الحب وفقا لماركس

بقلم : لارس بيكهسكوف
ترجمة : فارس العبدلي و خلدون جاويد

   

 

    قامت الماركسية على الرسالة المسيحية ، القائلة بأن تحب لغيرك مثلما تحب

لنفسك ، وبذات الوقت رآى كارل ماركس ان الحب بين شخصين هو قوة مذهلة وثورية .

  لقد نبعت النظرات الماركسية من الرسالة المسيحية بصدد حب المرء لاخوانه في

الانسانية . ويتعذر وجود نظريات كالاشتراكية في المجتمعات غير المسيحية . كما

تعاطف ماركس كثيرا مع البؤساء والفقراء الذين عانوا من نير التصنيع في انجلترة

، فكان نضاله مع الفقراء نضالا مسيحيا .

أراد ماركس أن يقضي على المعاناة الانسانية . كما أراد أن يقضي على المجتمع

الرأسمالي الذي يعتمد المنافسة الحرة واستغلال الفرد للآخر، فيجعل حب المرء

لأخوانه في الانسانية مبدأ مستحيلا . كما أراد أن يخلق مجتمعا يكون فيه حب

الآخرين هو الأساس وليس المعاناة . ومن جهة اخرى ، فان ماركس لم يكن مسيحيا

البتة  وهذا مايقوله الاستاذ الدكتور هانس يورغن تومسن من معهد الدراسات

التاريخية في جامعة اوغهوس .

لم يكن لماركس أية تصورات حول مستقبل العلاقة بين الناس في المجتمع الاشتراكي ،

وقد ترك هذا المجال للآخرين . كما لم يكن هناك أي وصف في كتبه ، للعلاقات

الانسانية أو عن أي حب للمرء لأخيه الانسان في مرحلة مابعد الثورة . فقد رآى

ماركس أن الزمن كفيل بتبيان ذلك .

يقول هانس يورغين تومسن : - ان ماركس لم يشأ أن يعطي طابعا طوباويا. لقد اعتبر اشتراكيو السبعينات ، على وجه الخصوص ، ان أساس الانسان في مفهوم

ماركس هو الخير وحب الآخر . أو أن حقيقة الطبيعة البشرية لدى ماركس هي توخي

الخير لبعضنا البعض .

يجيب هانس :- ان ذلك هو مفهوم خاطئ. فقد كان ماركس متفقا مع المبدأ المسيحي

القائل بوجوب هيمنة رسالة حب الآخرين على أنانية الانسان وحسده ولؤمه . وعلى

الاشتراكية ان تمثل اجراءات وتدابير اقتصادية سياسية وعملية تتمكن من القضاء

على الضغينة وخلق مبدأ حب الآخرين . لقد تجامع الجناح اليساري في السبعينات

يمينا ويسارا ، فتبادل الحبيبات والجنس الجماعي وهو يعزو ذلك الى المثل

والمبادئ الاشتراكية . وكذا مارس أصحاب ماركس ، لينين وانجلز، هذه النظرية

القائلة ان ليس على وسائل الانتاج فقط ان تكون مشتركة ، وانما ان تكون متعتنا ،

نحن الذين نعيش في وحدة كبيرة ، مشتركة أيضا . كان التصور أن الانسان في

المجتمعات البدائية – النظرية الطوباوية – قد عاش بشكل جماعي فتشارك في كل شئ

حتى في الحب . وحتى حق الملكية الذي أوجده الانسان في مرحلة تطورية خاطئة ، يجب

أن يكون مشتركا أيضا . يقول هانس يورغن تومسن : " لم تكن نظرة ماركس هكذا ، كما

ان تبادل الزوجات والجنس الحر لم يكن صادرا عن نظرياته البتة ". ويضيف هانس "

من بين الاشتراكيين ، اليوم من اعترف بضلال ذلك . لقد خلق ستالين الفوضى لأنه

أراد أن يجعل أدوات الانتاج جماعية ومشتركة ، فتصور أنتَ الحالة فيما لو أراد

جعل الحب على ذات المنوال " كان ماركس ذاته عاطفيا في عشقه للنبيلة جيني فون

وستفالن . وهذا ما أظهره في رسائله الغرامية المشبوبة التي وجهها الى جيني ابنة

مدينته تيرير في المانيا ، والتي فاز بها . فتزوجته جيني بالرغم من مخاوف

عائلتها من انحدار منزلتها الاجتماعية .

