كلمة في الصحافة الكوردية في مناسبة مرور 107 عام على صدور أول صحيفة كوردية
صحافة حرة أم حرية الصحافة ، الصحافة الكورستانية مثالاً..
فينوس فائق
صحفية كوردية مستقلة
مقيمة في هولندا

 

الصحافة هي نتاج تطور العقل البشري على مر التأريخ ، و تطور المجالات الصحفية بكل فروعها من مسموعة و مقروءة (مكتوبة) و مرئية هي نتاج التطور التكنلوجي و العلمي ، و مؤخراً إقتحمت التكنلوجيا الرقمية المجال الصحفي مما خلق جدلاًً حول نشوء حركة صحفية من الجائز تسميتها بالصحافة الألكترونية ، و من الجائز أيضاً أن يفسر ذلك الإقبال الواسع على الإهتمام بالصحافة الألكترونية من قبل الصحفيين و الكتاب على حد سواء بأنه تلبية لحاجة إنسانية تدعوا إلى تحرير الصحافة من الرقابة التي تضعها مؤسسات الدولة على أنواع الصحافة أو تلك التي تحد من حرية الصحافة في هذا الزمن الذي يوصف بأنه زمن الحريات ، و هي بالتالي تخلق أجواءاً حرة أكثر و آفاق رحبة تفسح مجالاً أوسع لحرية التعبير و تنظيم الحركات السياسية و توعية القراء في إتجاه معين و حتى أنها تكون بمثابة الميدان لقيادة الحركات السياسية و التجمعات بين البشر من شتى بقاع العالم من الذين تربطهم رابط فكر واحد أو إتجاه سياسي موحد ، لذا ما من شك أن الصحافة تلعب دوراً بالغ الأهمية في حياة الإنسان في مختلف المجالات ، و بالأخص في المجال السياسي ، و هي التي سميت في فترة من الفترات بالسلطة الرابعة ، غير أن المقاييس في تقديري اليوم قد تغيرت وفقاً للتغيرات الحاصلة على جميع الأصعدة السياسية و التكنوسياسية و التكنوغرافية و كل المجالات التي إخترقتها التكنلوجيا و صارت جزأً مهماً لها و جزءاً حتى من إسمها ، فصار من الجائز إخراج الصحافة و الألكترونية منها على وجه الخصوص من الخانات و التصنيفات الفرعية و وضعها في خانة مستقلة بها ، لما لها من دور بارز في الحياة الإنسانية و أهمية هذا الدور في تفعيل حتى القرارات السياسية المصيرية ، فمن الممكن القول بأن الصحافة اليوم هي تقود سلطة مستقلة بحد ذاتها ، دون الحاجة إلى إدراجها تحت خانة أو تحت درجة من درجات السلطة كأن نقول السلطة الرابعة ، فإذا كانت السلطات الثلاث هي السلطة (بضم السين) التشريعية و السلطة التنفيذية و السلطة القضائية ، فمن غير الممكن إدراج السلطة الصحفية في الأسفل من تلك السلطات ، فكما رأينا في السنتين الأخيرتين كيف أن الصحافة لعبت دورها الناري و الحامي على كل الجبهات و كانت بمثابة المحارب و المقاتل في الجبهات و كانت موجودة حتى قبل إنشاء الحكومات التي جاءت بعد الحكومات التي أطيحت بها و تحديد السلطات التشريعية النتفيذية ، فإقتحمت جبهات القتال و إقتحمت ميادين الصراع على السلطة ، فسلطة الصحافة في هذا الزمن التكنورقمي موجود قبل و بعد قيام الحكومات و السلطات السياسية و التي تعلن عن تشكيل تلك الحكومات و تعلن عن تشكيل السلطات الثلاث الأولى التي هي التشريعية و التنفيذية و القضائية.

من هنا و في مناسبة مثل مرور 107 عام على نشوء الحركة الصحافية الكوردستانية و الذي يصادف 22 نيسان من عام 1898 عندما أصدر مقداد مدحت بدرخان أول جريدة كوردية في مدينة القاهرة المصرية بإسم (كوردستان) و التي صدر منها 31 عدد حتى عام 1902 ، هذا يؤكد أن الكورد هم من الشعوب التي تأتي في كقدمة الشعوب التي إهتمت بتطوير الصحافة المطبوعة و قد كانت صحيفة (كوردستان) في تلك الحقبة من تأريخ الحركة التحررية الكوردية جزء من النضال الثقافي الكوردي الذي هو بدوره جزء لا يتجزء من نضال و كفاح الشعب الكوردي من سيطرة الأنظمة المحتلة لأرضه ، و لأن النشاط الصحفي منذ نشوءه و حتى الآن يقترن بالنشاط السياسي فقد تعرض القائمون عليه و عبر كل الأزمنة و في كل العهود الدكتاتورية إلى الملاحقة و السجن و التعذيب و أكبر دليل على ذلك هو إصدار حكم غيابي على الأمير مقداد باشا بالسجن المؤبد في عهد العثمانيين و تعرضه للملاحقة من قبل المؤسسات القمعية آنئذ ، و هو من جانب آخر إشارة تأريخية مهمة جداً على أن الشعب الكوردي المنتشر على أصقاع العالم عدى موطنه الأصلي المنقسم على أربعة دول محتلة هي سوريا و تركيا و العراق و إيران ، هو شعب صاحب ثقافة و ميثولوجيا و حضارة عريقة و قد عمل منذ القدم على الإهتمام بثقافته و لغته و كافح و ناضل من أجل المحافظة عليها و تطويرها ، لولا محاولات المحتلين الستمرة لتشويه تلك الثقافة بشتى أنواع الأسلحة التي كان يحارب بها الشعب الكوردي بهدف القضاء عليه بشرياً و ثقافياً..

