إنتصرت القيادة الکوردية في کسب الفيدرالية
محسن جوامير ـ کاتب کوردستاني

   

بعد مخاض عسير، رافق ولادة ومسيرة دولة متقلبة مشوهة ذات عاهات مختلفة إسمها العراق... ولد دستور دائم وفق قاعدة التوافق التي إجتمعت عليها الأطراف العراقية والکوردستانية بعد إنهيار النظام الشبح في بغداد الذي نرجو أن لا يبتلي بمثله‌ حتی أعداؤنا..! وکذلک بعد أن تمتع الكورد من خلال إستقلالهم النسبي طوال أکثر من عقد بفسحة کبيرة من الديقراطية النسبية کذلک...

 

کما کنت علی عجل لصدور الدستور، کذلک کنت أخشی أن لا يکون المفاوض الکوردي الذي يحاط من کل جانب، بالمستوی المطلوب في أداء المهمة التي کلفه‌ بها شعب کوردستان بعد طول المداولات مع عقلاء الإئتلاف الشيعي والآخرين، وأن يکون خاسرا ويخرج صفر اليدين وخالي الوفاض من معرکة تثبيت الحقوق المشروعة لشعب کوردستان في دستور بلد مازال يعيش بأنفاس الدکتاتورية وتحوي قصته‌ مع الکورد وغيرهم العجب العجاب، ولا يعتقد أن في الديمقراطية متنفسا وحياة مستقرة له‌ قبل الکورد، ناهيکم عن القبول بمبدإ الفيدرالية أو الإصطلاح معها...

 

في الحقيقة کنت ولازلت أخشی أن يتحقق مثل الرئيس الليبي معمر القذافي الذي عنون مقالته‌ به في معرض تصديه‌ للقضية الکوردية ومستقبلها، بأن يخرج الکورد من المولد من دون حمص..! وذلک بسبب الملابسات والتناقضات التي تتحکم وتستبد في ذهنية العقل الشرقي التي تطبعت علی العبودية للبشر والأهواء أکثر منها حتی للخالق..! والتي أنتجت وافرزت بالتالی عللا نفسية جعلتها تتقوقع في دائرة العناد والمکابرة وعبادة الذات والرفض ـ بتبريرات واهية وعقيمة ـ للآخرين سواء بسبب اللون أو اللغة أو الجنس أو الفکر او ما شابه ذلک، والإستکثار عليهم حتی حق المواطنة...

 

مواطنون.. دونما وطن

مطاردون کالعصافير علی خرائط الزمن

مسافرون دون أوراق

وموتی دونما کفن

نحن جواري القصر، يرسلوننا

من حجرة لحجرة

من قبضة لقبضة

من هالک لمالک

من وثن لوثن

نبحث عن قبيلة تقبلنا

نبحث عن عائلة تعيلنا

نبحث عن ستارة تسترنا

وعن سکن

 

ما تقدم من أبيات ليس من إختراعي، ولکن من قريحة شاعر عربي هو نزار القباني، الذي عاش مأساة تهافت وخبل فکر المجتمع الشرقي الذي يرفض حتی ذاته‌ من خلال عبادتها... ياتری إذا کان حال العربي هکذا مع بني جلدته‌، فما بالکم حينما يتعامل مع غير جلدته‌..؟

 

ولکن حينما قرأت مسودة الدستور ومن دون أن أقرأ ولحد اللحظة أية مقالة مؤيدة أو معادية أو التي تتراوح بين هذه‌ وتلک ولعدة مرات، وبالأحری البنود والمواد المتعلقة بشعب کوردستان، إستنتجت ـ بالرغم من عدم تحقق الحلم الکوردي وطموحه‌ المشروع في تشکيل دولته‌ فيه، وإضافة لوجود ثغرات وزلات أخری لابد من معالجتها فيه‌ ـ أن قفزة نوعية تحققت ـ ولو نظريا ـ في کتابة دستور بلد شرقي عانی الأمرين جراء عدم إعتراف البعض بالبعض الآخر واحتکار الحکم من لدن طرف دون طرف وتفضيل لون علی لون اخر...

 

 واکاد أقول لو أن ماجاء في هذا الدستور، طبق فعلا وتحولت بنوده‌ إلی واقع، من دون مساومات ومهاترات أو قيل وقال، وإذا خلصت النوايا وعولجت هفواتها عن جد، وما تعرضت إلی التفسيرات والتأويلات والتدخلات الباطلة من هذا الطرف الداخلي والخارجي أو ذاک... فان مستقبلا متغايرا عما مضی ينتظر العلاقات الکوردستانية العراقية، ولاصبحت هذه‌ الدولة الإتحادية مثلا يحتذی به‌...

 

وجدت في هذا الدستور أنفاسا حضارية، تنفي التمييز بين الشعوب والقبائل، وتعطي لکل فئة ـ مهما صغرت ـ حقها وتمتعها بعاداتها وتقاليدها ولغتها ودينها وأرضها، وتعيد التوازن إلی الميزان المختل ـ علی الأقل لشعب جنوب کوردستان في الوقت الحاضر ـ بفعل معاهدة سايکس بيکو المشؤومة التي أضرت حتی بمصالح السنة والشيعة...

 

 إن ما جاء في نظام الأقاليم في الدستور من بنود ـ فيما لو شذب وهذب أکثر فأکثر وعلی ضوء زيادة حصة اقليم کوردستان من ثروته النفطية النابعة من أرضه ـ واصبح الناس في مأمن من مخاطرالماضي وعثراتها وبموازات الحرية والديمقراطية، وعادت کرکوک وأخواتها إلی حضن الأم بالحق والعدل بتطبيق المادة 58 بحذافيرها... أعتقد ان کل الأطراف تشعر باستقلالها الذاتي وبکيانها الخاص ضمن منظومة الإتحاد الإختياري وبالاتفاق، دون اللجوء إلی المحاکم المدنية للطلاق...

