالب فيها بأنهاء الأوضاع الأستثنائية في البلاد وضمان الحريات السياسية لكافة الأحزاب والمنظمات والنقابات واطلاق سراح المعتقلين لأسباب سياسية و احترام الحقوق الأساسية للشعب الكوردي وتطوير كوردستان والمضي قدما في سياسة الأصلاح الزراعي. ارسل عبدالكريم قاسم ثلثي الجيش العراقي الى كوردستان بحجة القيام بمناورات عسكرية وكانت النية المبيتة غير ذلك إذ هاجم بكافة انواع الأسلحة من بينها الطائرات الحربية وكانت النتيجة تدمير واحراق قرى ومدن كوردية بالكامل.واعلن قاسم في مقابلة صحفية له اجراها في 32 ايلول 1961 بأن ((القوات المسلحة العراقية المنتصرة استطاعت القضاء على التمرد في الشمال!)).ولكن بالرغم من هذا الأدعاء وبعد سلسلة من المعارك الدامية بين الجيش العراقي العربي والشعب الكوردي انتهت تلك الحملة بالفشل في تحقيق اهدافها وتمت الأطاحة بعبدالكريم قاسم في انقلاب دموي شباط 1963 . في 10 اذار1963 بعدما اكدت في مناسبة سابقة اصرارها من اجل حقوق الكورد اصدرت السلطات الأنقلابية والتي سمت نفسها بمجلس قيادة الثورة بيانا قالت فيه : ((لقد عاش العرب والأكراد كأخوة، يربطهم الوطن ويعترف مجلس الثورة بحقوق الأكراد على اساس مبدأ اللامركزية الى أن وصلت الى حد تصميم العرب والأكراد على خدمة الوطن والأمة العربية)) ولو اننا نتفهم مايقصده البيان بخدمة الوطن ولكن الذي لايفهمه الكوردي لماذا يكون في خدمة الأمة العربية وهل الأمة العربية وصلت الى مرحلة من الرخاء الأقتصادي بحيث اصبحت ومعها الحاجة الى الخدم؟ وبالرغم من بدء المفاوضات في 18 شباط 1963 بين الأكراد يمثلهم عضوي المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكوردساني السيدان جلال الطالباني وصالح اليوسفي واخرون وذلك رغبة من الجانب الكوردي في اعطاء فرصة للحكومة الجديدة للأيفاء بأدعاءاتها حول اعترافها بحقوق الكورد لكن الجانب العربي بدا مرة اخرى يماطل وبدل أن يتجه نحو الداخل لتحل المشاكل التي يعاني منها العراق وعلى رأسها القضية الكوردية اتجه نحو الخارج واعلن في بيان صادربتاريخ17 نيسان 1963 بمناسبة الوحدة الثلاثية بين العراق و سورية و مصرالأخلاص للأمة العربية وكانه البسلم الشافي لكل تلك المشاكل والأنكى من ذلك لم يذكر البيان الكورد الذين هم القومية الثانية في العراق ولو بكلمة. وقام الطرف الحكومي العربي بفرض الأقامة الجبرية على الوفد الكوردي في الفندق الذي نزلوا فيه في بغداد اذ تم اجبارهم بعد ذلك على الأنتقال الى معسكر الرشيد حيث اعتقلوا هناك وعذب بعضهم ! وفي 20 ايار1963وبقرار من الحاكم العسكري لكوردستان قامت السلطات العربية في العراق بقطع كافة الطرق المؤدية اليه وبه تم تدشين مرحلة اخرى من الحلول العسكرية التي دأبت السلطات العراقية على اتباعها ودون جدوى في حل مشكلة تتعلق بشعب لا يريد الا العيش بسلام كباقي الشعوب الأخرى. وفي جلسة سرية للحكومة العربية في العراق قرر البدء بعمليات الحربية ضد الشعب الكوردي ووصف بيان للحكومة العربية قيادة الحركة الوطنية الكوردية بأنهم ((جماعة من الخونة والأنفصاليين،ولهم علاقات وطيدة مع الأمبريالية الى أن يقول قررنا اعتبارا من هذا اليوم تنظيف المناطق الشمالية من بقيايا الموالين للبارزاني)) والمضحك في هذا البيان انه وصف الثورة الكوردية ببقايا الموالين ولكنها اى الحكومة اعلنت وفي نفس البيان اعلان مناطق اربيل وموصل و كركوك وسليمانية مناطق حربية وهي مناطق واسعة تعيش فيه عدة ملايين من الكورد! وتم منح القيادات العسكرية صلاحيات