يا سادة الدستور يصاغ مرة واحدة لا تستعجلوا
فينوس فائق
من المحزن جداً أن نكون في القرن الثاني و العشرون و أن يوجد إنسان على الأرض يتعذب و لا يزال يفكر في مصيره على أرضه ، و من المحزن أكثر أن في الوقت الذي بات العالم أجمع يعرف مقدار الظلم الذي تسكبه الدول المحتلة لأرض كوردستان في حلق المواطن الكوردي و أن كل أوراق تآمراتهم باتت مكشوفة ، مع ذلك فهم ماضون في سياساتهم الظالمة ضد الكورد ، و إن ما يدعوا إلى الحزن أكثر و أكثر هو أن الكوردي هو آخر مخلوقات الله لا يزال يتعذب تحت وطأة السلطات و الحكومات الدكتاتورية و المحتلة لأرضه و أرض أجداده ، لكن مع كل هذا فإن حتى المتابع البسيط للأحداث الجارية في الأجزاء الأربعة من كوردستان الكبرى لابد و أن يربط بينها جميعاً ليصيغ إطاراً جديداً يضع فيه القضية الكوردية ، فلو بدأنا من كوردستان الملحقة بالعراق من جديد و المساعي الجارية على قدم و ساق من أجل صياغة الدستور الدائم للعراق ، فيقع المتابع في حيرة من أمره و يصيب بدوار كدوار البحر الذي يبتلع كل طموحاته و آماله بوطن آمن و أوضاع سياسية مستقرة ، و من إيماني أن الدستور لا يصاغ إلا مرة واحدة فمن الضروري عدم الإسراع حيث لم يبق على عرضها على الجمعية الوطنية إلا يومان و حتى لا نرتكب أخطاء الماضي و يتكرر التأريخ لكن بسينارو جديد.. حسب آخر الأخبار الواردة بالأمس أن قيادات التحالف الكوردستانية قد توصلت إلى حل بعض النقاط العالقة في مسألة الدستور العراقي الجديد مع قيادة الإئتلاف العراقي الموحد المتمثلة في شخص الدكتور عبدالعزيز الحكيم ، و تصريحات رئيس الجمهورية من أنه ليست هناك نقاط متنازع عليها و كأنهم متفقون على كل شيء و الحمد لله و هم ليسوا متفقون في واقع الحال ، خصوصاً عندما صرح سيادته بالأمس: "إننا قطعنا أشواطا متقدمة في تقريب وجهات النظر بين الأطراف العراقية مبينا أن المناقشات تتركز على مسالة فيدرالية إقليم الجنوب وعلاقة الدين بالدولة" ، و كأن كل مشاكل العراقيين و الكورد تتلخص في فيدرالية إقليم الجنوب و علاقة الدولة بالدين أما النقاط العالقة التي تم التوصل بشأنها إلى نوع القرار و الإتفاق فهي ثلاث نقاط: أولا: إسم العراق و رفع كلمة "إسلامية" مقابل الرضوخ لرفع كلمة "الفيدرالية" في الوقت الذي " قال فيه الصميدعي إمام وخطيب مسجد ام القرى السني في خطبة الجمعة امام عشرات المصلين: لقد قلنا ان للاخوة الاكراد في شمال البلد خصوصيتهم ما دامت فيدراليتهم ضمن البلد الواحد اما ان ينقسم البلد الى فيدراليات فذلك ما يريده اليهود والاعداء الذين تتعالى اصواتهم من اجل تجزئة البلاد ان يركنوا الى منطق العقل." إنتهى كلام الخطيب ، - ويا ليت العرب يستفيد من تجربة اليهود و تتعلم بعض الدروس في السياسة و الديمقراطية ، ماذا بهم اليهود ، و هل توجد في المنطقة بأسرها تجربة أخرى تضاهي تجربة اليهود مع الديمقراطية؟ - ، و هذا بطبيعة الحال هي نابعة من عدم وجود الوعي الكافي بمعنى كلمة الفيدرالية أو الإلمام بتعريف بسيط لها ، و كأن الفيدرالية جريمة تعاقب عليها القانون ، حيث يحمل البعض من أنصار السنة الكورد حتى ذنب دعوة الشيعة ايضاً إقامة فيدرالية الجنوب.. ثانياً: مسألة قوات البشمركة و إعتبارها قوات نظامية تابعة لإقليم كوردستان ، و أخيراً مسألة تطبيع الأوضاع في مدينة كركوك ، أنا أسأل المتابع العادي ، هل هذه هي كل النقاط العالقة ؟ أو هل هذه هي أهم النقاط العالقة من بين الثماني عشر نقاط المختلفين عليها؟ و أسأل تحديداً أحد المسؤولين البارزين الذي صرح بأنه متفائل ، هل هذا يكفي لتكون متفائلاً؟ و هل أنت متفائل حقاً؟ أم أنكم تحاولون ضبط أعصابكم؟ فهذه النقاط و حتى الطفل يعرف أنها ليست كل النقاط العالقة و لا هي أهم النقاط العالقة و هي ليس فقط عالقة و إنما واقفة في الزردوم ، فقيادة الإئتلاف العراقي الموحد تعرف جيداً أنه سواء حسمت أو لم تحسم مسألة البشمركة مثلاً على طاولة المباحثات معهم ، هي مسألة محسومة لدى الكورد أنفسهم و لا يمكن التنازل عنها ، أما و إسم الجمهورية العراقية فهو إما أنه بمثابة الضحك على الذقون أو مجاملة سياسية الهدف من وراءها إسكات السنة من جانب و من جانب آخر هو وضع حدود ضيقة للحريات و الله أعلم ، لأن كلمة الفيدرالية في الإسم بحيث يصبح الجمهورية العراقية الفيدرالية يوفر أعلى سقف للحريات في بلد مثل العراق يتطلع إلى الديمقراطية بعد تجربة النظام المركزي بكل مساوئه ، لكن الذي حدث هو أن التيار الشيعي لا يريد لسقف الحريات هذا أن يرتفع أعلى مما تنص عليه شريعة الإسلام فيما يخص حقوق الأقليات و المذاهب الأخرى و باقي شرائح الشعب و على رأسهم المرأة و تحررها.. أما و الحديث عن تطبيع الأوضاع في مدينة كركوك فهو حديث ذو شجون ، و لا يتحمل أكثر مما يقال و قيل عنه ، فحتى إذا عادت الأوضاع إلى سابق عهدها و تبين أن الكورد هم الأغلبية الساحقة من سكان كركوك ، هل سيتنازل العرب عنها لتنضم إلى حدود كوردستان؟ هل سيكف التركمان عن لعب دور المشاغب بين الكورد و العرب؟ أما إذا عدنا إلى أهم النقاط العالقة في الدستور و الدستور على وشك أن يعرض على الجمعية الوطنية بعد يومين ، فهناك العشرات و أكثر من عشرات النقاط العالقة فيه ، أهمها و على رأسها: البنود و القوانين الخاصة بحقوق الإنسان الكوردي و الشائعة التي تخص البند الخاص باللغة الفارسية و إخواننا الفرس الذين صاروا شركاء لنا في الوطن بقدرة قادر (وأقول شائعة لأنني أتمنى لا تكون واقع و نتحمل وزره في المستقبل) ، و ذلك من أجل تأمين قناة تمنح الشرعية في المستقبل لتدس إيران أنفها في كل صغيرة و كبيرة من الشؤون الداخلية في إيران و لتحمي التيار الشيعي من أي أذى في المستقبل ، و إمكانية إقامة نظام إسلامي على غرار التجربة الإيرانية ، و لتعطي الأتراك المزيد من الذرائع في التدخل في المنطقة التي يتواجد فيها التركمان بحجة حماية التركمان ، هذا بالإضافة إلى إشاعة أخرى حول بند آخر يمنح بمقتضاه الحق للعرب من غير العراقيين الحق بإمتلاك الجنسية العراقية بعد مرور عشر سنوات على إقامتهم في العراق ، و مرور عشرين سنة على إقامة الكورد من غير أكراد كوردستان العراق من ثم منحهم الجنسية العراقية ، غريب أمور عجيب قضية!! ، هذه النقطة لن أعلق عليها حتى لا يقال أنني كوردية و أدافع عن الكورد ، أتركها للقاريء الذكي نفسه و أتمنى أن تبقى قيد إشاعة و لا تتحول إلى واقع مر يعمق حالة عدم الإتفاق الكوردي العربي في المستقبل في بلد واحد يجمعهم مرغمين و يتعايشون معاً على مضض.. هذا بالإضافة إلى ما يخص وضع المرأة في القوانين العراقية و إعتماد القوانين النابعة أسسها من الشريعة الإسلامية في منحها حقوقها الإنسانية في كل المجالات ، و هذه المسألة تعتبر في نظري من أهم النقاط الأساسية التي إذا ما تم حلها بشكل حضاري و علماني حقيقي ، فإن باقي الأمور الأخرى ستحل دون عناء ، لأن نظاماً قائماً على اساس الشريعة الإسلامية كمصدر أساسي للتشريع "و أستبعد إمكانية أن يكون المصدر الوحيد أو هكذا أتمنى" ، إذا حدث و إعترف هذا النظام بحقوق المرأة كاملة في كل المجالات و منحها حقوقها كافة و