من اجل كوردستان خالي من الارهاب
 

   الجزء الاول: قصة الدين بدايات وافكار

 

ان اكثر ما تخشاه جماعات  الاسلام السياسي هو الخوض في مجريات تأريخ  وفلسفة الاديان,سواء  كان ذلك يتعلق بتأريخ  وفلسفة الدين الاسلامي او الاديان الاخرى , لأن ذلك سيكشف عنها ورقة التوت وتعري توجهاتها الاحادية الجانب  التي تهدف الى تعمية الناس حتى تقبل ومن دون مناقشة او نقد كل اطروحاتها باعتبارها مقدسات لا يصح المساس بها او  مجرد التفكير بها وتناولها بالبحث والانتقاد  لكونها تدخل في باب المحرمات وان العقل البشري قاصر للوصول الى الحقائق( الالهية ) الثابتة والمطلقة,ومن يتجرأ مجرد المساس بها ولو من بعيد فانه مشرك وكافر يستحق عقاب ( الله) وهو اقامة الحد والقتل واباحة دمه بل واكثر من ذلك باعتبارها واجبا دينية مفروضا على كل مسلم ومسلمة اي ان من يتأخر في تنفيذ هذا الواجب المقدس يعد منافقا ضعيف الايمان.

 

لاشك ان الدين هو موروث مكتسب لادخل للانسان في اختياره بل ينتمي اليه وفق طقوس وعبادات خاصة  منذ الصغر وفي مرحلة مبكرة لا تسمح له باي حق في  الاختيار, وحينما يكبر يجد نفسه جزءا من هذا الدين مع كم هائل من التعاليم والطقوس,عليه ان ينقاد الى تطبيقها دون قيد او شرط,وكل دين يعتبر نفسه هو الطريق القويم والغاية المثلى للانسانية  اجمعين ,واعتبار هذه النواميس مسلمات ازلية غير قابلة للتغير وهي صالحة لكل زمان ومكان وانسان,فبالطقوس العبادية يرتبط الانسان بالخالق يشكره  يرد له  بعض افضال خلقه ويعيش في عالم الفضيلة التي سيقوده ايضا الى عالم الخلود والابدية والعكس صحيح ايضا,وتحاول كل الاديان قاطبة ان تمنع  اتباعها من التطلع الى بقية الاديان بنظرة فاحصة وحيادية وهي وان قبلت ذلك وعلى مضض فانها تكون قد غرست في مخيلة اتباعها بان تعاليمها هي الافضل دوما وكثير من الاديان تفرض على اتباعا الذين ينقلبون عليها عقوبات قاسية تصل الى اباحة القتل وبابشع الوسائل العقابية ايضا.

 

ان عالم اليوم لم يعد مقتصرا على افاق ضيقة من الزمان والمكان ولم يعد بمقدور احد ان يحبس الانسان في قاع بئر مظلم ويوحي له ان حجم السماء هو بحجم فتحة البئر,ولذا فان محاولات الظلاميين من قوى الاسلام السياسي التي تحاول الايحاء ان اطروحاتها هي الوحيدة والمثالية في تحقيق العدالة السماوية المفترضة تصطدم اليوم بعالم المعرفة والعلوم والتكنولوجيا  ,فبفضل المكتشفات الحديثة في عالم الآثار وامكانيات التوثيق والتقدير العمري والتأويل العلمي اصبح بالامكان دراسة كل الظواهر الطبيعية والانسانية وباساليب علمية ومتجردة لكشف الحقائق والاسرار وفك الطلاسم والرموز,ومنها ظاهرة الدين في التأريخ الانساني وثأثيراتها سلبا وايجابا بعيدا عن المقدس والممنوع وبعيدا عن الحقائق المطلقة والازلية, وتم اخضاع الاديان كغيرها من موروثات الماضي لدراسات علمية بجوانبها  التأريخية والفلسفية والاجتماعية والسايكولوجية.

 

وقد يتسائل القارئ الكريم وخاصة ونحن بصدد ارهاب الاسلام السياسي في كوردستان ,ما دخل الاسلام في ذلك والمعروف ان الاسلام هو دين الفضيلة والنور والسلام وما دخل بقية الاديان الاخرى في الاسلام واخيرا ما هو الربط بين تأريخ الاديان في الحضارة البشرية وبين الاسلام السياسي والحركات التكفيرية السائدة في العلام الاسلامي والغير الاسلامي؟؟؟  لهؤلاء الاخوة اقول ان الدراسة الجدية والمعمقة لهذه الظاهرة لايمكن ان تتكامل في صورتها الحقيقية دون الرجوع الى اصولها والى بداياتها , فليس هناك ظواهر او افكار منعزلة في العالم عن مؤثراتها الزمانية والمكانية ... والتفكير والخبرة الانسانية على مر التأريخ اما كانت متأثرة بمثيلاتها التي سبقتها او عاصرتها او كانت متماثلة  وبدون وعي واتصال مباشر لانها اولا وآخرا نتاج العقل البشري الجبار وليست الهامات او ايحاءات من( الخالق) عن طريق ( الانبياء والرسل).

