کرکوك .. و تسقي الجُرحُ خنجراً* 

فهمي کاکه‌يي

   من أدب الجبل

 

لا تزال وجوه النساء اللواتي کنّ يقصدن (باوه‌ گورگور) فرادی و مجموعات، طرية في ذاکرته، نابضة بالحياة. و لا تزال ذاکرته تتمعّن في الخشوع و الرجاء الغائرين بعمق في عيونهن: خشوع لذکری ذلك (السلف الصالح) الذي لا يزال نوره يضئ المدينة، و رجاء في أن يمنحهن الخصب و الحياة، و کل واحدة تجاهر بالقول: (يا باوه‌ گورگور، أتيت بإندفاع.. أتيت طالبا ولدا). وجوه الصبية الذين يراقبون عن بعد ناره المقدسة التي تمد ألسنتها نحو السماء – و کأنها تنقل سيل الدعاء بإستمرار– لا تزال تستفئ بجلال الحيرة و الرهبة المزينتين ببرائتهم.

هذه هي  ميثولوجيا المدينة و خصوصيتها، و هي إذ تنبع من نظرة بسيطة، إلا أنها عميقة عمق الحياة نفسها، تمد جذورها إلی حيث تنجلي ديمومة المجتمع الإنساني. فـ (باوه‌ گورگور) يکاد يتجاوز محشر الإنس و يصل إلی مصاف الآلهة، و الألوهية کامنة هنا في رد العقم و الفناء. و کم تبدو هذه النظرة قريبة إلی النفس، معبرة و بسيطة.

....

تدور الدائرة، فيستقر في الجرح صدأ التأريخ.. و تدور الدائرة فتدور معها الشمس قرصا شبه محجوب، باهتا.. و يعود باوه‌ گورگور شيخا بلغت به الجرح مبلغ العمر، تنخر حتی العظام. و تدور الدائرة فتقرع الأجراس.. يقف الموت علی قدميه، يقذف شررا حيث يشاء. و تدور الدائرة.. يجتاح طوفان الدم الأزقة و الميادين فالبيوت. تحجب غيوم سوداء وجه السماء.. و هل ستشهد خارطة العالم أرضا بلا سماء!؟

تنقشع الغيوم شيئا، لا تلبث أن تتلبد السماء بغيوم أکثر قتامة، إنها الفاشية في جولتها الثانية، إنها الحرب، و إنه لدمار (لو تعلمون عظيم). فاستقبل يا (باوه‌ گورگور) أسراب المقاتلات و نيرانها.

إنها الفاشية.. تود أن تجتث الإنسان من أرضه، و قد مد جذوره فيها حتی القلب.. فتحلّ يا (باوه‌ گورگور) بصبر أم أبعد رضيعها عن صدرها. إنها الفاشية، تجعل (أعزتك أذلة) تمرر يداً سوداء علی الخارطة، فتمسخها، أتغترب عن ذاتك!؟

في الجولة الأولی، حين حاولت الفاشية إغتيال الأدب و الشعر في شخص شهدائك (الشيخ معروف البرزنجي) و (عطا جميل) أصبحت أنت الشعر، و کان سيف لسان (الشيخ رضا الطالباني) حاضرا حضور نارك الأزلية. فما الذي يجيش في صدرك اليوم!؟

هذه خارطة الدم، مجّدتها قرون من الأخوّة و التضحيات المشترکة، و هي‌ عصاك التي تتوکأ عليها و هذا نبض القلب يسري موحدا في القلوب الکوردية، الترکمانية، العربية، الآشورية، فيوحدها و يتوحد بها.. فهل إستسهلت ظل خنجر يقطع الشريان الأبهر فيك 

فيك و عن بعد تتراءی لنا نارك، و ما أروعها، تکتب أسطورة الدم و الثورة.. فما أشبهها ببنادقنا.. تتراءی لنا نارك ترجم الغيوم السوداء بحمی لهيبها، فما أشبهها ببنادقنا .. تتراءی لنا نارك قوية مجسدة سر التاريخ و دورته، و کأنها تقول (إن موعدهم الصبح، أليس الصبح بقريب!؟) و ما أشبهها بتفاؤلنا.

نراك و ترانا.. و في جرحنا خنجر يکبر، و في قلبنا حقد مقدس ينمو، و في عيوننا ثمة شوق إلی الشمس يحدو بنا نحو الذری، و في أيدينا ثمة بنادق لن تهدأ حتی نلتقي.

و نلتقي.. لا بد إنا ملتقون.

