المجرم المناسب في المكان المناسب

و لا يصح إلا الخطأ في هذا الزمن الصعب

رسالة إلى أبي مام جلال

من فينوس فائق

صحفية كوردية مستقلة مقيمة في هولندا

من عمق أعماق قلبي فرحت و و هلهلت عندما تم تنصيبك على كورسي الرئاسة ، رئاسة جمهورية العراق ، غير أنني إستغربت و إتهجنت طلبكم بإطلاق العفو عن كل المسجنونين و إطلاق سراحهم من معتقلاتهم (الطلب الذي لاقى الرفض والحمد لله) ، من قلب قلبي فرحت و فرحت كل خلية من خلايا جسمي عندما ناداك السيد حاجم الحسني بلقب "سيادة الرئيس" و كنت أول من عبر عن ذلك الفرح في أول مقال بعد توليك للمنصب بنصف ساعة بالضبط يوم السادس من نيسان الماضي ، غير أنني إمتعضت جداً عندما تحججت بمسألة توقيعك على بروتوكول النداء الدولي لإلغاء حكم الإعدام في العالم و قلت أنك ستترك أمر التوقيع إلى نائبيك و أنك تحترم توقيعك على النداء الدولي ، و هل أن صداماً شخص عادي ليحسب له حساب عادي في مثل هذه الأمور ، هل هناك ثمة شعرة ما بين أن يعدم أو لا يعدم؟ أظن أن الأمر لا يتحمل لا منك و لا من أي أحد ، الحل الوسط ، لن صاداماً لم يكن يؤمن بمنطقة بين أن لا يتوانى في قتل أي كوردي يقع بين يديه و بين أن لا يقتله ، الأمر لن يتحمل منك سوى الموافقة و الموافقة الصريحة على نيل شرف التوقيع على قرار إعدام الدكتاتور صدام ، إذا كان هذا القرار سيوقع عليه قرابة 15 مليون عراقي على أقل تقدير إذا طرحنا منهم البعثيين و المتنعمين في عهده من مجموع عدد سكان العراق..

اليوم ، و اليوم بالذات بدئنا تقويماً جديداً من تأريخ العراق و بدأنا بصياغة المفاهيم و القيم و المباديء وفق معطيات و تسميات و تعريفات جد مختلفة عن سابقاتها ، إلى هنا الكل متفق ، لكن هل الديمقراطية تقول أن نبحث عن البعثيين القدامى بيتاً بيتاً و حياً حياً و بدلاً من أن نحاكمهم ، نمنحهم مناصب رفيعة و حساسة في التشكيلة الحكومية الجديدة؟؟

لقد إمتعضت و إقشعر بدني حزناً و غضباً عندما سمعت عن نبأ تنصيب (صفيق السامرائي) عذراً (وفيق السامرائي) في موقع مستشار الأمن القومي لرئيس الجمهورية ، لماذا إذاً طردنا الطاغية أساساً ، ألم يكن الأجدر أن يبقى الطاغية مكانه و كان سيكون وفيق هو نفسه مستشار الأمن القومي له ..

ذلك النبأ عاد بي إلى ذلك اليوم الذي فبرك فيه صفيق السامرائي قصة هروبه الكاذبة من بغداد و لجوءه إلى كوردستان التي إحتضتنه و الإتحاد الوطني الكوردستاني (الأوك) الذي رحب به ، و أتذكر يوم وصوله إلى السليمانية عندما نظم جهاز الإعلام المركزي التابع للأوك جلسة له بحضور عدد من الصحفيين كنت من بينهم ، و قد ترددت في حضور الجلسة ، إلا أنني إستجمعت كل معنوياتي و ذهبت ، و عندما جلست مع زملائي أمامه في الغرفة ، كنت حينها مراسلة صحيفة الإتحاد لسان حال الأوك ، و كان من المفروض أننا أحضرنا و زملائي أسئلة نطرحها عليه ، غير أن معنوياتي النفسية خانتني و لم أتمكن من أن أطرح عليه أي سؤال ، بالرغم من أنني تمنيت أن أسئله : لماذا أنت مجرم ، سؤال أحمق!! غير أنني أردت أن أعرف إن كان لديه تعريف لمعنى الإجرام ، و خصوصاً ذلك الإجرام الذي يرتكب (بضم الياء) بحق شعب بأكمه ، فلم أقدر أن أتحاور معه ، فشلت في أن أطرح عليه السؤال البديل ، أو سؤالاً آخر يرضي ضميري الصحفي أو يرضي الدماء الكوردية التي تجري في عروقي و دماء الشهداء الكورد التي سالت على جبال كوردستان و في حلبجة و إحتضنتها القبور الجماعية ، ماذا كان علي أن أسئله ؟ أو كيف كان يجب علي أن ابدأ كلامي معه؟ هل كان علي أن أستهل كلامي بحمد الله على سلامة وصوله من بغداد؟ أو أن أقفز رأساً إلى ماضيه غير المشرف و مشاريعه الإجرامية المستقبلية؟ ... زميلة لي سألته: هل أنت نادم على ما إرتكبته؟ فقال و حسب ما أتذكر : أنه كان ينفذ أوامر صدام حسين ، و أضاف بكل صفاقة أنه يمتلك وثائق و معلومات تدين نظام صدام بإرتكاب جرائم ضد الشعب الكوردي ، بعدها أو بعد فترة إختفى صفيق السامرائي ليظهر اليوم في ثوب مستشار الأمن القومي الخاص برئيس جمهورية العراق الفيدرالي ، في عهد الديمقراطية ، لا أدري إن كانت حساباتي و مقاييسي هي الخطأ ، أم تلك التي تم تنصيبه وفقها في ذلك المنصب؟؟ حقاً إنه منصب يليق بمثل ذلك المجرم في عهد الديمقراطيات الجديدة ، أو لابد أنني لم أستفد من تلك الكتب التي قرأتها طوال حياتي عن الديمقراطية ، و يجب علي تمزيق كل تلك التعريفات التي تتناول الديمقراطية ، إذ ستنقلب الآية بعد قليل و لن يصح إلا الخطأ ..
و أنا الآن أدعوا أبي مام جلال لأن يستدعي (نزار الخزرجي) أيضاً و باقي الزمرة المتبقية من الجلاد صدام بالمرة لتكتمل الصورة و يتم تنصيبهم في منصاصب مثل وزارة الداخلية أو منصب مدير جهاز الأمن و الإستخبارات ، و المستشار السياسي أو يسلمهم وزارة الدفاع...ألخ...ليقتنع العالم أننا متسامحون إلى درجة أننا نعفوا عن من كانوا يقتلونا و يبيدونا و مازالت أيديهم حمراءة بدماء شهدائنا..

ملاحظة: لكي أكتب هذه السطور كان علي أن أمشي قرابة عشرة كيلومترات على قدمي و أتمعن ملياً في السماء و أسأل الله أن يمنحني القدرة و شعبي على تحمل مثل تلك الأنباء ، و لكي ربما أكتشف الحكمة وراء تنصيب مجرم مثل السامرائي في ذلك المنصب ، و إلا يجب أن نقول من الآن فصاعداً المجرم المناسب في المكان المناسب..

venusfaiq@yahoo.co.uk