الإضطهادُ عَلَى
لَحنِ الاُخوة
رداً على ماكتبه اميد كوبرلو
محسن جوامير/ كاتب كوردستاني ـ السويد
بتأريخ 20050405 نشر السيد اميد كوبرلو رئيس تحرير مجلة توركمن شاني العراقية، مقالة في موقع (كتابات) ... تحت عنوان (نعم يجب أن لا يكون فرق بين عربي و كوردي و تركماني) ... فيها اجاب كوبرلو ـ بكل ترحاب ـ على رسالة يدّعي المذكور انها من شخص كوردي مقيم في سويسرا واسمه كاميران سعيد وهو من السليمانية ... ذلك لكون صاحب الرسالة اكد له حبه لكل ابناء العراق ووقع له على اصالته العراقية وسلم له اميد ـ بالتالي ـ صك الغفران. يبدوأن السيد كوبرلو اخذته النشوة اللامتناهية واطمأنَّ بها وغرًّته الأماني وهو يقرأ رسالة كاميران... ومن ثم لم يفوّت على قلمه و قريحته الفرصة للتعبير عن شعوره الفياض وفخره بهذا الكوردي السليماني، وفي حماسة منقطعة النظير يخاطبه في جزء من مقالته آنفة الذكر، قائلا: (انا فخور بك و بكل مواطن كوردي شريف واصيل يحافظ على عراقيته لحد الآن... على العكس كالآخرين الذين يدعون بانتماءهم الى كوردستان و كانَّها دولة قائمة بحد ذاتها ولا ترتبط بالعراق)... لا أحب أن اخوض في مناقشة هشاشة التعبير التى اتسمت بها المقالة من العنوان الى الخاتمة، والتي نرجو أن تكون لاسباب مطبعية، لانه لا يليق برئيس تحرير مجلة تصدر باللغة العربية، هكذا عربية، بحيث تصل الى الحضيض،ولا اذكر ذلك شماتةً ... كأنّي ـ وأنا اقرأ المقالة ــ بالسيد كاميران قد تاب من كوردستانيته واغتسل بعد ارتداده وانقلابه، وكفَّر عن ذنبه الفكري و الانتمائي الذي اقترفه، وجَلَّ من لا يخطأ! .. فهو الآن ـ لله الحمد ـ انسان بحلة جديدة وقد عاد الى الصف الوطني وتبرأ من الجيب العميل و مؤمن بجميع مكونات الشعب العراقي عرباً و كورداً وجبهة تركمانية وكلداً واشورياً ... حيث مضى عهد الدعوة للعصبية لانَّه "ليس مِنّا من دعا الى عصبية". وحسبه العراق ... العراق الام!! * * * من البديهى إن هكذا تراتيل ليست بغريبة في الكتابات الحماسية الانشائية التي تَعَّود عليها افراد او اذيال الجبهة التركمانية ... الذين جل محاولاتهم منصبة على طمس آثار الكوردستانية وجر كل من يمكن جره الى مستنقع العراقية، لعل ذلك يُهَدِّئُ من روعهم من شبح اسم كوردستان الذي يكاد يخطف ابصارهم و عقولهم كلما سمعوه او ذُكروا به. اقول للسيد اميد، وقبل أن يبدي نصائحه و ترانيمه، أن يراجع ماكتبه سابقاً ولاحقاً من كتابات لاتُشم منها إلا رائحة الدم والحقد على كل ماهو كوردستاني ... و ذلك قبل أن يختلق هو و شلته اسماءً من اجل تمرير و تبرير مؤامراتهم ضد الكورد و اهله، من خلال نسج التلفيقات وحبك الخزعبلات المنطلقة من العقيدة الكمالية الرافضة لكل ماهو غير تركي، تلك التي اخوتنا التركمان في كوردستان منها براءٌ... نعم، عليهم قبل كل هذا وذاك أن يعودوا الى صوابهم ورشدهم الذي فقدوه بعد قارعة يوم الانتخابات التي جعلت جمعهم كالفراش المبثوث و حوَّلت اهراماتهم الى العهن المنفوش ... وأن يُبدوا احترامهم لارادة