الشعب الكوردي يرفض  الدستور العراقي الذي لا يحقق تطلعاته

 أحمد رجب

   

ممّا لاشكّ فيه أن المواقف المتذبذبة لحكومة ابراهيم الجعفري وعدم إيلاء الأهمية لحل مشاكل الكورد مع "المركز" وتماشياً مع تصريحاته التحريضية هنا وهناك ضد هذا الشعب الذي ناضل لسنوات طويلة مع تكوينات الشعب العراقي المختلفة ضد الدكتاتورية المجرمة ينبري عدد من الحاقدين والظلاميين من ذوي الأصوات الناعقة للتهجم على الكورد من جديد وشتمهم بخبث ودناءة وهم يزعمون بأنّ الكورد :

(" قد " عبّروا عن نياتهم وأطماعهم المبّيتة بخصوص " إبتلاع " قسم معطاء وإستتراتيجي من أرض العراق وفي المقدمة مدينة كركوك الغنية بالنفط ) !!.

يحاول العديد من المصابين بلوثة عقلية الترويج للنفط والإيحاء للآخرين عن قصد بانّ الكورد يريدون الإستحواذ على خيرات العراق عامةً والنفط خاصةً، ويدخل هؤلاء الأقزام في لعبة سياسية قذرة لحرف نضال الكورد الذين ضحّوا بدمائهم القانية من أجل تحرير كامل التراب الكوردستاني من براثن الشر والدكتاتوريات التي تعاقبت على حكم العراق.

انّ الذين يقفون ضد مطاليب الكورد يعلمون جيداً بأنّ الكورد يتمسكون بحقوق شعبهم الأبّي وبالثوابت الوطنية، وليس من شيمهم المساومة عليها، كما يعلمون بأنّهم، وقبل كل شيء يريدون العيش ضمن عراق ديموقراطي إتحادي، ويريدون تطبيع الأوضاع في مدينة كركوك، ومن ثمّ البدء بعملية إعادتها إلى أحضان كوردستان الأم.

يلجأ البعض من الذين يكتبون الدستور إلى طمس الحقوق الكوردية القومية المكتسبة في النضال المظفر ضد الأنظمة الدكتاتورية بما فيها أعتى نظام دكتاتوري في التاريخ الحديث، كما ويلجأ هؤلاء إلى ألاعيب وممارسات مستهجنة، والغاية منها الإلتفاف بكل الأشكال على حقوق القوميات الأخرى، ويريدون الإتيان بقومية لم يعرفها أحد من قبل، وهم بذلك ينفذون فهمهم الخاطيء من جهة، ومن جهة أخرى يعملون على تطمين دول الجوار التي تحمل الحقد الدفين لكل العراقيين المناضلين في سبيل رقي وتقدم بلادهم.

انّ كتاب الدستور من قائمة الإئتلاف الموحد، وبصحيح العبارة ودون لف ودوران قائمة ابراهيم الجعفري وأحمد الجلبي وعبدالعزيز الحكيم يقفون في الخندق المعادي للكورد، ومن الضروري هنا تذكيرهم بالأخطاء القاتلة التي وقعوا بها، أو التي إفتعلوها، فالسيد ابراهيم الجعفري أزال القناع عن وجهه بسرعة البرق، وفتح ما في جعبته، وبعبارة أدّق ما في باطنه أثناء أداء القسم وحذفه لعبارة العراق الديموقراطي الفيدرالي عن قصد، ومن ثمّ إضطراره بعد أيام إلى إعادة القسم بالشكل الذي أراده ويريده الكورد وسائر القوميات الأخرى، وكان الأفضل له أن يستقيل لا أن يستسلم، وأما عن الآخرين، فهم ليسوا بأحسن من السيد ابراهيم الجعفري، إذ أنّ السيد عبدالعزيز الحكيم بدأ " رئاسته " لمجلس الحكم المنحل بتكريس المذهبية والطائفية المقيتة من خلال عمله إلى إلغاء قانون الأحوال الشخصية المرقم 188 لسنة 1959 ، الذي هو ثمرة من ثمار نضال المرأة العراقية، وثمرة من منجزات ثورة الرابع عشر من تموز رغم النواقص الموجودة فيه والتي تتطلب الإصلاح، والسيد عبدالعزيز الحكيم فشل في تمرير القرار المرقم 137 الذي سنّه وفق أفكاره بصفته قرارا مجحفاً بحق المرأة، ويعيد المجتمع والحياة الإجتماعية إلى الوراء.

