العرب الشيعة......الكورد....كركوك
جلال الجباري
القسم الثالث... الموقف من قانون ادارة الدولة ... والدستور ان موقف القيادات الشيعية السياسية والدينية من قانون ادارة الدولة المؤقت لم يكن مفاجئأ للاوساط السياسية العراقية عمومأ والكردية خصوصأ, بالنظر للخبرة المتراكمة في التعامل معها في المراحل السابقة لاسقاط النظام ومن خلال مؤتمرات المعارضة العراقية خارج وداخل العراق , ومن خلال الاحساس بتبعية اكثر هذه القيادات لبعض دول الجوار والعمل حسب املاءاتها وتوجهاتها. ان ما يدعوا للاسف و للأسى ان الشريحة الشيعية وقياداتها السياسية والدينية , وعلى نطاق واسع لم تستطع ان تبلور ولحد الآن اتجاهأ سياسيأ وبرنامجأ واقعيا متفقأ مع روح العصر وخصوصيات الوضع في العراق,سواءأ في اسلوب ادارة الدولة او في الآليات اللازمة للمشاركة الفعالة في العملية السياسية, جنبأ الى جنب مع بقية التكوينات الاثنية والقومية والدينية في الظروف المحددة والخاصة في بلد مثل العراق المتعدد الاطياف والاتجاهات. بلد متميز بتأريخ سياسي حافل ومعقد ومتشعب..... بلد تراكم فيه الكثير من الخبرات, ومارس شعبه اشكالا متواضعة وبدائية من الديمقراطية البرلمانية ,وشهد تغييرات كبيرة طوال عقود طويلة من النضال السياسي وبكافة اشكاله , بدءأ بالعهد الملكي ومرورأ بالعهود الجمهورية وانتهاءأ بالنضال الدموي والمسلح ضد الدكتاتورية..... بلد تميز بوجود وعي سياسي عميق وثقافة عامة ومشاركة فعالة لكافة اطيافه في العمل السياسي رجالا ونساءأ,بلد بات يتطلع الى آفاق رحبة وواسعة من النمو والتطور, بعد معاناة طويلة ومّريرة من التسلط الدكتاتوري الغاشم, ويسعى جاهدأ اللحاق بركب الامم المتقدمة .....وبلد يزخر بامكانيات وخبرات تتيح له موضوعيأ ذلك التطلع والتطور الى الامام .....لذا فمن يريد ان يحكم او يشارك في الحكم عليه ان يملك من البرنامج والوعي السياسي الذي يستطيع ان يشبع نهم هذا الشعب في الحرية والمساوات وتعويض ما فاته من فرص , وكذلك ترميم ماتركه النظام السابق من خراب مادي ومعنوي ونفسي , من خلال استخدام أساليب ديمقراطية وعصرية تتفق مع معطيات حقوق الانسان وروح المستقبل, وليس بمشاريع واطروحات تستلهم ديمومتها من ارث الماضي العتيق, وتعيد الناس قرونأ الى الوراء لتندب حظّها وحظ الاجيال اللاحقة أسفأ وندمأعلى وقائع ومآسي حصلت قبل اربعة عشر قرنأ , وعلينا نحن ابناء هذا الجيل ان ندفع اثمانها حزنأ وكمدأ , نقيم المآتم ونلبس السواد ونلطم ونبكي , وندّعي بان كل ذلك عبادات وطقوس سرمدية يجب ان تستمر الى ما لانهاية, وايهام الناس بان الخلاص من الدكتاتورية وتحدّي الارهاب يعني التوغل في هذه الممارسات التخديرية الغير حضارية, دفاعأ عن المذهب والطائفة التي بدونها ستكون في خطر محدق وزوال وشيك. بعد سقوط النظام امريكيأ , انفتحت امام الاحزاب السياسية الشيعية آفاق واسعة للعمل السياسي اسوة بأغلب التنظيمات السياسية العراقية الاخرى , ومع صعود الموجة الجماهيرية الدينية الى اعلى مدياتها , كرد فعل متوقع للحكم الديكتاتوري البغيض و اثر غياب التنظيمات السياسية التأريخية, والتي تمت تصفيتها بشكل كبير في الوسط العربي , وبشقيه السني والشيعي,وتدخلات كبيرة ايضأ من دول الجوار , لذا