الاخوة (الكوردية – العربية) بين الوهم والحقيقة !!

نوري بيخالي/كاتب صحفي – كوردستان

   

 

ارى ومن الضروري البدء من انفسنا ككورد ، ومن ثم التطرق الى الاخر. لانه بدون الرجوع الى الذات، و العثور على العاهات التي نعاني منها بغية علاجها، والوصول الى سر العلة التي تعرقل حركتنا من التقدم، وجعلتنا نراوح ولأمد طويل في مكاننا ، من الصعب العبور الى الاخر ، الذي يختلف عنا تاريخيا و اجتماعيا و دينيا ….الخ.

كثيرا ما تتردد على الاذهان ، ونسمعها بالذات من السياسيين ، او ربما نراها عند قراءتنا لكتب التاريخ والسياسة، تلك المقولة المشهورة ، التي مفادها : ان ما يربحونه و يحققونه الكورد من خلال الكفاح المسلح والمقاومة ، سرعان ما يخسرونه على طاولة المفاوضات ، هل حقا هذا صحيح؟؟

اظن وبالمراجعة الى تاريخنا السياسي المرير ، ومراحل نضالنا من اجل التحرر ، نجد ان المقولة هذه تنطبق كلا بشكل او باخر على التجربة السياسية الكوردية ، وباعتقادي سر ذلك يكمن فى السذاجة السياسية و المبالغة في المجاملة عند الكورد تجاه الغير ، وابداء حسن النية تجاههم ، وكذلك قناعتنا المتواضعة ، الاحادية الجانب بالاخاء الكوردي – العربي ، حيث جعلتنا اسير تلك الاوهام ، وبالتالي ظهر باننا لسنا اخوة فقط ، بل اقل شأنا من ان نكون اشقاء ( رفقا بموقف هادي العلوي وقلة قليلة من الذين شاركونا المعاناة ، سياسيين كانوا ام مثقفين وغيرهم من العرب).

تجربتنا مع الاخر تجربة مرة (بضم الواو) ، لقد كنا ولازلنا فريسة خدع ذلك الاخر الذي يهدف من وراء شعار الاخوة تضليلنا و تمويهنا و صهرنا في بودقة قوميته ، وبالاحرى ادعاء هذا الاخر بالاخوة ليس الا  ( كلمة حق يراد بها باطل) ، بمعنى اخر مازلنا نخوض مباراة نحن الخاسرون فيها ، هم المخادعون ونحن المخدوعون تحت ذريعة القاسم المشترك ( الاخوة الدينية) ، التي يبغون من وراءها (غاية في نفس العروبة – عذرا يعقوب).

 نحن نجامل ونغازل اخرا لا يهمه ما نعنيه ، بل الاهم لديه هو تفريغ شهواته الشوفينية ، و يكرس كل طاقته من اجل اشباع غريزته التسلطية …ذلك الاخر الذي حاول وظل يحاول وبطرق مختلفة ، تارة مباشرة ، وتارة اخرى غير مباشرة لصهرنا ، واستسلامنا الى القدر الذي رسمه لنا، كي نعيش اسير الخدع واقاويل الاخوة الباطلة ..تلك الاخوة الفارغة من معانيها الانسانية والنبيلة ، التي لم نجن من ثمرتها سوى الاهانة والابادة والقمع والاظطهاد، حيث استخدم الاخر هذه الاخوة كسلاح فعال لتهميشنا و استعبادنا ، والحقيقة التاريخية تقول لنا ، اننا وعبر التاريخ لم يجمعنا شيء مع هذا الاخر ( حضاريا – دينيا – ثقافيا)، حتى الطبيعة و اللغة لا تجمعنا . بل الذي اجمعنا ، وبالاحرى الذي اجبرنا (بضم الواو) على الجمع ، هو منطق القوة والابادة الجماعية و التسلط الشوفيني للقومية المتسلطة على مدى اكثر من ثمانين عاما ، جراء المؤامرات الدولية والمصالح الاستعمارية . ذلك الاخر الذي لم يتفاخر ولو للحظة بالرابطة التي  انتجوها قسرا  ، والاكثر من ذلك استفادوا من سذاجتنا و تواضعنا ، بل و جهلنا بلعب السياسة ، حتى اوصلونا الى هذا المأزق،  .

