مهزلةُ
قل الكورد... ولا تقل كوردستان!
محسن جوامير
كاتب كوردستاني ـ السويد
يبدو وبعد أن ابيد النظام الدكتاتوري عن بكرة ابيه وهلك، ومارافقته من فسحة رياح الحرية والديمقراطية التى هبت على العراق... انطلقت اقلام عربية تحمل هوى التصدي والرفض لاسم (كوردستان)، وذلك سيرا على هدي الديمقراطية التركية التي تتزلزل عروشها وتهتز اوصالها بمجرد سماع اسم الكورد، بلْهَ اسم كوردستان او رفرفة علمه او ايجاد كيان فيدرالي ولو في عنق زجاجة او في الارجنتين...! كل ذلك بذريعة ان ذلك مدعاة لخلق روح الفصل والتصدع في الجسد العراقي ... وجرياً على هذه القاعدة التي تفتقت بها قريحتهم، يكفي ذكر الكورد مع بقية الاقوام العراقية ، ولكن من دون كوردستان ... و يومئذ يمتلك الكورد العراق الكبير دون أن يحشر نفسه في نفق كوردستان الضيق... و ذلك ضحكاً على ذقون الكورد ليس الا! هذه المؤامرة القديمة الجديدة، تُحبك وتُنسج خيوطها في وقت قلّ أن تجد شعباً كبيراً بحجم الكورد ومساحة ارضه لايتمتع بدولة او كيان مستقل، ونادراً ما تجد بلدا عانى ماعانته بلاد كوردستان من اضطهاد و دمار و تخريب وتطهير عرقي... نعم.. لهول هذه الكوارث ، قلّما تجد شعباً متحضراً او غير متحضر لم يسمع باسم بلاد قديمة قدم الحضارة الشرقية سميت بكوردستان... ناهيكم عن مئات الابحاث والدراسات و الاطروحات التي لا تخلو منها جامعة او مؤسسة او معهد ثقافي في الشرق و الغرب... هذا عدا الوثائق التأريخية المستقاة من كتب التواريخ و الرحلات و المستشرقين قديمها و حديثها من عرب و عجم و افرنج من مسلمين و غيرهم ... والتي تؤكد بأنه كان ولايزال ثمة شعب اسمه الكورد، يعيش على بقعة من ارض الله الواسعة اسمها (كوردستان)... وان ولادة هذا الاسم ليست قيصرية، فضلا عن كونها سبقت ولادة كثير من اسماء دول و دويلات و امارات عربية او اسلامية او اوروبية ذات اسماء مستحدثة تكاد لاتصل نفوس بعضها معشار نفوس جنوب كوردستان. إن هذه المفاهيم الشوفينية يطرح من خلال اعتراض البعض ـ الذي لايرى ابعد من ارنبة انفه ـ على (مام جلال) لكونه يذكر اسم كوردستان في بعض احاديثه، في وقت هو رئيس لجمهورية العراق... و كأن مام جلال جلس على عرش العراق، باختيارهم، لا باختيار وانتخاب شعب كوردستان الذي يحمل في جنباته و اعماقه مشروعاً سياسياً حضارياً اختاره و اقرَّه بارادته لا بارادة هذا الطرف او ذاك. إن وصول اي قائد او زعيم كوردي وفي اجواء حرة و ديمقراطية الى سدة الحكم او اى منصب سيادى، لن يكون من اجل سواد عيونه فحسب، انما من اجل تمثيل شعبه في كوردستان ـ وليس في شمال العراق ـ كما يحلو للبعض تسميته ـ هذا الشعب الذي اختار الفيدرالية المشروطة بشروطه، طالما تتوفر الاجواء الملائمة... او حق تقرير مصيره ـ بالشكل الذي يريده ـ طالما يتعذر تحقيق الوئام والمساواة من خلال الالحاق القسرى. وإن اىَّ رئيس او مسؤول عراقي من اى حزب او ملَّة ـ حاضراً او لاحقاً ـ استبدل اسم الشمال باسم كوردستان (اى فضَّل استعمال الشمال على كوردستان) فهو لا محالة ساقط في عيني و وجدان الكورد، حتى وإن قال( اخواننا في الشمال) او (شمالنا العزيز)... حيث إن لا تأريخ لشعب بدون جغرافيا، وجغرافية كوردستان اشهر من نار على علم سواء عند العرب او العجم ... وإن أقدام الكورد هي الواقفة على ارضهم و ليست رؤوسهم، وانهم ولدوا و نشأوا على منطقة جغرافية وليسوا اطفال انابيب. امَََّا مصطلح (جنوب كوردستان) فهو بلا أَدنى شك الأصح وإن ارتاب المرتابون. انني لا أظن أن المدعين بتهميش اسم كوردستان واحلال اسم الشمال المصطنع الذي يجعل صدر الكوردي " ضيقاً كَانّما يَصعّد في السماء" عند سماعه، يريدون الخير للعراق اوهم عاقلون او عارفون بالامور او يعرفون السياسة او يحملون النية الحسنة في انفسهم او يخشون الانفصال والانفصام ... إن هؤلاء قوم لا زالت الدكتاتورية تفرخ في نفوسهم، و مازالوا ينظرون الى الشعوب من عل ـ و ذلك من خلال اجترار التقيؤات الفكرية التي حَوتْها امعاء فكر استاذ الشوفينية ساطع الحصري الذي جاء بنظرية اولوية العرب والعروبة، وَخليفته ميشيل عفلق الذي غرس شجرة الزقوم الفكرية في غابة وحوش الفكر العروبي الاستعلائي ، والتي تولَّد منها الكبرياء القومي الذي افرز نفوساً وشكَّل رؤوساً ونظريات اينعت لتضرب عرض الحائط كل مظاهر الود بين الشعوب، وتذيق الواقع الانساني الفطري ـ الذي يحّتم الاعتراف بكل الالوان والألسن والاطياف واوطان الآخرين ـ العلقم ... وتذيق الكورد بالذات لباس التشريد و التعريب والتهجير والاجتثات، وتعتبرهم و كأنَّهم صعاليك الاقوام وشذاذ الآفاق، لا يحق لهم أن يمتلكوا ارضهم التي عاشوا عليها منذ آلاف السنين، و تفرض عليهم أن يكونوا ـ حتى وهم في وطنهم ـ مستأجرين... و يتحقق بذلك عليهم قول الشاعر:
إن النملة تملك وطناً إن الدودة تملك وطناً إن الضفدعة تملك وطناً إن الفأرة تملك وطناً إن الارنب يملك وطناً والسحلية، والصرصار وانا ما ملكني احد وطناً ولذا اسكن ياسيدتي وطناً بالايجار
* * * ولكن هل تنطلي على شعب كوردستان هذه المضْحَكَة و يرضى بالخنوع للاطروحات الزائفة المتهرئة... و هل يفلح الشوفينيون اليوم كما افلحوا بالامس؟ رحم الله قائداً كورديا قضى جل حياته من أجل كوردستان، حيث قال: (إما كوردستان وإما الموت!) لقد ارتحل هذا الزعيم واخرون كرام قبله ليروا بأعين ارواحهم الطاهرة وهم في مثواهم، أن الشمال الحبيب توارى عن الألسن والأعين، وتبين "الخيط الابيض من الخيط الاسود" من فجر كوردستان للباحثين و المنصفين الاخيار من عرب ومن عجم، الى يوم " تَشْخَص فيه الأبصار"...
|