حادثة الدبّابة تحمل ذكريات النضال ضد العسكريين الطغاة
أحمد رجب
يزعم الشوفينيون العروبيّون بأنهم يحبون الكورد ولكن حقيقتهم تظهر سريعاً حين
يقول أحدهم في رسالته المعنونة إلى أحمد رجب :
وبالمناسبه وجدت شيعه معممين ومعتدلين ووجدت سنه معتدلين وتركمان معتدلين..لكني
لم اجد كردي معتدل بعد،
ويضيف العروبي القوموي ضمن مزاعمه :
فكلما انتقد احد ما اداء
الأكراد
السياسي او
اداء
زعمائهم انتفضوا كأن
اصابهم مس..والتهم جاهزه من شوفيني الى صدامي الى قومجي الى متخلف وهلم جرا،
ويستمر هذا الشوفيني الحاقد ويتهم الكورد بأنهم لم يقارعوا الأنظمة الدكتاتورية
المتعاقبة إلى أن يصل إلى الدرك الأسفل عندما يقول : لم
تشتركوا في
حروب
صدام
الطائشه لانكم اما اعفيتم من الخدمه الالزاميه او انخرطتم في الافواج الخفيفه.
ولا يكتف الذي يدّعي بأنّه يحب الكورد بتلك التهم الباطلة أساساً ويصل ككل
بعثي حاقد وكل قومي شوفيني إلى التهجم على الكورد والثوابت الوطنية لهم كتحقيق
وتطبيق بنود المادة 58 من قانون إدارة الدولة، وتطبيع الأوضاع في مدينة كركوك،
وترسيم الحدود الجغرافية لكوردستان ضمن العراق الإتحادي والإبقاء على القوات
الأمينة لحماية مكتسبات الشعب الكوردي، وهي قوات البيشمه ركة.
قبل كل شيء أوّد أن أقول للإخوة القراء بأن القوميين العرب والبعثييين خسروا
ولي نعمتهم، كما خسروا المنح المالية والهبات التي أعطيت لهم ناهيك عن السرقات،
حتى باتوا يوزعون ثروات العراق على القوى الإرهابية والمنظمات التي تساند
الإرهاب.
بعد نشر مقالي المعنون : الشعب الكوردي يرفض الدستور العراقي الذي لا يحقق
تطلعاته، والمنشورة في 36 موقع من مواقع الإنترنيت، بما فيها المواقع
الإسلامية، والصحف المحلية، قام أحد الشوفينيين بإرسال رسالة إلى بعض الأخوة من
الكتاب والصحفيين الكورد بغية دفعهم للكتابة ضدي.
ان تعميم الرسائل على الآخرين شأن من شؤون أياً كان، ولكن المطالبة من الآخرين
للكتابة ضدي عمل مقزز لا يقوم به سوى العناصر الموتورة، ولغايات قذرة واضحة
النيّات.
كثيراً ما يحاول الشوفينيون الحاقدون خلط الأوراق ولكنهم بعد دقائق قليلة
يشعرون ( إن كان لهم شعور ) بغلطتهم القاتلة، وتصوّروا انّ الشوفيني المتعصب
يقول بصراحة :
وبالمناسبه وجدت شيعه معممين ومعتدلين ووجدت سنه معتدلين وتركمان معتدلين..لكني
لم اجد كردي معتدل بعد،
وللرد أقول للناس : ماذا يقصد هذا الشوفيني بكلمة معتدل ؟ وإذا أراد أي شخص
الهجوم على الكورد عليه أن لا يهذي، وأن يقول كلاماً مفهوماً حتى يستسيغه
الأخرون، أو أن يصغوا إليه.
يزعم الشوفيني العروبي الحاقد بأنّ :
التهم جاهزه من شوفيني الى صدامي الى قومجي الى متخلف وهلم جرا.
ان العراقيين عامةً والكورد خاصةً يستخدمون كلمات : الشوفيني، القومجي، الصدامي
وكلمات أخرى، وهي ليست تهم بقدر ما هي كلمات يقولها العراقيون والكورد وسائر
أبناء القوميات الأخرى ويرددونها منذ أكثر من أربعين سنة، أي منذ مجيء
البعثيين إلى حكم العراق بعد مؤامرتهم القذرة في شباط الأسود عام 1963، ومن ثمّ
مجيء القومجيين العرب في إنقلابهم الذي أطاح بأصحابهم البعثيين.