هناك حقيقة وان كانت مرة ، لكن ولابد ان نعيها نحن ككورد، كذلك العرب ، وهي : لا تقتصر القضية الكوردية ، وشكواه مما لاقاه من الظلم والمعاناة و الويلات على مفهوم ( الكورد وسياسات البعث) ، بل المعادلة اكبر وابعد من ذلك ، حيث تمتد الى جذور الشوفينية العربية التي انتجت البعث  ومن على شاكلته . اي ان البعث نتاج تلك البيئة والثقافة والخلفية الايديولوجية التى تربت عليها اجيال متتالية، ولا تزال تنبت اجيالا اخرى ، وبرؤى مختلفة عن البعث ، لكن بنفس الروح العروبوي ، الذي لا يقبل بثقافة اخرى حوله ، وداخل ما يسمونه هم بالوطن العربي ( لانه تاريخيا وجغرافيا كوردستان لم تكن جزءا من تركيا وايرا والوطن العربي ولا يمكن فرضها ، لان واقع المؤامرات الدولية والمصالح الاستعمارية انتجت التجزئة ، ولا يمكن استمرارها ، ولابد ان تتغير خارطة المنطقة ، وهي ليست اكثر قدسية من المانيا و يوغسلافيا و تشكسلوفاكيا وحتى الاتحاد السوفياتي السابق……).

نعود ونقول ، بان ما ألت اليه نتائج الثورات والانتفاضات الكوردية عبر التاريخ ، هو استسلام الكورد لقدر المفاوضات ، وتقديم انجازات المقاومة الكوردية كطبق على طاولة المحتلين والاعداء . وكانت النتيجة الخسارة ، ولم تنبت تلك التجارب سوى الندم ، ولم تثمر لنا عدا النكبات والويلات، حيث ذاق بها الكورد ذرعا ، والمحصلة النهائية كانت اعادة سيطرة المحتلين على الوطن والشعب، دون ان تتحمل القيادة الكوردية المسؤولية التأريخية لتلك العواقب والتضحيات ، ولازالت القيادات السياسية الكوردية مستمرة في خوض هكذا مباراة خاسرة مع الاخر الذي لا يعترف بشيء للكورد ، سوى الاستسلام ، وفرض هيمنتها على الارادة القومية والوطنية الكوردية ، مباراة ومحاولات باءت جميعها بالفشل ودفع الشعب الكوردي ثمنها. وها نحن نكرر ونؤكد مرة اخرى على الاخوة التأريخية ، ونغض العين عما يأخذه الاخر من مواقف مشكوكة و مشبوهة تجاه قضيتنا ، ويستند الى الديمقراطية كحيلة ( وليس ايمانا بها) للوقوع بنا فى فخ العروبة ، الذي نصبه لنا مغطيا اياه بالشعارات البراقة … فموقفهم حيال الفدرالية وقضية كركوك والمناطق الكوردستانية المستعربة واعادة المهجرين الى ديارهم لا يختلف كثيرا عما رأيناه من البعث والانظمة التى سبقتها ، لكن برؤية وطريقة ووسيلة اخرى ، تختلف تماما عن اساليب البعث من حيث التطبيق ، لكنها تطابق معها من حيث المغزى و المراد . لذا اعود واقول لم هذا الانخداع ودون اخذ العبر من التجارب ؟ لم نقدم ما حققناه نتيجة التضحيات البشرية والمادية الجسام ، منجزات هي نتاج المقاومة التأريخية و الانفال و القصف الكيميائي و هدم القرى و تشريد اهاليها، كطبق مطبوخ على صحن من الذهب لخلفاء لايختلفون عن اسلافهم سوى في الشعارات و طرق يأدية الواجب العروبوي؟!