لأن إسمها
کوردستان، منعوها من الطيران إلی ترکيا!
محسن جوامير ـ کاتب کوردستاني
|
عائلة کوردية تقيم في السويد، وربة العائلة إسمها (کوردستان)...ولقضاء إجازة عطلتها الصيفية، تقرر العائلة السفر إلی جنوب کوردستان (کوردستان العراق)عبر ترکيا... من أجل ذلك، فهي تشتري التذاکر من الخطوط الجوية الترکية، وتعد نفسها ليوم الرحلة... وتصل في موعدها مطار استوکهولم... ولکن العائلة تصطدم بالرفض من طرف موظفي الخطوط الجوية الترکية من رکوب الطائرة... وعندما تستفسرعن السبب، يجيب المسؤول بان السبب هو لکون الأم تحمل إسم (کردستان)... لذا لا يجوز لها حتی العبور عبر ترکيا الی شمال العراق (جنوب کوردستان)... في حين ربنا و ربهم يقول" و علم آدم الأسماء کلها".... وأن القاصي والداني يعلم بان إسم " ترکيا " مستحدث وإن إسـم " کوردستان " موغل في القدم، أي إنه ورد ذکره قبل مجئ أجدادهم من العثمانيين والسلجوقيين إلی المنطقة غازين.
إن هذا الإجراء الشوفيني إن دل علی شئ، فانما يدل على مدی العنصرية المتاصلة في العمق الترکي، ومدی الکراهية التي زرعتها الکمالية حتى في نفوس أبناءها في استوکهولم ـ عاصمة أرقی ديمقراطية شهدها العالـم ـ والأجيال التي اشربت في قلوبها الحقد تجاه کل ما يمت إلی الکورد بصلة... وقد إنتقلت عدوی هذا المرض الخبيث إلی من يسمون أنفسهم بالجبهة الترکمانية، حيث لا شغل يشغلهـم إلا بث الفتنة بين الاخوة من الأقلية الترکمانية والکورد في کرکوک کوردستان، ونشر الأکاذيب ضد الکورد الذين يحمونهم من الارهاب، و تربية المراهقين علی افکار الکمالية العنصرية التي ترفض الکورد جملة و تفصيلا، و زرع الکبرياء التي يرفضها عقلاء القوم بين الاخوة من الترکمان و هم يريدون الخلاص منهم باسرع ما يمکن.
إن التأريخ للطغاة والبغاة يعيد نفسه دائما و بأشکال مختلفة، فبعد إنتهاء ثورة إحسان نوری پاشا ضد أتاتورک في الثلاثينات من القرن المنصرم وإجراءاته التعسفية التي طالت البشر والحجر، نشرت الصحف الترکية آنذاک صورة قبر من علی قمة جبل"آگری داغ" مکتوبة عليها عبارة " هنا دفنت کوردستان"... و يومئذ حينما سأل الصحفيون و بدهشة عما يقترفها العسکر من جرائم ضدالکورد و حتی المدنيين منهم، أجاب أحد وزرائهم بان ليس أمام هؤلاء الصعاليک إلا إتباع أحد الطريقين، إما الخضوع لأوامرنا أو العيش کعبيد في بلد الترک أذلاء، مذمومين، مخذولين، ملومين و مدحورين..!... أجل إن " هم أراذلنا بادی الرای "..!
واليوم ولکونهم جبلوا علی روح العداء وتربوا عليها وکانهم " ذرية بعضها من بعض" يمنعون حتی التي تحمل اسم کوردستان من العبور من فوق أراضيهم، في حين أن العائلة لن تقيم في ترکيا... هذه حالة فريدة من نوعها، لا أظن أن مثيلها حصل في بلد ما، ما عدا جنوب أفريقيا، إن کان قد حصل، ولست أدري..! و قبل أن تدخل کوردستان من معبر خابور، فان أول ما يواجهونک به هو السؤال عما إذا کنت کورديا أو ترکمانيا، و إذا بشر أحد العسکر بأنك كوردي، عبس و" ظل وجهه مسودا و هو کظيم" أو "يکاد يتميز من الغيظ"... ألا تعست ديمقراطية الشرق العرجاء الواقفة علی "جرف هار " من الادعاءات الهوجاء الساقطة و السابحة في وحل الانتماء العرقي...!
