الفنانة الكبيرة مه رزيه فه ريقي توّدع عشّاق فنّها الأصيل
أحمد رجب
قبل عمليات الأنفال السيئة الصيت كان مقر حزبنا الشيوعي العراقي في الوادي الذي يقع خلف قرية جالاوه في منطقة دولي جافايه تي وتقع مقرات الإتحاد الوطني الكوردستاني في سه ركه لو وتمتد إلى قرية كابيلون، وكان الإخوة من كوردستان الشرقية الملحقة قسرياً بإيران يتمركزون في الوادي بين قريتي مالومه وجوخماخ، وكنا نسمع بأن عدداَ كبيراً من فناني شعبنا الكوردي من أمثال ناصر رزازي ونجم الدين غلامي ومه رزية فه ريقي وآخرين يتواجدون هناك ولهم دور ريادي في الأناشيد الوطنية والثورية التي تلهب حماس الأنصار البيشمه ركة وتساهم في رفع معنوياتهم ضد الأعداء المجرمين والأنظمة الدكتاتورية البغيضة. كان المواطنون من سكان القرى وغالبيتهم من الفلاحين يتعجبون من رؤية ووجود نساء يحملن الأسلحة المختلفة كالرجال، ولكن بمرور الأيام وإلقاء المحاضرات من قبل البيشمه ركه الأنصار وتثقيف الناس أصبحت الحالة عادية، وعند جولاتنا ومرورنا بقرى المنطقة كنا نسمع من الأهالي قصصاً عن جسارة وشجاعة المرأة المقاتلة ومساهمتها في توعية أخواتها الفلاحات وتقديم الإرشادات والمساعدات لهن، وخاصةً الطبية وحقوق المرأة، وكانوا يتحدثون عن إمرأة اسمها مه رزيه تأتي في المقدمة في تقديم الخدمات والمشاركة في الفعاليات الفنية. بعد سنوات شاء القدر أن ألتقي مع الأخ مسعود فريقي في السويد، وكنت آنئذ أعمل في مركز الكومبيوتر محرراً ومترجماً مع الصديقين العزيزين ابراهيم محمود والشاعر المعروف عبد الستار نور علي في مجلة مونديال، وتعززت علاقتي تدريجياً بمسعود إذ انخرط في دورة تعليم الكومبيوتر في مركزنا، وتوثّقت هذه العلاقة عندما كنت أزورالجمعية الكوردستانية في المدينة إذ رأيت مسعود فنَاناً ماهراً في تعليم الدبكات الكوردية المختلفة والمتنوعة مع أنواع من الرقص، ومرت الأيام وسألت مسعود عن حياته الفنية وقال بدأت من المدرسة فمعهد الفنون، ومن ثمّ من العائلة والمحيط، وأشار بأن أخواته مه رزيه وليلى تغنيان، وأن زوج أخته الكبرى مه رزيه هو الفنان ناصر رزازي. قبل أكثر من عشر سنوات وعن طريق مسعود وإقامة الحفلات تعرفت على الفنان الكبير ناصر رزازي وزوجته الفنانة القديرة مه رزيه وأختها الفنانة ليلى. كانت مه رزيه إنسانة رائعة وصادقة مع نفسها وشعبها، وأماً حنونة، ومثقفة تتحدث عن الفلاحين الكورد الذين وقفوا بصمود في وجه كل التحديات، وكانت تعتبرهم وقوداً لديمومة الثورة للخلاص من الدكتاتورية والوصول إلى الهدف المنشود، وتتذكر بطولاتهم عند تقدم القوات الحكومية لمقاتلة الأنصار وحرق قراهم ومزروعاتهم ونهب ممتلكاتهم، وبالرغم من هذه الحقائق لم يتخوفوا قط، بل استمروا بإسهامهم الفعّال في نقل الماء والأكل للأنصار أثناء هذه المعارك ضد الطغاة، وهي تتحدث عن دور المرأة ومساهمتها في تربية الأطفال كأم، تربية صحيحة، والإنخراط في العمل جنباً إلى جنب مع الرجل في تحمل الأعباء في الحقل وميادين الشرف والقتال. نعم كانت مثقفة واعية تتحدث عن