توجهت انظار الشارع الشيعي صوب مرجعياته الدينية وكذلك الاحزاب الشيعية المحتمية بها, تلك المرجعيات التي اصبحت بديلا وحيدأ لكل العمل السياسي والجماهيري ,وباتت طموحات الشعب مختصرة ومقتصرة على رؤيا ومنظور هذه المرجعيات من كوةغرفها المظلمة الى الحياة وآفاق تطورها,ولكن ليس بروح الحاضر والمستقبل بل بجّر الناس الى الماضي بتفاصيله وارثه. هكذا ظهرت في العراق الجنوبي ظاهرة جديدة اسمها ظاهرة السيستاني , على غرار ظاهرة الخميني في ايران بعد سقوط نظام الشاه في اواخر السبعينات من القرن الماضي , ورغم ان كلتا الظاهرتين متماثلتين الى حد كبير في اعتماد تأليه الفرد وصبغه بالغطاء الديني الشرعى و المقدّس , و الآمر الناهي, والمصيب الذي لا يخطئ دوما, الاّ ان بعض الاختلافات الطفيفة ايضأ موجودة بين الحالتين في الطروحات المرحلية التكتيكية, منها ظروف تغيير النظام, ووجود العامل الخارجي , اضافة الى قوة العامل الكوردستاني والعلماني العراقي والممتلك لخبرة واسعة في ميدان واساليب النضال السياسي ومناوراته التكتيكية والستراتيجية , اضافة الى الظرف التأريخي المميز. . ان الهدف النهائي والغير معلن للقيادات الشيعية هو اقامة دولة الخلافة الخامسة (تكملة خلافة الامام علي ابن طالب) في العراق ,وتوحيد( الدولتين الشيعيتين العراق وايران) تحت راية واحدة تضم شيعة علي ونتشر ظلالها علىكافة المسلمين وغير المسلمين من الطوائف والاديان الاخرى,ولكن على مراحل ( هذا اذا ما سارت الرياح كما تشتهيها السفن). والعمل يبدأ في الاستفادة من الاكثرية النسبية للشيعة وفق معطيات صناديق الاقتراع (وكان هذا سر الحاح واصرار السيد السيستاني على اجراء الانتخابات وبأسرع وقت ممكن), لتأمين الشرعية الدستورية لما سيأتي لاحقأ في الاجندة الشيعية المزدحمة,ومن ثم تتم عملية ( شيعنة الوسط والجنوب) والامتداد الى الشمال ايضأ في وقت لاحق, واخماد اي صوت مخالف بذريعة المظلومية والأحقية الشيعية في حكم العراق , كل العراق, بحكم اكثريتها العددية.وهنا يجب الانتباه الى ان الادعات المضللة التي تطلق احيانأ حول فيدرالية الجنوب , فهي ليست في حقيقة الامر الا اقنعة زائفة لاخفاء التوجه الحقيقي وصرف الانظار عن الهدف المركزي, وانا متيقن ان فيدرالية كوردستان او حتى فيدرالية الاقليم الغربي من الممكن ان ترى النور اما فيدرالية الجنوب , فهي ضرب من الوهم والايهام ليس الا. ان المرحلة الثانية والتي قد بدأت فعلا هي التمدد اينما يتواجد الشيعة في باقي ارجاء العراق , في محاولة لاحتواء كل العراق من قبل شيعة علي , حتى لو كان ذلك على حساب العلاقات التأريخية مع الكورد( فيما يخص الاكراد الفيليين) , او العداوات التأريخية مع الدولة التركية ( السنية والعلمانية),في مغازلة مكشوفة لكسب وّد التركمان والالتفاف على امانيهم القومية بأسم التشيع, واستخدام الورقة التركمانية في نفس الوقت لتسليط المزيد من الضغوطات على الاكراد ,وان محاولة( التشييع) وهنا اعني بالكلمة كلّ معانيها ,اقول ان محاولة تشييع العراق يتم ايضأ من خلال تهميش العرب السنة,الذين يمرون بظرف خاص بعد سقوط النظام أولا , والالتفاف على حقوق الاكراد في الفيدرالية بدعوى الحفاظ على وحدة العراق وحشد كل الارث العنصري الحاقد