 بقلم/ هيئة التحرير 

مجلة هه‌لمه‌ت (الوثبة)  خريف 1985

    * أکرمنا الکاتب الکوردي المبدع دانا جلال بمقالته (أدباء الجبل، غربة الکلمات و أحزان جبلية) قبل أيام فأحيا فينا ذکريات الماضي بکل ما فيها من حلاوة النضال و قساوة الظروف التي کنا نعيشها. المقالة أجبرتني أن أنبش في الماضي من خلال البحث في (الدفاتر العتيقة) فوجدت بين يدي العدد الأول من مجلة (ثقافة الأنصار- روشنبيري پيشمه‌رگه‌)، و هي (المجلة الفصلية لرابطة الکتاب و الصحفيين و الفنانين الديمقراطيين – الأنصار) الصادرة في أيلول 1984، و المجلة هذه کانت تصدر باللغتين العربية و الکوردية من قبل الکتاب و الإعلاميين التابعين لأحزاب الجبهة الوطنية الديموقراطية (جود)، و کوفاء للکتاب الذين شارکوا بموادهم في هذا العدد أدرج هنا فهرستا بتلك المواد:

 

باللغة العربية

هيأة التحرير    إفتتاحية-الأنصار و الثقافة /                           

عزيز عقراوي يتحدث لثقافة الأنصار/        أجری اللقاء أبو أمل

المسرح- فن و ممارسة في قواعد الأنصار/                أبو واثق

لمحات تمهيدية حول گوران/                                  سيروان

القانون في ظل الأجهزة الدکتاتورية الفاشية/               أبو أسيل

ممنوعات – قصة قصيرة/                             الشهيد أبو ظفر

ست قصائد/                                                      أبو أمجد

المسير – قصيدة/                                                 هندرين

عرض الکتب:

في التنظيم السياسي و الإجتماعي في کردستان/              شفان

شعب بلا وطن – الکرد و کردستان/                           شفان

بيان بمناسبة يوم المسرح العالمي

العدد السابع من مجلة (البديل)

تقارير... بهدينان – السليمانية و کرکوك – أربيل

نشاطات الرابطة في الخارج

من نتاجات النصير أبو سوزان

 

باللغة الکردية

هيأة التحرير    إفتتاحية-الأنصار و الثقافة /                          

أزمة الثقة بين المثقفين/                                        أبو آلان

هناره‌/                                                                بوتان

الخنادق/                                                       ب. گوران

العبور/                                                            ئاسايش

نتيجة الأنانية/                                                         دانا

شاملو – شاعر السجون/                                         به‌روژ

الثلج الأحمر/                            ف.ك. هشيار (فهمي کاکه‌يي)

نسمع.. أنك متعب/                                               بريشت

مرثية شهيد/  ترجمة: ف. کاکه‌يي (فلك الدين کاکه‌يي و فهمي کاکه‌يي)

کما أن فرع کرکوك و السليمانية للرابطة المذکورة کان يصدر مجلته الفصلية بإسم (هه‌لمه‌ت، الوثبة)، حيث کان الکثيرين من الکتاب و المثقفين يشترکون في إصدارها، أذکر منهم: من الحزب الشيوعي العراقي، الکاتب عبدالله قرداغي(فاضل)، الأستاذ أحمد رجب، الرسام علي خانقيني، مجيد مريواني  و  حميد الخطاط (مرشد الوندي) و قد توفي في السويد قبل عام، و من الحزب الديمقراطي الکوردستاني  الشهيد ماموستا رنجبه‌ر (علي مشير کاکه‌يي)، ماموستا ريبوار(خالد)، ماموسا سيروان کاکه‌يي (سرتيب محمد حسين، عضو الجمعية الوطنية حاليا)، خالد کاکه‌يي و کاتب المقال، و من الحزب الإشتراکي الکوردستاني (حسك) الشهيد حمه شوان و من الحزب الإشتراکي الکوردي (پاسوك) شيرکو (ويل).  

کرکوك.. و تسقي الجرح خنجرا، هي مقتطفات من کلمة هيئة التحرير  للعدد الثاني من مجلة هه‌لمه‌ت/ الوثبة، الصادرة في أيلول 1985

 

من اليمين: الشهيد سيد فتح الله کاکه‌يي، عضو عامل للفرع الثالث/ حدك

الشهيد آزاد قرداغي، مسؤول الفرع الثالث، عضو اللجنة المرکزية/ حدك

فهمي کاکه‌يي، عضو عامل و مسؤول الإعلام للفرع الثالث/ حدك

شيرکو (ويل) من إعلام الحزب الإشتراکي الکوردي (پاسوك)

الأستاذ القدير أحمد رجب، کاتب و صحفي من إعلام الحزب الشيوعي العراقي

(الصورة مأخوذة في مقر الفرع الثالث للحزب الديمقراطي الکوردستاني، صيف 1984)

 

فهمي کاکه‌يي

السويد 2005-06-04

 

fahmikakaee@yahoo.se