ألا تضرب ترکيا الکورد بالقنبلة الذرية ؟!
محسن جوامير ـ کاتب کوردستاني


المراقب لما يدورامام ووراء کواليس تصريحات الساسة الأتراک ، يجد وکأن ترکيا تجهز نفسها لخوض حرب ضروس ضد شعب کوردستان ... کل مسؤول فيها ( کأنما خر من السماء فتخطفه الطير) ... تسابق وصراع، مثنی وثلاث ورباع... غباء لا يهش ولا ينش... تراهم سکاری "وما هم بسکاری"... رحلات خاطفة، قلوب واجفة واعصاب راجفة... اليوم في واشنطن، وغدا في دمشق، وبعده في لندن ثم في موسکو... لم هذه‌ الصعدة وتلک النزلة، هل وقعت بهم نازلة ام ستقع آجلة أم عاجلة..؟...کيف لا..! هناک متمردون من أبناء يأجوج ومأجوج في شمال العراق { جنوب کوردستان } يريدون أن تکون رؤوسهم رافعة ونريدها خاضعة خاشعة...  إرهابيون يجب أن نقضي عليهم کقضاء أمريکا علی هيروشيما و الطاليبان وصدام... وإلا جاء الکورد بقضهم وقضيضهم للقضاء علی عروشنا ورؤوسنا وصروحنا وديمقراطيتنا التي بنيناها باييد " وإنا لموسعون.."! وفي کل مرة يطفئون نارا، تشتعل أخری " تيتي تيتي، زي ما رحتي، زي ما جيتي".                                              

انني لن أتصدی هنا إلی أطماع ترکيا التوسعية التي ورثتها من غرور السلطنة العثمانية والتی تترکز اليوم في القضاء بالدرجة الاولی علی التجربة الکوردستانية باي ثمن وتحت غطاء مکافحة الحزب العمالي الکوردستاني... وغزو العثمانيين کان إمتدادا لغزو السلجوقيين و لأطماع دنيوية وليست دينية... الدين إنطلق من الجزيرة العربية ولم يکن المسلمون بحاجة إلی إسلام {مسلجق} او{معثمن} من آسيا الوسطی، وکان عندنا الاسلام الطازج وعليه مارکة مسجلة... فترکيا  هي الحلقة الکمالية لذلک الإستعمار القديم... وحرب ترکيا اليوم ضد الکورد هي امتداد لتعالي العثمانيين علی بقية الأقوام، ولکن القياس مع فارق..!                    

ليست هناک دولة من دول العالم أو منظمة إنسانية دولية أو شعبية... وليس ثمة شعب متحضر في العالم، ليس لديه إطلاع علی ممارسات الدولة الترکية بشقيها الرسمي والعسکري لسحق الکورد، ولا يوجد شعب في المنطقة الاسلامية يعامل شعبه بمثل معاملة الترک للکورد، وليس هناک شعب مهمل من طرف الدولة وعن قصد ووفق برنامج، مثل الکورد... طوال أکثر من ثمانين سنة والکورد يعاني ويشتکي ويطالب، من دون أن تکون هناک آذان صاغية، حتی لمرة واحدة " واذا کان خصمک القاضي، مين تقاضي ؟                                                              

منذ أزمة هابيل وقابيل، البشر يتقاتلون، ولکن أيضا يتصالحون... شعوب ذبحت بعضها البعض، ثم تصالحت...الشعب الواحد تقاتلوا فيما بينهم، ولکن فکروا في المصالحة أيضا... فی القرن الماضي طحنت حربين عالميتين أرواح عشرات الملايين من البشر، ولکن أصغت الدول إلی صوت العقل وانتهت واعتبرت الشعوب من أخطاءها وبلاهتها وحماقتها، وانتصرت علی وحشيتها، فبنت حضارة... إلا ترکيا، وکأنها طلقت الکورد طلاقا بائنا لا رجعة فيه أبدا... ومن ثم تعتبر نفسها جديرة بأن تسکن مع الأورپيين في باحة وواحة واحدة ..! بعد کل هذا تسمي الخارجين والرافضين لسياستها الفاشية النازية تارة بالمخربين وتارة بالارهابيين واخری بالانفصاليين..! مع کل ما عندهم من دول وسلطان " يحسدون الاعمی علی کبر عيونه " ..!                                                           