الكورد في تقرير مصيره، وعدم فرض ارادتهم المستورَدَة ـ التي لاتساوي عند الكورد جناح بعوضة ـ على الغير. ولعله من المفيد أن اعرج ايضاً من خلال ردي على السيد اميد، على امور لها صلة بما يقصده هو، والتي هي مربط الفرس عندهم اصلاً. إن اعتراف الكورد في جنوب كردستان بالانتماء العراقي ليس هيناً ولا لعبة اطفال ... والانسياق وراء هوى الاخلاص اللامشروط لتربة العراق قبل أن تتحقق الاهداف الكوردستانية، ليس من صالح العراق ايضاً... وإن اواصر العلاقات بين الشعوب في العصر الراهن، ليس فرماناً عثمانيا ولا زواجاً كاثوليكياً، و الطلاق ليس كفراً إذا ما هضمت الحقوق ولم تتم العشرة بامان وسلام... وإن حب الانتماء لوطن ما ليس لباساً ينزع ليحل محله لباس آخر ... وشروط العضوية في بلد ما ليست كمن ينزل من حافلة ليركب آخرى... ومشاعر صديقه المدعو كاميران ليست بديلاً عن القرارين الكورديين حول الفيدرالية 1992 و الاستقلال 2005... إن مثل رسالة كاميران كمثل المقالة التي كتبها احد صحفيي جريدة (عراق الغد) عما شاهده من علم عراقي على حقيبة احدى السيدات الهوليريات في الحج و أراد أن يعممه، وهو كذلك ـ اي هذا العلم العراقي ـ ليس بديلاً عن مئات الاعلام الكوردستانية التي حملها الحجاج الكورد وهم يقصدون بيت الله الحرام. والاستثناء لايلغي القاعدة ، وبساطة وعفوية بعض الافراد لا تنسف ارادة و تصميم وجدية الاغلبية، ناهيكم من انه ليس هناك طرف ـ غير دراويش البعث ـ يقدس هذا العلم العراقي المتهرئ، والوطنيون العراقيون الذين سكتوا لحد الآن عن رفعه او الغاءه هو لملابسات راهنة وجرياً على قاعدة (مكرهٌ اخوك لابطل)ليس إلا. إن عودة بلاد كوردستان و الحاقها بالعراق مرة اخرى، لن يتما بمجرد تصريح الدكتور احمد جلبي الذي ادلى به بعد تسنم مام جلال للرئاسة، قائلا: اليوم عاد كوردستان الى حضن العراق!! ... بل إن الأعتراف بالعودة الى الحضن ياتي بعد أن يُعترف بحقوق الكورد و بعد أن يُحترم ارادته في تقرير مصيره بنفسه و بالشكل الذي هو يريده و يرضيه، لا بالصيغة التي يراد له ... فالفرق كبير و شاسع بين الأَمرين... لايمكن تهميش الارادة الكوردية تحت وطأة الاسطوانات العتيقة التي يعجب امثال اميد سماعها و الترويج لها... تلك الاسطوانات المستهلكة التي تتغني بشعارات الاخوة الزائفة الهشة التي كانت دوماً على شفا حفرة من النار، أكُلها غير دائم وظلها زائل... إن الاخوة والانتماء، حقوق و واجبات، ليست ادعاءً ولا أغاني كاظم ساهر... حقوق يجب أن تثبت و تؤصل و تحصَّن بالقوانين و الشرائع و البنود الواضحات المحكمات الثابتات ـ كلمة كلمة وجملة جملة ـ بحيث لاتحتمل التأويل او المراهنة عليها من خلال ثغراتها وعثراتها، كما هو حاصل لقانون الدولة العراقي الذي جعل بعض القضايا ـ مثل كوردستانية كركوك ـ في موضع دوامة من الجدل اللامجدي. فعدم البت فيها ـ باسرع مايمكن ـ واعتماد اسلوب التأجيل والتسويف، بايحاء من هذا الطرف او ذاك ، واعطاء الاهمية للمساومات السياسية و التدخلات الاقليمية، واللجوء ـ بالتالي ـ الى العموميات لايضر الكورد فحسب، وإنما يسئ الى مجمل عملية السلام في المنطقة. إن الانتماء الصادق لوطن ما، يتحقق حينما تعود الحقوق لاهلها، ولا يبخس منها شئ... والعهود مهما صغرت او كبرت، يجب ان تؤخذ بنظر الاعتبار وتكتب، والقرآن امر بذلك: "...