ساواها بالرجل و فتح أمامها أبواب كل الحريات الإنسانية فإنه سيثبت بطبيعة الحال للعالم أجمع أنه نظام تقدمي و حضاري و تنسجم توجهاته و تطلعاته مع روح العصر ، لذلك لن أشك للحظة أن تبقى أي مسألة أخرى بعد ذلك عالقة ، على الأقل لأن نصف المجتمع أخذ حقوقه بالكامل ، لكنني متشائمة بهذا الخصوص و أقولها بصراحة و لا أرى أي بصيص أمل ، و هذا سيخلق هوة كبيرة بين وضع المرأة في كوردستان التي لن ترضى بطبيعة الحال بنصيبها من الحقوق بين سطور دستور تعلق عليه آمالاً كبيرة ، و لأن الجزء الأكبر من الحيف و الظلم الواقع عليها كان يأتي دائماً بإسم الدين من ظلم المجتمع و من إبادة بإسم الدين وسلب كامل حقوقها الإنسانية بإسم الدين ، و بين المرأة في باقي أجزاء العراق التي أحرزت تقدماً لابأس به في مجال ممارسة حقوقها و تأسيس منظمات نسوية مستقلة تدافع عن حقوق المرأة بقوة و تنتصر للمرأة التي نالت الجزء الأكبر من ظلم المجتمع و تعاليم الدين إلى جانب ظلم الحكومات المستبدة بحقوقها الإنسانية المشروعة.. من هنا وجبت الإشارة إلى أن ما يحدث الآن في كوردستان الجنوبية تزامنا مع ما يحدث في كوردستان الغربية و تأزم وضع الأكراد في ظل النظام السوري منذ أحداث قامشلي و حتى اليوم إلى درجة الغليان ، بالإضافة إلى الإشتباكات بين القوات النظامية الإرانية و المتظاهرين الكورد إثر إغتيال الناشط السياسي الكوردي شوان سيد قادر بعد تعذيبه بوحشية في السجون الإيرانية ، وصولاً إلى كوردستان تركيا و الأحداث الدامية الأخيرة و المصادمات العسكرية بين الأكراد في دياربكر و قوات الجيش التركي و قتل المئات من الجانبين و أخيراً تصريحات أوردوغان و إعترافه بأن التورك إرتكبوا أخطاءاً سياسية تجاه الكورد و سيصلحونها ، لكن كيف؟ الله أعلم!!.. فلو ربطنا كل هذه الأخبار ببعضها البعض و صغنا خبراً مستقلاً عن كوردستان الكبرى لخرجنا بسطر واحد و هو "أن كوردستان الكبرى على مشارف النهاية ، أو أنها تبدأ العد التنازلي إلى النهاية..." و هذه بوادر لو أخذناها بعين الإعتبار نصل إلى نتيجة نتطلع إليها جميعاً و هي أنها ربما هي بداية النهاية ... فالمخاوف من إمكانية قيام دولة كوردية مستقلة ستبقى قائمة لحين قيام تلك الدولة ، و لن تنتهي تلك المخاوف بصياغة الدستور و لن تنتهي بقمع الشعب الكوردي في غرب كوردستان على يد النظام السوري و لا بقتل الثوار و النشطاء السياسيين الكورد على يد النظام الإيراني المستبد ، في الوقت الذي يواصل فيه هذا النظام مساعيه لإقناع الشعب الكوردي و المجتمع الدولي أنه تخلى عن برنامج تطوير أسلحته النووية و سيلتزم بواجباته الخاصة بمنع إنتشار الألسحة النووية ، في حين أنه في أمس الحاجة في الوقت الحاضر إلى هذه الأسلحة لقمع الحركة الكوردية في إيران ، و لن تنتهي تلك المخاوف بوعود فارغة يطلقها أوردوغان ، تلك الوعود التي تخفي تحتها تهديدات بالمزيد من القمع و القهر للشعب الكوردي في كوردستان الشمالية.. و إلى أن تبدأ بدايات أخرى نحو النهاية تبقى هوية العراق ، الهوية القومية للأكراد و اللغة و إسم الدولة ، و علاقة الدين بالدولة و مسألة كركوك و كونها تأريخياً و جغرافياً و ديموغرافياً جزء من كوردستان و حقوق المرأة و تحررها وحق تقرير المصير و بيان حدود كوردستان بالقلم و الورقة و العودة إلى إرادة الشعب الكوردي في حال قرر هذا الشعب الإنفصال ، كل هذه أمور تبقى عالقة ، حتى و إن صيغ الدستور و حتى و إن كان رئيس الجمهورية كوردي ، و لن تنتهي هذه النزاعات إلا إذا جلس كل في داره و في ظل حكومته المستقلة..
|