 

ان مجرد دراسة محايدة لمختلف الاديان ( السماوية) والوضعية سيظهر لنا وبكل سهولة كيف ان الاساس الفلسفي والفكري بل وحتى نمط العبادات والطقوس هي متماثلة والى حد كبير بين اغلب الديانات , وهذا هو السر من وراء اصرار المؤسسات التربوية في الدول الديمقراطية وبالاخص( الدول الأسكندنافية وبعض الدول الاوروبية) في تدريس مادة التربية الدينية ليس بالاسلوب التلقيني المتبع في بلداننا بل تتم دراسة تأريخ وفلسفة الاديان وبدون تحيز وتمييز وبذلك يكون الطالب امام صورة كاملة عن كل الاديان وفلسفتها والفهم الدقيق لميكانيكية عمل هذه الاديان ودورها في التأريخ والمجتمع وبالتالي لن يتكون لديه ادنى فكرة للتعصب  والتطرف الديني .

 

 

ان الابحاث والدراسات العلمية مستندة الى ما تم كشفه في الحفريات الاثرية وكل ما استطاعت الطبيعة ان تحفظ لنا في ارشيفها الضخم من متحجرات وآثار و معابد وقبور ومدن ومخلفات اثرية وكنوز وكتابات وادوات بل وحتى النصوص الدينية نفسها اضافة لدراسة عدد كبير من طبائع وعادات شعوب بدائية عاشت في اماكن منعزلة في امريكا واستراليا وافريقيا وجنوب شرق اسيا, جعلت كل هذه مجتمعة في متناول علماء الآثار والمثيولوجيا حقائق مثيرة قلبت كل المعتقدات المتوارثة السابقة رأسا على عقب ومنها بطبيعة الحال المعتقدات الدينية هذه المفاهيم الجديدة والجريئة والتي بانتشارها الواسع بين الناس وخاصة في الدول الاوروبية وضع في موقعه الحقيقي الذي يستحق  ونزعت عنها ثيابها المقدسة وجعلت من تعاليمها المطلقة امورا نسبية حالها حال كل الحقائق في التأريخ, قابلا للخطأ والصواب .

 

السؤال الكبير الذي يتعلق بفلسفة الاديان هو من هو الخالق ( الذي يختلف تسميته) وما هي قدراته وامكانياته وصوره ومن يمثله على الارض وتعليماته لبني البشر من دين الى آخر, وهل هو الذي خلق البشر وسائر الكائنات والاشياء ام ان الامر هو بالعكس تماما, اي ان كل مجموعة بشرية وعلى مر التأريخ قد خلقت لها اله  واحدا او عدة آلهة لتفسير الكون والظواهر الطبيعية الاخرى او لتنظيم نمط الحياة المعيشة او اعطاء السكينة للبشر تجاه ظاهرة الموت المرعب؟؟؟ ....

 

ان الدراسة العلمية المحايدة  ترسم لنا صورة مغايرة تماما لكل ما تلقيناها من الاديان والمعتقدات السائدة...وهي ان فكرة الدين وبصورتها البدائية بدأ مع بدأ تطور الانسان الى كائن بدائي متميز عن باقي الاحياء بملكة الادراك والاحساس بالوجود والوعي ( ولو بصورته المبسط)... ووقف مشدوها امام كم هائل من الظواهر الطبيعة الصعبة التفسير , وكان نمط حياته بدائيا مقتصرا على التجوال والترحال في السهول والجبال والبراري بحثا عن ما يمكن ان يسد رمقه اليومي من نبات او حيوان  ولكن هاجس الرعد والبرق والمطر والثلج والشمس والليل والنهار والصيف والشتاء والحيوانات الكاسرة والاعداء من بني البشر ظلت تلازم تفكيره البسيط , اضافة الى  الموت والولادة والنوم والاحلام....كل هذه وتلك جعلته يفكر في وجود قوى جبارة في الطبيعة اكبر بكثير من ادراكه ومن طاقاته المحدودة.....

 

العالم البريطاني الشهير في علم الاجناس (اي.بي.تايلور) يرجح ان ما دفع الانسان في هذه المرحلة المبكرة من تأريخه التفكير في مفهوم العالم الخارجي او ما يمكن تسميته بعالم  الروح  او القوة الغيبية هو ظاهرة الاحلام وظاهرة الشمس طلوعا ومغيبا,ان ظاهرة الحلم قد خلق لديه الاعتقاد بوجود عوالم اخرى غير ما موجود في الواقع اليومي المعاش وبالتالي اصبح عقليته جاهزة لتقبل فكرة الروح, وظاهرة طلوع الشمس ومغيبها اصبحت الاساس للاعتقاد بوجود قوى فاعلة في الطبيعة والتي يمكن لها ان تظهر وتختفي ومن ثم تظهر ثانية(و الليل اذا يغشى والنهار اذا تجلى,) ......ولكنه ظل في هذه المرحلة المبكرة في حياته حائرا ومسلما امره للاقدار والصدف ولم يستطع ان يبلور اية صيغة ولو بدائية لمفهوم الدين , وقد تكون هذه المرحلة قد استغرقت مئات الآلاف من السنين.