الحرب والسلام، وتقف بقوة وصلابة في محاربة الإمبريالية، وتؤكّد دائماً بأنّ من أشنع جرائم الإمبريالية بحق البشرية سباق التسلح الذي أججته على نحو لم يشهد له التاريخ مثيلاً، ودعت بصورة مستمرة إلى تصعيد النضال المعادي للإميريالية ومن أجل وقف سباق التسلح ومخاطر الكوارث النووية، وفي المقابل تحدثت عن السلام امل البشرية وضرورة العمل في سبيل ترسيخ دعائم السلم والصداقة بين سائر الشعوب، وهي تناشد الجميع رجالاً ونساءً للنضال على تحرير الأرض والوطن وبناء حياة جديدة ومجتمعات مدنية متقدمة تحترم حقوق الانسان وتناضل في سبيل درء الحروب، وحل المشاكل الكونية كالمجاعة والبطالة والأمراض وصيانة البيئة وكل ما يؤدي إلى إستمرار الحياة وإزدهارها. كانت الفنانة القديرة مه رزيه فه ريقي التي جاءت إلى الحياة عام 1958 في مدينة مريوان في كوردستان الشرقية تحب الموسيقى والأغانى الكوردية منذ سنوات طفولتها، وبعد ذهابها إلى الدراسة في مدينة سنة إهتمت بشكل كبير بقضايا الفن، وخاصةً في مجال الموسيقى والغناء والمسرح إلى أن أصبحت معلمة عام 1977 في إحدى القرى القريبة من المدينة، وعند قيام الجماهير الشعبية بالإعداد للثورة ضد الشاه تقدمت الصفوف الأولى في المظاهرات والإحتجاجات، وبعد إرتباطها وزواجها من الفنان الكوردي الكبير والمعروف ناصر رزازي عام 1978 زاد نشاطها، وعند قيام الثورة في إيران واظبت في النضال مع زوجها وجماهير الشعب من أجل تحرير كوردستان، وأصبحت واحدة من المناضلات الكورديات التي وقفت بحزم وشجاعة ضد نهج الحكام الجدد الذين استطاعوا من إعتقالها وتعذيبها بوحشية، وبعد إطلاق سراحها وعودة أزلام الجمهورية الإسلامية عام 1980 إلى بسط سيطرتهم على مدن كوردستان إضطرت المناضلة مه رزيه إلى ترك مدينتها والتوجه إلى جبال كوردستان الشماء لتحمل السلاح مع زوجها ولكي تصبح مقاتلة في صفوف البيشمه ركة البواسل، ودعت بإستمرار إلى التصدي الحازم لكل الأساليب الفاشية التي يمارسها جلادوا الأنظمة الدكتاتورية في المنطقة ومرتزقتها، كما دعت إلى النضال من أجل الخلاص من شبح الموت الذي يبّثه حكام الدول الرجعية المارقة المجرمون وإرهابهم المقيت وحربهم القذرة ضد الكورد في جميع أجزاء كوردستان المشتتة بين الدول. كانت مه رزيه فه ريقي ناشطة سياسية تشارك في جميع النشاطات التي من شأنها إبراز الحقوق القومية للشعب الكوردي والدفاع في نفس الوقت عن حقوق ومظلومية الشعوب الأخرى التي تعيش جنباً إلى جنب مع الكورد، كما شاركت في اللقاءات والمقابلات التي أجرتها معها ألإذاعات ومحطات التلفزة والفضائيات، وكانت تركز على محاربة الأنظمة الفاسدة التي تريد من خلال دكتاتورياتها المتوحشة المفعمة بالشوفينية والعنصرية، أو من خلال إستغلالها للإسلام إبادة الشعب الكوردي بإستخدام الأسلحة الفتاكة، ومنها الأسلحة الكيمياوية المحرمة دولياً، ومن خلال شن عمليات الأنفال القذرة وهي تشير إلى مجازر البعث في حلبجة ( هه له بجه ) وسيوسينان وشيخ وسان ومناطق بادينان، ومجازر نظام الملالي والاسلامي