 

إن جعل اللغة الکوردية لغة رسمية بجانب اللغة العربية الحبيبة، هو ليس إنتصارا للکورد فحسب، إنما هوعامل لبناء جسر الصلة والمحبة الذي أراد الأعداء عدم تشييده‌ بين الکورد والعرب خاصة، طيلة أکثر من ثمانية عقود... وإلا کيف يحرم الأخ العربي من تعليم لغة أقرب الشعوب إليه‌ تأريخا وجغرافية ودينا وأرضا ومعاناة، ليقفز من فوقها ويتعلم لغة الأباعد أولا...

 

 إذا ما طبق نظام الأقاليم صدقا وعدلا، لتحولت بلاد کوردستان من دون ريب إلی سويسرا الشرق وبالتالی قبلة السياح والزوار کما جاء في کتب الرحلات والأسفار ... لذا لا مناص من إعداد العدة من الآن لتحتل الکوردية مکانها بجانب شقيقتها العربية علی کل واجهات الدولة الاتحادية من النقود والطوابع إلی الدوائر والوزارات والمطارات والمواقع...

 

 وابشر الشعراء العرب وأدباءهم ومثقفيهم بأنهم سوف يجدون  في واحة الأدب والشعر الکوردي ما يخلب أحاسيسهم بعذوبته ورقته وحلاوته وطراوته‌، وبذلک تتحقق بغيتهم في تذوق الجمال الذي يبحثون عنه‌، من خلال سحر بهاء کوردستان الذي خلب وفتن وسحر قلب الشاعر الکبير الجواهري...

قلبي لکردستان يهدی والفم    ولقد يجود بأصغريه‌ المعدم

 

 ولا شک أن کون اللغة الکوردية لغة رسمية ثانية في الدولة الاتحادية، سوف يساعد علی ردم الهوة والفجوة والجفوة التي أوجدتها طبيعة الأنظمة والقوانين الشوفينية بين الکورد واللغة العربية أيضا، وتزيل العقد الناشئة لديهم تجاهها بسبب نظرية الفرض القسري والإکراه‌ القرقوشي...

 

أعتقد أن من أولويات الأطراف العراقية وأخص بالذکرالأخوة من أهل السنة، أن يتفهموا غير العرب وما لهم، إذا أرادوا أن يتودد الکورد وغيرهم إليهم وحتی إلی الإسلام... فالإسلام أکبر من خنقه‌ وحصره‌ في دائرة ومأزق ولوثة العروبة وأفکار ساطع الحصري الشوفيني التي أسست علی نظرية ( العروبة أولا ) والتي ما أفرزت إلا أفکارا معادية، ولا مصلحة للاسلام في ذلک البتة...

 

 إن الشعب الأندنوسي أبعد الشعوب عن مکة والمدينة، ولکن ـ کما يقال ـ هم أکثر إلتزاما بالدين واکثر حبا لله من الأمة العربية والکوردية معا ، مع جهلهم باللغة العربية... وکأن کلما بعد الناس عن العرب وجيرانهم، کلما إزدادوا تدينا وتسليما..!

 

لقد حضرت کصحفي مؤتمرا إسلاميا جمع الاستاذ صلاح الدين بهاء الدين والدکتور علي القرداغي و عمرعبدالعزيز و ناصري سبحاني وآخرين مع اعضاء في الحزب الإسلامي العراقي المناصر لحق الکورد... وأثناء الحديث عن القضية الکوردية، إقترح واحد من أشهر العلماء المعارضين للنظام العراقي علی الحاضرين باشاعة حديث (حب العرب من الإيمان) بين الکورد حتی يتقربوا إلی العرب حرصا علی نقاوة إيمانهم وخشية من إصابتهم بلوثة الکفر... وما کان جواب القوم عربا وکوردا إلا رفض ودحض مثل هذه‌ الأفکار والأساليب الدعوية العرجاء، إضافة لکون الحديث من الموضوعات...

 

 إن قصدي من ‌‌‌ضرب المثل أعلاه‌ هو مدی الأضرار التي تلحق بالإسلام حينما تختلط المقاصد الدنيوية بالمبادئ السماوية...حتی ان المفکر المذکور لم يتمکن بعدئذ من إتمام المشوار مع الحزب الإسلامي العراقي کما سمعت، فضلا عن الکورد..ولا زلت أذکر رد أحد الحاضرين عليه‌ بقوله‌: طيب يا أستاذ ! إذا کان حب العرب من الايمان، فما موقع بغض الآخرين واستکبار العرب عليهم، من الايمان...

 

لو کان الدستور الکندي يسمح بالطلاق في حالة رفض مقاطعة ( کيوبيك ) العيش ضمن الدولة الکندية، ومن ثم ترفض الأغلبية الإنفصال عن جسد الإتحاد ( في عملية الريفراندوم ) لأنهم مرتاحون وغير مظلومين... أليس الأجدر بشعبي کوردستان والعراق العمل سوية لتحقيق ما جاء في ديباجة مسودة الدستور الإتحادي من ( ان الإلتزام بهذا الدستور يحفظ للعراق إتحاده‌ الحر شعبا وأرضا وسيادة )... وذلک لمصلحة الشعبين ومن باب سد الأعذار، بتأسيس الاتحاد الإختياري المذکور، للحيلولة دون اعلان الطلاق بموجب الريفراندوم التي جرت في کوردستان جنبا إلی جنب مع الانتخابات الماضية..؟

 

mohsinjwamir@hotmail.com