قلق الشارع الكوردي !

خسرو بيربال

   

 

إن قرار المشاركة الفعالة للقوى السياسية الكوردية لبناء العراق الفدرالي لم يكن إلا قراراً جدياً من قبل شعبنا المناضل في سبيل كافة حقوقه القومية و السياسية و الاجتماعية و مع ذلك أدركنا مدى العذاب اليومي والآلام المستمرة التي عانى منها الشعب العراقي كافة تحت نير ظلم وجبروت  واستبداد نظام الحزب الواحد / النظام البعثي /, وعندما تخطى ذلك الظلم و الاستبداد حدود الإنسانية و موازين الحق  أراد الله أن يسقط النظام الفاشي الذي لم يشبع من سفك دماء الأبرياء من أبناء الشعب العراقي و العربي عامة و الشعب الكوردي خاصة, وبمشاركة مباشرة لقوات بيشمركة كوردستان الأبطال و قوات التحالف انتهى الكابوس الصدامي البعثي و سقط نظامه الدموي إلى الأبد, بسبب التجارب القاسية و المرة السابقة التي عايشها الشعب العراقي و كذلك عدم وجود ضمانات من قبل الاخوة العرب العراقيين كان قرار بناء العراق الفدرالي الجديد قراراً صعباً و كذلك مهمة الدفاع عنها كانت أصعب و من بين هذه الصعوبات و المواقف المتأزمة انبعث شعاع الحكمة من لدن القيادات السياسية الكوردية , لإرضاء الشارع الكوردي في هذه العملية السياسية و تبديد غيوم القلق الذي تلبد في صدور الكثيرين من أبناء كوردستان إثر خوفهم على ضياع المكاسب التي اغتنموها بعد مسيرة طويلة نضالاً و مقاومة بقيادة البارزاني الخالد ومن بعده إدريس الخالد و اليوم لا ضير أن يحذو الرئيس مسعود البارزاني خطاهما بجلالٍ و إكبار  .

لقد تشكلت الحكومة العراقية الجديدة , بمشاركة واسعة من القائمة الكوردستانية و هي قائمة معروفة بتجارب أصحابها و اتجاههم السياسي الكوردي على مدى عقود من الزمن تجارب و خبرات تكفي لخدمة كل العراق , ابتداءًًًًًً من كوردستان حتى أخر مدينة عراقية في أقصى الجنوب .

 

بالأمس كان الشارع الكوردي قلقاً , ولكن اليوم هذا القلق تعدى الشارع و دخل أروقة و دهاليز و مكاتب الأحزاب الكوردستانية و القيادات الكوردية التي تنظر إلى هذا القلق بعينٍ فاحصة و بحثٍ دقيق عن الأسباب التي تجعل بعض القيادات السياسية العراقية تغير في سياستها و تصرفاتها  تجاه الفدرالية و الديموقراطية...

 

 كل العيون الكوردية تنظر اليوم نظرة واحدة و موحدة إلى العملية السياسية في العراق , و بحذرٍ شديد تراقب القرارات و المواقف السياسية بغية تحقيق المطالب الشرعية لشعب كوردستان , و ترسيخ النظام الفدرالي الديموقراطي من زاخو في أقصى شمال كوردستان حتى البصرة في أقصى جنوب العراق .

كان بإمكان الشعب الكوردي أن يديروا الظهر للعراق و شعبه المظلوم بعد الانتفاضة المجيدة في عام 1991 ويرسم حدوده الإقليمية , و يسعى جاهداً بأن يعرف إقليم كوردستان كوحدة جغرافية مستقلة و هذا حلم كبير من أحلام الشارع الكوردي و أمنية كبيرة طالما تمنوا تحقيقها على أرض الواقع , لكن القيادات السياسية كانت حريصة و مجاهدة للحفاظ على أمن و سلامة المنطقة بأجمعها وليس فقط العراق ,أدركت القيادات الكوردية بان التحولات و التغيرات كانت مفاجئة عنيفة ,لكن الشعب العربي لم يكن مهيئاً لاستقبال رياح هذه التحولات و التغيرات كان يحتاج  إلى الوقت و التجربة لفهم متغيرات المنطقة و تحولاتها الكبيرة على الساحة السياسية الإقليمية و الدولية..., حينها أعطينا الشعب العربي الوقت الكافي للاستدراك و الفهم للتأقلم مع المتجددات , و بعد السقوط التاريخي لبغداد و نظامه الدموي , كانت القيادات الكوردية- و في مقدمتهم الرئيس مسعود البارزاني - المهندس الأول لعملية المصالحة الوطنية بين الجميع ..ولا بد لمثل  هذا الموقف الآثر أن يكون مكلفاً جداً على سيادته حيث انعقد الكثير من المؤتمرات الكبيرة لجعل الطريق سالكاً و آمناً للمصالحة الوطنية و ذلك عبر دعواته المتكررة للمشاركة بأوسع نطاق في تمتين الحوار السياسي و المصالحة الوطنية كي يعم السلام في جميع أنحاء العراق .