صحافة حرة أو حرية صحافة:

هناك الكثير من القراءات لمفهومي الصحافة الحرة و حرية الصحافة ، فعند القول بحرية الصحافة يكون الحديث أساساً عن أنواع الحريات و التي "حرية الصحافة" تكون إحداها ، كأن نقول بحرية التعبير ، حرية النشر ، حرية المرأة ، حرية الفكر ، حرية الممارسة السياسية ...و إلخ من الحريات ، و اليوم و قد وصلت الحركة التحررية الكوردية و القضية الكوردية هذه المرحلة ، كان لابد لنا من مراجعة مفهوم الصحافة و المقاييس التي على أساسها تقاس على إعتبار أن المجال الصحفي هو المجال الذي يصاحب في المقام الأول التغييرات و التقلبات السياسية عند كل شعوب الأرض ، فلو قسنا حرية الصحافة على أسس الديمقراطية كمفهوم تتبناها الأحزاب الحاكمة في كوردستان فإننا نتوصل إلى حقيقة هي وليدة المرحلة التي تمر بها الحركة التحررية الكوردية و التي هي في تقديري ظاهرة صحية و هي أن هناك حرية صحافة لكن حرية من منطلق حزبي ، أي أنها حرية داخل منظومة حزبية تؤمن بحرية الصحافة التي تعود إليها ، على أساس أن كل حزب من حقه تأسيس دائرته الصحفية و إصدار ما تتناسب مع نهجه و فكره من جرائد و مجلات و مطبوعات ، لكن كأن نقول بأن هناك حرية صحافة ، كمجال صحفي مستقل و حر ، فذلك شيء غير موجود في كوردستان و لا حتى في العراق و لا في المنطقة بأسرها ، و ذلك لأن الأحزاب الناشطة في الساحة السياسية الآن تؤمن بكل أنواع الحريات ضمن الهيكل الحزبي الخاص بها و لم تتخط بعد بوتقة التحزب و نظرية تسخير الفرد في خدمة الحزب تلك النظرية التي أثبتت التجارب فشلها ، غذ يجب اللجوء إلى تسخير الحزب من أجل الفرد الذي في مجموعه يشكلون الشعب و الشعب في النهاية هو الوطن ، و بالتالي تصبح الممارسة الصحفية على أساس التعبير عن وجهة النظر الحزبية جزء من أداء واجب حزبي بحت أكثر منه أداء رسالة صحفية إنسانية شاملة قائمة على أسس أكاديمية .

أما مفهوم "الصحافة الحرة" فهو على النقيض تماماً من مفهوم "حرية الصحافة" ، فهو يعني أن تمتلك صحافة بعينها كأن تصدر صحيفة خاصة بك و تحاول جاهداً أن تمثل صحافة حرة ، و أن تمارس المهنة كصحفي حر لا تنتمي إلى مؤسسة صحفية حزبية ، و ذلك أمر يعد من الأمور المستحيلة ، ذلك لأن المجال الصحفي هو حكر على الأحزاب الناشطة في كوردستان ، فكل حزب يمتلك جرائد و مطبوعات خاصة بها و مؤسسات إذاعية و تلفزيونية خاصة بها ، و تلك أعود و أقول هي ظاهرة طبيعية نسبة لكثرة الأحزاب و نسبة لأن من حق كل حزب أن تكون له مطبوعة خاصة بها ، لكن الشيء المهم هنا و الذي يصبح ضحية كل هذا هو الصحفي "الشخص الذي يمارس الصحافة" ، فهو إما أن يكون منتمي إلى الحزب الفلاني و إلا فلن يكون صحفي ، و يكون تبعاً لذلك نصيب الصحفي الذي يمارس مهنة الصحافة خارج دائرة الأحزاب يكون نصيبه الإهمال و عدم التقدير.. في حين أن في أوروبا و في هولندا كمثال قريب مني ، من حق الشخص أن يكون عضو في أي حزب يريد و هذا الشخص عن حقه إذا كان صحفي أن يمراس مهنةة الصحافة في أي مؤسسة يجدها مناسبة لؤهلاته و إمكاناته أو تضع أمامه إغراءات أفضل من غيرها ، بغض النظر عن أن تلك المؤسسة ليست تابعة للحزب الذي هو عضو فيه ، مع مراعات أن هناك في هولندا الكثير من الأحزاب و حتى الأحزاب الأحادية أي تلك التي تعود تعود لشخص واحد لكن عندي مؤسسة صحفية أي أنه يصدر ما يحلو له من مطبوعات ، شرط أن يستوفي كل الشروط الخاصة بالصحافة المتحضرة و الأكاديمية و يراعي كل الأعراف الصحفية و يلتزم بواجباته الصحفية إزاء النظام الحاكم ، و ما عليه سوى أن يتقدم إلى البلدية و أن يطلب تميل مالي و غالباً يحصل عليها و يصدر الصحيفة دون الأخذ بعين الإعتبار الحرزب الذي ينتمي إليه..