إذا تداينتم بدين الى اجل مسمى فاكتبوه، وليكتب بينكم كاتب بالعدل، ولا يأب كاتب أن يكتبَ كما عَّلمهُ الله، فليكتب وليملل الذي عليه الحق، وليتق الله ربَّه، ولا يبخس منه شيئاً"... البقرة 282 ... ثم ياتي في سياق الآية: " ولا تسئموا أن تكتبوه صغيراً او كبيراً..."... فاذا كانت هذه الآية تتصدى بهذا الحزم لمسالة الدَّين بين الناس، وتأمر بتوثيقها بالكتابة "صغيراً او كبيراً".... فما بالكم بحقوق شعب مغصوب الارض من قبل اناس جيئ بهم..! فهل مقبول شرعاً او قانوناً أن يغض الطرف عن هذه الجريمة المخططة لها منذ عقود، بحجج واهية لا تستند لا الى المنطق ولا إالى الشرع او القانون... كل ذلك من اجل تحقيق اوهام اميد كوبرلو ومن يلفون حوله او من هو يلف حولهم، بذريعة الانتماء العراقي، و كأنَّ مستقبل وآمال الشعوب هي "تجارة حاضرة"... إنًّ الادعاء بالعراقية او باخوة الدين والوطن غير المستندة الى القوانين و الدساتير، اوهام باطلة لا تتعدى خدعة القوي للضعيف على شاكلة: نحن اخوة، مالي مالي، ومالُك مالي. إن الاكتفاء بقول ان العراق هو وطن الجميع، دون اعادة الحقوق الى اصحابها، و دون الاعتراف بطموح وارادة الشعب الكوردستاني في اختياره، هو غزل شرقي زائل و "كسرابٍ بقيعة يحسبُه الظمآن ماءً" ... إن شعب كوردستان يحب الشعب العراقي، فهو اقرب الشعوب اليه... وهذا لا يتعارض مع المطالبة الكوردستانية بتحديد اسس العلاقة الراهنة والمستقبلية مع العراق الجديد... والذين يريدون ـ ولحاجة في انفسهم ـ باعادة اللحمة بين العراق و كوردستان باي ثمن، حتى لوعاد تأريخ الكورد القهقهري الى عصور الظلام و الاستبداد، وتعرضت بلاده الى الهزات والمأساة ... فان هؤلاء نأوا عن البحث في القضية في مظانها وعن سوء قصد. إن على السيد اميد الذي غلبت على ظنه وعلى ظن اشياعه مقولة الشاعر الاناني: إذا مت ظمآناً فلا نزل القطر.. وذلك بعد أن هزم جمعهم وخاب فألهم، و يرتزقون ممن "في اموالهم حق للسائل و المحروم".. لعل كرسياً في وزارة او مقعداً في مديرية او وظيفةً باش كاتب في سفارة ومن باب الصدقة و الزكاة، يمنح لهم .. نعم على هؤلاء أن يعلموا بأن الكورد اليوم وبعد عقود عديدة من الاضطهاد على لحن الاخوة، يتعاملون مع الواقع وليس مع الخيال والاحلام والآمال العسلية. وانهم قرروا هدفاً ـ وإن كان من باب اضعف الايمان ـ وهو الفيدرالية المشروطة بشروطهم، والتي تندرج تحتها عودة كل اراضي كوردستان بما فيها كركوك ... آنذاك سوف يدرس الكورد (علم المواطنة) .. لا (علم المخادعة) او (علم المهادنة) او(علم المراوغة)... والا فليجلس كل في بيته "ليقضى الله امراً كان مفعولا"... مع حبنا الدائم للشعب العراقي المظلوم.
|