التنازل عن حق تقرير المصير بخط اليد ،يعني أن الكورد قاصر و يحتاج إلى وصاية و الله المعين

فينوس فائق

   

هولندا

Venusfaiq@yahoo.co.uk

لم يكن لنبأ تنازل الكورد عن حق تقرير المصير وقع الصدمة في نفسي صباح اليوم الأحد المعروف بأنه من الأيام الكئيبة في الأسبوع ، لأنه يتوقف فيه النشاط الإنساني بإسم كذبة أخذ قسط من الراحة ، في حين أن نفوسنا لا ترتاح و لا تهدأ مع سماعنا بهذه الأنباء التي تسم الأبدان و تجعلها تصاب بالقشعريرة ساعة بساعة.. فالذي حز في نفسي أن ما تنبأت به قبل عدة شهور أثبت صحته ، مع أنني لست بنبية و لا أفهم شيئاً في السياسة و التحليل السياسي ، وحتى أنني أجهل كيف تصنع كراسي الحكم و من أي خشب تصنع تلك الكراسي ، و أجهل كل ما يمت بصلة إلى كلمة برلمان و فيدرالية و حقوق و كيفية توزيع المناصب الحكومية و الحقائب الوزارية و لا حتى أعرف ماذا تحتوي هذه الحقائب و كيف تقوم الحكومات و تسقط ، و حتى أجهل ماذا تعني المفاوضات السياسية و الأجندات السياسية ، و أجهل أيضاً تعريفاً بيسطاً لمعنى كلمة الديمقراطية و الحقوق الإنسانية و تحقيق العدالة و المساواة ، و أجهل أيضاً أن تكون حاكماً كيف تكون عادلاً و كيف تدافع عن حقوق من منحوك ثقتهم و تعود إلى مشورتهم في إتخاذ القرارات التي تخص مصير و مستقبل من تنوب عنهم أمام الله و الضمير الإنساني !!

لكنني تنبأت و بسذاجة أن الكورد هذه المرة سيخرج من المولد فعلاً و بإصرار بلا حمص ، كما قالها العقيد معمر القذافي ذات مرة ، و يا ليته كان حمص فقط ، إنه حق تقرير المصير ، و أي مصير؟؟ لكن ما ظل حسرة في نفسي أن أسأل أحد المسؤولين الكورد من كلتا الإدارتين: و متى كان الكورد صاحب حق حتى يتنازل عنه؟ ثم كيف تتنازلوا عن مطلب دون العودة إلى كلمة الشعب؟ و لماذا تنازلوا ؟ و إذا عرف السبب بطل العجب و لا حتى أريد أن أعرف السبب لأن ما من سبب يمنح الإنسان الحق بأن يتنازل و في لحظة هكذا و في غفلة من الشعب عن أهم مطلب من مطالبه التأريخية..

كان الكورد منذ القدم و حتى اليوم يُجبر على التنازل ، لكن الفرق هو أنه عندما كان يتنازل بالأمس كان يتنازل من موقع الضعيف المحتل ، غير أنه اليوم يتنازل و هو في موقع القوي ، يتنازل و كل العالم على علم بعدالة قضيته ، يتنازل و هو يشارك بنفسه في صياغة الدستور أي أنه يلغي بخط يديه أكبر حق من حقوقه ، و هو حق تقرير المصير و تلك هي قمة الضعف و المأساة ، هذه ليست سوداوية و لا تشائم ، بالعكس هو واقع مر و تنبئنا له منذ شهور و شهور..

حسب علمي أن تقرير المصير هو نهاية مطاف الحقوق الإنسانية و السياسية و القومية و التأريخية التي ناضل من أجلها الكورد و ضحى من أجله بخيرة ابناءه شهداءاً طوال سنوات من الكفاح و النضال المسلح من أجل تحقيق قدر من الكرامة القومية و الوطنية على أرض أجدادنا ، فأن تتنازل عن حق تقرير المصير تعطي الذريعة الكافية لكي تُسلب حقوقك الواحد بعد الآخر و بشكل منتظم ، فإذا لا أملك أن أقرر عن مصيري ، فذلك يعني كتحصيل حاصل أنني قاصر و لست أهلاً لأن أحكم نفسي..

لا أدري أي حق سيحصل عليه الكورد بعد أن تخلى عن حق تقرير المصير ، و بعد أن قبل بأن يكون الدين الإسلامي هو أساس التشريع في الدستور العراقي ، ذلك الدين الذي قُمعنا و قُتلنا (بضم القاف) و أحرقت قرانا بإسمه في الماضي القريب ، فهاتين النقطتين تكفيان لقمع الشعب الكوردي بحضارية و أمام أنظار العالم و الكورد هم الدين سلموا العراقيين العصا التي سيُضربون بها مرة أخرى و أمام أنظار العالم ..

فكل الجرائم البشرية الكبرى في التأريخ حدثت تحت إسم الدين و اليوم زاد الكورد عليها ذريعة أخرى بتنازلهم عن حقهم في تقرير المصير ، أعود و أسأل و بإصرار هل عاد القادة الكورد إلى إرادة الشعب الكوردي عندما تنازل عن أكبر حق من حقوق الكورد؟ و بإسم من أعلنوا ذلك التنازل؟ و هل يتصور القادة الكورد أنهم بذلك حققوا العدالة للشعب الكوردي؟ و هل أن التنازل عن حق تقرير المصير سيحفظ كرامة الكورد بعد الآن ، حسب علمي أن التنازل عن حق تقرير المصير ليس أقل قسوة من التنازل عن الكرامة الإنسانية و القومية داخل بلد عدنا نعيش فيه مُجبرين.

و هنا لابد من الإشارة إلى الموقف الأمريكي الذي تغير بين ليلة و ضحاها ، الأمريكان الذي ظن الكورد قبل الكل أنه حريص على حقوقنا و أنه الحليف الأقوى لنا في التأريخ ، الأمريكان الذين هم أصحاب فكرة الإرهاب و زرع بذورها في المنطقة كلها ، ليلعبوا دور المحارب المخلص للإرهاب ، هاهم يتنصلون كعادتهم من وعودهم مع الكورد ، و الذي ظن البعض أن الكورد هو الطفل المدلل لأمريكا ضمن خارطة العراق ، و ها هو يعطي ظهره للكورد من أجله إبنتها البكر الشيعة شقيقة الجارة إيران ، لأن أمريكا تحتاج إلى دول و لا تحتاج إلى أرض مقسمة بين أربعة دول ، تحتاج إلى الدول التي تتقاسم كوردستان و لا تحتاج إلى كوردستان المقسمة ، تحتاج إلى الذئب و لا تحتاج إلى الفريسة ، هكذا هي السياسة ، لا أمان في السياسة و الذي سبق و وصل إلى حظن أمريكا نابه النصيب الأكبر من الحقوق و من النفط فالواردات التي سيجنيها العراقيون من النفط العراقي سيحصلون على نصيبهم منها من جيب أمريكا ، فلا أعتقد أن هناك آذاناً بعد اليوم ستصغي إلى الكورد و لا إلى مطالب الكورد ، و حتى كركوك بالإمكان منذ الآن قراءة الفاتحة عليها خصوصاً بعد أن أفتى بشأنها آية الله السيستاني بعد طول صمت كأنه جص نبض و عاد مكتبه ليكذب الفتوى ، و يليها مباشرة التنازل التأريخي الكبير ، و كأنه إنذار بإن التنازلات الكبيرة تجر وراءها تنازلات أكبر و كركوك هي المحطة القادمة في التنازلات الكبيرة و أتمنى أن أكون مخطئة..