الکورد، لا مجال للتشرذم!    
   فهمي کاکه‌يي

   

                   

هناك مؤامرة علی العراقيين عموما و الکورد خصوصا، ظهرت بوادرها منذ أن دخلت القوات الأمريکية العراق و أسقطت الحکومة، و ما تزال المؤامرة هذه مستمرة إلی يومنا هذا. الهدف هو تفتيت الشعب العراقي و تصنيفه تصنيفا قوميا، طائفيا، مذهبيا و عشائريا بغية السيطرة عليه و توجيهه حسب سياسات مرسومة مسبقا. العرب قسموا إلی سنة و شيعة، الشيعة قسموا حسب المرجعيات، لکن ماذا عن الکورد

الکورد کانوا منقسمين مسبقا إلی أحزاب و جماعات، لکن هذا لم يکن کافيا، کان لا بد من تقسيمهم بالعُرض أيضا بعد أن کانوا قد قسموا أنفسهم بالطول. إن ما يحز في النفس هو مشارکة الأحزاب  و الجماعات و الطوائف الکوردية في هذه العملية التفتيتية سواء بعلم أم بدونه، حتی أصبحنا عندما نتکلم عن الکورد نصنفهم سياسيا، جغرافيا، دينيا، طائفيا، مذهبيا، عشائريا، لغويا و هلم جرا.

يجب علينا أن نکون واقعيين و نلوم أنفسنا قبل أن نعاتب الآخرين و نقول بأن الأحزاب الکوردية و في مقدمتها الحزب الديمقراطي الکوردستاني بقيادة السيد مسعود البارزاني و الإتحاد الوطني الکوردستاني بقيادة السيد جلال الطالباني يتحملان القسط الأکبر من أسباب الإنقسام و التشرذم الذي يعاني منه الشعب الکوردي في جنوب کوردستان، و مع أن القوميات الأخری تحسد الکورد علی وحدة کلمتهم، هذه الوحدة التي شاهدناها أيام الإنتخابات، إلا أن الفضل يرجع إلی الجماهير الکوردية قبل الأحزاب.

التشرذم و الإنقسامات التي أوردناها سابقا تقف ورائها أسباب سياسية بحتة و مصالح حزبية ضيقة لا تدع مجالا لوضع المصلحة القومية فوق المصلحة الحزبية، فهل رأيتم في الدنيا کلها شعب له برلمان واحد و حکومتان؟ رئيس وزراء يحکم محافظة واحدة و آخر يحکم محافظتين؟ وزراء لا يعدون و لا يحصون؟ سياسيون لا يصغون إلی صوت الشعب؟ شعب ظل يطالبهم بوضع الخلافات و المنافسات الحزبية جانبا و التفکير بالمصلحة القومية و الوطنية العليا لکن صوته لم يسمع؟

الشعب الکوردي کبيره و صغيره، عالمه و جاهله، متعلمين و أميين، متحضريين و قرويين، نساءً و رجالا، طلبوا من هاتين القيادتين أن تتوحدا، لکنهم قوبلوا بالوعود، الوعود التي لا تسمن و لا تغني عن جوع. الإجتماعات کادت تبلغ المئة، اللقاءات لا تعد و لا تحصی و کل مرة نسمع من القادة بأن المسألة منتهية و أنها أيام و الحکومتان تتوحدان.

   هذه الحالة الخطيرة بدأت و منذ زمن ليس بالقصير تنعکس علی مکونات الشعب الکوردي، و خصوصا عندما لم تتمکن القيادات الکوردية من أن تجمع هذه المکونات تحت مظلة المصالح المشترکة و المصير الواحد، فأصيب الأخوة من الکورد الفيليين بخيبة أمل نتيجة تجاهل (ربما غير مقصود) من قبل الأحزاب الکوردية، فظلوا(الفيليين) في حيرة من أمرهم يهيمون بين الإنتماء القومي و المذهبي، و کانت الحصيلة أن تتشرذم هذه الشريحة المهمة و الفعالة من الشعب الکوردي و لا تری حلا إلا أن تؤسس لنفسها أحزاب خاصة بها.

أنبرت شرائح کوردية أخری تطالب بحقوقها مندفعة ذاتيا أو مدفوعة من قبل جهات معادية لتطلعات الشعب الکوردي، حتی أن بعض هذه الشرائح ذهبت إلی حد مطالبتها بأن تعترف الجمعية الوطنية بها کقومية مستقلة، ناسية بأن من أهم مقومات و رکائز القومية هي اللغة و هذه الجماعات تتکلم کل واحدة منها بلهجة من اللهجات الکوردية و لها خصائص إضافية تؤکد و تثبت أواصر إنتمائها إلی القومية الکوردية، خصائص تفتقدها الجماعات الکوردية الأخری.