واسعة يما فيها انشاء محاكم استثنائية (غير دستورية) لمحاكمة الكورد ،سواء كانوا مدنيين ام ثوارا يحملون السلاح والحكم عليهم بمختلف انواع العقوبات الغليظة بما فيها الموت والتي كانت غالبا هي العقوبة المثلى لدى تلك المحاكم الميدانية (العسكرية) . وقصف الطائرات العسكرية بالقنابل القرى و المدن الكوردية الاَمنة وسوتها بالأرض واصدر الحاكم العسكري لكوردستان الأمر رقم 13 والذي :(يحذرفيه كل اهالي القرى في الوية سليمانية وكركوك و اربيل من ايواء المتمردين... وستهدم الحكومة كل قرية تطلق فيها النار على الجيش!). وتوجه الرئيس العراقي بنفسة الى مناطق القتال وقال( سوق نستخدم كل الأمكانيات في النضال ضد المتمردين). وفي تموز 1963 اعدت الدول الأعضاء في حلف السنتو في مجلسها الدائم في ازمير خطة تدخل ايران وتركيا في كوردستان والتي سميت (بعملية دجلة)وكانت تقضي بتقدم القوات التركية نحو الموصل والقوات الأيرانية نحو السليمانية والتي اجهضت بفعل تدخل الأتحاد السوفيتي حينذاك كونها تحركات عسكرية تقوم بها قوى معادية لها بالقرب من حدودها وبالتالي تشكل تهديدا لمصالحها الستراتيجية وامنها القومي والغريب في الأمر نفس الحكومة التي اتهمت الكورد بالعمالة للأمبريالية والرجعية هي التي استنجدت بهم لضرب الحركة التحررية الكوردية! في حزيران 1963 اعلن اَمر اللوء العشرين في الجيش العراقي الزعيم (العميد)صديق مصطفى منع التجوال في السليمانية وجرت عمليات دهم و اعتقال وقتل عشوائي وهتك اعراض واسعة في المدينة و كذالك في مدينة كويسنجق حيث علقت الناس بأعمدة الهواتف وشاركت في هذه العمليات الفرق 1و2و5 وكذلك وحدات كاملة من فرقتي 3و4 والقوة الجوية بأكملها واعداد كثيرة من كتائب المدفعية واتبع الجيش العربي سياسة (حرق كل ما هو على الأرض) وطبق حصار اقتصادي شامل على كوردستان ولم يستثني الجيش احدا حيث اعتبر كل كوردي هدفا لنيرانه. واستعان القيادة السياسية في العراق بوحدات من الجيش السوري بقيادة اللواء فهد الشاعر حيث دخل القسم الأول تحت امرة قائد الفرقة الأولى اما القسم الثاني دخلت تحت امرة قائد الفرقة الثانية واستهل عبدالسلام عارف خطابه الذي وجهه اليهم بمناسبة قتالهم جنبا الى جنب القوات العربية العراقية عدوهم المشترك الكورد بهذه العبارات التي لاتترك مجالاً للشك بأن الحرب ضد الكورد هو حرب عنصري اذ قال:((اخواني احييكم بأسم الأمة العربية....!)) وهكذا استمرت سياسة الأعتماد على فرض الحلول على الكورد بقوة جيش العراقي العربي على كوردستان حيث لم يدخر سلاح ولا اسلوب قتالي فتاك إلا واستعمله ضد السكان والبيشمركة الذين كانوا يقاومون بأسلحة خفيفة ضد جيش مزود بأسلحة من كل المناشئ ولكن دون أن يستطيعوا اخماد جذوة النضال لدى الكورد. في العام 1965 يقول وزير الدفاع العراقي عبد العزيز العقيلي (إن القضية الكوردية لايمكن حلها إلا عن طريق الحرب) ضارباً بكل المحاولات السلمية من قبل الأكراد عرض الحائط وكذلك يقول وزيرالداخلية في حكومة الرئيس عارف، صبحي عيدالحميد ((لاتنوي الحكومة العراقية اعطاء الحكم الذاتي للأكراد لا اليوم ولا غدا)). واستمرت الحكومة العربية في العراق على زج المزيد من الجيش في جبهات القتال في كوردستان اذ وصلت اعداد القوات النظامية وحدها ب 50 الف جندي في جبهة طولها 500 كم حيث قال رئيس الوزراء العراقي حينذاك عبد الرحمن البزاز وبالرغم من انه كان شخص مدني (دكتور في القانون) لكنه كان يفكرهو ايضاً بعقلية الجنرالات في الجيش العراقي حيث صرح بأنه (( سينتهي كل شئ خلال شهر!)) وفي هذه الأثناء كان الجيش منهمكا في ضرب المدنيين و تدمير القرى والحواضر الكوردية دون هوادة . وهكذا استمر العقلية العسكرتارية العربية العراقية في تقديم الحلول العسكرية على جميع المساعي الدبلوماسية الأخرى وفي كل مرة كان يفشل الجيش في انهاء المشكلة و بدل من ان تتعظ القيادتين السياسية والعسكرية من اخفاقاتها المتكررة كانت تلجأ الى جولات قتال جديدة لحسم الأمر الى أن وصل البعث في 1968 مرة ثانية الى سدة الحكم اذ بداؤا بالعمل جاهدين في تثبيت اركان حكمهم مستفيدين من تجربتهم السابقة في حكم العراق اول ما فعلوه هو تحييد الكورد وذلك بأصدارهم لبيان الحادي عشر من اذار لسنة 1970 والذي بموجبه كان يجب ان يمنح حكم ذاتي حقيقي للكورد ولكنهم اجلوا تحقيق هذا البيان الى واقع ملموس لمدة اربع سنوات و خلال هذه الفترة والتي استغلوها في تسليح الجيش العربي العراقي بمختلف انواع الأسلحة الحديثة وزيادة عدد افراد الجيش وفي عام 1971 حاولوا اغتيال البارزاني ولكن الصدفة فقط حالت دون تحقيق مأربهم الدنئ حينذاك اذ تبين للكورد ومنذ العام الأول لأتفاق اذار انهم ليسوا جادين في حل المشكلة وانما هم يريدون كسب الوقت للتجهيز جيدا لجولة جديدة من القتال ضد الكورد وعملوا على قدم وساق من اجل تعريب المناطق الكوردستانية و ذلك بتزوير سجلات النفوس لعام 1957 و استقدام عوائل عربية الى تلك المناطق وذلك بأغرائهم بمبلغ مالي ضخم قياسا الى حسابات تلك الفترة واصبحوا يعرفون بعرب ال عشرة الأف دينار وذلك نسبة الى المبلغ الذي كانوا يقبضونه لكي يحلوا محل الكورد الذين جرى ترحيلهم من مناطقهم بصورة لا انسانية و لا اخلاقية ولم يكتفوا بذلك بل طردوا الألوف من الكورد الفيلية بحجة التبعية الأيرانية و استولوا على بيوتهم ومصالحهم التجارية والمالية واندلعت القتال مرة ثانية كما كان متوقعا في العام 1974لأن السلطات العربية فرضت ومن جانب واحد قانونا للحكم الذاتي لم يكن من الممكن قبوله من الجانب الكوردي وحاول البعث مستخدما جيشه الجرار والمقاتلات الحديثة وقنابل النابالم التي حصل عليها نتجية لأبرامه اتفاقية الصداقة والتعاون مع السوفييت عام 1972 للقضاء على الحركة التحررية الكوردية ولم يتم لها ذالك الا بعد أن اتفق مع شاه ايران وبمباركة امريكية لقاء تنازله عن نصف شط العرب للأيرانيين مقابل ممارستهم الضغوط على الحركة الكوردية لا قبل لهم بها لكي يرغموا على نزع سلاحهم فتنتهي ثورتهم .ولم تكتمل فرحة البعث بهذا الأنتصار الوهمي اذ بدأت الثورة من حيث انتهت بزخم وفعالية جديدتين وحاول السلطات العربية العراقية كسر شوكة الثوار بأستخدام الجيش مرة اخرى ولم تفلح بالرغم من انها استعملت كافة الأسلحة التقليدية التي بحوزتها و جردت حملات سميت بالأنفال وساقت خلالها اكثر من 180000انسان كردي الى القبور الجماعية مستعملة ايضا الأسلحة الكيمياوية المحرمة دوليا في سبيل القضاء على الكورد وحركتهم التحررية بعدما سوت بالأرض اكثر من 4500 قرية كوردية اي كل الريف الكوردي وكل هذه العمليات تمت بواسطة الجيش العراقي الذي كان من المفترض ان يكون جيش العراقيين جميعا ويدافع عنهم ضد الخطر الخارجي ولكنه ومنذ انشائه في 6 كانون الثاني 1921 والى سقوط الصنم في ساحة الفردوس لم يكن الا اداة بيد العنصر العربي للتنكيل بالعنصر الكوردي واخضاعه لحكمه ولم يدافع عن الشعب الكوردي سوى بيشمركته فكيف يقبل هذا الشعب بنزع سلاح جيشه الذي لولاه لكان الكورد في كوردستان الجنوبية في خبركان.
|