إذا الصحافة مهما إختلفت مجالاتها فهي تقود حركة ، و غالباً هي حركة سياسية بشكل أو بآخر ، و هي جزء من المنظومة الإجتماعية بكل مجالاتها التي يحاول الإنسان الإبداع و التفنن في إيصالها إلى أرقى المستويات . لكن يبقى السؤال هل ستتمكن الصحافة الألكترونية من منافسة الصحافة المتقليدية التي هي المطبوعة؟ أم يبقى للصحافة المكتوبة سحرها برغم كل التطورات التكنولوجية؟ و بالتالي هل ستتمكن الصحافة من الإطاحة بالسلطات (بضم السين) التشريعية و التنفيذية و القضائية و الصعود إلى قمة السلطات؟؟ و هل سيكون بإمكان الصحافة الألكترونية الإجابة على ألغاز العصر السياسية التي إستعصت على الصحافة التقليدية الإجابة عنها؟ هل أن الصحافة الألكترونية التي هي بمثابة سلاح ذو حدين "سلبي و إيجابي" تعود دائماً بصالح البشرية ؟ حيث أنه حتى أعداء البشرية و التطور و الجماعات التي تدعو إلى العودة إلى العصور الظلامية المتخلفة من المجاميع الإرهابية التي تتخذ الدين ستاراً لنشاطاتها الإرهابية تستفيد من التكنلوجيا و بشكل خاص من الصحافة الألكترونية ، كما رأينا أحداث 11 من ايلول التي لا تزال عواقبها ماثلة أمامنا و التي غيرت المسار السياسي التي كان العالم يسير عليه قبل ذلك التأريخ و الذي شكل بالتالي إنعطافة في تأريخ الصحافة المرأية و المقروءة و الألكترونية ، و حتى الإجتياح الأمريكي للعراق التي نقلتا وسائلالإعلام لحظة بلحظة..

و أخيراً لابد من الإشارة هنا إلى أن من غير الممكن إنكار حقيقة و هي أن كوردستان الجنوبية الآن تعتبر مدرسة كبيرة في مجال أنواع الحريات السماح بها في المنطقة أجمع و بالأخص في مجال الحرية الصحفية ، فقد كانت في فترة من الفترات و لحد الآن المدخل الأهم و الوحيد لدخول الصحفيين الأجانب من شتى أنحاء العالم للتعرف على جرائم النظام العراقي الساقط و نقل صور حقيقية عن المعاناة البشرية لسكان تلك المنطقة ، ذلك المنفذ الذي سمح بنشوء حركة صحفية صاحبت كل التغييرات السياسية في المنطقة منطلقة من أرض كوردستان التي إعتمدت أول ما إعتمدت في بداية تجربتها مع مفاهيم الديمقراطية ، إعتمدت حرية الصحافة على الأقل في تعاملهم مع الصحفيين الأجانب و توفير الأمان لهم أثناء ممارستهم النشاط الصحفي و نقل من موقع الخبر ساعة بساعة..

فمع إندلاع الإنتفاضة عام 1991 إندلعت ثورة الحريات التي تبدأ و تنتهي بالصحافة ، بالرغم من أن الكثيرين من رواد الصحافة و الصحفيين الكبار كانوا أو مارسوا مهنة الصحافة إعتماداً على الفطرة و الجهد الشخصي لتعلم مزاولة مهنة الصحافة من منطلق قومي و وطني و من أجل خدمة القضية الكوردية من خلال خدمة الثقافة الكوردية التي تعتبر الصحافة جزء مهم منها ، فالكل يعرف أنه كانت هناك الكثير من المجالات التي كانت حكراً على الحزبيين و المنتمين إلى نتظيمات حزب البعث العفلقي ، و بالتالي لم يتمكن الكثيرين الكورد بل الجزء الأعظم من الشعب الكوردي الإلتحاق إلى المعاهد و الكليات و التي كانت الصحافة واحدة منها .. فكاتبة هذه السطور على سبيل المثال من الصحفيات التي بدأت بممارسة الصحافة إعتمكاداً على الفطرة و الرغبة الإمكانات و القدرات الشخصية ، فمثلما كان خريجوا الكثير من الكليات يجندون لخدمة الحزب الواحد ، كان خريجو الصحافة يجندون للتطبيل للحزب الحاكم و من تمكن من شق طريقه رغم أنف الدكتاتور و أعوانه و تمسك بمبادئه و لم يحني رأسه له ، كان جديراً بالتقدير و لدينا أسماء كثيرة و كبيرة لا داعي لذكر إسم خوفاً من نسيان إسم..