صحيح، وهذا فخر عظيم لكل إنسان شريف لم نشترك في حروب صدام الطائشة، ولكن لا
لأننا حصلنا على عفو بعدم إداء الخدمة، بل لاننا رفضنا أن نخدم في جيش صدام
حسين المنحل حالياً، وأمّا إتهامنا الإنخراط في الأفواج الخفيفة نقول لكل عروبي
خائب وكل شوفيني حاقد، ليس كل العرب خونة ومجرمون مثل البعثيين والقومجيين، ولا
كل الكورد إنخرطوا في الأفواج الخفيفة التي أسسها باني " مجد العروبة والقائد
الضرورة والبطل القومي الجبان صدام حسين " الذي ألقي القبض عليه في جحر من جحور
الفأر.
القوميون العروبيون والبعثيون يعلمون بأن الكورد هم أصحاب الحق في مطاليبهم
الشرعية والعادلة، ولكنهم مصابون بالعمى ويريدون القفز على الحقائق والوقائع
التاريخية، وهم يعملون ليل نهار بجدية ونشاط لإسترجاع ما فاتهم ولكنهم يصابون
في كل مرة بخيبة أمل، وما عليهم إلا الإستسلام لمنطق الحق.
منذ إندلاع ثورة شعبنا الكوردي التحررية في أيلول عام 1961 بدأت القوات
العسكرية القدوم إلى كوردستان بكثافة قلّ نظيرها بهدف قمع الثورة وخنقها
وملاحقة أبناء الشعب الكوردي واعتقالهم بتهم باطلة وتعذيبهم بوحشية دون مراعاة
حقوق الإنسان ومن ثمّ قتلهم وحرق مزروعاتهم وهدم بيوتهم وقراهم واعتبار منطقتهم
أراضي محّرّمة.
ففي النضال من أجل أهداف الشعب السامية، ومن أجل غد مشرق للبشرية، وفي مثل هذا
اليوم وقبل أربعين سنة ألقي القبض عليّ من قبل إستخبارات الكتيبة 32 العسكرية
بالتعاون مع مديرية أمن دربنديخان في بيت المناضل الشيوعي المعروف حسين حاجي
كريم والد الشهيد النصير الشيوعي رفيق في قضاء دربنديخان.
كنت مسؤولاً عن تنظيم الحزب الحزب الشيوعي العراقي في المدينة، وفي أحد الأيام
أرسل الرفيق عبدالله ملا فرج القره داغي ( ملا علي ) وهو المسؤول الحزبي في
منطقة وارماوا ورقة ترحيل العسكري المدعو محمد ( رئيس عرفاء ) في كتيبة
المدفعية 32 المرابطة في دربنديخان.
استلمت ورقة الترحيل الخاصة بالعسكري محمد، وبطريقة فنية أستطعت الوصول إليه
وألتقيت به، وكان يقظاً وحساساً، ممّا دعاني أن أطلب معلومات إضافية عنه قبل أن
أضيفه إلى العسكريين الآخرين في الكتيبة 32 وفوج دربنديخان العسكري.
كان موقع دربنديخان موقعاً إستراتيجياً مهماً نظراً لوجود الجبال العالية وسد
دربنديخان وهذا الأمر دفع بالعسكريين المكوث في المدينة، وفي يوم إعتقالي في
7/8/1965 تواجد فيها مقر الكتيبة 32 بأمرة المقدم كمال احمد الراوي، ومقر فوج
دربنديخان بأمرة العقيد جميل الشيخلى.
كنّا ننظم أنفسنا في صفوف الثورة الكوردية التحررية الباسلة، وكانت البداية مع
السرية العاشرة المقدامة لحزبنا الشيوعي العراقي، وكنا بحاجة ماسة إضافة
للأسلحة إلى نواظير وطلقات ومعدات عسكرية مختلفة، وعند مفاتحة رئيس عرفاء محمد
العسكري المنقول لنا عن طلباتنا، أبدى إستعداداً على الفور شريطة أن ندفع له
اسعاراً رمزية.
في اللقاء الأول حصلنا على بعض اللوازم الضرورية بأسعار رمزية، وتم! الإستلام
في دار الرفيق حسين حاجي كريم، وفي 7/8/1965 حمل إلينا رئيس عرفاء محمد وجبة
ثانية، وفور وصوله أخبرت الرفيق حسين حاجي كريم بتقل الوارد إلى بيت الرفيق
ماموستا غريب حمه سعيد عضو اللجنة القيادية في القضاء، وأوصيت الرفيق حسين أن
يجلب لي من ماموستا غريب مبلغاً لقاء أثمان الوارد إلينا من العسكري محمد.
