إلى متى تبقى المأساة في العراق ؟؟

أحمد رجب


يشهد العراق يومياً مأساة مروعة قلّ نظيرها في تاريخ الأمم والشعوب من حيث البشاعة ووحشية الإرهابيين والظلاميين القتلة لسفك دماء المواطنين الأبرياء أمام العالم كله الذي يشهد هو الآخر وقائع وحقائق هذه المأساة الإنسانية والممارسات الفظيعة عبر شبكات الأعلام المقروءة والمسموعة والمرئية في الوقت الذي تقف الأجهزة الحكومية المختصة عاجزة عن حماية أمن هؤلاء المواطنين والعمل على إستقرار البلاد ووضع حد للمجرمين على إختلاف مسمياتهم.

في الظاهر ومن دون شك تتخذ الحكومة العراقية بين حين وآخر بعض الإجراءات الناقصة والمشلولة وسط تصريحات نارية من المسؤولين عن توفير الأمن وإستقرار الوضع، لكن النتائج تظهر عكس أقوالهم، ويتلمّس المواطنون بأن إجراءات الحكومة تبعث الإستياء والتذمر لديهم، وتؤثر على مزاجهم، ويوماً بعد يوم يتوّسع نطاق الإستياء والتذمر، ويتسم بنوع من الشمولية، وهم يتهمون المسؤولين الحكوميين، ويصفونهم بأنهم فقدوا المصداقية، وبأنّ الوضع يسير نحو الأسوأ، ويتجلّى ذلك في حالة الإنفلات الأمني التي تحمل في طيّاتها نوعاً من التراخي والتفكك.

انّ المواطنين العراقيين يتحّدون الإرهاب والإنفلات الأمني هذا من جانب، وفي الجانب الآخر يردّد المسؤولون بأنّهم استطاعوا وضع اللبنات الأساسية لإستقرار واستتباب الأمن من خلال عبارات الفخفخة وشعارات فضفاضة وتصريحات فيها كيل المديح والثناء لأنفسهم وصرف أموال الدولة دون  رقيب ودون قرارات كهبات وتبرعات هنا وهناك، والتهافت على شراء الذمم بغية إعدادهم وتهيأتهم لخوض الإنتخابات القادمة، والحصول على أصواتهم وأصوات مؤيديهم، لكي يكون بمقدورهم البقاء في مناصبهم، أوالعودة مرة ثانية إلى قيادة البلاد، وعلى أساس المحاصصة الطائفية التي رفضها العديد من العراقيين الذين سيرفضونها بلا شك بكل قوة وبأعداد أكبر وأكثر، وهم عندما يقولون نتحّدى الإرهاب، وكلا كلا للإرهاب، يقولون لا لحكومة مبنية على أساس المحاصصة الطائفية.

لقد دعت الحكومة العراقية كما تدعو الآن حكومات دول الجوار الرجعية عدم التدخل في شؤون العراق، والعمل على منع تسلل الإرهابيين من عبور حدودها ودخول العراق مع سياراتهم المفخخة وأحزمتهم الناسفة لقتل الناس الأبرياء، وهي تدعوا كل القوى الخيّرة في العالم الوقوف إلى جانب العراقيين لطرد الإرهابيين القتلة والظلاميين المرتزقة، ووضع حد لنزيف دمائهم التي تراق هدراً كل يوم.

انّ الأوساط الفكرية لدى الحكومات الرجعية وفي طليعتها الوسط الفكري العربي تصّر على مواصلة السير في إتجاه معاداة العراق، والمطلوب من القائمين على إدارة هذه الأوساط الصحوة والإيقاظ ونبذ الأعمال المشينة، والإبتعاد عن ترديد عبارات القوة والشعارات الحماسية والتحريض المستمر على قتل أبناء العراق، وليّعلموا بأنّ العالم قد تغيّر والشعوب لا تريد إرهابيين، ولا تقبل عودة الحكام الجائرين وعودة الأنظمة الدكتاتورية.

وللتخلص من الكوارث والمآسي اليومية التي يشهدها العراق، ومن أجل إنقاذ الشعب العراقي يجب التوّجه لتحريك الرأي العام العالمي ومناشدة الهيئات الدولية وفي مقدمتها الأمم المتحدة والمؤسسات الإنسانية التي تعمل من أجل حقوق الإنسان ومنظمات الصليب الأحمر تقديم الدعم والعون المادي والمعنوي للعراقيين، ودعم الجهود التي تحارب الإرهاب، والمطالبة بمنع التدخل في شؤون العراق من قبل دول الجوار ذات الأنظمة الرجعية والشمولية.

انّ ما تقوم به عصابات القتل والإجرام الجبانة من أعمال وحشية بواسطة السيارات المفخخة والأحزمة الناسفة وزرع العبوات والمتفجرات بإبادة المواطنين الأبرياء جماعياً، مثل قتل الناس في الأماكن والتجمعات الجماهيرية كالأسواق وقتل العمال في المسطر وهم يبحثون عن قوتهم اليومي، أو قتل الناس في صالونات الحلاقة ما هي إلا جرائم قتل جماعي، وانّ هذه الأعمال هي جرائم بحق الإنسانية.

انّ وحدة موقف الأحزاب الوطنية والقوى السياسية وتكثيف الجهود لتطوير امكانات البلاد الذاتية في الميادين العسكرية والامنية، وبضمنها المعلوماتية، والكف عن الممارسات السلبية بالتطهير الطائفي، واعتماد الحوار السياسي وتعزيزأواصر الصداقة المتينة والأخوة الصادقة بين الشعوب والقوميات صغيرها وكبيرها في العراق تضيق الخناق على الأعداء، وتفوّت عليهم الفرص لتنفيذ ما في جعبتهم.

ويتطلع الشعب العراقي الذي يناضل في ظروف غاية في الصعوبة والقسوة إلى دعم وإسناد كل القوى والمنظمات التقدمية وكل الأخيار في العالم وأنصار العدالة وحقوق الإنسان في كل مكان إلى دعم وإسناد نضاله العادل من أجل وقف الأعمال الوحشية والهمجية، ومنع تسلل الإرهابيين المجرمين دخول العراق، لكي يعيش أبناء هذا الوطن بسلام وطمأنينة.

وفي مثل هذه الظروف القاسية يوجد إجماع عراقي على ما هو أهّم، وهو القلق على البلد بأن لا يكون فريسة الأطماع الخارجية، والقلق على الشعب أن لا يركع أمام تحديات الإرهابيين من السلفيين والوهابيين وبقايا زمر البعث الساقط، وأن تتخلّص الحكومة العراقية من الوضع المزري حيث يستشري الفساد في مفاصل الدولة المختلفة إلى حد دفع البعض أن يتاجروا بالعراقيين وأموالهم في سبيل مصالحهم الخاصة، وأن يبقوا على رأس الحكومة، أو أن يبرزوا على الساحة من جديد، والعراقيون يريدون مثلاً أن يتبّرع السيد ابراهيم الجعفري لشهداء جسر الأئمة، ولكن لا بكل رواتبه، كما يريدون أن يرسل أياد علاوي مساعدات إلى مواطني تلعفر، ولكن لا بعدة شاحنات، لأنّ هؤلاء العراقيين قد إحتاروا ويقولون في قرارة أنفسهم كيف يعيش رئيس الوزراء وعائلته بدون راتب، وينطبق هذا القول على علاوي أيضاً، وهم في نفس الوقت يتساءلون من أين يأتي رئيس الوزراء السابق، ورئيس الوزراء الحالي بالمال ؟.مجرّد سؤال لا غير.

                                                               23/9/2005