التوقيع أنثى*
فينوس فائق
اسئلة في الثقافة هل سأل أحدكم نفسه: ماذا يعني أنني مثقف؟ أو ما الجدوى أنني مثقف؟ حتى أنا لم أطرح يوماً هذا السؤال على نفسي ، متصورة كوني مثقفة فذلك يكفي لأن أجيب على تساؤلات أخرى ، اي أن الثقافة هي الكفيلة بأن تجيب على تساؤلات الحياة ، لكن ما هو الجواب على ما الجدوى من أنني مثقف ؟ هذا السؤال طرحه علي صحفي سعودي بعد قراءته لكتاب (كي لا نستسلم) الذي صدر عام 1994 و يحوي حوارات جرت بين الفيلسوف الفرنسي ريجيس دوبريه و المفكر السويسري جان زيلغر ، تناولت مسائل ساخنة تواجه العالم بشكل يومي ، و كتب لي أن أحد فصول الكتاب تناول إجابات الفيلسوفين على سؤال: ما الجدوى أنني مثقف؟ فوصف لي الفصل الخاص بتلك الإجابات بأنه كان حافل بالأفكار و التحليلات و بديهيات متراكمة مما أثار فضولي لأن أجيب على السؤال ، رغم أني شخصياً لم أقرأ الكتاب . لكنني ما أن بدأت بالإجابة حتى وقعت في فخ الأفكار المتتالية و المتداخلة في بعضها شرقاً و غرباً ، و التي أخذتني مرة إلى نظرية الشك عند ديكارت و مقولته المشهورة أنا أفكر إذاً فأنا موجود و ربطها بـ(أنا أفكر إذاً أنا مثقفة و بالتالي أنا موجودة) و لكن سرعان ما طرق سؤال على باب ذهني: و هو هل أن كل من يفكر يكون بالضرورة مثقف؟ و ماهي المقومات الحقيقية لكون الإنسان مثقفاً؟ و من ثم ترى ما الجدوى من الثقافة التي يحملها الإنسان ، و وقعت في مأزق قادني إلى سفسطة لا تنتهي مع نفسي.. صعب علي أن أقرر لما أنا مثقفة أو ما الجدوى من ثقافتي؟ ، كان علي أن أجد تعريفاً شافياً للثقافة ، ليس فقط في القاموس اللغوي و إنما بين دهاليز الأفكار اليومية و الممارسات العادية اليومية لميكانيزم الحياة ، إبتدءاً من الصحو من النوم و حتى تناول الشاي و التعامل مع الناس و التعامل مع كل ماهو موجود على الشارع ، هذا إذا إنتهينا جدلاً من أن الثقافة هي مفهوم شامل يحتوي المعرفة ، العلم ، الدين ، السياسة ، القانون ، الفن ، الأدب ، الفلسفة ، الحضارة و التأريخ و الأخلاق و حتى الطفل و ثقافته المتواضعة و حتى ثقافة الهواء الذي نتنفسه مروراً بكل الثقافات على تفاهتها و حتى الثقافات السلبية في حياتنا من ثقافة عنف و سلطة و مجتمع ذكوري و الأنا و عبادة الذات و ثقافة إلغاء الآخر و...ألخ.. ربما الجدوى من أنني مثقفة هو نفس الجدوى من أنني موجودة ، فأن أكون أو لا أكون ، و بما أنني أكون ، يجب أن يقترن وجودي هذا بشيء نافع يفيد البشرية ، هذا لو أخذنا في الإعتبار أن الثقافة هي هذا الشيء النافع الوحيد الذي يفيد البشرية.. فلو تناولنا السؤال (ما الجدوى أنني مثقف؟) بمعناه التقليدي الكلاسيكي ، سيساوي سؤالاً لن يختلف عنه كثيراً و هو: ما الفائدة من أنني مثقف؟ كأن أقول ما الفائدة من تنظيف المكان إن كان سيتوسخ بعد قليل ، إذا شبهت الثقافة بمكنسة للفكر مثلاً ، إذاً مالفائدة من تثقيف الذات إن كانت هذه الذات تحمل في زواياها مزايا سلبية قد تنال مني أو تتغلب على إيجابيات الثقافة التي بداخلنا أو معرضة للوقوع في الخطأ؟ أو مثلاً ما الفائدة من شرب الماء إن كنت سأعطش بعد قليل؟ إذا شبهت الثقافة بالماء بالنسبة للمتعطش للثقافة ، على إعتبار أن الثقافة سيل من الأمور لا تنتهي إلا بزوال الوجود نفسه ، فهل الثقافة على هذا الأساس بمثابة غذاء الجانب الإيجابي الإنساني و تقويته بداخلنا ، أو تسليح الإنسان ضد سلبيات الحياة و تمييزنا عن الآخرين من غير المثقفين ؟ أم ربما هي عمود من أعمدة كوننا بشر و نتختلف عن باقي المخلوقات ، و نمتلك نعمة النطق ، و إبتكرنا الكتابة و القراءة و دعمناها بالثقافة ؟ لكن هل كل الثقافات مقروءة أو مكتوبة؟ ماذا يعني أن الشعوب تختلف عن بعضها البعض ، هل هذه الميزة تخلقها تعددية الثقافات؟ هل أن ميثولوجيا الشعوب و حضاراتها هي التي تمهد الطريق أمام البشر لأن يكونوا مثقفين؟ و أخيراً هل بإمكان العولمة الإجابة على تساؤلات البشر فيما يخص إشكالية ما الجدوى من أنني مثقف؟ أم أن الثقافة هي الجواب الكافي لكل أسئلة العصر بما فيها أسئلة العولمة و التكنولوجيا؟ * التوقيع أنثى: عمود ثابت خاص بالكاتبة في مجلة الطبعة الجديدة التي تطبع في الإمارات و توزع في العراق و أوروبا.
|