سيكتب الشيوعيون عن مآثركم وشهامتكم وتضحياتكم

أحمد رجب

   

في 26/6/2004 وعلى وقع رنين التلفون نهضت مبكراً من النوم لأسمع من الحبيبة الغالية فيان بنت أختي العزيزة الشيوعية فوزية رجب صوتاً وبكاءً وخبراً مؤلماً من أربيل بوفاة والدها صديقي في الحياة ورفيقي في الحزب الشيوعي العراقي بحادثة إنقلاب سيارته على الطريق بين كويه وأربيل، عند زيارة الوالد للمقبرة التي تضم والدته وزوجته وعدد من أفراد عائلته في 25/6/2004  نعم لقد توفي القائد النقابي البارز والشيوعي المربي والشخصية الوطنية حسين نادر الذي عرف في أوساط أقاربه ومعارفه ورفاقه بـ ( مصطفى شواني ).

ولد الفقيد في بغداد عام 1931 في عائلة عمالية كادحة، وكان منذ صباه شوكة في حلق أعدائه وأعوان الأنظمة الفاسدة التي تعاقبت على حكم العراق. وأعتنق منذ البداية من حياته الفكر اليساري، وعند قيام ثورة 14 تموز عام 1958 انتمى إلى الحزب الشيوعي العراقي.

تعرّض الرفيق حسين نادر إلى الطرد من الوظيفة عدة مرات، وإلى الملاحقات من قبل أجهزة الأمن والإستخبارات العائدة للأنظمة الدكتاتورية، وتم إعتقاله ليعيش سنوات طويلة من عمره في السجون العراقية المختلفة منها على سبيل المثال سجون السليمانية، بغداد، بعقوبة، الرمادي وقصر النهاية وغيرها.

امتاز الرفيق حسين نادر طيلة حياته بالنشاط والحيوية، والسمعة الطيبة والعلاقات الإجتماعية الواسعة، وكان وجهاً عمالياً محبوباً، وقائداً نشطاً في العمل النقابي، ورمزاً يحتذى به في العمل التنظيمي للحزب، وقد تصّدى للإنقلابيين وزمر البعث عند قيام مؤامرتهم الدنيئة في 8 شباط الأسود عام 1963 من خلال توزيع نشرات وبيانات الحزب التي كانت تندّد بالإنقلابيين، وتوجيه الجماهير وإرشادها للوقوف بوجه أعداء الحزب والشعب من الإنقلابيين الفاشست، ولكن حقد البعثيين والإنقلابيين الموتورين زاد على الشيوعي والنقابي حسين نادر وتمّ إعتقاله ليتعرّض إلى أشّد أنواع التعذيب من قبل دوائر الأمن القمعية وعصابات الحرس القومي المجرمة، إلا أنّ الشيوعي والقائد النقابي صمد بوجه الجلادين صموداً بطولياً وأسطورياً متحدياً هؤلاء المجرمين القتلة.

في عام 1967 وبناءً على طلب الحزب رافقته إلى شركة نقليات النجف في بغداد وودعته ليذهب إلى الكويت، ومن هناك وبالإتفاق مع الرفيق ( ر.ح.ق ) الذي استشهد فيما بعد يدبّر أمر سفره إلى جيكوسلوفاكيا، وعند وصوله العاصمة براغ، ارسل لي رسالة وكنت آنذاك في السنة الأخيرة من الدراسة في ثانوية الشعب في باب الشيخ ، وذكر لي الإشكالات التي تعرّض لها في مطار نابولي في إيطاليا لوجود خلل في جواز سفره ( المزوّر ) أساساً، وعن كيفية التخلص من تلك الإشكالات بذكائه وفطنته، وكتب لي عن جمال العاصمة الجيكية وعن طيبة سكانها.

بعد شهر سافر من جيكوسلوفاكيا إلى الإتحاد السوفيتي حيث أرسله الحزب للدراسة في معهد العلوم الإجتماعية في موسكو. في عام 1968 وبعد إنهاء دراسته عاد إلى أحضان الحزب والشعب.