و المتراكم ضدّهم ثانيأ وجرّ البساط تحت أرجل الكّل ثالثأ , وكما جرى في ايران في الثمانينات من القرن الماضي ,لمصلحة التوجه الشيعي لبناء الدولة الاسلامية الشيعية في العراق. ان التوجه لبناء الدولة الاسلامية الشيعية يتم اولأ وبشكل ( قانوني ودستوري)من خلال فرض دستور اسلامي الطابع , والاصرار على ان يكون الاسلام مصدر التشريع الوحيد,وهذه النقطة الجوهرية و المهمة شهدت سجالات واسعة وعريضة اثناء تدشين قانون ادارة الدولة , بين العلمانيين العراقيين من مختلف الاتجاهات وبضمنهم القيادات الكوردية من جهة, وبين القيادات الشيعية من جهة اخرى,وعملية الشّد والجذب لازالت مستمرة بين من يريدون تأسيس دولة عصرية يتمتع المواطن بحقوقه كاملة بغض النظر عن دينه ومعتقده وفكره , وبين من يريدون ان يفرضوا على المجتمع مفاهيم قرووسطوية واوهام اكل الدهر عليها وشرب..... لا احد ينكر ان الاكثرية في العراق هي مسلمة , مثلماان الاكثرية في اي بلد اوروبي مسيحية , ولكن حينما ينص دستور اي بلد, انه لا يمكن العمل مع اي نص يتعارض مع المفاهيم الدينية الثابتة ( كما تم تثبيت ذلك في قانون ادارة الدولة, المادة السابعة , الفقرة أ) , فان ذلك يعني حتمأ فرض دستور اسلامي ديني على ذلك البلد , في وقت نجد كل دساتير الدول المتقدمة تنص على عكس ذلك تمامأ , اي الغاء اي نص يتعارض مع حقوق الانسان وحرياته الاساسية , حتى لو كان ذلك جزءأ من الارث الديني او المذهبي, فمحاولات التنصل عن مفاهيم حقوق الانسان ومحاولة الغاء حتى بعض الحقوق المتواضعة للمرأة في قانون الاحوال الشخصية النافذ خلال مرحلة مجلس الحكم من قبل البعض , لم تكن الا محاولات لجّس النبض لعمل المزيد , وكذلك ان التشكيك الآن في المعاني الحقيقية للفيدرالية الكوردستانية وحدودها وصلاحياتها, ما هو الا تمهيد لطريق لعودة الى الحكم المركزي ,وكذلك محاولات السيطرة المركزية على اي قوة مسلحة في البلد حتى ولو كانت لاغراض امنية محلية,( اثارة قضية البيشمركة ) مثلأ , ما هي الا اساليب لايجاد آلية لاستخدام الجيش المركزي لاحقأ لتطويع الشعب وتأديبه, اذا ما عارضت اي من توجهاتهم المذهبية او الدينية,(فان من يعارض سفرة طلابية بريئة ويتعامل معها بقوة السلاح ,سوف لن يتوانى عن سحق اية معارضة في المستقبل , وباساليب اشّد واقسى), كما ان المعارضة القوية للمؤسسة الدينية الشيعية للفقرة( ج من المادة الواحدة والستون),حول امكانية رفض اي نص في الدستور من قبل اكثرية ثلثي ثلاث محافظات , والتي جاءت اصلأ لتفعيل آلية وروح التوافق واحترام رغبة الاقلية حتى لا تستأثر بها الاكثرية . فان كل هذه المواقف من قبل المؤسسة الدينية تندرج في اطار الفهم الخاطئ لآلية الاكثرية العددية و التي تعول عليها كثيرأ في اجراء تحولات كبيرة لصالحها انطلاقأ من صناديق الاقتراع او التصويت , متناسية ان المفاهيم الاساسية لحقوق الانسان وحرياته الاساسية , افرادأ وجماعات لا تخضع لهذه الآليات,وهذه المفاهيم مثبتة في لوائح الامم المتحدة والتي تمت ممارستها في كثير من الاحيان , حتى بالضّد من ارادة الاكثرية العددية في الكثير من البلدان ,فلو ترك المجال مثلا لشعوب اغلب الدول الاوروبية (التي تعاني بعضها الكثير من لجوء الاجانب الى اراضيها ) بأن تصوت في برلماناتها بطرد الاجانب , لنرى ان الاكثرية ستصوت( بنعم ) لصالح الطرد , ولكن ذلك غير مسموح به دوليأ , مع تعارضه محليأ مع آلية الاكثرية العددية, ولو ترك المجال للشعب الاندوسي بملايينه المئوية, لما استطاع شعب تيمور الشرقية الصغير من التمتع بحق تقرير المصير, فالعملية الديمقراطية ليست فقط آلية التصويت والاقتراع وكما تفهمها المؤسسة الدينية, بل مجموعة كبيرة من الاستحقاقات والمفاهيم المترابطة جدليأ, بل ان الديمقراطية تهدف بالاساس الى تقليم اضافر الموسسات الدينية وابعادها عن الحياة السياسية , وليس العكس,كما ان الديمقراطية تعني تأسيس نظام دستوري يحكم البلاد والعباد لعشرات بل ولمئات من السنين القادمة,دستور يعني بحياة الملايين من اجيالنا القادمة , ويعبر عن تطلعاتهم الى الامام نحو المستقبل المشرق , وليس دستورأ يستوحي أحكامه من ارث الماضي العتيق والمظلم..... اي دستورأ للاجيال القادمة, وليس دستورأ للاسلاف المنقرضة..... والمطلوب هنا ايضأ من الذين سيضطلعون بكتابة الدستور القادم , القاء نظرة فاحصة الى الدستور الايراني المجاور حتىيتم تشخيص مكامن الشياطين القابعة في تفاصيلها لتفادي الوقوع في حقول الغامها ومطبّاتها. ان القيادات الشيعية قد تحاول لبعض الوقت ان تبدو منفتحةومرنة, وتتظاهر بقبول الآخر والاستعداد لتبني الديمقراطية وبكلمات والفاظ هلامية ومطاطية , ونزولا عند متطلبات المرحلة الراهنة عراقيأ واقليميأ ودوليأ , ولكنها لا تستطيع ان تمثل هذا الدور الى النهاية ,لأنها ستفقد بذلك مصداقيتها ( الشيعية) مذهبيأ ودينيأ, وتتحول الى احزاب اخرى , بعيدة كليا عن المفاهيم المذهبية الاصلية , وهذا خلاف المطلوب منها, وقد تنتهي وجودها المعنوي وكما انتهى السيد عبد المجيد الخوئي جسديأ , او كما همّش الصوت الوحيد المنطقي المتجدد في الساحة الشيعية , وهو صوت( السيد اياد جمال الدين) المنفتح والمتفهم لمعطيات العصر , والصوت الوحيد الذي يعرف ماذا يريد وينظر الى المستقبل بعين حضارية متفائلة ومستقرة . واخيرأ فأن المواجهة الجدية المطلوبة من قبل كل القيادات والاتجاهات السياسية العراقية العلمانية, كردية كانت ام عربية ام تركمانية ام كلدو اشورية , تتطلب التوحد ضمن اطار برنامج عمل واسع وواقعي وعريض ومتسامح, لعبور هذه المرحلة الحرجة من تأريخ العراق,و للحفاظ على المسيرة الديمقراطية ,والتي باتت على كف عفريت , وعلى القيادات الكوردية تحديدأ ان تدرك ان العمل من اجل الديمقراطية الآن هو الذي يجب ان يحظى بالاولوية المطلقة..... سيما وانها تدرك بالتجربة المّرة جيدأ ان لا فيدرالية ولا اية حقوق مغتصبة اخرى , وعلى رأسها مسألة كركوك الشائكة يمكن ان تتحقق بدون توفر الجو والمناخ الديمقراطي الملائم , ومن الخطورة التوهم بأن ذلك يمكن ان يحصل من خلال مساومات وصفقات مع الجانب الشيعي ومؤسساته المذهبية ,وهذه الصفقات والتي وان تمت , فأنها ستكون حتمأ على حساب الديمقراطية في العراق , وهي في النهاية ستنقلب وبالأ على الكورد وفيدراليتهم وكل حقوقهم القومية الاخرى, ويكفينا ككورد تكرار مآسي الماضي , وكذلك فان في النموذج الايراني مثلا حيا وقريبأ... والذي يلدغ من جحره مرتين او اكثر عليه ان يندب حظه وليس الآخرين. .
|