القوى اليسارية والديموقراطية في العراق:
اخفاقاتها، مهامها ومتطلبات المرحلة الراهنة
صلاح كرميان/ سيدني

   

germiyan@hotmail.com

 

بالنظر لاهمية الموضوع الذي طرحه موقع الحوار المتمدن واعد له ملفا خاصا به، احاول الاجابة على الاسئلة المطروحة كمساهمة متواضعة مني في اغناء البحث:

ففيما يتعلق بالدروس التي يمكن لقوى التيار اليساري و الديمقراطي العراقي استخلاصها من المرحلة المنصرمة ومنها الانتخابات الانتقالية للاستفادة منها في نشاطها الراهن وفي المشاركة الفعالة في صياغة دستور ديمقراطي علماني مدني للعراق، ارى أن من أهم مهام قوى التيار اليساري والديموقراطي العراقي هو وقبل كل شئ لملمة قواها المتشتتة، التي تدب في صفوفها حالات من التخبط والهزال حيث لم تعد حالة الترقب يهيمن على نشاطات مجمل قوى اليسار فحسب بل اصبح الانجرار وراء بعض الشعارات الواهية والديموقراطية المزيفة التي تحاول امريكا تمريرها في المنطقة لتنفيذ مشاريعها الامبريالية (كمشروع الشرق الاوسط الاكبر Greater Middle East Project ) بغية الحصول على بعض المكاسب الانية من قبيل الاشتراك في العملية السياسية وقبول الادوار الهامشية التي تناط بتلك القوى باسم التعددية والحريات السياسية. ان عملية الانتخابات التي جرت في العراق لاتمت بصلة الى الديموقراطية الحقيقية من حيث الصفقات التي تجرى بين الاحزاب والتيارات التي تهيمن على الساحة السياسية والتي تسير وفق المخطط المرسوم من قبل الادارة الامريكية وتنفذ من قبل تلك الاطراف باتقان تام خدمة لمصالح زعاماتها. ان ما جرى ضمن العملية الانتخابية وفي سياق الوضع الراهن حول كتابة الدستور، لا تخرج من دائرة الصفقات السياسية بين الاحزاب المهيمنة تحت مظلة "التوافق" والتي تعد ظاهرة غير حضارية و تناقض مفهوم الديموقراطية التي يفترض بها ان تكون حكم الشعب من الشعب والى الشعب، وبعكس ما تهدف اليها الديموقراطية فان مجريات الوضع الراهن تؤهل المسار الطائفي والفئوي وترسخ القيم العشائرية والقبلية. وفي جانب آخر،  يلاحظ وجود بعض قوى صغيرة تدعي الماركسية وتنتقد القوى التي تساير الوضع الراهن، بينما تضع نفسها في الموقع القيادي للحركة الشيوعية و نتيجة غرور غير مبرر تبالغ في تضخيم دورها وتحاول نتيجة تخبطها اضفاء الالقاب على زعماتها ففيما هي اسيرة دوغمائية ولا تتعدى نشاطاتها شعارات براقة باستثناء بعض الندوات واصدار بعض النشريات لا يوجد لها اي دور يذكر ضمن الجماهير التي تتجاذبها القوى المذهبية والقومية والعشائرية.

اما بخصوص أهمية وضرورة قيام تحالف لقوى التيار اليساري و الديمقراطي العراقي في المرحلة الراهنة و ماهية تاثيراته على تقارب وتحالف الأحزاب اليسارية والديمقراطية في دول الجوار و الشرق الأوسط، تجدر الاشارة بهذا الخصوص الى أن حالة التشتت والتمزق التي تطغى على قوى اليسار والتي اشرت اليها آنفا تتحتم التحرك السريع لوحدة الصف وتجاوز الخلافات ولو بشكل مرحلي للوقوف امام القوى المتخلفة التي تبث سمومها بين الجماهير وتحاول بشتى السبل السيطرة على العقول و فرض مشاريعها وافكارها ضمن سياق الدستور المرتقب الذي يكون الاساس لكل القوانين والقرارات التي تنظم بموجبها الحياة السياسية والاجتماعية.

ان تبني النظرة الواقعية للوضع الراهن وتفهم التغييرات التي طرأت على السياسة الدولية و التخلي عن الافكار المتقولبة والانفتاح على الافكار والاراء التي تخدم اهداف قوى اليسار بغية التصدى لمحاولات قوى الظلام الرامية الى الهيمنة على المجتمع وتمرير مشاريعها والتي تلقي الدعم والمساندة من القوى الرأسمالية ما دامت لا تعارض مصالحها، تتطلب تلك وقبل كل شئ تجاوز الخلافات الهامشية والتخلي عن النظرة الفوقية وادعاء كل جهة بتمثيلها الحقيقي لمصالح الطبقة العاملة والجماهير وكيل الاتهامات ومحاولة الغاء ادوار الاخرين. واذا ما تم التحالف بين قوى اليسار في العراق على تلك الاسس فانه سيلقى بتأثيره المباشر على الواقع السياسي بظهوره كقوة فعالة تمثل قاعدة جماهيرية عريضة بامكانها فرض مشاريع ثورية وتتصدى للتيارات القومية والطائفية والمذهبية والعشائرية ويطرح نفسه كنموذج واقعي يمكن لقوى اليسار في الشرق الاوسط ان تحذو حذوه كل ضمن نطاق نشاط تنظيماتها السياسية. 

واخيرا ان المهمات الضرورية التي تصلح ان تكون اسسا صالحة للتحالفات بين قوى اليسارية والديموقراطية تكمن في التصدى لقوى العولمة الرأسمالية ومشاريعها في فرض هيمنتها الاقتصادية وحلفائها المحليين من الاحزاب التي تسيطر عليها الزعامات القبلية والطائفية وكذلك التصدى لقوىالظلام التي تتمثل في الاسلام السياسي بشقيها السلفي الاصولي والشيعي التي تحاول فرض الشريعة وادخال فقرة "الاسلام دين الدولة الرسمي ومصدر التشريعات" ضمن مواد الدستور، هذا التصدي يعتبر من اهم المهام الذي يفترض ان يكون الاساس للتحالفات المنشودة، هذا بالاضافة الى مهام تبني القضايا المركزية التي تدخل ضمن برامج عمل تلك القوى في الدفاع عن مصالح الطبقة العاملة والوقوف ضد القوانين والقرارات الجائرة التي تقيد الحريات السياسية والفردية و تهضم حقوق المرأة وترسخ مفاهيم الاستغلال والهيمنة على اكثرية الشعب.

 

21/6/2005