 

التغيير( الكبير) الذي طرأ على حياة  الانسان بدأ مع تدجينه لبعض الحيوانات وتعلم الاساليب البدائية في الزراعة وبالتالي الاستقرار النسبي وتوفر المزيد من الوقت الذي اتاح له المجال للتأمل وتنظيم الحياة الجماعية , وقد حدث كل هذا حول الجداول و الانهار وكان ابرزها واهمها  فيما بين النهرين دجلة والفرات  والكهوف والمغاور القريبة من ضفاف الانهار والجداول في جبال زاغروس ,ولذ فاننا نجد ان نوعية تفكير الانسان فيما يخص الجانب الديني والحضاري ايضا قد ارتبطت بشكل جذري بحياته الاقتصادية ونمط المعيشة, ففي الوقت الذي شهدت المواطن الشبه مستقرة على ضفاف الانهار والبحار قيام حضارات عريقة وكذلك بدايات اكثر وضوحا فيما يخص نظرته الى الدين والحياة, فان مجتمعات اخرىتلك التي لم تتوفر لها حياة الاستقرار وظلت على نسقها الاول في الترحال والصيد ولم تستطع لاحقا ايضا استنباط حتى الوسائل البدائية لنقل الافكار عن طريق الكتابة فان اديانها ظلت على فطرتها وساد فيها ظاهرة عبادة ارواح الاجداد وتقوقع الدين في مجموعة كبيرة من الترانيم والاساطير والرقصات   التي كانت تنتقل من جيل الى جيل, وقد وفرت هذه الاديان البدائية( والتي لاتزال بعضها تمارس لحد اليوم في افريقيا واواسط استراليا) لعلماء الاجناس والانثروبولجيا  الكثير مما عززت نظرياتهم ودراساتهم.

 

لقد حاول الانسان  في هذه المرحلة المبكرة من حياته ان يجد جوابا شافيا للاسئلة التي شغلت باله كثيرا واهمها ظاهرة الوجود والموت وما بينهما , اي من اين اتيت ... وكيف ساعيش... واين سانتهي... اضافة الى ايجاد بعض التفاسير للظواهر الطبيعية المحيرة.وقد تولى كبار السن من ذوي الخبرة العظمى في الحياة وبناء على تراكم المعرفة من الجيل السابق وبدورها من الاجيال التي سبقتها تشكيل مفهوم معين حول ما عرف بعدئذ بالاديان والمعتقدات, والتي تغايرت وكما قلت من مجتمع لآخر ووفق السياقات الاقتصادية الحياتية المحددة,والمعتقد الديني استخدم( اضافة الى تلبية حاجات الانسان الفكرية والروحية) , في تنظيم  تفاصيل الحياة الاجتماعية التي اصبحت ضرورية للانسان ,  وكذلك كآلية تحريض و دفاع عن كيان ووجود وممتلكات القبيلة او الجماعة باستخدام ارواح الاجداد او قوة الآلهة الجبارة في اسناد ودعم القبيلة اثناء الحروب.

 

ان مايهمنا في هذا المجال ان نتعمق قليلا  وبناءا على ما متوفر لدي علماء دراسة الاديان المقارن والمختصين بشؤون الاديان من وثائق ومستمسكات عنها( كالكتب الدينية او بقايا مدونة للاساطير القديمة في مختلف الحضارات والترانيم والتعاويذ والطواطم), ونقارن كيفية تناول هذه الاديان والمعتقدات لمواضيع  مهمة تتكرر في كل الاديان  والمعتقدات تقريبا ولكن بصور وصيغ مختلفة ومنها على سبيل المثال وليس الحصر مفهوم الخالق....طرق الوصول الى الخلاص.. الارتقاء بالنفس الى مصاف  الآلهةوتأمين حياة افضل بعد الممات( وهذه جوهر بحثنا في ما يخص ارهاب الاسلام السياسي).....وعلاقة الدين بالحاكم والحياة السياسية.....وساتناول في الاجزاء القادمة الاديان التي سادت في الجزء الجنوبي من الكرة الارضية

وفي منطقة حوض المتوسط وجنوب اسيا وامريكا الجنوبية ....بدءأ بالديانات الخمسة الكبرى ( الهندوسية,البوذية ,اليهودية , المسيحية, الاسلام) اضافة الى الاديان التي اثرت فيها ( الزرادشتية مثلا) والتي تعتبر الدين الام لهذه الاديان, والاديان التي تأثرت بهذه الاديان الخمس وخرجت من رحمها( كالكونفوشيوسية والتاوية والشنتووية, والجينية)....اضافة الى دراسة عدة نماذج من الاديان البدائية من اجل المقارنة والتحليل.وفيما يخص الاسلام سوف احاول ان اتناول ظاهرة الجهاد فيها بشئ من التفصيل لعلاقتها المباشرة بكل ما جرى في كوردستان وما يجري يوميا في العراق او اية بقعة في العلم يطالها ايادي الاسلام السياسي.......

 

صفوت جلال الجباري

 

safwatjalal@hotmail.com