خرج الرفيق حسين من داره مع المواد الواردة إلينا، وبعد دقائق معدودة دخلت قوة
خليطة من الأمن بقيادة مفوض الأمن غالب وملازم أول من الإستخبارات العسكرية
ومختار المدينة المدعو الشيخ محمد الملا قادر البانيخيلاني، وعلى الفور قام
الضابط بضرب العسكري رئيس عرفاء محمد أمامي وأمر زمرته بأخذه إلى الكتيبة
ميتاً، وفي الحال وجّه الضابط العسكري لي سؤالاً وقال : ماذا دار بينكم ؟، ماذا
كنتم تخططون ؟
لم أرد على جواب الضابط، وعلمت بأن المنقول إلى تنظيمنا وفق ورقة ترحيل، ما هو
إلا عنصر مندس إستطاع إختراق تنظيم حزبنا في منطقة أخرى، وكرر الضابط سؤاله مع
الضرب على رأسي، وقلت له بكل هدوء كنت أسير خارج البيت وواجهت هذا العسكري الذي
أرسلته مع جنودك إلى مقر الكتيبة وقال أريد أشتري طماطة وبامية وخضراوات من
بستان السيد حسين الحاج كريم وطلب مني أن أساعده في الترجمة.
قال الضابط : أين اللوازم العسكرية التي جلبها رئيس العرفاء محمد ؟ وهنا أمر
جنوده القيام بالتحري والبحث وشاركهم المختار أيضاً، ولكنهم أصيبوا بخيبة أمل
إذ لم يجدوا شيئاً في الدار، وأصيب الضابط بهيستيريا وهو يضربني ويصرخ في وجهي
ويقول في كل مرة أين اللوازم العسكرية ؟، المفروض أن أعيدها لمقر القيادة، (
علمت أنّهم وضعوا ضمن مسرحيتهم الساذجة الصبيانية خطة لإعتقالي والإعتراف بكل
شيء والإستسلام لهم ).
لم يتصور الضابط نقل المواد بالسرعة الممكنة إلى منطقة أخرى، بل كان يتصوّر
بأنه يلقي القبض عليّ وعلى المواد بسهولة، ولمّا لم يحصل على شيء ضربني بكل
قوته، وأمر جنوده بضربي وأن يأخذوني إلى سيارتهم، وعند خروجي من البيت وأمام
أنظار المواطنين قام الجنود بربطي وتوثيق جميع الأطراف من حبال حمام الحاج طالب
كوكسي الخاصة لنشر الملابس، وبدأوا بسحلي إلى السيارة الواقفة أمام جامع
دربنديخان، وهي من نوع زيل، وعند الوصول إلى السيارة رموني إلى داخلها ليلامس
وجهي حرارة الحديد وأنا لا أستطيع رفع وجهي بسبب الربط المحكم لجميع أجزاء
جسمي.
عند الوصول أدخلوني غرفة القائد بناءً عل طلبه، وقال لي تعرفني أم لا ؟
قلت : ليس المهم أن أعرفك، أو لا أعرفك، وإنّما المهم أن أعرف لماذا اعتقلتموني
!!.
ضحك القائد وقال : أنا المقدم كمال أحمد الراوي آمر كتيبة 32 المدرعة في الجيش
العراقي، وسوف أطلق سراحك فوراً إذا ساعدتنا في التحقيق، ولم يتوقف وسأل من هم
أعضاء التنظيم الحزبي في المدينة؟، أقصد تنظيمات الحزب الشيوعي العراقي، ومن هم
أعضاء التنظيم العسكري هنا في دربنديخان ؟، وبمن تتصل؟ من هو مسؤولك الحزبي،
ماهي مهام قوتكم العسكرية في " حركة التمرد للأكراد " ؟ ما هي نشاطات السرية
العاشرة ؟ وأسئلة كثيرة ؟.
قلت : لا أدري كيف أجيب، أنا كنت عابر سبيل، وأنت تسألني عن تنظيمات الحزب
الشيوعي العراقي، ليست لدي معلومات، ولا أدري ما هي السرية العاشرة.