وفي خضم الأحداث وعلى طريق الأب يشترك عمار عبدالعزيز الحكيم ليفتح فمه ويدلي بتصريحات نارية هنا في العراق وهناك في تركيا الكمالية من أنّه يقف ضد الفيدرالية ويطالب بجمهورية عراقية إسلامية !!.

لقد حصل الكورد خلال العقود الماضية على وعود كثيرة، ولكن في النهاية تمّ الإنقضاض عليها من قبل الذين وعدوا، وإزاء هذه الحالة، حالة عدم الإستماع إلى مطاليب الكورد من الضروري فسح المجال أمامهم لكي يدلوا بآرائهم حول مسألة هامة تواجههم، وهي هل يقبل الشعب الكوردي بالإتحاد الإختياري مع الشعب العراقي ؟؟.

منذ صدور قانون إدارة الدولة والكورد في كل مكان يطالبون مثلما طالبوا في السابق بتطبيق المادة 58 من القانون المذكور تطبيقاً كاملاً ( رغم نواقصها ) وبأسرع وقت ممكن، لأنّ حكومة ابراهيم الجعفري عاجزة عن تطبيق وعودها السابقة، كما أن قائمة الإئتلاف الموحد تريد أن تضرب طوقاً على الحقوق الكوردية، وتتنّصل هي الأخرى من الإتفاقات التي عقدتها مع قائمة التحالف الكوردستاني.

وعلى الكورد أن يطالبوا قبل كل شيء بترسيم حدود أقليم كوردستان، ومن الضروري أن يتضمنّ الأقليم جميع المناطق الكوردية، وأمّا عن محافظة كركوك فمن الطبيعي إعادة الحدود الإدارية لها، وجعلها كالسابق، حيث يعلم الجميع من ذوي العلاقة بأنّ النظام الدموي الساقط أقدم على إستقطاع أجزاء كبيرة من كركوك، وربطها بمحافظات أخرى، فمدينة طوزخورماتو أعطيت إلى تكريت، وكفري إلى بعقوبة وكلار وجمجمال إلى السليمانية وفق السياسة البعثية الشوفينية القذرة بهدف تقليل عدد الكورد في المحافظة، والغاية منها تغيير الواقع الإجتماعي والديموغرافي فيها.

ومن منجزات البعض من كتبة الدستور لصق تهمة لتشويه سمعة واسم الكورد الفيليين الذين ضحوا بكل شيء، مالاُ وبنين من أجل العراق بدون قتلة الشعب، وهذه التهمة واضحة، وغايتها الأساسية إستبعاد أكبر شريحة كوردية من عدد الكورد لغايات مدروسة بإتقان مع أعداء الكورد، والكورد الفيليّون ليسوا بـ ( فرس )، ولا في عداد القومية الفارسية يا شيخ همام حمودي، ويا شيخ جلال الصغير، وانّ طروحاتكم عنصرية وشوفينية يرفضها كل عراقي أصيل وكل كوردي يحب وطنه وإخوته، وان العراقيين عامةً والكورد خاصةً باتوا يعلمون بأنّ إفرازاتكم تأتي من الإستقطاب الطائفي القومي، إذ أنّ هذا الإستقطاب ما هو إلا نتاج في الأساس لتركة نظام المجرم صدام حسين الدموي، والآثار المدمّرة لسياساته على نسيج المجتمع، وفي نفس الوقت نتاج لسياسة سلطة الإحتلال التي أدّت إلى تكريس الإنقسام على أسس طائفية وقومية، وصراع الطائفية والقومية جعلت الطائفية خطراً فعلياً يهدد مستقبل العملية السياسية في العراق، بل تهدد بانتقال العدوى الى عملية صياغة الدستور، وهو كما نراه اليوم، الأمر الذي يتطلب التصدي لهذه الظاهرة بوعي وحزم.