الاّ ان ماركس وجيني عاشا سوية حتى الموت ، وأنجبا أطفالا ، لكن حياتهما كانت

قاسية وغير سعيدة وذلك بسبب ابعاد ماركس وطرده من مكان لآخر . يقول هانس تومسن

: " رأى ماركس قوة عظيمة ، بل ثورية أيضا ، في الحب مابين شخصين . فانه لمجرد

أن يرغب اثنان ببعضهما فانهما يحطمان كل القوانين والاصول الاجتماعية ، وهذا

ماتمثل في حب ماركس أو في روميو وجولييت شكسبير . وطبقا لماركس ، فان للحب

تأثيرا حضاريا على الانسانية ، وهو في نظره ، مفهوم بالغ الأهمية . وهنا يذكر

هانس تومسن مثالا من دانمارك اليوم : نحن نرى قوة التمرد في الحب ،عبر انتفاضة

الجيل الثاني والثالث على عادات آبائهم المغتربين ، وذلك فيما يتعلق بالزواج

المتعارف عليه والذي لم يحظَ بالقبول . فتغدو هنا الانتفاضة الثقافية مشروع حب

ذا قوة بالغة في حياتهم .

لم ينشغل فكر ماركس ، وعلى وجه الخصوص بمسألة الحب لأطفالنا . كما انه لم يتضمن

موقف لينين من جماعية الحب ولا موقفه من أطفالنا بالذات . وعلى كل حال وجدت هذه

الفكرة قبولا واسعا في الدانمارك أكثر من أي بلد آخر . لقد طبق لينين تقليدا في

روسيا مفاده ان المجتمع يجب أن يهتم بتربية الأطفال . ان الكثير من النظريات

التقدمية ، ومن ضمنها أيضا علم تربية الأطفال في الدانمارك ولسنوات خلت قد

انحدرت من الحقبة السوفيتية . وكانت النظرية حتى ماقبل الشيوعية تقول ان كل شئ

في المجتمع كان مشتركا – وبضمنه الحب والمسؤولية . يقول هانس تومسن " اعتدنا

سابقا في الدانمارك ، على أن ينظر المربون باستصغار الى الوالدين ، اعتقادا

منهم بأنهم الأفضل في تربية الأطفال . وعلى أية حال فقد اختفت ، هنا في الوطن ،

فكرة الغاء حق الملكية

للأطفال . "

  مع ذلك ، فقد أفرد ماركس حيزا واسعا للأطفال في كتبه ، وتضمن الكثير من

أجزائها حوادث أصابت الأطفال الانجليز العاملين في المناجم . ومن خلال النظريات

الماركسية ، لايعتقد هانس البتة أن ماركس يتفق مع اسلوب الدانماركيين في تربية

أطفالهم .

ويضيف هانس قائلاً : " ان الأطفال هم ضحية هذا المجتمع الدانماركي ، وذلك بسبب

الميل الى فكرة جماعية الحب . ان هذا الميل هو ضد النظريات الماركسية . ان كلا

الأبوين يؤثران وضعهما الاقتصادي ومستقبلهما على حبهما لأطفالهما ، وهذا محط

سخرية ماركس ..

لقد دخلت النساء سوق العمل للحاجة العملية ولرغبتهن ، وبذا فانهن يتركن اطفالهن

لدى مربيات يتقاضين اجورا وذلك لتعويض حب الوالدين ...وينتهي هانس تومسن الى

القول بلا أهمية مايعتقده الآباء الدانماركيون ، فالأطفال هم الخاسرون .