هاج المقدم كمال احمد الراوي كالثور، ونهض من مكانه وقال بـ " لطف " : سأطلق
سراحك إذا قلت بأن ( صاحبة البيت تنظم دور البغاء )، وهنا صرخت في وجهه الكالح
وقلت : أتدري من هي الباغية والزانية التي تبيع جسدها وتنظم دور البغاء يا كمال
الراوي ؟
هاج مرة أخرى وقال بعنف : من هي ؟
قلت يكل صراحة : هي زوجة، أو زوجات الضباط الذين يأتون إلى كوردستان لقتل شعب
آمن، ويتركون زوجاتهم إلى ضباط آخرين.
لم يتمالك المقدم العروبي كمال الراوي نفسه، وهاجمني بمسدسه وضربني عدة ضربات
وسال الدم من رأسي، ونادى على زمرته، وأمرهم قائلاً : خذوه إلى رئيس عرفاء محمد
وأقتلوه.
قام جنود العروبي كمال الراوي بتعليقي على فوهة دبابة للجيش العراقي، وهم
يضربونني بقيادة الخبيث رئيس عرفاء محمد، لذا أطلق الناس على إعتقالي ( حادثة
الدبابة ).
ربطوا يدي بسيارة عسكرية، ورجلي بسيارة أخرى، وكل واحدة منها تسير بإتجاه
معاكس، وقد علمت أنهم يحاولون ترهيبي بكل الوسائل الدنيئة من ضرب بالعصا، وكوي
جسمي بالسكائر، إذ كانوا يتركون السكائر على ظهري تارة، وعلى صدري تارة أخرى (
خوش منفضة ).
بعد عدة أيام من التعذيب الوحشي نقلت إلى أمن دربنديخان، وبعد أسبوع أرسلوني
بسيارة زيل عسكرية وبرفقة رتل من العجلات ( قافلة ) من دربنديخان إلى جلولاء،
وهناك تمّ إيداعي في سجن الثكنة الحجرية، وعند دخولي رأيت أعداد كثيرة من
الكورد وأكثرهم عرف من مدينتي خانقين، وكانوا شيوعيين وبارتيين، وكان السجن
رهيباً جداً، وفي داخله ركامات من القذارة والأوساخ.
بعد شهر نقلت إلى سجن معسكر سعد في بعقوبة، ومن هناك إلى سجن السراي في بغداد،
وقضيت فيه اسبوع يساوي سنة من شدة الروائح الكريهة والمياه الآسنة والقاذورات
والقمل، وبعد أسبوع نقلت إلى سجن السليمانية الذي يعتبر ( جنة ) قياساً للسجون
التي قضيت فيها أياماً منذ إعتقالي.
في السليمانية أخبروني بأنني سأحاكم في المحكمة العسكرية الطارئة التي تحكم
بالإعدام إذا حصلت على دليل بالتعاون مع الأحزاب العراقية والكوردية التي تناهض
الحكومة.
إثر مشاجرة مع واحد من السرسرية يدعى عمر بهاو بدفع من مرتد خائن، وتدخل إدارة
السجن تمّ نقلي إلى سجن سراي كركوك الذي كان في السابق إسطبلاً للحيوانات،
والسجن عبارة عن بناء قديم جداً واستخدم اسطبلاً لمدة طويلة، وهناك تقرير طبي
يفيد بأن هذا المكان لا يصلح لسكن الحيوانات فيه، لكن حكومة العروبي عبدالسلام
عارف حوله إلى سجن للناس حيث كان بداخله يوم نقلت إليه أكثر من 600 شخص، وكانت
إدارة السجن تعطي في الشتاء وأيام البرد أربع تنكات ماء للمعتقلين، والمراحيض
كانت وسخة للغاية ولا يتمكن المرء الخلاص من روائحها التي تزكم الأنوف، تصوّروا
سجن لا يصلح لسكن الحيوانات يعيش فيه أكثر من 600 شخص.
وأخيراً على كل حاقد وكل شوفيني أن يعلم بأن المجرم كمال احمد الراوي القومي
العروبي الذي وضع خطة إعتقالي، أصيب بكارثة على يد البعثيين حيث ورد اسمه ضمن
جواسيس إسرائيل من زمرة زلخا، ونقل من الأردن بملابس النوم إلى بغداد لأنه كان
أمراً للكتيبة 32 وموجود هناك تحت أكاذيب البعث والقومجيين العرب الدفاع عن
فلسطين، وجيء به، وليحكم عليه بالإعدام رمياً بالرصاص، وتم تعليق جثته العفنة
في ساحة التحرير في الباب الشرقي في بغداد، وسوف يلقى الشوفينيون الحاقدون مصير
أسيادهم من أمثال صدام حسين وكمال احمد الراوي.
7/8/2005
|