من خلال قراءة أولية لمسودة الدستور يلاحظ المرء ثغرات وهفوات، ففي الوقت الذي تحاول بعض الأطراف لصق التهم بشرائح كبيرة من القومية الكوردية، لا يتحدث أحد عن القوميات الأخرى، والعراقيون يريدون التأكيد على أنّ الشعب العراقي يتكوَن من قوميات وأديان عديدة، وهم يريدون أن يكونوا مواطنين مثل الآخرين، فالعراق يتكون من العرب والكورد والتركمان والكلدان والآشوريين والسريان والأرمن، ولم يسمع أحد باسم القومية الفارسية التي يرّوج لها دعاة من الطائفيين، كما توجد أديان ومذاهب، إذ يوجد في المجتمع العراقي المسلمون والمسيحيون، والإيزدية والصابئة، ومن أراد خير العراق أياً كان وجب عليه الإشارة بصراحة إلى هذه المكونات والطوائف والمذاهب، وبعد كتابة الدستور يجب النظر في أن يحتل أبناء هذه المكونات والمذاهب الوظائف الرئيسية في البلاد بدءاً من الوزارات والمراكز الحساسة.

ويجري وراء الكواليس بخسة ودناءة من قبل البعض من المحسوبين على تيارات وطنية وأحزاب لها أصوات مسموعة حديث حول حل البيشمه ركة، وليس هذا بجديد فالحكومات السابقة أيام الساقط صدام حسين والذين أتوا من بعده دعوا بصراحة إلى إعتبار قوات البيشمه ركة ميليشيات، ولكن اصطدم أولئك الذين أرادوا حل هذه القوات بجدار صلب من أبناء الشعب الكوردي الشجاع، لأنهم يعلمون بأنّ هذه القوات قاتلت الدكتاتوريات المتوحشة من أجل حقوق الكورد، وقدموا التضحيات الجسام في سبيل تحرير العراق، وهي تساهم اليوم في الحفاظ على مكتسبات الشعب الكوردي، كما تساهم في التصدي للقوى الظلامية والعصابات الإرهابية، وان الشعب الكوردي يحفظ أبناءه البيشمه ركة في بؤبؤ العين والقلب، وكل حديث حول حلها هراء، وضرب من الخيال.

أن أعداء الكورد ينشطون في كل مكان، وهم في حالة يرثى لها، يضريون الشعب الأعزل بالعصا ومن ثمّ يستخدمون الأسلحة ويقتلون أبناء الكورد في وضح النهار، وأمام أنظار العالم، ولا أحد يكلف نفسه بكتابة خبر مقتضب حول الجرائم اليومية، وجمهورية إيران الإسلامية نموذجاً صارخاً لا يحتاج إلى شهادات الإثبات، لذا فإنّ عدد كبير من العراقيين لا يريدون جمهورية اسلامية على غرار جمهورية إيران الإسلامية.

ولا بد هنا من الإشارة إلى اليتيم رجب طيب أردوكان من أيتام أتاتورك الذي يصّرح بين فترة وأخرى بتصريحات تحمل كلاماً غليظاً، وهو يحاول كأقرانه من الجبناء ترهيب أبناء كوردستان عندما يزعم بأنّ تركيا ووفق " القانون الدولي " تحتفظ لنفسها بحق التوغل العسكري في العراق تحت واجهة محاربة الكورد، ولكن حكومة الجعفري لا تحرك الساكن !!.

وأخيراً علينا نحن الكورد أن لا نقبل بالوعود الشفهية، ولا نريد تدخل هذا وذاك في شؤوننا الداخلية، وأما عن الدستور علينا رفض كل ما يسيء للعراق وقوانينه التقدمية وبالأخص حول المرأة وحقوق القوميات، وأن نبتعد كلياً عن العاطفة عندما يتعلق الأمر بقضايا شعبنا المصيرية، وأن نرفض تبجحات الآخرين من الذين يعتبرون أنفسهم أولياء أمور لكل أطياف الشعب العراقي، وأن نرفض الدستور في حالة عدم القبول بتطبيع الأوضاع في مدينة كركوك وبالسرعة المطلوبة.

وفي حالة عدم الإستجابة لمطاليب شعبنا فإن العودة إلى الشعب الكوردي واجب يجب أن لا ننساه، وأن لا نتجاوزه أبداً.

                                                1/8/2005