حينما تحکي هذه الحکاية لشخص اوروپي، يکاد لا يصدقك. أن يمنع إنسان من العبورعبر بلد بسبب إسمه، وهو يحمل معه الجواز والتاشيرة ! "إن هذا لشئ عجاب" لدی الأوروپي الذي تحضر متأخرا، مقارنة بالحضارة الشرقية التي سبقت أوروپا ـ و باعترافهم ـ بقرون بمعطياتها الحضارية والفکرية والعلمية التي نبعت من الفکر الاسلامي الذي يحمل في طياته أول ما يحمل " ومن آياته خلق السماوات والأرض و اختلاف ألسنتکم و ألوانکـم ..." کذلك "... وخلقناکم شعوبا و قبائل لتعارفوا..."و أول إعلان متوازن لتحقيق العدالة الانسانية بين الشعوب و دحر النظرة الفوقية المتسمة بالکبرياء والعنجهية" کلکم من ادم و ادم من تراب..."
ولکن الآيات إنقلبت من التعايش بين الشعوب إلی إستبداد شعب يری نفسه قويا و طاغيا و جبارا، و بالتالي يجب أن يطاع و يخضع له و لجبروته الأنام موحيا إليهم ومناديا " ما علمت لکم من إله غيرى "... و طبقا لذلك يجب أن تتحول کل الألوان إلی لون واحد، وکل الاسماء إلی إسم واحد، وکل الشعوب إلی شعب واحد، وکل اللغات إلی لغة واحدة، وکل الملابس إلی ملبس واحد، وکل التقاليد والعادات إلی تقليد واحد وعادة واحدة، وکل الفصول إلی فصل واحد و بالتالي کل الزهور إلى زهرة واحدة...
منذ أکثر من ثمانين عاما تحارب ترکيا الکورد، في لباسه و تراثه، في لغته وثقافته، في شعره وادبه ، في أرضه وسمائه، في مسجده ومعبده... لم يعد مکان أو ناحية أو زاوية من الحياة الکردية دون أن تصل إليها اليد الترکية بالتخريب... منذ أکثر من ثمانين عاما والکورد في ترکيا محرومون من إذاعة کوردية ناهيکم عن التلفزيون... محرومون من مدرسة إبتدائية، ناهيکم عن معهد أو جامعة کوردية... محرومون من تعليق لوحة باللغة الکوردية أو حتی الدعاية بها لبضاعة ترکية... محرومون من السماع إلی خطبة الجمعة باللغة الکوردية... کل الإذاعات وکل القنوات مسموحة، للأمريکان، للانگليز، للفرنسيين، للأسبان والاسرائيليين... إلخ ... إلا للکورد ، وکأنهم جان خلقوا " من مارج من نار "... "شارون" و " رابين " و" شمعون" يرحب بهم ...ولهم في ترکيا "مقام کريم"، و من دخلها منهم " کان آمنا "... أما التي إسمها " کوردستان" فلا أهلا بها ولا مرحبا..! لأنها بئس ما حملت من إسم...!
إن العقلية الأتاتورکية المتسلطة علي الفکر الترکي وصلت إلی درجة من الغباء والحقد والتعصب أن منعوا في بداية التسعينات توزيع ترجمة معاني القران الکريم التي قام بها أحد العلماء الکورد الموثوقين في دينهم وعلمهم ولغتهم، بحجة أن اللغة الکردية ليست لها القدرة علی إيفاء الترجمة حقها لأنها لغة ضعيفة! وکأن الخالق قد خصهم وحدهم واجتباهم من دون الناس في تفسير کلامه و من تأويل الأحاديث، علما أن عملية تفسير و ترجمة القران الکريم في اللغة الکوردية أقدم من الترکية تاريخا و صدورا... ولکن لعن الله العنصرية التي صادرت حتی حقوق الاخرين بل قل عقولهم أيضا في فهم کتاب الله بلغتهم... " وما انت بهادي العمی عن ضلالتهم "...