في قارنا وباوه وسنة وعدم الإكتفاء بإزهاق أرواح أبناء الشعب الكوردي داخل أرضهم المغتصبة من قبل جمهورية إيران الإسلامية، واللجوء إلى أساليب ماكرة بإرسال العملاء وأزلام المخابرات إلى أوروبا لاغتيال القادة الكورد، وفعلاً نفذوا جريمتهم البشعة بإغتيال القائد الدكتورعبدالرحمن قاسملو سكرتير الحزب الديموقراطي الكوردستاني ـ إيران، والدكتور صادق شره فكندي الذي أصبح هو الآخر سكرتيراً للحزب ورفاقهما الأبطال. وأخر جريمة للنظام الاسلامي الايراني قتل المواطن الكوردي كمال اسفرين المعروف باسم (شوانه) في مدينة مهاباد، وأن هذه الجريمة أدت إلى قيام المظاهرات والإحتجاجات ضد نظام الملالي وآيات الله في جميع أجزاء كوردستان الأمر الذي أدى بالسلطات القمعية إلى ضرب الجماهير واعتقال الناشطين الكورد واستشهادهم في المواجهات مع الزمر الحاقدة أو تحت التعذيب الوحشي. كانت الفقيدة تتحدث عن الحكومة البعثية في سوريا والتي تحولت من أسد إلى دمية في الأوساط الدولية، ولكنها تملك في الداخل أسلحة فتاكة لقتل أبناء وبنات الكورد، وهي تشير إلى الأحداث التي افتعلها المجرم كبول محافظ الحسكة على إثر مباراة كرة القدم وسقوط عدد من الكورد شهداء، وهي تؤكد بأنّ الحكومة السورية ستسقط، ومهما تفعل فانها لا تستطيع من وقف الغليان الكوردي، وسوف يخسر البعثيون نظامهم الإجرامي العفن مثلما خسروه في عراق المجرم صدام حسين. ووقفت فقيدة الفن الكوردي الأصيل بشدة إتجاه ممارسات أيتام أتاتورك، وكانت تقول بأنّ تركيا بلد يتعرض فيه الناس المدافعون عن المثل المعادية للحرب القذرة التي يشنها ضد الكورد إلى إضطهاد شرس، وان جهاز الدولة التركية، جهاز ممركز، ويتمتع بصلاحيات ذات طابع فاشي، وامّا موقف تركيا فقد ظلّ محكوماً بمصالحها ومطامعها وعدائها للحقوق القومية للشعب الكوردي داخل وخارج حدودها، وكانت الفقيدة تكرر دائماً بانّ الحكومة التركية اتخذت من نشاطات حزب العمال الكوردستاني في تركيا ذريعة مفضوحة لإجتياح حدود كوردستان والعراق أكثر من مرة. ان وفاة الفنانة الكبيرة مه رزيه فه ريقي خسارة كبيرة للفن الكوردي الأصيل، كما أنها خسارة لحقوق المرأة الكوردستانية لأنها كانت تدافع بنشاط في سبيل حقوقها والعيش بكرامة. خسارة للثقافة الكوردية، خسارة لنا جميعاً. انّ من يعرف هذه المرأة عن قرب ينحني إجلالاً لها ولفنها وعملها من أجل خير الإنسان وتقدمه. أنّ مه رزيه فه ريقي ستبقى خالدة وهي لم ترحل، ان سماع أغانيها وكلماتها وأناشيدها الوطنية والثورية تساهم بلا شك الإستمرار في النضال من أجل تحقيق العدالة الأجتماعية وتحرير الأرض الكوردستانية وتحقيق تطلعات الشعب الكوردي. لكم يا فنان شعبنا الكوردي الكبير ناصر ره زازي، يا مسعود فه ريقي، يا أهل الفقيدة الغالية، يا فناني الكورد وكوردستان، يا أهل الفن في كل مكان، يا محبي وعشاق صوت الفقيدة التعازي الحارة بهذه المناسبة الأليمة. لكم أيتها العظيمة والمناضلة باقات النرجس والتحايا الحارة ومشاعر أبناء وبنات شعبكم الجيّاشة. لكم الخلود. 20/9/2005
|