 ثمة وعلی مر التأريخ وجدت فسح قانونية دولية وانسانية وکذلک رسالات سماوية جاءت بالنصوص والبنود لايقاف القتال وتوقيع الهدنة واجراء التفاوض والمباحثات للتوصل إلی سبل السلام وحقن الدماء والتوجه إلی البناء بدل الهدم... لکي لا نذهب بعيدا، فان الحرب الترکية اليونانية{ والکورد شکلوا جزأ  من المشاة في الجيش الترکي! } خلفت الکثير من الضحايا والاضرار المادية والمعنوية من الطرفين، مع ذلک تفاوضت ترکيا مع الجانب اليوناني مئات المرات... لم لا تجلس مع الکورد مرة واحدة وهم أبناوءها والأقربون إليها أرضا، دما، تأريخا، وجغرافية ودينا ؟.. إذا لم يکن ثمة حقد عنصري اسود غارق في السواد تجاه الکورد !...       

بعد أکثر من 30 عاما من أعمال العنف، وبعد مفاوضات واتفاقات والتزامات وخروقات، رحبت بريطانيا أخيرا باعلان الجيش الجمهوري الايرلندي التخلي عن الکفاح المسلح ضد بريطانيا، واعتبرت هذا الاعلان کخطوة لانعاش محادثات السلام التي تصدعت لمرات عديدة... وقد تزامن هذا الترحيب  رفض أردوغان کل مرونة مع  الکورد وهو في بريطانيا العظمی، وکأن الجيش الجمهوري الايرلندي کانوا رسل سلام لکي يرحب بقرارهم بلير بنظره..!                                                              

انا لست بصدد الدفاع عن هذا الطرف اورفض ذاک، ولکن بمجرد سرد التأريخ، يظهر لکل مهتم بالنزاع الکوردي ـ الترکي أن الطرف الکوردي في شمال کوردستان حتی وهم في أوج قوتهم کانوا دائما داعين لاجراء الحوار ومعلنين وقف القتال بحسن نية ومن طرف واحد. وبعد أن اعتقل زعيمهم بابشع صورة واکبر خيانة دولية، أرسلوا رسلا ورسولات السلام بالورود، إظهارا لحسن النية وحبا في الوئام، ولکن ماکان جواب الترک إلا أن زج الکل رجالا ونساء في غياهب السجن وهم قابعون فيها لغاية اليوم..!                                                                    

السيد طيب رجب أردوغان ذو الماضي الديني، کان من طلائع شبيبة حزب السلامة { اکنجيلار} قد دخل السجن لعدة سنوات دافعا ضريبة إلقاء قصيدة اسلامية حماسية في أحد مساجد أناضول والتي أذکر منها : إن المآذن رماحنا... وقبة المسجد خوذتنا ... تفاءلنا بمجيئه لسدة الحکم قليلا، وقلنا لعله يتحاشی علی الأقل وزر إراقة الدماء لخلفيته، لأن لا شئ في الدين مذموم مثل إزهاق روح بغير حق... وإذا به اليوم يتحول في بريطانيا إلی { رينگو } لا يقل صرامة وتعنتا عن رفاقه العسکر في رفض کل حل دون الغزو العسکري واستعمال السلاح وسفک الدماء... حينما رأيت أردوغان يرعد ويزبد ويهدد الکورد بالسحق إلی الأبد، تذکرت من دون إرادة مني المثل الشائع بين بني قومنا الکورد الفيليين " کنا ننتظر الخير من بلقاسم، لکن طلع سني !" 

وعندما أنهی أردوغان تصريحاته التي تضمنت الفعل " ماضيا " و"حاضرا" و" مستقبلا " قائلا :" إذا تعرض بلد أو إذا تعرض شعب أو إذا تعرضت امة للتهديد، فان ذلک البلد يمکنه القيام بما هو ضروري بمقتضی القانون الدولي... وسنمارس ذلک الحق بنفس الطريقة التي قد تتبعها او ستتبعها او اتبعتها أية دولة أخری " قلت في نفسي لعله يقصد تقليد أمريکا في الماضي عندما ضربت اليابان بالقنبلة الذرية وتحولت بعدئذ إلی أرقی البلدان الصناعية في العالم..! لم لا، خاصة لأن الکورد في ترکيا جاوزالحد المعقول في نيل الحقوق..! ألست معي أخي القارئ ؟                 

 

 

mohsinjwamir@hotmail.com