 

لا يمكن لأية جهة واحدة اليوم أن ينتابه الشك بنية الكورد في البناء و المشاركة الجادة لإعادة بناء العراق الفدرالي الجديد , العراق الديموقراطي, العراق الحر و الشامخ أبداً ,و هنا أخص الجهات السياسية العربية عامة و العربية العراقية خاصة أن يبعدوا الشك عن أفكارهم , لأن النية صادقة تماماًً,لهذا يمكننا القول أن الكرة تصول و تجول في ملعب القوى العراقية الأخرى ..

 

لقد تمكن الشعب الكوردي خلال أربعة عشر عاماً مضت من إغناء تجربتهم  في العمار و البناء و أمور السياسة و الدولة ...؛ نعم ... كانت لنا تجربة غنية و مميزة تخطى صدى ديموقراطيتها الفريدة حدود العالم و أثرت بشكل مباشر على دول الشرق الأوسط... و يمكننا أن ننقل هذه التجربة إلى بغداد و ذلك للاستفادة من الخبرات والطاقات المعرفية في كيفية إدارة الأساليب المؤسساتية و بالتالي إدارة الدولة الجديدة في بغداد.

لكن !اليوم وبعد إجراء الانتخابات الوطنية , يتأجج قلق الشارع الكوردى و يفور من فوهاته المغلقة و الأسباب الحقيقة لهذا القلق هي :

          1- إن اختيار النظام الفدرالي الديموقراطي مطلب شعبي و كوردستانى و ليس مطلباً لجهة سياسية كوردية .

2-  نلاحظ بان الإعلام العربي العراقي لا يعطي الأهمية لهذا المبدأ و كلمة الفدرالي الديموقراطي- قد غاب عند رئيس الوزراء العراقي !!وكيف تردد عند الوزراء ؟! .

3- موضوع  مدينة كركوك  لم يحل بعد , ويعتبر هذا الموضوع القلب النابض للقضية الكردية في كوردستان العراق ... هذه المشكلة غير مفهومة بعد عند العرب , فما بالك بأنها غير محلوله !! .

إن الكورد مؤمنون في مشاركتهم و دورهم في عملية بناء العراق الجديد , لصنع السلام الوطني و بناء الدولة العراقية  , ولكن يجب احترام توجهاتهم و نظامهم و شروطهم في هذه العملية و إلا , فان حتى القيادات السياسية الكوردية بشقيها الديموقراطي الكردستاني والوطني الكوردستاني , سيجدون أنفسهم أمام مطلب شعبي واسع للاستقلال و قطع الصلة مع بغداد !

إن المشاركة الكوردية صادقة و جدية و وطنية سخية, لبناء العراق الجديد , ولكن بالمقابل نحن ننتظر من القوى السياسية العربية – العراقية – التعامل بالمثل و احترام حقوق الشعوب و القوميات الأخرى الغير – عربية في العراق.

و ليتأكد الأخوة العرب عامة و العراقيين خاصة بأن الكورد الذين أسقطوا الطغاة بدمائهم و أرواحهم لن ينسوا أخوتهم و أصدقائهم و يكفي بغداد الرشيد فخراً أن العيون التي تسهر لأجلها تشرق من( سرى بلند) عيون الفارس المشتعل بنور الأبطال الرئيس مسعود البارزاني هذا القائد الذي لا يتنازل عن ( بيشمركيته ) أمام أي لقب أو منصب الذي  يسهر على حقوقنا الوطنية و القومية,نحن أيضاً يكفينا فخراً  أن كل العيون تنام لكن عيون الرئيس مسعود البارزانى لا تنام تطرد النوم من بين جفونها كي تبقى صاحية مع سهد الليل حتى لا يعشش القلق أكثر في قلب الشارع الكوردي , عيونه المتوهجة أبداً كما تتوهج عيون الصقور لا يرف لها جفن حتى تراقب أبناء السلام من أجل السلام ...

 

خسرو بيربال  / اربيل

Pirbal@hotmail.com

 

سري بلند  / منتجع الرئيس مسعود البارزاني, رئيس اقليم كردستان