ولولا السويد ( الدولة الکافرة؟!) التي تجشمت عناء طبع الکتب الکوردية بمئات الآلاف من النسخ، وتقديم المساعدات والمکافآت للمؤلفين الکورد، ومن ثم محاولة إرسالها إلی ترکيا (الدولة المسلمة؟!) لصارت اللغة الکوردية أثرا بعد عين...! رحم الله علماء المسلمين المنصفين حين قالوا: إن الله ينصر الدولة العادلة حتی لو کانت کافرة، ولا ينصر الدولة الفاجرة حتی لو کانت مؤمنة ـ روي ان احد خطباء مدينة آمد ـ دياربکر ـ تحدث في خطبة يوم جمعة کيف أن الناس المؤمنين في الجنة يتنعمون ويتلذدون ويتفکهون و بالترکية يتحدثون و" ... من الکفار يضحکون..." وهم "علی الارائک ينظرون " والرسول الکريم بين ظهرانيهم... وخلال حديث الامام أجهش أحد الحاضرين الکورد بالبکاء... وعند إنتهاء الخطبة سأل صديق الباکي مستفسرا عن سبب بکائه الشديد، فاجاب الرجل بانه بکی لأنه تذکر حال الرسول يومئذ و هو لا يعرف الترکية...!... و لعل هذه الحکاية تبدو غريبة للوهلة الاولی، ولکن الغرابة تتلاشی حينما يسمع المرء ما هو أدهی و أمر من تلك، وهو أن أحد الپرلمانيين الأغبياء ـ وما أکثرهـم في شرقنا التعيس ـ و في الثمانينات و بعد الانقلاب العسکري الترکي، إقترح في جلسة خاصة جمعته و زملاؤه، بطرح مشروع يقضي بموجبه منع حق التفکير باللغة الکوردية..!
إذا کانت ترکيا قد منعت السيدة کوردستان من السفر إلی جنوب کوردستان عبر ترکيا بسبب هذا الإسم المبارک... فان هناک طرقا اخری ستسلکها... ولکن الدرس المستقاة من هذه الواقعة هو مدی تفاهة و سفاهة الشوفينيين و صغار شانهم حينما يصيبهـم الهلع والفزع الأکبر بمجرد رؤيتهم أو سماعهم أو قراءتهم إسم کوردستان... إسم علی مسمی... إسم علی واقع مشهود وعلی الارض موجود منذ ان" إستوت علی الجودي" وقبل مجئ السلاجقة الذين جاسوا خلال الديار ونشروا الفساد، وکذلک قبل الغزو العثماني للمنطقة بآلاف السنين... هذا الغزو الذي يروق للبعض من الخادعين والمنخدعين إضفاء طابع القدسية عليه، وکأن الرسول بشر المؤمنين بمجئ من ستفتح علی يديه القستنطينيةـ إسطنبول ـ ولا أساس لهذا الحديث من الصحة البتة، علی قول علماء الحديث وعلی راسهم شيخ المحدثين الألباني...اجل ان الاخت كوردستان التي منعتها ترکيا من السفر عبرها إلی جنوب کوردستان لصاعقة إسمها... عليها أن تفرح وتفتخر باسمها الفذ و تتفاءل، و تعلم مدی حجم الآمال التي علقا علی هذه التسمية الوالدان وقد تحققت وآتت اکلها في حينها باذن ربها، بعد نضال شعب عاش مآساة حلبجة و ذاق جحيم الأنفال، وعانی الطرد والتهجير الجماعي من کرکوک والمناطق الکوردستانية الاخری، وشاهد إستيطان الغرباء في ارضه التاريخية ...نعم تحققت البشرى الاولی "وحبط ما صنعوا" بعد أن أرادوا للکورد أن "... يمشي مکبا على وجهه ..." و ذلک ببزوغ شمس پرلمان کوردستان ورفرفة علم کوردستان وتنصيب رئيس کوردستان، بل وتولية رئاسة العراق... و لا زلنا نامل المزيد، و خاصة عودة کرکوک و خانقين و بقية المناطق المقطوعة عن جسد الام کوردستان... عندئذ تقطعين التذکرة من استوکهولم مباشرة إلی عاصمة السلام بغداد ـ و ليس اسطنبول ـ او الی عاصمة الاخوة والوئام في کرکوک کوردستان ـ وليس أنقرة ـ او إلی عمق القوة الکوردستانية العاصمة هه‌ولير ـ وليس انطاليا ـ ... سوف يتنفس صبح کوردستان في کل ارض يتنفس علی صدرها الکورد، بل صبح کل المضطهدين اينما کانوا" ...أليس الصبح بقريب؟!.."حينئذ تقرعيون والديک، وتقولين شکرا لکما علی تسميتکما (کوردستان)..! کوردستان الکورد والترکمان والآشوريين والأرمن والعرب الأصلاء !بشراک يا ايتها السيدة کوردستان..!mohsinjwamir@hotmail.com
|