كان رفيقاً دؤوباُ في العمل، ومرشداً قلّ نظيره، ومتواضعاً في تحركاته وأسلوب حياته، يسهر على وحدة الحزب وتماسك رفاقه، يخدم الآخرين، وكان هادئاً يكره الذات، ويمتاز بخصال عديدة وفي طليعتها انّه كان دمث الأخلاق، نزيهاً في التعامل، صادقاً مع الآخرين، مدافعاً عن الحق، كارهاً التسّيب والليبريالية في العمل الحزبي.

نعم أيهّا الشيوعي، لقد غادرتنا إلى الأبد، ولكن لم تغب، ولن تغيب أبداً عن فكرنا وقلوبنا، والجميع يرددّون أسمك، ولا يزال الأقارب والأصدقاء والرفاق يتّذكرون البسمة التي كانت ترتسم دائماً على شفتيك.

إنّ رفاق دربك اليوم يكتبون عن مآثرك وشهامتك وتضحياتك، وتضحيات عائلتك، وإنّك حاضر في ضمائر الأقارب والأصدقاء والرفاق، وهم يستلهمون من ذكراك المآثر الثريّة ونصائحك لخير الانسان وتقدّمه.

في العام الماضي وقبل أن ترحل اتفقت معك قبل السفر إلى كوردستان بأيام بأنّنا سنلتقي ونتحدّث معاً ونعيد ذكريات سنوات النضال، ونشّد الرحال لزيارة الأهل والأقارب الذين تمّ ترحيلهم قسراً من قبل النظام الدكتاتوري الساقط إلى بغداد ووسط العراق، ونعود لنزور كوردستان والطبيعة الجميلة الخلاّبة، وبشرط أن نجلس معاً في سرجنار لنتذّكر صيف عام 1958 كمحطة أولى في النضال في صفوف الحزب الشيوعي العراقي.

نعم وحسب الوعد وصلت كوردستان في العام الماضي، ولكن لم تستقبلني، فكان الألم والمرارة من نصيبي، ولولا رفاقك وبناتك وأولادك ما كنت أستطع أن أحضر مراسيم الذكرى الأربعينية لرحيلك.

في العام الماضي وفي عز الصيف وارتفاع درجات الحرارة حضرت وسكرتير الحزب الشيوعي الكوردستاني، وأعضاء في المكتب السياسي واللجنة المركزية ورفاق المنظمات الحزبية من أربيل والسليمانية وكركوك ومنظمة دربنديخان الباسلة وجمع غفير من الشيوعيين والوطنيين وجماهير الشعب مع الأهل والأقارب إلى مقبرة كاني سارد في دربنديخان.

نعم أيها الأخ وأيها الشيوعي حضرت المراسيم، وقد تحدثت بإيجاز عن بعض الذكريات والمحطات في حياتك وحياة رفيقة دربك الشيوعية الباسلة المرحومة فوزية رجب، تحدثت عن سيرة حياتك في كركوك وخانقين والهنيدي وبغداد والحبانية والسليمانية، تحدثت عن النشاطات الحزبية والنقابية عندما كنت في معمل سمنت سرجنار وتعرضت إلى مخطط قذر، وإلى كلام بذئ وإهانة من قبل إدارة المعمل والمحافظ الذي أصبح فيما بعد من مرتزقة نظام صدام حسين الدموي لثنيك عن مهامك وعملك بين صفوف العمال، ولكنك كنت الأقوى بمبادئك وشيوعيتك ورجولتك حيث لم تخضع للإدارة، ولا للمحافظ، الأمر الذي أدى إلى فصلك ومن ثمّ إعتقالك. وتحدثت وقلت: إنّه القدر، تزور المقبرة في 25/6/2004 حياً، وانّها الفاجعة الكبرى أن تعود للمقبرة ذاتها بعد يوم واحد في 26/6/2004  لتنام إلى الأبد بجوار والدتك العمة هيبت، وخالتك أمي، وزوجتك ورفيقة دربك أختي الكبرى الشيوعية فوزية رجب، وإلى جوار أخوتك وأخوتي محمد رجب، والنصير الشيوعي ابراهيم رجب.

أن رحيلك وفقدانك أيّها المناضل الجسور، وفي خضم هذه الأيام القاسية والظروف الحرجة التي تواجه شعبنا التوّاق لبناء عراق ديموقراطي تعددي فيدرالي متحد يحقق طموحات شعبنا الكوردي في الفيدرالية خسارة كبيرة.

تحية إجلال لذكراك وذكرى الخالدين.

                                                           24/6/2005