الأخوة الإيزيدييون مثلا هم أکثر أصالة في إنتمائهم القومي الکوردي من غالبية الکورد الآخرين و ذلك بحکم محافظتهم علی تراث عقائدي کوردي أزلي، تُغني اللغة و الأدب و الفن الموسيقي الکوردي، و إن کانوا قد تعرضوا إلی الإضطهاد الديني سابقا بسبب هذا الإنتماء فإنهم اليوم حالهم حال الکورد الآخرين فهم معرضون للقتل لکونهم کوردا قبل کل شيئ، و الفتاوي التي تصدر بحقهم من قبل التکفيريين تصدر بحق الکورد کقومية إسوة بالشيعة و المسيحيين و الآخرين. الإيزيديية هي أقلية دينية و ليست قومية قائمة بذاتها، و إن قوة الإيزيديين هي في توحدهم مع باقي شرائح المجتمع الکوردي مع الإحتفاض بالخصوصية الدينية، لکن مهمة دمجهم بالشرائح الکوردية الأخری هي مسؤولية الأحزاب الکوردية و ذلك بالإستماع إليهم و تلبية مطالبهم بشکل أفضل مما هو عليه الآن.

قرأت ذات مرة مقالة مغرضة عن الشبك لا أذکر إسم کاتبها، يقول فيها: أن الشبك يتکلمون لغة لا يعرفها غيرهم.

لعلم القارئ الکريم فإن الشبك (و أعني هنا الغالبية العظمی) تتکلم بلهجة کوردية تسمی (ماچو) و هذه اللهجة هي لغة (لهجة) الأم بالنسبة لکاتب المقال، مع أنني لست من الشبك. إن اللهجات الفرعية التالية: هورامية، زنگنة، شيخانية، باجلانية و ماچو، هذه کلها تشکل اللهجة الگورانية و هذه الأخيرة إسوة بالکرمانجية الشمالية و الکرمانجية الجنوبية و اللکية و اللورية تکون اللغة الکوردية. فالشبك إذن يتکلمون لهجة فرعية من لهجة الگوران التي يتکلمها الکاکائيون أيضا، أنا و صديقي الشبکي (ع.ي) و هو أستاذ لغة نتکلم ماچو مع بعضنا و هناك قری مختلطة من الشبك و الکاکائية، ليس هذا فقط بل أن الشبك و الکاکائية لهم نفس الإعتقاد الديني، فإذا کان الکاکائيون من الکورد و هم کذلك فليس هناك أي دليل مطلقا من أن يکون الشبك من قومية أخری، و في هذه الحالة أية قومية؟

قد تکون الأحزاب الکوردية مقصرة بحق هذه الشرائح، لکن هذا لا يبرر مطلقا و لا يعطي الحق لهذه الشرائح أن تعزل نفسها و تتقوقع و تتهرب من إنتمائها القومي. إن علينا جميعا إستحقاقات يجب أن ندفعها، و بما أن الشبك يسکنون في مناطق نفوذ الحزب الديمقراطي الکوردستاني لذا فإنه يجب علی هذا الحزب أن يتحرك و يعمل بجدية لكي يلم شمل هؤلاء الکورد الشبکيين و يستمع إليهم و يلبي طلباتهم.

إن الجماهير الکوردية أبلت أيام الإنتخابات بلاءً حسنا و صوتت لقائمة التحالف الکوردستاني و هي تنتظر من هذه القائمة أداءً جيدا تخدم القضايا المصيرية و المصالح القومية و الوطنية العليا. إن الإنتخابات القادمة ليست ببعيدة، وإن أطرافا أخری لم تشترك في الإنتخابات السابقة بشکل فعال تعد العدة لکي تشترك هذه المرة بکل طاقاتها، لذا فمن مصلحة الجميع أن نتآزر و نتحد و نستعد لجولة جديدة من الإنتخابات تکون نتائجها أهم بکثير من نتائج الإنتخابات السابقة، و علی عاتق الأحزاب الکوردية تقع جمع شمل الشرائح و الأطراف و الجماعات الکوردية و يجب عليها أيضا نکران الذات و التسامح فيما بينها و التنازل للبعض و تجنّب لوي الأذرع.

 

fahmikakaee@yahoo.se